المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة ليس هناك في هذا العالم كتاب أجدر من القرآن الكريم - الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأولفي فضل القرآن والإقبال على تلاوته وفي بعض الآداب والأحكام

- ‌المقدمة

- ‌الفقرة الأولىفي فضل القرآن والإقبال عليه وتلاوته

- ‌ فضل من يحمل شيئاً من القرآن ويقرؤه ويحافظ عليه والاجتماع على تلاوته:

- ‌ فضل تعلم القرآن وتعليمه:

- ‌ في وجوب تعهد القرآن وعدم الغفلة عنه:

- ‌ نزول الملائكة والسكينة على قارئ القرآن:

- ‌ حب القرآن وعلاماته:

- ‌الفقرة الثانية:في بعض الآداب والأحكام المتعلقة بالقرآن

- ‌ وجوب تعلم القرآن وتعليمه وآداب ذلك:

- ‌ إتقان القراءة:

- ‌ التغني بالقرآن وتزيينه بالصوت:

- ‌ الجمع بين حسن التلاوة وحسن الفهم والإخلاص فيهما:

- ‌ صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ في كم يقرأ القرآن:

- ‌ في ختم القرآن:

- ‌ ماذا يفعل من نام عن حزبه

- ‌ قراءة القرآن عند ائتلاف القلوب:

- ‌ في أحكام الجهر والإسرار بقراءة القرآن:

- ‌ في من جمع القرآن من الصحابة:

- ‌ في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصّ أحداً بشيء من القرآن:

- ‌ من أسرار القرآن:

- ‌ أقسام القرآن ونسخه لما قبله وفضله على سائر الكتب:

- ‌ تلاوة القرآن من غير وضوء:

- ‌ حكم مس القرآن

- ‌ كراهة السفر بالقرآن إلى أرض العدو:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثالثة: في بعض ما خص بالذكر من آيات وسور

- ‌ في البسملة:

- ‌ فضل سورة الفاتحة:

- ‌ فضل خواتيم سورة البقرة:

- ‌ فضل سورتي البقرة وآل عمران:

- ‌ في آية الكرسي:

- ‌ في السبع الطوال:

- ‌ في سورة الكهف:

- ‌ في فضل سورة تبارك "الملك

- ‌ في التكوير والانفطار والانشقاق:

- ‌ في سورة الزلزلة:

- ‌ في سورة الإخلاص:

- ‌ في المعوذتين:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الباب الثانيفي بعض علوم القرآن

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولفي نزول القرآن على سبعة أحرف وفي القراءات

- ‌عرض إجمالي:

- ‌النصوص

- ‌وصل في نماذج عن الأحرف والقراءات

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الثانيفي ترتيب القرآن وجمعه وجمع الناس على رسم واحدوفي حكم تنزيله منجماً وفي أول ما نزل وآخر ما نزل

- ‌عرض إجمالي

- ‌الحكمة الأولى

- ‌الحكمة الثانية

- ‌الحكمة الثالثة

- ‌الحكمة الرابعة

- ‌جمع القرآن على عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌ترتيب آيات القرآن

- ‌فوائد حول الرسم العثماني للمصحف:

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌الفائدة السادسة:

- ‌هل رسم المصحف توقيفي

- ‌كيف أنفذ عثمان المصاحف العثمانية

- ‌المصاحف في دور التجويد والتحسين:

- ‌النصوص

- ‌ في عرضة جبريل الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ في جمع القرآن:

- ‌ جمع عثمان الناس على رسم واحد:

- ‌ في وقوع النسخ في القرآن:

- ‌ في مصحف حفصة:

- ‌ في أول ما نزل وآخر ما نزل:

- ‌الفصل الثالثُفي بعض المأثور من التفسير وبعضأسباب النزول والناسخ والمنسوخ

- ‌مقدمة:

- ‌عرض إجمالي لموضوع التفسير:

- ‌من تفسير سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعْرَافِ

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة براءة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحِجْر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌تفسير سورة طه

- ‌سورة الأنبياء

- ‌سورة الحج

- ‌سورة المؤمنون

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة طسم الشعراء

- ‌سورة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌سورة لقمان

- ‌سورة السجدة

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة سبأ

- ‌سورة فاطر

- ‌سورة يس

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزُّمَر

- ‌سورة المؤمن (غافر)

- ‌سورة فصلت

- ‌سورة حم عسق (الشورى)

- ‌سورة حم: الدُّخان

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنّة

- ‌سورة الصف

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقين

- ‌سورة التغابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة التحريم

- ‌سورة ن (القلم)

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة عم يتساءلون

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة ويل للمطففين

- ‌سورة إذا السماء انشقت

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة والشمس وضحاها

- ‌سورة الضحى

- ‌سورة العلق

- ‌سورة إذا زلزلت

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة النصر

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة المعوذتيْن

- ‌(فوائد)

الفصل: ‌ ‌مقدمة ليس هناك في هذا العالم كتاب أجدر من القرآن الكريم

‌مقدمة

ليس هناك في هذا العالم كتاب أجدر من القرآن الكريم للاهتمام به ولا كتاب أعظم منه ولا أرقى ولا أعلى في كل شيء. وقد مر معنا حديث عن القرآن في قسم العقائد بمناسبة الكلام عن الكتب السماوية والدينية في هذا العالم، ومن خلال المقارنة بين القرآن وبين ما سواه من الكتب الدينية يدرك العاقل أي بعد سحيق بين علو القرآن وبين كتب الأديان كما آلت إليه بعد أن داخلها التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وفي الأصل فقد جعل الله عز وجل لهذا القرآن من الخصائص الزائدة على كل كتاب أنزله من قبل ما يجعله أعظم كتاب أنزله الله تعالى، وإذا كان هذا محله بين الكتب السماوية التي هي أكمل الكتب وأرقاها وأسلمها وأصحها وأصدقها وأهداها فإنه لا يصح أن يقارن بكتاب سواه، بل المقارنة نوع من السخف والجنون، والاهتمام بكتاب الله تعالى له مظاهر متعددة منها: الاهتمام بعلومه وهو موضوع يتوسع على الزمن كعلم الإعجاز والمعجزات، وعلم القراءات، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم المتشابه والمحكم إلى غير ذلك، كما أن الاهتمام به يقتضي تلقياً وتلقناً للقراءات المتواترة التي وصلتنا بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقتض معرفة بتفسيره، وإقبالاً على تلاوته وتدبره وحفظه ومعرفة أحكام التلاوة، وهذا الاهتمام بالقرآن بعضه تطالب به الأمة بمجموعها فهو من فروض الكفاية أو من سنن الكفاية وبعضه يطالب به كل مسلم إما كفرض عيني أو كسنة عينية، فمن فروض الكفاية مثلاً أن يوجد قراءة يحافظون على القراءات المتواترة، ومن فروض الكفاية أن يوجد متخصصون في علوم القرآن، ومن المطلوبات العينية في حق كل مسلم على اختلاف في درجة الطلب: إتقان تلاوة القرآن، ومراعاة أحكام الترتيل وحفظ ما أمكن منه، وأن يكون للمسلم ورده اليومي من تلاوة القرآن، وأن يتعرف على شيء من علومه ولو إجمالياً وأن يعرف ما ورد في السنة عن هذا القرآن وأن تكون له دراسة في القرآن ومدارسه واجتماع، وأن يعرف ما يستطيع معرفته من تفسير الراسخين في العلم لآياته، وأن يعرف أحكام التعامل مع القرآن والآداب المطلوبة من المسلم تجاه القرآن، وهذه الموضوعات كلها تطلب في مظانها من الكتب المؤلفة فيها أو عند أهلها المختصين فيها، ويستطيع المسلم المثقف اللبيب تحصيل الكثير منها بجهده الشخصي وبعضها لابد أن يأخذه من أهله كعلم القراءات مثلاً.

