الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
98- باب: الحث على الزواج
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء» . [رواه الجماعة «1» ] .
اللغة:
المعشر: جماعة يشملهم وصف واحد. الشباب: جمع شباب (ولم يجمع فاعل على فعال غيره) وهو اسم لمن بلغ ولم يجاوز الثلاثين وقيل الأربعين ثم يسمى كهلا إلى الأربعين، ثم شيخا. الباءة والباء: الجماع. وأصله الموضع يتبوؤه الإنسان ويأوى إليه، وقيل: معناه في الحديث مؤنة النكاح.
ويصح حمله على كلا المعنيين ويكون المعنى من قدر على الوطء ومؤن التزويج، كما يشهد لذلك رواية «من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج» . ورواية «من كان ذا طول» - قدرة- «فلينكح» ، أغض للبصر: أشد كفا له عن النظر إلى المحرم، أحصن للفرج: أشدّ منعا له من الوقوع في الفاحشة. وجاء: أصله الغمز ومنه وجأ في عنقه: إذا غمزه دافعا له، ووجأه بالسيف: إذا طعنه به، ووجأ أنثييه: غمزهما حتى رضهما، وتسمية الصوم وجاء من باب الاستعارة لعلاقة المشابهة، لأن الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالوجاء.
الشرح:
يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام شباب أمته الذين هم غرسها النامي، وعتادها «2» في مستقبل أيامهم أن يبادر الشباب منهم إلى التزوج متى كان
(1) رواه البخاري في كتاب: النكاح، باب: من لم يستطع الباءة فليصم (5066) . ورواه مسلم في كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه
…
(3386) . ورواه النسائي في كتاب: النكاح، باب: الحث على النكاح (3210) . ورواه الترمذي في كتاب: النكاح، باب: ما جاء في فضل التزويج والحث عليه (1081) . ورواه أبو داود في كتاب: النكاح، باب: التحريض على النكاح (2046) . ورواه ابن ماجه في كتاب: النكاح، باب: ما جاء في فضل النكاح (1845) مطولا.
(2)
عتادها: العتاد: عدة كل شيء.
قادرا على أمور الزواج من النفقة وما يتبعها، وكان به توقان «1» إلى النساء حتى لا تزل به القدم في مهواة المعاصي وحمأة الشرور فإن للشباب فتوة «2» ونزوة تدفع الشاب إلى إطاعة شهوته وتقهره على إرضائها بدون أن يبالي سوء مغبة أو حسنها، وكم جر ذلك من ويلات وأعقب من أدواء استفحل فيما بعد شرها، وعم ضررها وأصبحت ملافاتها عسيرة وتدارك أخطارها في غير الوسع والطاقة، وكم من شاب أغرته شهوته واستبعدته لذته فاتى نفسه من المعاصي حظها وأروى من الموبقات «3» غلتها فكان عاقبة ذلك أن افتقر بعد يسر ومال عريض، وضعف بعد قوة وصحة شاملة، وانتابته الأمراض والعلل فصار حليف الهم والسهاد، ينام على مثل شوك القتاد «4» ، قد أقض مضجعه، وذبلت نضرته وتنكرت له الحياة بعد إقبالها، وكشرت له الأيام بعد ابتسامها، وكلبه الزمان «5» وقد كان له مواتيا «6» مطيعا، ونفر منه الأصدقاء، وكان قرة أعينهم وموضع الغبطة والسرور منهم.
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حكمة المبادرة إلى الزواج بعد القدرة والاستطاعة بأنها تحصن الفرج عن الوقوع في المحرمات وملابسة ما يغضب الله ويزري بالشرف»
والكرامة، وتدعو إلى العفة وغض البصر عما لا يجعل من محارم الله، أضف إلى ذلك أن المبادرة إلى الزواج تمكن المرء إذا رزق أولادا من تربيتهم والقيام بشؤونهم وإعدادهم لمستقبل حياتهم وجعلهم رجالا صالحين ينفعون أنفسهم وأمتهم، ويجعل منهم عمادا لها وقوة، يرهب بهم جانبها، وتقوى شوكتها وتحفظ هيبتها وكرامتها، ويدفع من يريد إذلالها واستعبادها. وأما إذا أبطأ في الزواج حتى تقدّم به العمر فقد لا يستطيع تربية أولاده لضعف قوته وعجزه عن تحصيل ما به حياتهم وتوفير أسباب السعادة لهم، وربما أدركه الأجل فيتركهم كزغب القطا «8» مهيضي
(1) توقان: اشتياق.
(2)
فتوة: الفتوّة: الشباب بين طوري المراهقة والرجولة.
(3)
الموبقات: المهلكات.
(4)
القتاد: نبات صلب له شوك كالإبر.
(5)
كلبه الزمان: وثب عليه.
(6)
مواتيا: مطاوعا.
(7)
يزري: يعايب ويعتب.
(8)
كزغب القطا: أي يتركهم صغارا ضعافا.