الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
80- باب: تسبيح الله وتقديسه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان حبيبتان إلى الرّحمن، خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» . [رواه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه «1» ] .
اللغة:
الرحمن: صيغة مبالغة تفيد الإمتلاء من الصفة كريّان وعطشان، وقد عرفت الرحمة بأنها رقة تقتضي الإحسان إلي المرحوم، وتطلق على مجرد الرقة، وعلى مجرد الإحسان، ويقال إنها في جانب الباري بمعنى الإحسان فقط، وخير من هذا ألا نؤول الصفات، بل نثبت لله ما أثبته لنفسه من غير تشبيه ولا تمثيل ونكل العلم بالحقيقة إليه.
وما نعرفه من صفاتنا مقرب إلينا صفاته، وإن كان الفرق بين صفات الله وصفاتنا كالفرق بين ذاته وذواتنا، وسبحان: في الأصل مصدر بمعنى التسبيح كغفران، ومعناه التنزيه عن النقائص، وأصله الجد في عبادة الله تعالى مأخوذ من السبح وهو المر السريع في الماء أو الهواء، ويقول النحاة: سبحان واقع موقع المصدر منصوب بفعل محذوف، تقدير: سبحت الله سبحانا، أي تسبيحا وأكثر ما يستعمل بالإضافة، والحمد لله الثناء عليه بصفاته العليا، وقد قالوا: إن الواو في «سبحان الله وبحمده» للحال، والتقدير. أسبح الله متلبسا بحمده. أو للعطف والتقدير: أسبح الله، وأقوم بحمده، والأول أظهر لاتفاقه مع أسلوب القرآن كما سنذكر.
الشرح:
ذكر الله تعالى يحيى ميت القلوب، ويذكي «2» فاتر «3» الهمم، ويحوط
(1) رواه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: فضل التسبيح (6406) . ورواه مسلم في كتاب: الدعوات، الذكر والدعاء باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء (6786) . ورواه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: - 60- (3467) . رواه ابن ماجة في كتاب: الأدب، باب: فضل التسبيح (3806) .
(2)
يذكي: ينشط.
(3)
فاتر: ضعيف.
المرء بسياج من العصمة، ويقيه نزعات الشيطان. ويباعد بينه وبين المعاصي إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ «1» .
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث صيغة من صيغ الذكر لا مشقة في حفظها ولا صعوبة في استيعابها، وهي مع ذلك عظيمة الأثر كبيرة الجدوى «2» ، تغدق على المؤمن من فيض الله الخير الكثير، والأجر الوفير، تثقل من الطيبات حسناته، وتمحو من أوزاره وسيئاته، ولئن كانت سائر التكاليف شاقة على النفس. فإن الذكر بها هين سهل لا يستعدي قوة ولا استعدادا وإنما يوجب إخلاصا وتفريغا للنفس من شواغل الدنيا وهواجس «3» القلب.
وليس بكثير على الله الذي وسعت رحمته كل شيء أن يجزل الثواب العظيم على العمل القليل. لما في هذه الصيغة من تنزيه الله عن الشريك والنظير، وتحميده على سوابغ النعم وجزيل الفضل. وتعظيمه بما هو أهله.
وأنت خبير أن هذه الفضائل إنما هي لمن أخلصوا في دعائهم. وكملوا في إيمانهم، وتجنبوا المعاصي والحرام، ونأوا عما يغضب الله من الآثام. ولا تظن أن من أدمن «4» الذكر. وأصرّ على ما شاء من شهواته وانتهك حمى الله يلتحق بالمقدسين الطاهرين ويبلغ منازلهم بكلمات يجريها على لسانه. لا يتجاوز أثرها فمه.
يرشدك هذا الحديث إلى أن للأعمال والأقوال ثقلا وخفة يثقل منها ما كان خالصا لله ويخفّ ما شابه الرياء والغافلة. ولم يكن في حضور القلب وانتباهه. وإن الأعمال صور ماثلة وأرواحها وجود الإخلاص فيها ولقد قال الله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ «5» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» «6» .
(1) سورة العنكبوت، الآية:45.
(2)
الجدوى: العطية.
(3)
هواجس: ج الهاجس: الخاطر.
(4)
أدمن: دوام عليه.
(5)
سورة البقرة، الآية:152.
(6)
رواه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: فضل التسبيح (6405) . ورواه مسلم في كتاب: الدعوات، الذكر والدعاء، باب: فضل التهليل والتسبيح والدعاء-