ص: 1565

وقد درج جامعو السنة النبوية أن يدخلوا في كتب السنة بعضاً مما ذكرناه، وإذا كان هذا الكتاب في السنة فننا سنذكر فيه ما استطعنا جمعه مما يرد عادة في كتب السنة عن بعض هذه الشؤون التي ذكرناها، وسنحاول من خلال المقدمات والتعليقات والمسائل والفوائد أن نعطي المسلم بعض ما ينبغي أن يعرفه عن كثير مما سبقت الإشارة إليه.

ونكتفي في هذه المقدمة في أن نعرفك على بعض المعاني التي لابد أن تعرفها عن القرآن، فهذه كلمات نستخلصها من بعض كتب العلوم "كالإتقان""ومناهل العرفان" حول القرآن، تحقق هذا المراد وذلك كله بين يدي هذا الجزء ولنبدأ على بركة الله.

القرآن في اللغة: مصدر مرادف للقراءة ثم نقل إلى أن جعل اسماً علماً للكلام المعجز المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله أسماء كثيرة جداً، ومعرفتنا بهذه الأسماء ومدلولاتها ومعرفة مَجْلاها في القرآن الكريم تعرفنا على عظمة هذا القرآن، وأشهر أسمائه بعد القرآن: الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل، والكتاب لأن علم على أعظم كتب الله أو لأنه ذكر فيه ما فرضه الله عز وجل على خلقه، ومن أسمائه الذكر لأن الله عز وجل قد أنزله مذكراً بحيث إنه عرضت كل معانيه بصيغة التذكير ومن أسمائه المشهورة التنزيل لأن الله عز وجل نزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيراً، وقد ذكر صاحب البرهان خمسة وخمسين اسماً للقرآن وأوصلها النووي إلى نيف وتسعين وقد جمع كل من الاثنين بين ما هو اسم للقرآن أو صفة له أو على إطلاقات وردت في القرآن تصف هذا القرآن ومن تأمل هذه الأسماء والصفات وعرف معناها ومجلاها عرف عظمة هذا القرآن من خلال أسمائه وحقيَّتها وقد نقل السيوطي في كتابه "الإتقان" عن صاحب "البرهان" ما جمعه من أسماء للقرآن الكريم، وفسر بعضها فقال رحمه الله:

"وقال أبو المعالي عُزيزي في كتاب البرهان: اعلم أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسماً، سماه كتاباً مبيناً في قوله:{حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} . وقرآنا كريماً في قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} وكلاماً: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} . ونوراً: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} . وهدى ورحمة: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} . وفرقاناً: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} . وشفاء: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} . وموعظة: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} . وذكراً مباركاً: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} .

ص: 1566

وعليا: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} . وحكمة: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} . وحكيما: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} . ومهيمناً: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} . وحبلاً: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} . وصراطاً مستقيماً: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} . وقيماً: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا} . وقولاً فصلاً: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} . ونبأ عظيماً: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} . وأحسن الحديث ومثاني ومتشابهاً: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} . وتنزيلاً: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وروحاً: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} . ووحياً: {إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} . وعربياً: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} . وبصائر: {هَذَا بَصَائِرُ} . وبياناً: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} . وعلماً: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} . وحقاً: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} . وهادياً: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي} . وعجباً: {قُرْآنًا عَجَبًا} . وتذكرة: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ} . والعروة الوثقى: {اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} . وصدقاً: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} . وعدلاً: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} . وأمراً: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} . ومنادياً: {يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} . وبشرى: {وَهُدًى وَبُشْرَى} . ومجيداً: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} . وزبوراً: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} . وبشيراً ونذيراً: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} . وعزيزاً: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} . وبلاغاً: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} . وقصصاً: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ، وسماه أربعة أسماء في آية واحدة:{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} ا. هـ. فأما تسميته كتاباً: فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه، والكتاب لغة: الجمع، والمبين: لأنه أبان: أي أظهر الحق من الباطل. وأما الكلام فمشتق من الكلم بمعنى التأثير، لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده، وأما النور: فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام. وأما الهدى: فلأن فيه الدلالة على لاحق، وأما الفرقان: فلأنه فرق بين الحق والباطل، وجهه بذلك مجاهد كما أخرجه ابن أبي حاتم، وأما الشفاء: فلأنه يشفي من الأمراض القلبية كالكفر والجهل والغل والبدنية أيضاً. وأما الذكر: فلما فيه من المواعظ وأخبار الأمم الماضية، والذكر أيضاً الشرف، قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي شرف لأنه بلغتهم. وأما الحكمة فلأنه نزل على القانون المعتبر من وضع كل شيء في محله، أو لأنه مشتمل على الحكمة. وأما الحكيم فلأنه أحكمت آياته بعجيب النظم وبديع المعاني، وأحكمت عن تطرق التبديل والتحريف والاختلاف والتباين. وأما المهيمن: فلأنه شاهد على جميع

ص: 1567

الكتب والأمم السالفة. وأما الحبل: فلأنه من تمسك به وصل إلى الجنة أو الهدى والحبل: السبب. وأما الصراط المستقيم: فلأنه طريق إلى الجنة قويم لا عوج فيه. وأما المثاني: فلأن فيه بيان قصص الأمم الماضية فهو ثان لما تقدمه، وقيل لتكرار القصص والمواعظ فيه. وأما المتشابه: فلأنه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصدق، وأما الروح: فلأنه تحيا به القلوب والأنفس. وأما المجيد: فلشرفه. وأما العزيز: فلأنه يعزّ على من يروم معارضته. وأما البلاغ: فلأنه أبلغ به الناس ما أمروا به ونهوا عنه، أو لأن فيه بلاغة وكفاية عن غيره. ا. هـ. من [الإتقان 10/ 67 - 68].

ومن أهم ما تميز به القرآن الكريم أسلوبه وإعجازه ومعجزاته وتبيانه لكل شيء، وهدايته للإنسان إلى كل خير وبأخصر الطرق فمن المعروف أن الخط المستقيم هو أقرب طريق وأقرب بعد بين نقطتين، وما من شيء في أبواب الهداية في العقائد والعبادات ومناهج الحياة، وفي أمر الدنيا والآخرة إلا وقد هدى الله الإنسان إليه، وهداه إليه بأقرب طريق وأخصره ولذلك قال الله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1)، ومن تأمل هداية القرآن في كل شيء وقارنها بما عليه الخلق من ضلالات عرف أنه لا يمكن أن يكون هذا القرآن بشري المصدر ومن تأمل شمول البيان في القرآن لكل ما يحتاجه الإنسان ولكل ما تنبغي معرفته وقرأ مظاهر هذا التبيان في العلوم التي انبثقت عن القرآن في العقائد والفقه والتعامل البشري وما أعطانا إياه القرآن من تصور هائل للزمان والمكان إلى غير ذلك مما بينا تفصيلاً في كتابنا (الأساس في التفسير) عرف استحالة أن يكون هذا القرآن مصدره الإنسان، قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (2).

وأما أسلوب القرآن فإنه لا يشبه أي أسلوب بشري ويكفي أن تعرف سياقات القرآن والمناسبات بين الآيات في السورة الواحدة، وكيف أن كل مجموعة سور من القرآن تشكل وحدة تمضي على نسق، وأن كل مجموعات القرآن تفصل على نسق واحد في سورة البقرة لتعرف أن أسلوب القرآن لا يمكن أن يكون بشري المصدر. قال تعالى في وصف كتابه

(1) الإسراء: من آية 9.

