الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العجز والكسل شر ما يبتلى بهما المؤمن أدركت أنهما داء وبيل «1»
من أصيب بهما خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ «2»
. هذا ومجانبة العجز تكون بمجانبة أسبابه فلا يعمل الإنسان عملا شاقا أو يأتي أمرا خطيرا من شأنه أن يذهب ببعض أعضائه العاملة، أو يسلبه القدرة ويجعله من العجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فالذي يجهد نفسه ويحمّلها فوق طاقتها ولا يعطيها قسطها من الراحة وحظها من الطعام والشراب الحلال الطيب، والذي لا يداوي علل جسمه ويترك الدواء لمرارته أو يبخل عن نفسه بأجر طبيب أو بثمن دواء هو ساع نحو العجز جان على نفسه شر جناية ومن يتعوذ بالله من العجز وهو سائر نحوه في أحد هذه الطرق فإنه يطلب ما لا يجد ويقول ما لا يفعل كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ «3»
وأما الكسل فمجانبته تكون بتقوية الإرادة ومعاشرة المجدين العاملين ومباشرة الأسباب واستشارة لذة العمل وحلاوة بلوغ الآمال وتمثل الخيبة والفشل، ومعرفة أن المجد في العمل والمغامرة، والتعس في الكسل وملازمة الراحة.
والخامس والسادس: الجبن والبخل
.
والأول: شح بالنفس، والثاني: شح بالمال.
فالذي يبخل بنفسه عن بذلها في سبيل الدين، في سبيل إقامة معالم الحق، في سبيل حفظ البلاد ورد عادية المعتدين عليها والمنتهكين حرمتها والسالبين حقوقها، والقاسرين «4»
أهلها، على الذل والاستعباد، والمستبدين بهم شر الاستبداد؛ الذي يبخل بنفسه عن بذلها في هذه السبل، المذللة طريق الكرامة والعزة، الموطدة «5»
للشرف والرفعة، الذي يبخل عن ذلك يميت نفسه، ويشتري نحسه «6»
، لأنه إن حيي جسمه فقد ماتت روحه، ماتت نفسه العالية، وذهبت حياته الطيبة، وكم من حي بين الناس هو في عداد الأموات وكم من ميت في عداد الأحياء وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ
(1) وبيل: شديد.
(2)
سورة الحج، الآية:11.
(3)
سورة الصف، الآية:3.
(4)
القاسرين: المجبرين والمكرهين.
(5)
الموطدة: المثبة والمقوية.
(6)
نحسه: النّحس: الجهد والضّر.
فَضْلِهِ «1»
، إذ الحياة الحقة أن تعيش مرفوع الرأس موفور الكرامة في قولك وتصرفك وقلمك ورأيك واعتقادك، أن تعيش في أمة لا سلطان لأحد عليها. ولا من يتحكم في رقابها وحقوقها وأموالها رأيها المحترم وقولها النافذ، ومصلحتها المقدسة، ولن يعيش في أمة هذا وصفها إلا من بذل نفسه في الذود «2»
عنها وكرّس حياته في جلب الخير لها، ودفع الضرر عنها. هذا هو الكريم حقا، هذا هو الشجاع صدقا، هذا هو الجواد بلا ريب. والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
تأخرت استبقي الحياة فلم أجد
…
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
أما الذي يبخل بماله عن نفسه فلا ينفقه في سبيل ترفيهها وإسعادها وتهذيبها وسد حاجتها وتقديم الطيبات لها، أو يبخل به عن الفقراء والمساكين، والعجزة والمقعدين، والمنكوبين والملهوفين، أو يبخل به عن الجهاد، ومناجزة الأعداء، ومصالح الأمة العامة، الذي يبخل بماله عن ذلك ويحبسه في خزائنه إنما يسعى في هلاك نفسه والقضاء على أمته.
وما يبغي من يكنز أمواله عن حقوقها؟ أفيطمع أن يأخذه معه إلى جدثه «3»
؟ أو ينفق منه في عالم الغربة والوحدة؟ أينفعه إذ ما وقف أسرع الحاسبين. واشتد الكرب وهال «4»
الخطب؟ كلا لن ينفع الإنسان بعد وفاته ما له إذا لم يكن من عمله منقذ وناصر، بل يكون شرا عليه ونكالا لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ «5»
، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ «6»
والمؤمن الصادق من بذل في سبيل الدين نفسه وفي إعلاء شأن أمته ماله.
(1) سورة آل عمران، الآيتان: 169، 170.
(2)
الذود: الدفاع والتضحية.
(3)
جدثه: قبره.
(4)
مال: خاف ورعب وفزع.
(5)
سورة آل عمران، الآية:180.
(6)
سورة التوبة، الآيتان: 34، 35.
السابع والثامن: غلبة الدّين وقهر الرجال: والدّين- أعاذك الله- إذا غلب الإنسان ذهب بعزه، وأودى بنعيمه وأنسه وأتى على طارفه «1»
وتليده «2»
وقديمه وجديده.
إذا غلب الإنسان ملك عليه فكره وعقله، وصوابه ورشده فلا يذوق طعم الهناءة ولا يحسن التفكير ولا يهتدي إلى الصواب. وإنما يغلب الدين إنسانا استدان بلا بصيرة ولم يدبر أمره وينظم شأنه. ويجدّ في طلب وتلمس الطرق المشروعة إليه ليقوم بالسداد، وإنما يغلب من استدان ولم يعزم على الوفاء بل كانت نيته التقصير. إنما يغلب من استدان لغير حاجة ماسة بل لارواء شهوة أو ابتغاء الشهرة والملق «3»
والرياء وحب الظهور الكاذب والمدح بالباطل.
أما من استدان لضرورة ملجئة عازما على الوفاء فهذا الله ضامنه، وموفقه للسداد ورازقه من حيث لا يحتسب حتى يخلصه مما أهمه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ «4» .
وغلبة الرجال إما بالإذلال والاستعباد لغيرهم: أو انتصارهم عليه في مواطن النزاع والخصومة، أو في ميادين الحرب والطعان فنعوذ بالله من أن يستبد بنا فرد فيستخدمنا لماربه، ويا بني على رؤوسنا عظمة كاذبة ومجدا موهوما، ويطمس معالم مجدنا وسؤددنا «5»
، كما نعوذ به من أن يغلبنا خصمنا فينصر باطله على حقنا وتكون له الكلمة علينا، ويقتل رجالنا ويسلبنا أموالنا ويسبي نساءنا وذرارينا «6»
ويدوس عزتنا وكرامتنا، نعوذ بالله من كل ذلك ونسأله القوة والعدة حتى يرهبن الأعداء وأن يهبنا أسباب السعادة والعزة حتى لا يستبد بنا فرد أو أمة.
تلك هي الأمور الثمانية التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة فلنتخذ منها غذاء في الصباح وعشاء في المساء حتى نجمع إلى تغذية الجسم تغذية الروح فلنضمن لنفوسنا
(1) طارفه: الحديث المستفاد من المال ونحوه وهو خلاف التالد.
(2)
تليده: التّلاد: المال الأصلي القديم.
(3)
الملق: الكلام.
(4)
سورة الطلاق، الآية: 2- 3.
(5)
سؤددنا: السّؤدد: المجد والشرف.
(6)
ذرارينا: مفرده: ذرّية. وهي: ولد الرجل.