الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا «1» . ويحض على مداومة تلاوة القرآن ويفيد إباحة القسم عند الخبر المقطوع بصحته مبالغة في تثبيته في صدر سامعيه.
105- باب: التعوذ من الإثم والدّين
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصّلاة ويقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» ، فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم؛ فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف» . [رواه البخاري «2» ] .
اللغة:
أعوذ: ألجأ وأستجير. المأثم: الإثم والذنب. المغرم: بفتح الميم والراء الغرم وهو: الدين، وفعله غرم كشرب.
الشرح:
المعاصي محارم الله التي نهى عباده المؤمنين عن اقترافها «3» وحذرهم من انتهاكها وأن يحوموا حولها. والدّين- وقاك الله ذله- مثقل الأعناق، وطريق المنة والأذى وسبيل الفقر ومورث المهانة في أكثر أحواله؛ فلا غرو «4» أن استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم منهما وأكثر من استعاذته في صلواته حتى أدرك ذلك الصحابة فسأل أحدهم عن الباعث على كثرة تعوذه. من الدّين. فقال: إن الرجل إذا أدان اضطر إلى أن يخفي معسرته وبؤسه حتى لا يشمت فيه عدوه ولا يلحف «5» في مطالبته غريمه، فيظل يملأ ما ضغيه بزخرف من القول، يموه به على سامعيه، ويجافي بينهم وبين الإطلاع على حقيقة أمره، ودخيلة نفسه، ويظل يقول إن لي عقارا بجهة كذا، وتجارة لن تبور في أصناف كذا وكذا، تدر عليّ من الأرباح كل عام القناطير المقنطرة من
(1) سورة المزمل، الآية:5.
(2)
رواه البخاري في كتاب: الاستقراض، باب: من استعاذ من الدّين (2397) .
(3)
اقترافها: ارتكابها وإتيانها.
(4)
لا غرو: الغرو: العجب، أي لا أعجب.
(5)
يلحف: أي يلح.
الذهب والفضة، ولي ديون على فلان وفلان ولكم سخوت على الفقراء، وجدت على المساكين، وأبرأت مدينين من ديون كانوا عن أدائها عاجزين، وهكذا لا يبرح يقول إن لي ولي وهو في كل ذلك كاذب مائن ومنافق مخادع حتى ينكشف للناس أمره ويبدو لهم عواره «1» فيطالبوه ويلازموه فيعدهم ويمنيهم ويضرب لهم الآجال ويتملقهم رجاء أن يمهلوه حتى إذا جاءت مواعيده، وحلت النجوم، استمهلهم وطلب منهم أن ينسئوه «2» مرة أخرى وهو في كل ذلك يماطل ويراوغ «3» . لأن الدّين بهظه «4» وضاقت عليه موارده وخانه حظه وعثر به جده، وألفى يديه صغرا بما كان يؤمله. فالتمس الخلاص لنفسه من الناس وإذا بالسبل كسم الخياط «5» أو هي أضيق، وبالأبواب قد أرتجت دون تنفيس كربته أو تفريج غمته فسقط في يده وأسلم نفسه للمقادير تناوشه فتصرعه فلا يجد منها مفرا ولا ملتحدا «6» .
ذلك شأن الذي يستدين فيما يكرهه الله أو فيما لا يكون له حاجة للاستدانة فكم من بيوت عامرة خربت، وثروات طائلة ذهبت وبادت، ونفوس كانت كريمة عزيزة ذلت وهانت، وحرمات استطالت على الدهر خضعت وأنوف عزت على الإحن والحوادث أرغمت بالدّين ومهانته.
كل ذلك لدّين لم تمس إليه الحاجة ولم تدع إليه ضرورة ملحة. بل لمظهر كاذب ونفاق مزر، وابتغاء الزلفى لحاكم أو ولي والجري وراء عرض زائل أو إشباع شهوة مرذولة «7» ، وإطفاء غلة ممقوتة. وهذا هو الذي يستعيذ منه الرسول صلوات الله عليه.
أما الاستدانة لحاجة ماسة مع القدرة على الأداء فلا يستعاذ منه، ولا يستغني عنه إلا القليل من الناس لأن بعضهم محتاج إلى بعض ولا غنى لأحدهم عن الآخر- وما أحوجنا إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في استعاذته والبعد عما يوجب الذلة ويزري
(1) عواره: ضعفه وجبنه.
(2)
ينسئوه: يؤخروه.
(3)
يراوغ: يخادع ويوعد.
(4)
بهظه: غلبه وشقّ عليه.
(5)
سم الخياط: السّم: كل ثقب ضيق كثقب الإبرة أو غيرها، وسم الخياط ثقب الإبرة.
(6)
ملتحدا: الملجأ.
(7)
مرذولة: الرذيلة: الخصلة الذميمة.