(2)

النحل: من آية 89.

ص: 1568

{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1). فما من شيء في هذا القرآن إلا وهو في أعلى الذرى سواء في ذلك فصاحته أو بيانه أو معانيه وما من شيء في القرآن إلا هو على غاية الحكمة، فكما أن هذا الكون مجلي لاسم الله الحكيم فهذا القرآن مجلي لاسم الله الحكيم كذلك. فإذا ما جئت إلى إعجاز القرآن ورأيت عجز البشر جميعاً في كل العصور عن أن يأتوا بسورة من مثله أوقفك هذا وحده على عظمة هذا القرآن وتميزه عن كلام البشر، فإذا ما أضفت إلى هذا كله أن في هذا القرآن معجزات متعددة منها التاريخي ومنها الكوني ومنها ومنها

عرفت عظمة هذا القرآن، وعظمة منزله وإن له ميزان دقيق أن تعرف مقامك من خلال موقفك من القرآن فبقدر معرفتك بعظمته تعرف عظمة الله، وبقدر معرفتك به تعرف الله، وبقدر حبك له يتجلى حبك لله، وهذه القضايا الخمس بحار لا سواحل لها، وإن كل ما تكلم به الناس في أي واحدة منها فإنهم يبقون قريبين جداً من الشاطئ، وهيهات أن يصل الإنسان إلى الشاطئ الآخر من هذه القضايا الخمس: هداية القرآن، وشمولية بيانه وأسلوبه، وإعجازه ومعجزاته.

وقد تكلم الكثيرون في الإعجاز، وتكلم الكثيرون في معجزات القرآن وفي أسلوبه، وفي شمولية بيانه وفي كمال هدايته ولا سبيل إلا الاستقصاء، فقد تعرضنا لكل هذه الأمور في كتابنا (الأساس في التفسير)، فلن نتعرض في هذه المقدمة لقضيتين شمولية البيان وكمال الهداية فذلك شيء محل تفصيله هذه السلسلة كلها (الأساس في المنهج) بكتبها الثلاثة: الأساس في التفسير، الأساس في السنة وفقهها، الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص. وإنما نستخلص لك خلاصة في موضوع أسلوب القرآن إعجازه ومعجزاته مستعينين بما كتب مضيفين إلى ذلك ما يفتح الله علينا من فضله جل جلاله.

(1) الزخرف: 4.

ص: 1569

- أولاً: أسلوب القرآن

قال صاحب مناهل العرفان:

الأسلوب في الاصطلاح:

تواضع المتأدبون وعلماء العربية، على أن الأسلوب هو الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه واختيار ألفاظه، أو هو المذهب الكلامي الذي انفرد به المتكلم في تأدية معانيه ومقاصده من كلامه. أو هو طابع الكلام أو فنه الذي انفرد به المتكلم كذلك.

معنى أسلوب القرآن:

وعلى هذا فأسلوب القرآن الكريم هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختيار ألفاظه، ولا غرابة أن يكون للقرآن الكريم أسلوب خاص به، فإن لكل كلام إلهي أو بشري أسلوبه الخاص به. وأساليب المتكلمين وطرائقهم في عرض كلامهم من شعر أو نثر، تتعدد بتعدد أشخاصهم، بل تتعدد في الشخص الواحد بتعدد الموضوعات التي يتناولها، والفنون التي يعالجها ا. هـ.

أقول: أولاً: إن الأسلوب البشري كما ألفناه وعرفناه مرتبط بثقافته اللغوية وثقافته الخاصة والعامة، وهو يعبر عن شخصية صاحبه وصفاته ويتأثر إلى حد كبير بمفاهيم صاحبه وقيمه، وأول ما نلحظه في أسلوب القرآن أنه يستحيل أن يكون بشري المصدر، فإنك تجد وأنت تقرأ القرآن أنك أمام خطاب يتوجه من ذات لا كالذوات، متصفة بصفات لا كالصفات مسماة بأسماء تتجلى في هذا القرآن وأنك أمام خطاب محيط بالزمان والمكان والحق والعدل والخير والشر بشكل لا يمكن أن يكون بشري المصدر، إنك تجد فيه خطاباً من ذات علوية قاهرة تخاطب كياناً مأموراً مأسوراً كما أنك تجد نفسك أمام ذات أحاط علمها بكل شيء، وتجد نفسك أمام كتاب يتحدث عن قدرة الله وأفعاله بما لا يمكن أن يصدر عن بشر، وتجد أن هذا القرآن مجلي لأسماء القرآن كلها، (ولله المثل الأعلى) كما تجد نفسك أمام

ص: 1570

حق خالص وعدل لا مثيل له، يظهر هذا العدل في التشريع، ويظهر في ما أعده الله لأهل التكليف من جزاء وعقاب، وإن وصف الجزاء والعقاب لكافٍ أن يدلك على انه يستحيل أن يكون بشري المصدر.

- ثانياً: ومما اعتدناه في أساليب البشر، أنك لا تجد في خطابهم ما يصمد على الزمان والمكان فكثيراً ما ينتقض كلام الإنسان بمرور الأيام، أما هذا القرآن فقد وسع أسلوبه الزمان والمكان فلا ينقضه شيء، بل كلما جاء زمان تفتح لأصحاب هذا الزمان من دقائق المعاني ما يسع زمانه، وذلك وحده معجز.

- ثالثاً: ما من كتاب بشري إلا وللتناقض في محل إن في درجة الارتقاء بين كلام وكلام أو بيان وبيان أو معنى ومعنى أما أسلوب هذا القرآن فإنه يجري على نسق واحد.

- رابعاً: وأسلوب هذا القرآن أسلوب متميز عن أساليب البشر، فهو لا يشبه شعراً ولا نثراً ولا طريقة من طرائق البيان المعتادة لدى البشر.

- خامساً: ومن خواص أسلوب القرآن مسحته اللفظية التي تتجلى في نظامه الصوتي وجماله اللغوي فإنك تجد فيه اتساقاً وائتلافاً في الحركات والسكنات والمدات والغنات والاتصالات والسكتات وتناسق الحروف مع بعضها والكلمات فيما بينها وتناسق الجرس في الآية والسورة بحيث تجد توقيعاً تتلقاه الآذان في كل مقطع من سورة وفي كل سورة بما ليس معهوداً في كلام البشر وقد أحست العرب بهذه الحقيقة منذ سمعت هذا القرآن، فإذا ما أضيفت إلى ذلك ملاءمة الجرس القرآني للموضوع الذي يتكلم به تجد شيئاً لا نظير له وأدركت ان أسلوب القرآن لا يمكن أن يكون بشري المصدر.

- سادساً: شعور قارئه بقربه من فهمه فالعامي يستشعر أنه يفهمه، وكلما ارتقى الإنسان في مراتب الاختصاص والفهم تفتح له من الفهم ما يناسب قدراته وفيه لصحاب الاختصاصات مزيد فإذا عرفت أنه قد عرض لكل الموضوعات بأسلوب واحد وعلى غاية من البيان عرفت أن ذلك فوق الطاقة البشرية فإذا ما أصفت إلى ما سبق أن الأسلوب القرآني يخاطب الكينونة البشرية عقلاً وقلباً ويخاطب الكيان البشري كله خطاباً يجمع بين الحق

ص: 1571

والجمال معاً أدركت سراً آخر من أسرار أسلوب القرآن فإذا ما عرفت أنه في خطابه الكينونة البشرية يذكر في قضية ما بالقدر الذي تحتاجه الكينونة البشرية رأيت أمراً عجباً.

