الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة:
البيعان: البائع والمشترى، ويسمي المشتري، بيعا من باب التغليب لأن البيع هو البائع. الخيار: اسم من الاختيار أو التخيير وهو: طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه. والمراد به خيار المجلس في الفسخ لأن الإمضاء لا يحتاج إلى شيء زائد على الإيجاب والقبول ويكفي فيه السكوت. يتفرقا: يفترقا بأبدانهما، وقيل: يفترقا بالأقوال أي ما لم يتم البيع بالإيجاب والقبول. وزعم بعضهم أنه يقال افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان ورد ذلك بقوله تعالى: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ «1» فإنه ظاهر في التفرق بالكلام لأنه المخالفة في الاعتقاد.
ويرجح حمل التفرق في الحديث على تفرق الأبدان ما رواه البيهقي بلفظ «حتى يتفرقا من مكانهما» وبأن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا باع أو اشترى شيئا ولم يشأ الرجوع، قام من مجلسه ومشي هنيهة «2» ، صدقا وبيّنا، أي صدق البائع المشتري في نوع المبيع وسلامته من العيوب وبين له ما فيه. وصدق المشتري البائع في نوع الثمن وجنسه وبين له ما فيه من عيب أو نحوه كتما وكذبا. أي أخفى كل منهما عن الآخر ما في البدل الذي يكون من جهته وغش كل الآخر فيما عليه البدل.
محقت بركة بيعهما: أي قلت وضاعت الزيادة والفائدة التي كان يرجوها كل منها البائع في الثمن والمشتري في المبيع بما يبتليهم الله به من الجوانح «3» والمصاب التي تذهب بما في أيديهما.
الشرح:
قد يشتري الإنسان شيئا من آخر لحاجة له فيه ثم يندم على الشراء لطروء ما يدعو للندم من رغبة عما اشتراه أو استكثار الثمن أو بدو أمر لم يكن باديا من قبل، يقتضي رد المبيع، وقد يبيع شيئا من ماله لحاجة عرضت ثم يتبين له أفضلية بقائه، إما لتبين خسارة في البيع، أو اهتدائه إلى مخلص سوى البيع من الحاجة التي دعت إليه، فيود كل منهما أن لو أقاله «4» صاحبه وفسخ ما بينهما من عقد أو وجد
- ورواه النسائي في كتاب: البيوع، باب: وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما (4476) . ورواه أحمد.
(1)
سورة البيّنة، الآية:4.
(2)
هنيهة: قليلا من الزمان.
(3)
الجوانح: مفردها جانحة وهي المصائب.
(4)
أقاله: فسخ العقد الذي بينهما.
سبيلا يحله من هذا التعاقد.
لذا يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كلا من البائع والمشتري بالخيار بعد الإيجاب والقبول بين إمضاء البيع أو فسخه ما داما في مجلس البيع فلكل منهما أن يفسخه بدون رضا الآخر، ويسمى هذا (خيار المجلس) .
أما إذا ترك أحدهما صاحبه فلا خيار لهما ولا لأحدهما لأن ما كان بينهما من عقد قد تأكد بالمفارقة فلا سبيل إلى العدول عنه إلا برضا الطرفين بالإقالة.
فالتفرق المذكور في الحديث هو التفرق بالأبدان لأنه المفهوم عند الإطلاق إذا قيل تفرق الناس ولأن البيّعين (بتشديد الياء) هما البائع والمشتري على ما تقدم، ولا يسمى أحدهما بيّعا حقيقة إلا بعد حصول العقد منهما، ومتى حصل العقد لا يكون منهما تفرق بالأقوال لا بالأبدان. ولأن كل واحد يعلم بداهة علما عاما أن المشتري بالخيار ما لم يوجد منه قبول المبيع، وأن البائع خياره ثابت في ملكه قبل أن يعقد البيع.
فلو كان المراد من التفرق الإختلاف في الأقوال وهي الإيجاب والقبول- إذ ليس بينهما أقوال سواهما- لخلا الحديث عن الفائدة ولم يكن له معنى- وبهذا تمسك من أثبت لكل من المتبايعين خيار المجلس، وهم جماعة من الصحابة والتابعين منهم: علي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وشريح، والشعبي، وعطاء- وذهب مالك وأبو حنيفة إلى عدم القول بخيار المجلس وإلى أن الصفقة متى تمت بالإيجاب والقبول فلا خيار إلا بالشرط.
ولم يعملوا بهذا الحديث لمعارضته ما هو أقوى منه من نحو قوله تعالى:
وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ «1» لأن الآية تدل على طلب الإشهاد عند البيع فإن وقع قبل التفرق لم يكن له فائدة مع ثبوت خيار المجلس.
وإن وقع بعد التفرق، لم يصادف محله لأنه وقع بعد تمام البيع.
وقوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» والراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يكن
(1) سورة البقرة، الآية:282.
(2)
سورة المائدة، الآية:1.