الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي يبدأ بالسّلام» ، [رواه البخاري ومسلم «1» ] .
اللغة:
الهجر: ضد الوصل، فالمراد به الترك قولا أو فعلا. وفسرها هنا بترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا.
الشرح:
المؤمن لأخيه المؤمن ودود متودد، آلف متألف، محب متحبب لا يعرف الهجر والعداء، والنفور والخصام، لأن ذلك يضعف المنة، ويوجب الفرقة، ويمزق الوحدة، من أجل هذا حرّم الرسول صلى الله عليه وسلم على الإنسان أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، معها أيامها، يلقى أحدهما الآخر، فينأى عنه بجانبه، ويلوي الآخر عنقه. لا ينبسان «2» بكلام، ولا يتبادلان السلام، وقد دل الحديث بمفهومه على حل الهجر ثلاثا، رفقا بالناس، ورحمة بهم، ذلك أن الهجر أثر غضب ونفور، وللغضب ثورة وسلطان وحدّة، يصعب التغلب عليها أول الأمر، فرخص للشخص في ثلاث، حتى تهدأ نار الغضب أو تخمد، ويضعف أثره أو يذهب. أما ما زاد عليها فحرام ما لم يكن في الهجر مصلحة راجحة، فإذا خاف على دينه الفساد أو خشي الضرر على نفسه أو دنياه من المكالمة جاز له الهجر، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، ولذلك أمرنا الله به في تأديب الزوجات في قوله: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ. وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا «3» ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر والهجر الجميل في قوله: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ. وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا «4» ، وهجر صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه خمسين يوما لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، وأمر أصحابه بهجرانهم، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا ألاملجأ من الله إلا إليه، وهجر صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، وتهاجر جماعة من الصحابة، ومدار البحث أنه إذا كان في الهجر مصلحة تفوق ضرره جاز، وإن زاد على ثلاث.
(1) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: الهجرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل
…
» (6077) . ورواه مسلم في كتاب: البر والصلة، باب: تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي (6478) .
(2)
ينبسّان: نبس: تحركت شفتان بشيء.
(3)
سورة النساء، الآية:34.
(4)
سورة المزمل، الآية:10.
وقد أفاد الحديث أن إثم الهجر يزول بتبادل التحية، وأن خير المتهاجرين من يبدأ بالسلام، فله ثواب السبق، وكبح «1» جماح «2» النفس، فإن لم يرد عليه الآخر باء بالإثم.
وقال الإمام أحمد: لا يزول الهجر بمجرد التحية بل لا بد من رجوع الحال إلى ما كانت عليه قبل الخصام.
وفي هذا الباب قصة لعائشة «مع ابن أختها عبد الله بن الزبير استشكلها العلماء فنذكرها لما فيها من الأدب الجم، ونعقبها بالجواب عنها.
روى البخاري عن عائشة: أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة، أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا نعم، قالت: هو لله عليّ نذر ألا أكلم ابن الزبير أبدا. فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت: لا. والله لا أشفع فيه أبدا. ولا أحنث في نذري. فلما طال ذاك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما من بني زهرة، وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي- هي خالته ومربيته- فأقبل به المسور وعبد الرحمن وهما مشتملين بأرديتها، حتى استأذنا على عائشة. فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. أندخل؟
قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها، إلا ما كلمته، وقبلت منه. ويقولان إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجر. وإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتذكير بفضل صلة الرحم العفو وكظم الغيظ- والتحريج: التضييق- طفقت تذكرهما. وتبكي. وتقول: إني نذرت، والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمات ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، كانت تذكر نذرها بعد ذلك. فتبكي حتى تبل دموعها خمارها» «3» .
(1) كبح: كبح فلانا عن حاجته: ردّه عنه.
(2)
جماح: جمح الرجل: ركب هواه فلا يمكن ردّه.
(3)
رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: الهجرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل
…
» (6073) .