فإذا عرفت أن البشر قد اعتادوا على أنواع من الأساليب، أسلوب أدبي وأسلوب علمي وأسلوب مدرسي، وأسلوب خطابي إلى غير ذلك، ورأيت أن أسلوب القرآن واحد في قوة البيان وهو يتحدث عن كل الموضوعات مما لا تجده في أساليب الخلق عرفت أنك أمام أسلوب لا يمكن أن يكون بشري المصدر.

- سابعاً: ولقد كان من مقاصدنا الرئيسية في كتابنا "الأساس في التفسير" أن نبرهن على ترابط الآيات في السورة الواحدة، وترابط سور كل مجموعة مع بعضها وكيف أن هناك سياقاً خاصاً لكل مجموعة يأتي على نسق واحد، بحيث يكون للقرآن كله سياق خاص، ولو عرفت من هذا النوع من سبك الكلام وإحكام سرده وترابط أجزائه وتماسك كلماته وجمله وآياته وسوره على أسلوب لا يمكن أن يخطر ببال بشر، هذا مع تنوع المقاصد وتعدد الطرائق للموضوع الواحد، لرأيت من ذلك عجباً لا ينقضي وفي تفسيرنا بيان تفصيلي لمثل هذه الشؤون، فأسلوب القرآن تجتمع فيه الوحدة البيانية والوحدة الموضوعية. والوحدة في السياق على أنواع شتى لا يكاد الناس أن يدركوا جزءاً من كمالاته.

- ثامناً: وهناك شيء واضح في أسلوب القرآن أشرنا إليه من قبل وهو أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ متعددة وطرق جديدة بإجمال واختصار أحياناً وبإسهاب أحياناً، وإنك لتجد قارئه لا يمل من تكراره لما فيه من سلاسة وجدة وسياق وجرس وإيقاع، وكل ذلك دون أن يتناقض، فهو الحق الخالص، والصدق الخالص، وفي ذلك من الحكم ما لا يحيط به أحد، وإنما كمال العلماء يظهر بقدر ما يدركون من هذه الأسرار، هذا دون أن يكون في ذلك كله حشو أو حرف في غير محله أو كلمة في غير محلها، فإذا ما اجتمع إلى كل هذا غاية البيان عرفت أن هذا شيء جل عن طاقة البشر، وقد وصف بعضه أسلوبه بقوله: تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها على تباعد ما بين أطرافها ثم ذكر خصائص أسلوب القرآن فذكر القصد في اللفظ والوفاء بحق المعنى، وخطاب العامة وخطاب الخاصة، وإقناع العقل وإمتاع العاطفة، والبيان والإجمال.

ص: 1572

(انظر النبأ العظيم ص: 101 فما بعدها).

ولقد تكلم المتكلمون عن أسلوب القرآن ولا زالوا يتكلمون ولا زال بينهم وبين التعبير الشامل عن خصائص أسلوب القرآن بون شاسع.

ثانياً: إعجاز القرآن

المراد بإعجاز القرآن أن الخلق عاجزون عن الإتيان بما تحداهم به لإظهار أن هذا الكتاب حق، وأن الرسول الذي أنزل عليه رسول صدق وكذلك الشأن في كل معجزات الأنبياء ويخلط بعض الكاتبين بين إعجاز القرآن ومعجزاته، فالقرآن كله معجز، وقد تحدى الله الناس أن يأتوا بمثل أقصر سورة من سوره، فوقف الناس عاجزين، وهذا وحده دليل كافٍ أنك تجد البشر جميعاً لم يستطيعوا أن يخرقوا هذا التحدي، ومن حاول منهم أتى بالمضحكات ومع هذا الإعجاز في القرآن فإن في القرآن مالا يُحصى من المعجزات، وقد اختلط الأمر على بعض الكاتبين فأطلقوا على أنواع المعجزات اسم الإعجاز، فقالوا الإعجاز العلمي والإعجاز التاريخي، والإعجاز الغيبي إلى غير ذلك. وهي في الحقيقة معجزات زائدة على الإعجاز فوصفها بالإعجاز نوع من التجوز في الكلام، والتحقيق أن فيه إعجازاً ومعجزات وكلامنا هاهنا في إعجازه، ولقد تحدى القرآن الخلق جميعاً أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة من سوره، فوقف الخلق عاجزين، وهذا وحده يكفي العاقل ليعرف أن هذا القرآن معجز فأي إنسان في العالم يجرؤ على أن يقول قولاً بمقدار سطر أو سطرين ثم يتحدى العالم أن يأتوا بمثله ثم يقف الناس عاجزين عن فعل ذلك.

ولقد كتب في إعجاز القرآن الكثير وألفت فيه الكتب المستقلة، ومن أعظم المؤلفين فيه في القديم: الخطابي والرماني والزملكاني والإمام الرازي وابن سراقة والقاضي أبو بكر الباقلاني، ومن المحدثين: مصطفى صادق الرافعي.

وقد حاول كل من كتب أن يضع يده على سر الإعجاز من حيث البيان والفصاحة والإيقاع واجتماع وتضافر الأرقى من كل شيء في المعنى واللغة. ومع ذلك فإن كل ما كتب في هذا

ص: 1573

الشأن هو بعض ما يقال ويبقى في الإعجاز سر هو كسر الروح بالنسبة للإنسان، فكما أن الله عز وجل قال عن الروح:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (1).

فكذلك هذا القرآن فإن الله عز وجل سماه روحاً، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (2) فمهما تكلم المتكلمون في الإعجاز فإن الإعجاز شيء أعظم وأكبر وأدق أسراراً.

لقد تفنن الكاتبون في التدليل على الإعجاز فمنهم من أقام الحجة على الإعجاز بما في هذا القرآن من معجزات ومنهم من أقام الحجة على الإعجاز باستسلام العرب لهذا الإعجاز، ومنهم من أقام الحجة من خلال عرضه للمعاني ومنهم من أقام الحجة بتبيان الفارق بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي، ومنهم من أقام الحجة على إعجاز القرآن من خلال نزوله مفرقاً وتناسقه وتناسب آياته وسوره، ومنهم من أقام الحجة على إعجازه من خلال التدليل على أنه اجتمع فيه ما لا يصل إليه البشر من أساليب وفصاحة وبيان، ومنهم من أقام الحجة على إعجازه بالمقارنة بينه وبين غير في ضروب الهداية في كل شيء وفي موقفه من كل شيء مبرهنين على أنه الأعلى والأهدى، ومنهم من برهن على الإعجاز من خلال ما فيه من سياسات في إصلاح النفوس والمجتمعات ومنهم من برهن على الإعجاز بتبيان ما في حروفه وكلماته وجمله وآياته وسوره من كمالات لا يتناهى حسنها وجمالها.

وكما قلنا فإن كثيرين قد خلطوا في الكلام عن الإعجاز بين ما هو إعجاز في القرآن وبين ما هو معجزات، المهم أن الكثيرين ممن كتبوا في الإعجاز كان همهم أن يبرهنوا على أنه يستحيل أن يكون هذا القرآن بشري المصدر، إلا أنه كما ذكرنا فإن الإعجاز غير المعجزات، وكل من كتب في الإعجاز حاول أن يضع يده على السر، ولكن سر الإعجاز يبقى أكبر وأعظم وأدق من أن يستطيع أحد أن يعبر عنه على الكمال والتمام أما التدليل على استحالة أن يكون هذا القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم أو أن يكون بشري المصدر أصلاً.

(1) الإسراء: 85.

(2)

الشورى: 52.

