الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
وقوله في الحديث: «حتى يأذن له الخاطب» يدل بنصه على جواز الخطبة له بعد الإذن وبمفهومه على جواز ذلك لغيره لأن إذن الخاطب الأول قد دل على عدوله «1» فتجوز خطبتها لكل من يريد نكاحها.
97- باب: ما ينبغي اعتباره في اختيار الزوجة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدّين تربت يداك» . [رواه الجماعة إلا الترمذي «2» ] .
اللغة:
الحسب: الشرف بالآباء والأقارب مأخوذ من الحساب لأن العرب كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم وماثر آبائهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره، وقيل المراد به هنا الأفعال الحسنة. تربت يداك: لصقت بالتراب بسبب الفقر. وهذه جملة خبرية بمعنى الدعاء لكن لا يراد بها حقيقته بل يراد بها الحث والتحريض، وقيل إنها مثل على حد قولهم للشاعر: قاتله الله لقد أجاد.
الشرح:
الزواج سنة من سنن الهدى حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيه بأنواع الترغيب، والناس في اختيارهم الزوجة وتفضيلهم بعض النساء على بعض مختلفون.
منهم من يرغب في ذات الغنى الوافر والثروة الواسعة لكي تعينه على مطالب الحياة ومشاق الزوجية ومرافق الأولاد، أو توفر عليه بعض مطالبها الخاصة أو يتمتع في مالها وينعم به.
- (3449) .
(1)
عدوله: رجوعه عن رأيه.
(2)
رواه البخاري في كتاب: النكاح، باب: الأكفاء في الدين (5090) . ورواه مسلم في كتاب: الرضاع، باب: استحباب نكاح ذات الدين (3620) . ورواه أبو داود في كتاب: النكاح، باب: ما يؤمر به من تزويج ذات الدين (2047) . ورواه النسائي في كتاب: النكاح، باب: كراهية تزويج الزناة (3230) . ورواه ابن ماجه في كتاب: النكاح، باب: تزويج ذات الدين (1858) .
ومنهم من يرغب في ذات الحسب العالي والعدد الكثير يتخذ منهم عصبة ويعتز بهم عن قلة ويقوى عن ضعف.
ومنهم من يرغب في ذات الجمال البارع يمتع بمنظرها نفسه ويستروح بها «1» قلبه.
ومنهم من يرغب في ذات الدّين الحصان، يأمن بدينها أن يثلم شرفه، أو تزل قدمها في مهواة المعاصي والشرور، إن غاب حفظت غيبه، وإن حضر لم تقع عينه منها على ما يكره وكل له وجهة، يدفعه إلى الاختيار ما يرى أنه الجدير بالطلب أو يحقق رغباته ويسد نهماته «2» ؛ فلا يزال يسعى وراء بغيته ويدأب للحصول على طلبته، لا يرضى بديلا عما رسمه لنفسه ولا يقنع بغير ما يرى أن سعادته في العثور عليها وتحصيلها حتى ينال أمنيته ويقنع ما تيسر له؛ غير أن الرسول عليه الصلاة والسلام اختار من بين هؤلاء الجديرة بالبحث والطلب القمينة «3» بأن تقتني وتدخر وتكون شريكة الرجل في حياته، تلك هي ذات الدين؛ إذا وجدت لا ينبغي العدول عنها، لأنها ضجيعة الرجل وأم أولاده، وأمينته على ماله وسره وشرفه، فدينها يجعل الرجل مطمئنا يفضي إليها بذات نفسه ويطلعها على مكنون أمره، وتكون الحفيظة على ماله ومنزله، المربّية أولاده على التقوى والصلاح فهو بها سعيد وهي به سعيدة.
أما ذات المال التي لم تعتصم بالدّين ولم تتحل بالتقوى فقلما يدوم له صفاؤها ويساس «4» قيادها وترعي حقوقه، وتكون له البارة المطيعة، وإنما تعتز عليه بمالها وتفخر بثرائها، ترى أن لها من غناها ما يجعلها النافذة الكلمة المطاعة الأمر، ذات الحرية المطلقة فيخرج من يده زمامها؛ ويفلت من حكمته وطاعته قيادها وتكون البلية عظمى إذا كان دونها في الثروة أو كان هو معدما، هنا تكون هي السيدة وهو المسود، هي الآمرة وهو المطيع، هي المالكة لأمره وتسيّره كما تحب وتهوى، فينقلب الأمر وتعظم المصيبة كما هو مشاهد بين ظهرانينا مما تئن منه الحياة الزوجية ويهدم في
(1) يستروح: يريح ويفرح ويرضى.
(2)
نهماته: حاجاته وشهواته.
(3)
القمينة: الجديرة.
(4)
يساس: ساس الأمر: دبّره وقام بإصلاحه.
كيان الأسر، وينشىء الأبناء على أسوأ المثل وأدنى الصفات ويجعل المنزل مباءة «1» مقت وكره، ومثابة شرور وآلام، ونزاع وخصام.
وأما ذات الحسب فإنها تدل على زوجها بحسبها؛ وتفخر عليه بعديدها وبخاصة إذا كان أقل منها عددا؛ فلا يشعر معها بهناءة ولا سعادة، أو يطأطىء لها رأسه، ويذل نفسه.
وأما ذات الجمال فتكون مبعث ظنة، ومجلبة ريبة، ولقد استشار رجل حكيما في الزواج فقال افعل وإياك والجمال البارع فقال فكيف ذلك؟ فأجابه:
ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا
…
إلا وجدت به آثار منتجع
ولقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك: «لا تزوجوا النساء لحسنهن فلعل حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهم فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدّين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل» .
وليس المراد من ذلك أن يعرض المرء عن ذات المال والحسب والجمال، ويقبل على المعدمة الوضيعة الدميمة، بل المراد ألا يجعل الإنسان نصب عينه في اختيار الزوجة وتفضيلها المال أو الحسب أو الجمال غير آبه بما عساه يكون لها من صفات أخرى، ولا ينقب «2» عما تتحلى به من خلال قد تفضل ما نظر إليه منها وليبدأ بذات الدّين والتقوى فإذا ضمت إلى ذلك خلة من الخلال المرغوبة كان خيرا وأفضل.
وإلا فلا يضيره «3» كثيرا أن تفقد مع دينها وصلاحها مالا ينفد وحسبا يزول، وجمالا يذبل وتذوي نضرته بعد حين، أما الدّين فلا يزيد مع الأيام إلا جدّة. ولا يأتي إلا بخير دائم وسعادة مستمرة.
(1) مباءة: المباءة: المنزل.
(2)
ينقب: يبحث ويفحص فحصا بليغا.
(3)
يضيره: يضرّ به.