الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: خوف الذم بنسبة الشر إليه، وقال الزمخشري: هو تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم، واشتقاقه من الحياة يقال حي الرجل كما يقال:
نسي وحشي وشظي الفرس إذا اعتلّت هذه الأعضاء- النساء وهو عرق، والحشى وهو ما دون الحجاب مما في البطن؛ والشظى وهو عظم مستدق لازق بالركبة أو بالذراع أو عصب صغار فيه- جعل الحي لما يعتريه من الانكسار والتغير متنكس القوة، منتقص الحياة كما يقال: هلك فلان حياء من كذا، ومات حياء، ورأيت الهلال في وجهه من شدة الحياء، وذاب حياء وجمد في مكانه خجلا.
وقال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي. فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحيي فاسقا. وقلما يكون الشجاع مستحيا. وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان. اه.
الشرح:
إذا كان الحياء تغيرا نفسيا، وخلقا باطنيا. يحول بين المرء والقبائح أو يمنعه من عمل ما يعاب به ويذم. أو ينقد عليه ويعنف- كان لا شك خلقا محمودا.
لا ينتج إلا خيرا. فالذي يمر بخياله فعل الفاحشة. فيمنعه حياؤه من اجتراحها «1» أو يسبه شخص فيمنعه الحياء من مقابلة السيئة بمثلها، أو يسأله سائل، فيحول حياؤه دون حرمانه، أو تقابله فتاة جميلة فيغض الحياء بصره. أو يستبرئه مدين معسر من دينه، فيأبى عليه حياؤه إلا الإبراء. أو يضمه مجلس، فيمسك الحياء بلسانه عن الكلام فيما لا يعنيه، أو الخوض فيما لا يجيده والذي يكون للحياء في نفسه هذه الآثار الحسنة. والأعمال الطيبة ذو خلق محمود. وفي حديث عبد الله بن عمر عند البخاري:«أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه، فإن الحياء من الإيمان» «2» ، وأعلى درجات الحياء ما كان ناشئا عن الشعور برقابة الله. وعظم حقه عليه. فإن هذا يقيم المرء على صراط الحق. لا يلتوي عنه يمنة أو يسرة.
وفي حديث عبد الله بن مسعود عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استحيوا من الله
(1) اجتراحها: ارتكابها.
(2)
رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: الحياء (6118) .
حق الحياء» ، قلنا: إنا نستحي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال: «ليس ذلك.
ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى- كالسمع والبصر واللسان- والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا- لم يفتتن بها حتى تشغله عن الواجبات- وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» ، وعن بعض السلف. رأيت المعاصي مذلة فتركتها مروءة. فصارت ديانة، وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه.
فيستحي العاقل أو يستعين بها على معصية.
وليس من أثر الحياء قعودك عن مواجهة من يرتكب إثما، ونهيه عن ذنبه، ولا عدم مطالبتك بحق أنت في حاجة إليه. ولا تركك السؤال لأستاذك عن مسألة خفيت عليك، أو ترى فيها غير ما يرى، خجلا منه أو من إخوانك أو خشية أن تكون مخطئا في رأيك، ولا تركك القول في مجلس رفع الباطل فيه أو الخطأ رأسه. وأنت بالحق والصواب عليم كل ذلك وأشباهه ليس من أثر الحياء المحمود؛ إنما ذلك أثر العجز والمهانة، والجبن والحقارة، وإطلاق الحياء عليه للشبه بينه وبين الحياء الحقيقي.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد حياء من الكبر في خدرها «1» ، وما ترك النهي عن المنكر، ولا أقر باطلا، ولا سكت على خطأ، وفي الصحيح عن عائشة قالت: رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن، وأن يتفقهن في الدين. وروى البخاري عن أم سلمة أنها قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق؛ فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فقال: «نعم إذا رأت الماء» «2» .
وروي أيضا عن أنس قال: «جاءت امرأة إلي النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها؛ فقالت: هل لك حاجة فيّ؟ (تريد الزواج به) فقالت ابنته: ما أقل حياءها فقال: «هي خير منك. عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسها» «3» .
(1) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: الحياء (6119) .
(2)
رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين (6121) .
(3)
رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين (6123) .