ص: 1574

فالأدلة على ذلك لا تتناهى: منها إعجازه ومنها معجزاته ومنها الكثير مما يستحيل عادة أن يصدر من إنسان في حق نفسه أو في حق غير، وقد حاولنا في كتابنا (الأساس في التفسير) وفيما كتبناه في كتاب (الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتحدث عن مثل هذه المعاني، ولكن كما قلنا: فإن التدليل على أن هذا القرآن من عند الله أوسع بكثير من الكلام على مجرد الإعجاز، فالأدلة على أن هذا القرآن من عند الله أوسع وأكثر، فآيات العتاب التي عاتب بها الله رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وما نزل من القرآن بعد طول انتظار دليل على أن هذا القرآن من عند الله، والحالة التي كانت تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول القرآن ثم يظهر على أثرها النص القرآني الذي لا مثيل له في الفصاحة والبلاغة والمعنى، دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وتحدي الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب أن يلاعنوه بأمر من القرآن وكذلك تحديه اليهود أن يتمنوا الموت دلائل واضحة على المصدر الرباني، ثم إن كل إنسان يحب أن ينسب لنفسه ما يعتبر فريداً من نوعه فلو كان غير رباني المصدر لنسبه لنفسِه صلى الله عليه وسلم وحاشاه.

وإن قيل نسبه لربه ليكون أدعى لاستجابة الناس فالرد بسيط وهو لماذا لم ينسب أقواله كلها له؟ وما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفتي الأمانة والصدق باعتراف خصومه وشهادة الواقع والأتباع تأبى عليه أن لا يكون في قمة الصدق.

وما في القرآن من أنباء الماضي وحقائق الغيب مما لا يمكن أن يتلقى بالدراسة أو ينال بالفراسة دلائل ناطقة على ربانية المصدر.

ويتوج ذلك كله بأن كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف في سيرته أنه اتصل بأحد من علماء زمانه (انظر لمزيد بيان كتاب: النبأ العظيم ص: 72 فيما بعدها) كل ذلك وغيره كثير مما يدخل في أدلة أن هذا القرآن من ند الله ولكن تحديد الكلام في الإعجاز هو جزء من هذا الموضوع الكلي الذي يسمى الإعجاز ومن هنا كان الكلام الذي ينصب على الإعجاز فقط هو الذي ينبغي أن يكون محل التركيز وقد كان، ولكن كل ما قيل في ذلك يبقى أقل من أن نعتبره محيطاً بأسرار الإعجاز.

لقد تحدث بعضهم عن قوة تأثير القرآن في أعدائه وأوليائه، وهو في الحقيقة أثر عن

ص: 1575

الإعجاز ويبقى الإعجاز محسوساً من خلال عجز البشر عن أن يأتوا بمثله ولكن الإحاطة بالإعجاز شيء فوق طاقة البشر وها نحن بعد هذا التقديم ننقل لك بعض ما قالوه في الإعجاز.

قال السيوطي في [الإتقان 2/ 151]:

"قال القاضي أبو بكر: وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم. قال: ولهذا لم يمكنهم معارضته فأما شأو ونظم القرآن فليس له مثال يحتذى ولا إمام يقتدى به ولا يصح وقوع مثله اتفاقاً قال: ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر وفي بعضه أدق وأغمض. وقال الإمام فخر الدين: وجه الإعجاز الفصاحة وغرابة الأسلوب والسلامة من جميع العيوب وقال الزملكاني: وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف بأن اعتدلت مفرداته تركيباً وزنة، وعلة مركباته معنى بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى. وقال ابن عطية: الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك أن الله أحاط بكل شيء علماً وأحاط بالكلام كله، فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علمٌ بإحاطته: أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، ....

فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة،

ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولاً ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلم جراً وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة، وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة. كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطباء".

وقال الأصبهاني في تفسيره:

"إن الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص، وبيان كون النظم معجزاً

ص: 1576

يتوقف على بيان نظم الكلام، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول: مراتب تألف الكلام خمس: الأولى: ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الاسم والفعل والحرف. والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة، وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعاً في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له المنثور من الكلام. والثالثة: يضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مبادٍ ومقاطع مداخل ومخارج، ويقال له المنظوم. والرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع، ويقال له المسجع. والخامسة: أن يجعل مع ذلك وزن، ويقال له الشعر، والمنظوم، إما محاورة ويقال له الخطابة. وإما مكاتبة ويقال له الرسالة. فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، وللك من ذلك نظم مخصوص. والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها يدل على ذلك، لأنه لا يصح أن يقال له رسالة أو خطابة أو شعر أو سجع، كما قال تعالى {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} تنبيهاً على أن تألفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخر وقال أبو حيان التوحيدي: سئل بندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن فقال: هذه مسألة فيها حيف على المعنى، وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان، بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده. وقال الخطابي: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب علهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حك الذوق. قال: والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمناه البليغ الرصين الجزل. ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز المطلق الرسل. وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود. فالأول أعلاها. والثاني أوسطها. والثالث أدناها وأقربها. فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي

ص: 1577

الفخامة والعذوبة. وهما على الانفراد في نعومتهما كالمتضادين، لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعاً من الذعورة. فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن ليكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم. وإنما تعذر عن البشر الإتيان بمثله لأمور. منها: أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه المنظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتواصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضلة حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاوة وتشاكلاً من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أصح المعاني من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ودعائه إلى طاعته وبيان لطريق عبادته، من تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها، واضعاً كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعاً أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعائد منهم منبئاً عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان، جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه، ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا إليه وأداء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر يعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم، فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته في شكله ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجهاً ذهب عنه الناس، وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذ قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ذوي

ص: 1578

الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه، قال تعالى {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقال {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} وقال الرماني: وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة والتحدي للكافة والصرفة والبلاغة والإخبار عن الأمور المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجزة. قال: ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة ويفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام. قال: وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذا كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلاً واحداً في الإعجاز، وإذ خرج عن العادة فصد الخلق عن المعارضة.

قال البارزي في أول كتابه (أنوار التحصيل في أسرار التنزيل) اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزأي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولابد من استحضار معاني الجمل أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ ثم استعمال أنسبها وأفصحها واستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال وذلك عتيد حاصل في علم الله، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه وإن كان مشتملاً على الفصيح والأفصح والمليح والأملح، ولذلك أمثلة منها قوله تعالى {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} لو قال مكانه وثمر الجنتين قريب لم يقم مقامه من جهة الجناس، بين الجني والجنتين ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجني فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل. ومنها قوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} أحسن من التعبير بتقرأ لثقله بالهمزة ومنها {لَا رَيْبَ فِيهِ} أحسن من لاشك فيه لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب ومنها {وَلَا تَهِنُوا} أحسن من ولا تضعفوا لخفته و {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} أحسن من ضعف، لأن الفتحة أخف من الضمة، ومنها {وَآمَنَ} أخف من صدق، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق و {آثَرَكَ اللَّهُ} أخف من فضلك، و {أَتَى} أخف من أعطى، و {وَأَنْذِرْ} أخف من خوف، و {خَيْرٌ لَكُمْ} أخف من أفضل لكم، والمصدر في نحو {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أخف من مخلوق، والغائب و {نَكَحَ} أخف من

ص: 1579

تزوج، لأن فعل أخف من تفعَّلَ، ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر.

وللأستاذ مصطفى صادق الرافعي إشراقات في وصف القرآن ووصف إعجازه ننقل لك مقتطفات من كلامه لتقف على بعض أسرار الإعجاز.

كان مما قال في وصف القرآن: آيات منزلة حول العرش، فالأرض بها سماء هي منها كواكب بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها

ص 29.

