الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به من نعرف ولا بعض من نعرف تكبّرا وتصنّعا. بل إقامة لشعائر الإسلام نبذله لكل مسلم ليتالف الجميع وتزداد الصلة بينهم متانة. على أنك لو منعته من لم تعرف ربما كان ممن تعرف، فاعراضك عنه يوحشه منك. وقد تمسّك بالحديث من أجاز ابتداء الكافر بالسلام. ولا حجة فيه؛ لأن السلام شعار الإسلام. فيحمل قوله: من عرفت على المسلم، وأما من لم تعرف فلا دلالة فيه. بل إن عرف أنه مسلم فذاك، وإن لم يعرف. فسلّم احتياطا فلا حرج حتى يعرف أنه كافر وخص هاتين الخصلتين بالذّكر لمسيس الحاجة إليهما أول الأمر إذا كان المسلمون في حال بؤس وفقر. فإن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم فرارا بدينهم. والأنصار قاسموهم أموالهم. وكانوا في حاجة إلى التعارف والتالف وإلى ذلك أن في ذكرهما إيماء إلى الأعمال الخيرية كلها مالية كانت أو بدنية. من أجل هذا خصنا بالذكر وفي الحديث (39) بسط القول في إطعام الجائع. وفي الحديثين (65 و 66) مباحث السلام.
68- باب: أدب المناجاة
عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانوا ثلاثة- في رواية لمسلم: «إذا كان ثلاثة- فلا يتناجى اثنان دون الثّالث» ، وفي رواية أخرى:
«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالنّاس، أجل أنّ ذلك يحزنه» ، وفي رواية:«يتناج» . [رواه البخاري ومسلم «1» ] .
الشرح:
المناجاة: المسارّة. وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض أي مكان مرتفع. أصله من النجاء لأنك تعاونه على ما فيه خلاصه. وأجل: بمعنى من أجل.
يقال: فعلت كذا من أجل كذا. وأجل كذا أي بسببه ويجوز في همزته الفتح والكسر.
وأصل الأجل: الجناية التي يخشى عاقبتها في الآجل. ثم استعمل في التعليل.
الشرح قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ
(1) رواه البخاري في كتاب: الاستئذان، باب: إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارّة والمناجاة (6290) . ورواه مسلم في كتاب: السلام، باب: تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه (5660) .
وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «1» ، نهانا الله جلّ شأنه عن التناجي بما فيه ضرر أو إضرار. فلا نتناجى باثام يعود ضررها أولا إلى نفوسنا. وتبعدنا من رحمة ربنا. كإسراف في طعام أو شراب أو لباس. ولا بجرائم يتطاير شررها إلى الناس أولا. ويعود منه إلينا ثانيا.
كزنى وقتل. وسرقة ونهب. ولا بعصيان الرسول فيما أمر. أو الخروج على ما شرع.
وأباح لنا التناجي بالأعمال الخيرية، من نشر علم، وتقويم خلق، وبذل مال وإصلاح خصم، وبالأمور التي تقينا الأضرار. وتحفظنا من الغوائل «2» . كإعداد القوة للعدو، واتخاذ الحصون من دونه، وادّخار المال للنوائب والحميه الواقية من الأمراض وبيّن أن النجوى بالأوزار من وسوسة الشيطان ليحزن بها الذين آمنوا. إذ يسرهم البر والتقوى، ويحزنهم اقتراف الآثام، والتحدث بها، والائتمار عليها، وقد تكون كيدا لهم، وتامرا عليهم، فالنجوى بالسوء محرمة مطلقا. بين اثنين انفرادا بها عن ثالث، أو عن ثالث ورابع، أو بين جماعة انفردوا بها عن واحد أو أكثر، استأذنوا أم لم يستأذنوا.
أمّا النجوى بالخير فحلال للمتناجين. غير أن هناك أدبا يتعلق بها. تجب رعايته بالنسبة للحاضرين. ذلك ما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. فإن كان المجلس مؤلفا من ثلاثة فلا يتسارّ اثنان بحديث دون الثالث لأن هذا يوحشه ويحزنه. وقد يظن أنهما ينهشان «3» في عرضه. أو يحطان من قدره، أو يكيدان له، فيقوم من المجلس موغر الصدر «4» ، تساوره الظنون، وتخالجه «5» الريب، فللإبقاء على المودة، والمحافظة على الألفة منعا المناجاة من دونه إلا أن يستأذناه فيأذن. فلا حرج إذا لأن المنع لحقه، فيستباح بإذنه، وكذلك الحكم لو تناجى ثلاثة من دون رابع أو أربعة من دون خامس، أو خمسة من دون سادس، أو
…
إلخ، لتحقق علة النهي في كل
(1) سورة المجادلة، الآيتان: 9، 10.
(2)
الغوائل: الفساد والشر والداهية.
(3)
ينهشان: نهش فلانا في عرضه: اغتابه ووقع فيه.
(4)
موغر: محمي الصدر من الغيظ.
(5)
تخالجه: تخطر له الشكوك.