الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللشيطان حظا؛ وللفساد جوا؛ وهذا ما جذب قلبك إلى الأشرار؛ وإذا رأيتك تميل إلى الأخيار؛ وتحب مجالسهم وتنجذب نفسك إليهم؛ مع علمك بسوء سيرتك واعوجاج طريقتك؛ فأدرك أن فيك بقية من الخير؛ ولا يزال فيك أمل. فربّ هذه البقية؛ وقوّ هذا الأمل؛ حتى يرحل عنك الشر؛ وتدخل بجملتك في حزب الخير.
وكذلك إذا كنت طاهرا برا نقيا؛ ورأيت في نفسك بعض الميل للمجرمين، أو الركون إلى الظالمين فاعرف أن الشيطان قد نفث فيك نفثة، وثغر في قلبك ثغرة، فتحضن منه، وقل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ- الصبح- مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ- ليل إذا دخل- وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ «1» . فالحديث يبين لنا طبيعة من طبائع النفوس؛ لننتفع بها، فنجنبها الشر، ونغمرها بالخير.
41- باب: برّ الوالدين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحقّ بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟ قال:
«أمّك» ، قال: ثم من؟ قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟ قال: «أبوك» . [رواه البخاري ومسلم]«2» .
اللغة:
الصحبة والصحابة مصدران: بمعنى المصاحبة، وهي الملازمة، والأصل فيها أن تكون بالبدن، وقد تكون بالعناية والاهتمام كما هنا.
الشرح:
هذا الحديث يدل على أن لكل من الأبوين حقا في المصاحبة الحسنة؛ والعناية التامة بشؤونه وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً «3» ، ولكن حق الأم فوق حق الأب بدرجات، إذ لم يذكر حقه إلا بعد أن أكد حق الأم تمام التأكيد، بذكرها ثلاث
(1) سورة الفلق.
(2)
رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: من أحق الناس بحسن الصحبة (5971) . رواه مسلم في كتاب: البر والصلة، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به (6447) .
(3)
سورة لقمان، الآية:15.
مرات، وإنما علت منزلتها منزلته مع أنهما شريكان في تربية الولد هذا بماله ورعايته؛ وهذه بخدمته في طعامه وشرابه، ولباسه وفراشه و
…
إلخ.
لأن الأم عانت في سبيله ما لم يعانه الأب، فحملته تسعة أشهر وهنا على وهن، وضعفا إلى ضعف؛ ووضعته كرها؛ يكاد يخطفها الموت من هول ما تقاسي، ولكم كان بدء الحياة لوليد نهايتها الأم رؤم «1» ، وكذلك أرضعته سنتين، ساهرة على راحته، عاملة لمصلحته وإن برحت بها في سبيل ذلك الآلام وبذلك نطق الوحي:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً «2» ، فتراه وصّى الإنسان بالإحسان إلي والديه؛ ولم يذكر من الأسباب إلا ما تعانيه الأم إشارة إلى عظم حقها.
ومن حسن المصاحبة للأبوين الإنفاق عليهما طعاما وشرابا، ومسكنا ولباسا؛ وما إلى ذلك من حاجات المعيشة، إن كانا محتاجين. بل إن كانا في عيشة دنيا أو وسطى؛ وكنت في عيشة ناعمة راضية فارفعهما إلى درجتك أو زد. فإن ذلك من الإحسان في الصحبة. واذكر ما صنع يوسف مع أبويه وقد أوتي الملك إذ رفعهما على العرش بعد أن جاء بهما من البدو. ومن حسن الصحبة بل جماع أمورها ما ذكره الله بقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً «3» فامنع عنهما لسان البذاءة «4» ، ولو بالهنات «5» الصغيرة. وجنبهما أنواع الأذى. وألن لهما قولك؛ واخفض لهما جناحك؛ وذلل لطاعتهما نفسك؛ وأذك في روحك العطف عليهما؛ والرحمة بهما. ورطّب لسانك بالدعاء لهما من خالص قلبك وقرارة نفسك وقل: ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا، ولا تنس زيادة العناية بالأم، عملا بإشارة الوحي؛ ومسايرة لمنطق الحديث.
(1) رؤوم: رئمت الأنثى ولدها: أحبته وعطفت عليه ولزمته فهي رؤوم.
(2)
سورة الأحقاف، الآية:15.
(3)
سورة الإسراء، الآيتان: 23، 24.
(4)
البذاءة: بذأ: فحش قوله.
(5)
الهنات: ج الهن: كناية عن شيء يستقبح ذكره لصغره.