ألفاظ إذا اشتد فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها وتصف الآخرة فمنها جنتها وصرامها، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعد من حمى القلوب

ص 30.

ويتحدث عن حقيقة الإعجاز فكان مما قاله:

القرآن معجز بالمعنى الذي يُفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه، حين ينفي الإمكان بالعجز عن غير الممكن، فهو أمرٌ لا تبلغ منه الفطرة الإنسانية مبلغاً وليس إلى ذلك مأتى ولا جهة؛ وإنما هو أثرٌ كغيره من الآثار الإلهية، يشاركها في إعجاز الصنعة وهيئة الوضع، وينفرد عنها بأن له مادة من الألفاظ كأنها مفرغةٌ إفراغاً من ذوْبِ تلك المواد كلها. وما نظنه إلا الصورة الروحية للإنسان، إذا كان الإنسان في تركيبه هو الصورة الروحية للعالم كله

ص 156.

ويتحدث عن أسلوب القرآن فيقول: "وهذا الأسلوب فإنما هو مادة الإعجاز العربي في كلام العرب كله ليس من ذلك: شيء إلا وهو معجز ص 188".

وبعد أن عرض طبيعة أساليب العرب قال:

"فلما ورد عليهم أسلوب القرآن رأوا ألفاظهم بأعيانها متساوقة فيما ألفوه من طرق الخطاب وألوان المنطق. ليس في ذلك إعنات ولا معاياة، غير أنهم ورد عليهم من طرق

ص: 1580

نظمه، ووجوه تركيبه، ونسق حروفه في كلماتها، وكلماته في جملها، ونسق هذا الجمل في جملته - ما أذهلهم عن أنفسهم، من هيبة رائعة وروعة مخوفة، وخوف تقشعرُّ منه الجلود؛ حتى أحسُّوا بضعف الفطرة القوية، وتخلف الملكة المستحكمة؛ ورأى بلغاؤهم أنه جنس من الكلام غير ما هم فيه، وأن هذا التركيب هو روح الفطرة اللغوية فيهم، وأنه لا سبيل إلى صرفه عن نفس أحد العرب أو اعتراض مساغه إلى هذه النفس، إذ هو وجه الكمال اللغوي الذي عرف أرواحهم واطلع على قلوبهم

ص 189.

ويفيض في الكلام في وصف الإعجاز ومما قاله:

وههنا معنى دقيقٌ في التحدي، ما نظن العرب إلا وقد بلغوا منه عجباً: وهو التكرار الذي يجيء في بعض آيات القرآن، فتختلف في طرق الأداء وأصل المعنى واحد في العبارات المختلفة، كالذي يكون في بعض قصصه لتوكيد الزجر والوعيد وبسط الموعظة وتثبيت الحجة ونحوها، أو في بعض عباراته لتحقيق النعمة وترديد المنَّة والتذكير بالنعم واقتضاء شكره، إلى ما يكون هذا الباب

ص 193 - 194.

ويضيف بعد كلام طويل:

وفي القرآن مظهر غريب لإعجازه المستمر، لا يحتاج في تعرُّفه إلى روية ولا إعناتٍ، وما هو إلا أن يراه من اعترض شيئاً من أساليب الناس حتى يقع في نفسه معنى إعجازه؛ لأنه أمر يغلب على الطبع وينفرد به فيبين عن نفسهِ بنفسهِ، كالصوت المطرب البالغ في التطريب: لا يحتاج امرؤ في معرفته وتمييزه إلى أكثر من سماعه.

ذلك هو وجه تركيبه، أو هو أسلوبه، فإنه مباين بنفسه لكل ما عُرف من أساليب البلغاء في ترتيب خطابهم وتنزيل كلامهم، وعلى أنه يؤاتي بعضه بعضاً، وتُناسب كلُّ آية منه كل آية أخرى في النظم والطرقة، على اختلاف المعاني وتباين الأغراض، سواءٌ في ذلك ما كان مبتدأ به من معانيه وأخباره وما كان متكرراً فيه، فكأنه قطعة واحدة ص 201.

ثم يقول في وصف مظهر آخر من مظاهر الإعجاز:

وبعدُ فأنت تعرف أن أفصح الكلام وأبلغه وأسراره وأجمعه لحرِّ اللفظ ونادر المعنى،

ص: 1581

وأخلقه أن يكون منه الأسلوب الذي يحسمُ مادة الطبع في معارضته، هو ذلك الذي تريده كلاماً فتراه نفساً حيَّة، كأنها تُلقي عليك ما تقرؤه ممزوجاً بنبرات مختلفة وأصوات تدخل على نفسك - إن كنت بصيراً بالصناعة متقدماً فيها - كل مدخل، ولا تدع فيها إحساساً إلا أثارته، ولا إعجاباً إلا استخرجته

ص 204.

ويضيف معاني أخرى فيقول:

ومعنى آخر هو أننا نرى أسلوب القرآن من اللين والمطاوعة على التقليب، والمرونة في التأويل، بحيث لا يصادم الآراء الكثيرة المقابلة التي تخرج بها طبائع العصور المختلفة

ص 206.

وبعد انتهائه من الكلام على أسلوب القرآن وبدئه الكلام عن نظم القرآن قال: ذلك بعض ما تهيأ لنا من القول في الجهات التي اختص بها أسلوب القرآن فكانت أسباباً لانقطاع العرب دونه انخذالهم عنه، وإنما تلك الجهات صفاتٌ من نظم القرآن وطريقة تركيبه، فنحن الآن قائلون في سر الإعجاز الذي قامت عليه هذه الطريقة وانفرد به ذلك النظم

ص 209.

وفي خاتمة مقدمته التي قدم بها للحديث عن نظم القرآن قال:

فأنت الآن تعلم أن سر الإعجاز هو في النظم، وأن لهذا النظم ما بعده؛ وقد علمت أن جهات النظم ثلاث: في الحروف، والكلمات، والجُمل، فههنا ثلاثة. ص 211.

وأفاض في الكلام عن الحروف وأصواتها (212 - 219) وتكلم فيما تكلم عن إعجاز النظم الموسيقي في القرآن والفواصل التي تنتهي بها آيات القرآن ومكانها من هذا النظم، وكون القرآن لا يخلق على كثرة الرد وكثرة التكرار ولا تمل منه الإعادة.

ويتكلم عن تساوق هذه الحروف على أصول مضبوطة من بلاغة النغم بالهمس والجهر والقلقلة والصفير ثم اختلاف ذلك في الآيات بسطاً وإيجازاً وابتداءً ورداً

إلخ.

ثم يتكلم عن الكلمات وحروفها (220 - 235) وكان مما قاله (ص: 224): ولما كان الأصل في نظم القرآن أن تعتبر الحروف بأصواتها وحركاتها ومواقعها من الدلالة المعنوية استحالة أن يقع في تركيبه ما يسوغ الحكم في كلمة زائدة أو حرف مضطرب أو ما يجري

ص: 1582

مجرى الحشو والاعتراض

ويقول (ص 226) فلابد في مثل نظم القرآن من إخطار معاني الجمل وانتزاع جملة ما يلائمها من ألفاظ اللغة، بحيث لا تند لفظة ولا تتخلف كلمة ثم استعمال أمَسِّها رحماً بالمعنى وأفصحها في الدلالة عليه وأبلغها في التصوير وأحسنها في النسق وأبدعها سناء وأكثرها غناء

ثم اطرد ذلك في جملة القرآن على اتساعه وما تضمن من أنواع الدلالة ووجوه التأويل

ويقول (ص 228) وما من حرف أو حركة في الآية إلا وأنت مصيب من كل ذلك عجباً في موقعه والقصد به حتى ما تشك أن الجهة واحدة في نظم الجملة والكلمة والحركة

ثم يأخذ في ضرب الأمثلة وبيان ما فيها من إعجاز ثم يقول (ص: 234):

وما يشذُّ في القرآن الكريم حرف واحد عن قاعدة نظمه المعجز؛ حتى إنك لو تدبرت الآيات التي لا تقرأ فيها إلا ما يسرده من الأسماء الجامدة، وهي بالطبع مظنة أن لا يكون فيها شيء من دلائل الإعجاز؛ فإنك ترى إعجازها أبلغ ما يكون في نظمها وجهات سردها، ومن تقديم اسم على غيره أو تأخيره عنه، لنظم حروفه ومكانه من النطق في الجملة؛ أو لنكتة أخرى من نكت المعاني التي وردت فيها الآية بحيث يوجد شيئاً فيما ليس فيه شيء.

