الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21- باب: واجب الرؤساء نحو مرؤسيهم
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
وحسبت أن قد قال: «والرّجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيّته، وكلّكم راع ومسؤول عن رعيّته» . [رواه البخاري ومسلم والترمذي «1» ] .
اللغة:
الراعي: الحافظ المؤتمن. وبعبارة أخرى من إليه تدبير الشيء وسياسته وحفظه ورعايته مأخوذ من الرعي وهو الحفظ. والرعية: كل ما يشمله حفظ الراعي ونظره. وحسبت: ظننت.
الشرح:
ما من إنسان إلا قد وكل إليه أمر يدبره ويرعاه. فكلنا راع وكلنا مطالب بالإحسان فيما استرعيه ومسؤول عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما. وحسابه عند الله يسيرا وثوابه جزيلا.
وإن قصر في الرعاية. وخان الأمانة أضر بالأمة وعسر على نفسه الحساب.
وأوجب لها المقت والعذاب. فإن فرّ في الدنيا من يد الإدارة، أو النيابة، أو برأه القضاء، أو لم يكن تقصيره داخل في حدود القوانين القائمة فإن حساب الله آت، وعقابه بالمرصاد. وكل امرىء بما كسب رهين.
فإمام الناس من ملك أو أمير- راع كفيل. وحافظ أمين مسؤول عن أهل مملكته أو إمارته. فعليه إقامة العدالة فيهم؛ وردّ الحقوق لأربابها. واحترام حرياتهم في دائرة
(1) رواه البخاري في كتاب: الفتن، باب: قول الله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
…
(7138) . ورواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر (4701) . ورواه الترمذي في كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الإمام (1705) .
الحق والأدب واستشارتهم في الأمور، والإستماع لنصائحهم والذود عن كرامتهم، والحرص على مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، وفتح الأبواب لمعايشهم، وتذليل السبل لتنمية ثروتهم. والضرب على أيدي المفسدين والتنكيل بالمجرمين الخائنين، والعمل على قطع الفساد في الأرض، ومنع الجرائم منها- إلى غير ذلك مما ترقي به الأمة. وتسلم من الأضرار. وإن الإمام المسؤول أمام الله عن أمته وجماعته، يسأل عن كل فرد فيها. وعن كل عمل من أعمالها. يسأل عن ثروتها موردا ومصرفا. وعما عمل لمصلحتها وسلك لسعادتها بل يسأل عن حيوانها: ماذا صنع لراحته. وتخفيف مشقته. وبعبارة أوجز: بقدر ما في يده من الشؤون وما وكل إليه من الأمور يكون الحساب. وتكون المسؤولية. فلا يله ذو منصب بمنصبه عن القيام بواجبه. ولا يغترن الرؤساء بمظاهر الرياسة من الحيطة والكياسة. وإعداد العدة لحساب أحكم الحاكمين.
كذلك الزوج أو رب الأسرة راع في أسرته. ومؤتمن على من تحت ولايته فعليه التعليم لهم والتثقيف، والتربية والتهذيب، بنفسه أو بوساطة ماله حتى يكونوا كملة في الأخلاق، أئمة في الآداب، سواء في ذلك بنوه وبناته وإخوته وأخواته وزوجه وخدمه. وفي مقدمة التهذيب تعليمهم فرائض الدّين. وتأديبهم بأدب العليم الحكيم.
وتأديبهم له من طريق عمله. أجرى «1» عليهم من كلمة. وعليه الأخذ بهم عن طريق الدنايا. والإبتعاد عن مواطن الريب. ومياآت الفتن. وعليه أن يقدم لهم مسكنا مناسبا. وطعاما وشرابا موافقا. ولباسا في دائرة الأدب والحشمة وزينة لا تدعو إلى الفتنة. كل ذلك في غير تقتير ولا إسراف. بل يسلك طريق الاقتصاد ليدّخر لهم ما يكون عدّة للشدائد، وسعة في المضايق، وتركة تقيهم ذل المسألة وتحفظ عليهم الكرامة. وليكن في بيته عينا راعية وأذنا واعيّة. يتفقد الأمور ويتحرى المصالح ويقيم العدل في رعايا هذه المملكة الصغيرة. وليعلم أن الله سائله عن زوجه: هل عاشرها بالمعروف. وقام لها بالحقوق ولم يخنها في غيبته؟ وسائله عن ولده: ماذا صنع في نفسه. وما عمل في ماله. وعن أقربائه الذين هم تحت كنفه: ماذا قدّم لهم وكيف واساهم فليعدّ الجواب الحسن من عمله وخلقه وكرم رعايته وحسن ولايته يا أَيُّهَا
(1) أجدى عليهم: أشد تأثيرا ونفاذا فيهم.
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ «1» .
وكذلك المرأة في بيت زوجها راعية، ومؤتمنة موكلة وربة مملكة، رعيتها البنات والبنون. والزوج الرؤوم. والبيت وما وعى. والمال والخدم. فلتكن للأولاد خير مربية. ولزوجها خادما طائعة. وفي بيتها حكيمة مدّبرة. وعلى المال قائمة راعية حافظة له منمية ولخدمها قدوة صالحة، ترشدهم إلى الواجب. وتهداهم إلي الصالح.
تهذب من أخلاقهم. وتقوم بواجبهم. تراقب سيرتهم وترعى نفوسهم ولا تهجر في زجرهم «2» . وبعبارة أخرى: نريد من المرأة بيتا نظيفا منظما. وولدا صحيحا مؤدبا ومالا مرعيا وطعاما شهيا وثمرا جنيا. وطاعة لزوج في معروف. وأدبا في منطق وكمالا في نفس. ونظافة في بدن وزي. وفي ولد وخدم فإن فعلت ذلك فنعمت الراعية. ونعمت من ترعى وإن المرأة مسؤوله أمام الله عن هذه الرعية: أقامت بواجبها أم قصرت في حقها فإن كان القيام فروح وريحان وجنة نعيم. وإن كان التقصير فنزل من حميم وتصلية جحيم فليتق الله نساؤنا ولا يكن كل همهنّ الطعام والشراب، وزيارة الأحباب، والتفنن في الزينات، والمشي في الطرقات.
أما البيت وتدبيره، والولد وتقويمه؛ والزوج وشؤونه فلا عناية ولا رعاية. ذلك شين في الدين. الخطر فيه كبير. والوزر عظيم والحساب عليه عسير.
كذلك الخادم راع في مال سيده، وحافظ مؤتمن، فليرعه كما يرعى ماله. ينميه بما استطاع. ويحفظه من الضياع، يرحم حيوانه ويرأف به، ويتفقد صالحه وخيره، أليس من هذا المال يطعم ويشرب ويلبس ويسكن؟ أليس منه يتخذ الأجر؟ فلم لا يكون فيه أمينا، وعلى تثميره حريصا. وإذا كان مكلفا برعاية المال فما بالك برعاية الأهل والولد. فلا يخن سيده في ماله، أو ولده أو أهله. وليبعد عنهم الدنس والدنايا ولينصح لسيده في كل ماله صلة به والدين النصيحة وليعلم أن الله سائله عن رعيته.
كذلك الولد راع في مال أبيه يستثمره وينميه، ويحفظه ويرعاه، فلا يبذره تبذيرا، ويبدده تبديدا، ولا يخونه فيه بالسرقة أو الإغتصاب، أو الكذب عليه في
(1) سورة التحريم، الآية:6.
(2)
تهجر في زجرهم: أهجر في الزجر: أفحش فيه.