الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبينه إلّا آخرة الرّحل. فقال: «معاذ» : قلت: لبّيك رسول الله وسعديك، ثمّ سار ساعة، ثمّ قال:«يا معاذ» ، قلت: لبّيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثمّ قال:«يا معاذ بن جبل» ، قلت: لبّيك رسول الله وسعديك، قال:
«هل تدري ما حقّ الله على عباده؟» ، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حقّ الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» ، ثم سار ساعة، ثمّ قال:«يا معاذ بن جبل» ، قلت: لبّيك رسول الله وسعديك، قال:«هل تدري ما حقّ العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حقّ العباد على الله ألّا يعذبهم» . [رواه البخاري ومسلم «1» وأحمد وغيرهم] .
اللغة:
الرديف والردف: الذي يركب خلفك، ويقال الردف أيضا للكفل والعجز، وأردفه: أركبه خلفه، وكل شيء يتبع شيئا فهو ردفه، والترادف: التتابع، والرحل: ما يوضع على ظهر البعير كالسرج للفرس، وآخرته العود الذي يجعل خلف الراكب يستند إليه، ولبيك: مأخوذ من اللب وهو الإجابة والتثنية فيه للتكرير والتكثير أي إجابة لك بعد إجابة ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية، وقيل: إنه من التلبية وهي إجابة المنادي من لب بالمكان وألب إذا أقام به، وألب على كذا إذا لم يفارقه، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت: ألب إلبابا بعد إلباب، وقيل: معناه اتجاهي وقصدي إليك، من قولهم: داري تلب دارك أي تواجهها، وقيل: معناه إخلاصي لك من قولهم: حسب لباب، إذا كان خالصا محضا. ومنه لب الطعام ولبابه، وسعديك: معناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وإسعادا بعد إسعاد، والتثنية فيه والإعراب مثلهما في لبيك، والحق: الشيء الثابت المتحقق، فما للإنسان على غيره إن كان لا تردد فيه يسمى حقا؛ والله حق، والصدق حق، والعبادة: الطاعة مع خضوع أو هي غاية الخضوع.
الشرح:
كان معاذ بن جبل الشاب العابد، الأمة القانت، الشهم المجاهد الذي
(1) رواه البخاري في كتاب: اللباس، باب: إرداف الرجل خلف الرجل (5967) . ورواه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على الوحيد دخل الجنة قطعا (142) .
حضر الغزوات كلها- راكبا في سفر خلف الرسول صلى الله عليه وسلم دابته لا يفصله منه إلا آخرة الرحل التي كان يسند إليها ظهره. وكان إردافه له تواضعا منه صلى الله عليه وسلم وإكراما للشباب المجاهد، فقال: يا معاذ. قال إجابة لك يا رسول الله بعد إجابة، وطاعة لك بعد طاعة. فتركه الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يحدثه، وبعد أن سار ساعة قال: يا معاذ. قال:
إتجاها إليك يا رسول الله بعد اتجاه، وإسعادا بعد إسعاد، فتركه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا بدون محادثة. وبعد أن سار فترة قال: يا معاذ بن جبل. قال: إخلاصا لك يا رسول الله بعد إخلاص. ومساعدة غب «1» مساعدة، فتلك نداآت ثلاث نبهت معاذا إلى العناية بما يلقى؛ وصرف الذهن إليه، وإرهاف «2» الأذن له؛ وإيقاظ الحافظة «3» لضبطه ووعيه وعرفته أنه نبأ عظيم؛ وحديث خطير، ثم قال له: هل تدري يا معاذ ما حق الله على عباده وما الذي يجب عليهم أن يحققوه شكرا له؟ ولم يستفهم الرسول صلى الله عليه وسلم منه استجوابا له، ولكن زيادة في تنبيهه إلى ما يلقى عليه، وتشويقا إليه.
وقد ردّ معاذ علم ذلك إلى الله الذي أحاط بكل شيء علما. وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يبلغ عن الله وحيه وهذا من معاذ كمال أدب: وقف عند حده. ولم يقف ما ليس له به علم. وقد بين له الرسول صلى الله عليه وسلم أن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا:
كلمة جامعة لم تترك من الدّين صغيرة ولا كبيرة. فعبادته الخضوع له والتذلل. وذلك بطاعته فيما أمر ونهي فنؤمن برسوله ونصدق بكتابه، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، ونهذب نفوسنا ونصح أجسامنا بالصيام، ونحج البيت الحرام ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ونحسن عشرة الناس، ونصدق في معاملتهم، ونخالقهم «4» بخلق حسن، ونقف عند ما شرع الله، لا نتعدّى حدوده. ولا نتجاوز رسومه. ونجانب كل ما نهى عنه من الخبائث مما هو اعتداء على النفس. أو المال أو العرض أو إضرار بالخلق.
وأساس ذلك علم بكتاب الله، وبما احتواه، وهذا بتلاوته وتدبره ودراسته وتفهمه. أما توحيده وعدم الإشراك به فأن نعتقد أنه وحده صاحب الخلق والأمر. وأن من دونه لا يملك ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله. سواء أكان ملكا مقربا؛ أو نبيا مرسلا، أو وليا عابدا؛ ومن توحيده أن تكون الأعمال خالصة لوجهه؛ لا يشوبها خداع ولا رياء ولا
(1) غبّ: بمعنى بعد.
(2)
إرهاف: اصفاء.
(3)
الحافظة: قوة تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعاني وتذكرها وتسمى الذاكرة أيضا.
(4)
نخالقهم: نعاملهم بخلق حسن.