ثم يتكلم عن الجمل وكلماتها (ص 236 - 248) ومما قال (ص 241): تختلف الألفاظ ولا تراها إلا متفقة وتفترق ولا تراها إلا مجتمعة وتذهب في طبقات البيان وتنتقل في منازل البلاغة وأنت لا تعرف منها إلا روحاً تداخلك بالطرب وتشرب قلبك الروعة ....

وإنك لتحار إذا ما تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة التي يتصرف فيها وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى لا ترى في اللغة كلها أدل على غرضك وأجمع لما في نفسك وأبين لهذه الحقيقة غير كلمة الإعجاز ص 246.

ويختم هذا الفصل فيقول (ص 248):

ص: 1583

وإن من أعجب ما يحقق الإعجاز أن معاني هذا الكتاب الكريم لو ألبست ألفاظاً أخرى من نفس العربية، ما جاءت في نمطها وسمتها والإبلاغ عن ذات المعنى لا في حكم الترجمة، ولو تولى ذلك أبلغ بلغائها ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً؛ فقد ضاقت اللغة عنده على سعتها، حتى ليس فيها لمعانيه غير ألفاظه بأعيانها وتركيبها. ثم تحدث عن غرابة أوضاعه التركيبية:

وذلك أنك حين تنظر في تركيبه لا ترى كيفما أخذت عينُك منه إلا وضعاً غريباً في تأليف الكلمات، وفي مساق العبارة، وبحيث تبادرك غرابته من نفسها وطابعها بما تقطع أن هذا الوضع وهذا التركيب ليس في طبع الإنسان، ولا يمكن أن يتهيأ له ابتداء واختراعاً دون تقديره على وضع يشبهه، أو احتذاء لبعض أمثلة تقابله، لا تحتاج في ذلك إلى اعتبار ولا مقايسةٍ، وليس إلا أن تنظر فتعلم

ص 249.

ويتحدث عن الطريقة النفسية في الطريقة اللسانية: فليس إلا أن تقرأ الآية على العربي أو مَنْ هو في حكمة لغة وبلاغة حتى تذهب نفسه مذهبها لا تني ولا تتخلف

اهـ ص 262.

وهكذا يعرض لنا الرافعي طرفاً من إعجاز القرآن.

وقد شعر كل قارئ عجز الباحثين والمتكلمين عن الوفاء بحق الإعجاز فكان ذلك مظهراً آخر من مظاهر الإعجاز فلا نطيل أكثر من ذلك.

ثالثاً: معجزات القرآن:

ذكرنا أن في القرآن إعجازاً ومعجزات، ومعجزات القرآن لا يمكن حصرها، وكل معجزة من معجزاته كافية لتدل على أنه من عند الله عز وجل، ولتدل على أن محمداً كان رسولاً لله لا شك في ذلك ولا ريب، فكيف إذا اجتمع مع معجزات القرآن إعجازه؟! وكيف إذا كانت معجزات القرآن بعضاً من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إنك لو تأملت معاني القرآن ونظرت إليها على أنها جاءت بواسطة رجل أمي فإنك تجد من خلال هذه النظرة معجزات لا يمكن

ص: 1584

حصرها، وإذا نظرت إلى المكان الذي وجدت في هذه المعاني وهو جزيرة العرب، رأيت أن كثيراً من هذه المعاني القرآنية تدخل في باب الخوارق، وإذا نظرت إلى الزمان الذي نزل فيه هذا القرآن لوجدت استحالة أن توجد كثير من معاني القرآن في ذلك الزمان كما هي عليه في القرآن ولو تأملت ما حواه القرآن عن ماضي الإنسان لرأيت فيه من الخوارق الكثير، ولو تأملت ما ورد في القرآن مما كشفه النمو العلمي للإنسان لوجدت معجزات كثيرة. ولو أنك تأملت ما يسمى بالعلوم الإنسانية وعرضتها على القرآن لوجدت في ذلك كثيراً من الخوارق، ولو أنك تأملت ما انبثق عن القرآن من علوم تتوسع على مدى الزمان كالفقه مثلاً لرأيت كثيراً من الخوارق تدخل في باب المعجزات.

ولو نظرت إلى العلوم التي انبثقت عن علوم القرآن لرأيت خوارق كثيرة، ولو نظرت إلى قصور الفلسفة في مباحثها الثلاثة: المعرفة والوجد والقيم بالنسبة لهذا القرآن لرأيت خوارق كثيرة.

وهذا بعض ما في القرآن من معجزات فكيف إذا اجتمع لك مع هذا كله الحق والصدق في القرآن كله ودقة الوصف لما يعجز البشر عن أن يقولوا فيه إلا كلاماً متهافتاً وفي الكلام عن الله واليوم الآخر أعظم مثل على ذلك. ولهذا كله فإن الحديث عن معجزات القرآن واسع يحتاج الإنسان لكي يأخذ طرفاً منه أن يقرأ ما قاله المفسرون وأن يقرأ ما قاله المختصون في كثير من العلوم التي تعرض لها القرآن، وقد حاولنا في كتابنا "الأساس في التفسير" أن نعطي القارئ زاداً كثيراً في هذا الشأن، ولكن مع كثرة ما ذكرنا فإنه كُلٌّ من جُلٍّ ومن ذا الذي يحيط بمعجزات هذا القرآن الذي قال الله عز وجل فيه {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (1) وقال تعالى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (2).

ونحن هنا نقتصر على ضرب أملة مما ذكره السابقون ومما يفتح الله عز وجل به:

أولاً: في عصرنا وجدت قوتان عظيمتان تتنافسان في الارتقاء في الأسباب، فتحاولان

(1) الفرقان: من 6.

(2)

سبأ: من 6.

ص: 1585

أن تتعرفا على قوانين هذا الكون وما فيه لتسخرها في الصراع فيما بين الكتلتين: كتلة الشرق الشيوعي وكتلة الغرب الرأسمالي. ومن مظاهر هذا الصراع: الصراع على الفضاء في عصرنا. فالأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وغير ذلك مظهر من مظاهر هذا الصراع، اقرأ قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} (1) فها هنا حديث عن معسكرين يرتقيان في الأسباب وأحد المعسكرين سيكون هو المغلوب، ونحن الآن نشهد بداية هذا الصراع بين المعسكرين.

ثانياً: قال تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} (2) فهذه الآية تدل على أن الليل هو الذي يطلب النهار وهذا لا يكون إلا إذا كانت الأرض تدور، لأنه لو كانت الشمس - وهي المنبع الضوئي للنهار- هي التي تدور حول الأرض لكان النهار هو الذي يطلب الليل.

ثالثاً: لقد أعطانا القرآن تصوراً عن الزمان والمكان ما كان ليخطر ببال إنسان حتى إذا جاء عصرنا وعرفنا أبعاد النجوم، وعرفنا أن أيام بعض الكواكب والنجوم طويلة جداً، وعرفنا من سعة الكون ما لا يخطر ببال، أدركنا معجزة من معجزات القرآن إذ يقول الله تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (3) وقال:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (4) وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (5).

