الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» فأمر عباده المؤمنين بطاعته. وطاعة رسوله. وأولي الأمر فأفاد أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
لأنه إذا أمر بمعصية فأطعناه لم نحقق طاعة الله وطاعة الرسول. فكانت الآية شاهد ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لا طاعة لأولياء الأمور. فيما فيه مخالفة الله أو الرسول.
أولو الأمر:
هم الذين وكل إليهم القيام بالشؤون العامة. والمصالح المهمة.
فيدخل فيهم كل من ولي أمرا من أمور المسلمين: من ملك ووزير. ورئيس ومدير.
ومأمور وعمدة. وقاض ونائب وضابط وجندي وقد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على كل مسلم السمع لأوامر هؤلاء. والمبادرة إلى تنفيذها. سواآ كانت محبوبة له. أم بغيضة إليه وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ «2» فإذا دعونا إلى الحرب. وبذل المال في سبيلها لبّينا الطلب. وإذا طالبونا بالضرائب المشروعة دفعناها. وإن طلبوا منا المساعدة على حفظ الشواطىء والمزارع من المياه الطاغية «3» أجبنا. وإن رغبوا في معونتنا لأهل بلد اجتاحهم حريق أو نابتهم نائبة حققنا رغبتهم. وهكذا نسمع كل ما أمروا به وننفذه، سواء وافق رغباتنا وميولنا أو خالفها، وسواء شق علينا أم سهل ما دام في المصلحة العامة، وما دام في دائرة الحلال المشروع، أما إن أمرونا بمعصية كإتهام بريء، أو حبسه. أو إيذائه، أو مصادرة ماله ظلما وعدوانا، أو رغبوا إلى القضاء أن يحيد عن الحق ويحكم بالباطل، أو أرادوا مالنا وحيواننا ورجالنا لمساعدة عدونا. أو أرادوا أن نخط بيدنا صك الاستعباد لنا ولأبنائنا وأحفادنا، أو طلبوا أن نرخص لمن يرغبن في الإتجار بأعراضهن، أو من يتجرون في الخمور، أو يفتحون ناديا للميسر- إن أمرونا بشيء من ذلك أطعنا الله وعصيناهم وأرضيناه وإن أغضبناهم. فطاعتهم محرمة، ومخالفتهم واجبة.
هذا وقد جاءت أحاديث فيها إطلاق الأمر بطاعة الولاة، والصبر على مكارههم، وعدم الخروج عليهم، كحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1) سورة النساء، الآية:59.
(2)
سورة البقرة، الآية:216.
(3)
المياه الطاغية: طغى الماء: فاض وتجاوز الحد في الزيادة.
«اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» «1» يريد بذلك صغرها.
وكحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا، فيموت إلا مات ميتة جاهلية» «2» .
وكحديث عبادة بن الصامت قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا- في حال النشاط والكراهة- وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا- استئثار بحظ دنيوي- وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا- جهارا- عندكم من الله فيه برهان «3» . روى هذه الأحاديث الثلاثة البخاري، فيجب تقييد الإطلاق فيها بالآية السابقة وبحديثنا الذي نشرحه، وبحديث معاذ الذي رواه أحمد:«لا طاعة لمن لم يطع الله» «4» . وأحاديث أخرى تحرّم علينا طاعتهم في المعصية، ويدل لتقييد حديث أنس حديث أم الحصين عند مسلم:
«اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله» «5» ، والمكروه الذي أمرنا بالصبر عليه في حديث ابن عباس ما شق على نفوسنا، ولم يكن معصية الله والرسول، فإن كان معصية فالنهي عن المنكر واجب، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا نثير الفتن ونبدد «6» شمل الأمة، ونعرّض دماءها وأموالها ومصالحها للضياع إذا أمكننا إزالة المنكر بالحسنى والمسالمة. وكذلك إذا كان ضرر المنكر دون الضرر المترتب على الإنكار.
وأما حديث عبادة الذي فيه: ألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفرا بواحا فالمراد بالكفر هنا المعصية، وكل معصية للخالق جحود بنعمته.
(1) رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7142) .
(2)
رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7143) .
(3)
رواه البخاري في كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سترون من بعدي أمورا تنكرونها» (7055 و 7056) . ورواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4748) .
(4)
رواه أحمد (3/ 213) .
(5)
رواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4735) .
(6)
نبدّد: بدّد: فرّق.