رابعاً: ومن ذا الذي كان يعرف في جزيرة العرب أن الأرض كروية، انظر إلى قوله تعالى:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} (6). لتجد فيه إشارة إلى هذه الكروية.

(1) ص: 10، 11.

(2)

الأعراف: من 54.

(3)

الذاريات: 47.

(4)

الحج: من 47.

(5)

الواقعة: 75، 76.

(6)

الزمر: 5.

ص: 1586

خامساً: من العلوم التي نشأت في العصور المتأخرة وأصبح لها دور كبير في مجالات شتى كإثبات الشخصية وإثبات بعض الجرائم علم البصمات الذي يرتكز على فكرة أن بصمة الإنسان لا تشبه بصمة إنسان آخر، ولهذا صلة بقوله تعالى:{بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (1) البنان هو الذي فيه بصمة الإنسان، فالإشارة إليه معجزة يعرفه من تأمل.

سادساً: وفي عصرنا عرف الإنسان شيئاً كثيراً عن السحاب وأنواع الكهربائية فيه ودور هذه الكهربائية في نزول المطر وانظر إلى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} (2). فإنك تجد معجزة من معجزات هذا القرآن.

سابعاً: وفي عصرنا عرف الإنسان شيئاً عن أعماق المحيطات وعرف أن هناك أمواجاً ظاهرة وأمواجاً باطنة وانظر إلى قوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} (3). لترى معجزة من معجزات هذا القرآن.

ثامناً: وفي عصرنا عرف الإنسان فكرة الضغط الجوي وعرف أن الهواء المحيط في الأرض له قطر ينتهي به، وأن مآل من يصعد إلى السماء أن يختنق في النهاية وانظر إلى قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (4) لترى معجزة من معجزات هذا القرآن.

تاسعاً: ومن معجزات القرآن ما أخبر عنه القرآن من غيوب ماضية وهي من الدقة بمكان عظيم، فمن المعروف مثلاً أن ما يسمى بالتوراة الحالية تتحدث عن غرق فرعون فقط والحفريات الحديثة أوجدت جثث كل منْ هو مظنة أن يكون فرعون موسى، والقرآن يذكر الغرق ويذكر نجاة البدن. قال تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} (5). وقد ثبت في حفريات بين النهرين أن البشر كانوا يعمرون أكثر من ألف سنة

(1) القيامة: 4.

(2)

النور: من 43. (الودق): المطر.

(3)

النور: من 40.

(4)

الأنعام: من 125.

(5)

يونس: من 92.

ص: 1587

كما نقلنا ذلك في تفسيرنا وفي قسم العقائد من هذا الكتاب، والقرآن يقول عن نوح عليه السلام:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (1) والقرآن يحدثنا أنه ترك سفينة نوح آية ولا يزال البحث قائماً على قدم وساق على جبل أرارات لأن الأقمار الصناعية وجدت على ظهر هذا الجبل ما مظنة أن يكون بقايا سفينة.

عاشراً: تحدث القرآن عن غيوب في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر صدق ذلك ومن أظهر هذا النوع من المعجزات ما أخبر عنه القرآن الكريم من أن الروم سيغلبون فارس بعد أن غلبوا وقد كان ذلك. ومن ذلك إخبار الله رسوله عن حفظه من الناس بقوله {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (2) وقد كان ذلك فلم يستطع أحد أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثرة الراغبين في ذلك.

ومن ذلك إخبار الله رسوله عن انتصار الإسلام في كثير من الآيات وقد كان ذلك وهذا النوع من الإخبار بالغيوب المستقبلية كثير في القرآن وفي كل من ذلك معجزة من معجزات القرآن.

حادي عشرك ولقد شارك اليهود والمصريون في عبادة أوزيرس الذي ينطق به الغربيون عوزر، وكان قدماء المصريين يعتقدون أن ابن الله وذهب بعض المفسرين إلى أن هذا والمراد بقوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (3).

ثاني عشر: والاستيعاب لمعجزات القرآن مستحيل وإنما ضربنا لك أمثلة لتعرف معنى ما ذكرناه من أن في القرآن إعجازاً وتعرف أنه مع كرامة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن أظهر على يده من المعجزات الحسية أكثر مما أظهره على يد الرسل السابقين ومع ذلك فقد خصه بهذا القرآن المعجز الذي فيه مالا يحصى من المعجزات ليكون حجة الله على البشر إلى قيام الساعة بأن محمداً رسول الله وأن القرآن من عند الله.

(1) العنكبوت: من 14.

(2)

المائدة: من 67.

(3)

التوبة: من 30.

ص: 1588

قال صاحب مناهل العرفان:

وهنا نلفت النظر إلى أن القرآن بما اشتمل عليه من هذه المعجزات الكثيرة قد كتب له الخلود، فلم يذهب بذهاب الأيام، ولم يمت بموت الرسول عليه الصلاة والسلام. بل هو قائم في فم الدنيا يحاج كل مكذب، ويتحدى كل منكر ويدعو أمم العالم جمعاء إلى ما فيه من هداية الإسلام وسعادة بني الإنسان. ومن هذا يظهر الفرق جلياً بين معجزات نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومعجزات إخوانه الأنبياء عليهم أزكى الصلاة وأتم السلام فمعجزات محمد في القرآن وحده آلاف مؤلفة، وهي متمتعة بالبقاء إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. أما معجزات سائر الرسل فمحدودة العدد، قصيرة الأمد، ذهبت بذهاب زمانهم، وماتت بموتهم، ومنْ يطلبها الآن لا يجدها إلا في خبر كان ولا يسلم له شاهدٌ بها إلا هذا القرآن، وتلك نعمة يمنها القرآن على سائر الكتب والرسل وما صح من الأديان كافة. قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} وقال عز اسمه {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ا. هـ

وبعد فقد قال الله عز وجل: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (1).

فالقرآن الكريم لمن عقل لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل، وهذه مقدمة نتيجتها أن يهتدي الإنسان بالقرآن في أمره كله، وإنما تحدثنا عن أسلوب القرآن وإعجازه ومعجزاته لنصل إلى هذه النتيجة وهو أن نجعل القرآن الكريم هدانا في كل شيء، وهذا يقتضي تلاوة وفهماً وعلماً وعملاً، ونحن وإن كنا قد أجّلنا في هذه المقدمة الكلام عن هداية القرآن إلا أننا نجتزئ هنا بذكر شيء مما كتبه السيوطي في الإتقان تحت عنوان:(في العلوم المستنبطة من القرآن) وذلك للتذكير بالمراد الأول من إنزال هذا القرآن وهو الاهتداء به:

قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وقال صلى الله عليه وسلم "ستكون فتن، قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله،

(1) البقرة: 1، 2.

ص: 1589

فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم" أخرجه الترمذي وغيره. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقي: يعني أصول العلم.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن وقال أيضاً: جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قلت: ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم "إن لا أحل إلا ما أحل الله، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه" أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم. وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله. وقال ابن مسعود. إذا حدثتكم بحديث أنبؤكم بتصديقه من كتاب الله تعالى. أخرجهما ابن أبي حاتم. وقال الشافعي أيضاً: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. فإن قيل: من الأحكام ما يثبت ابتداء بالسنة. قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وفرض علينا الأخذ بقوله.

وقال ابن برهان: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد، ففهمه من فهمه وعم عنه من عمه، وكذا كل ما حكم به أو قضى به، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه.

وقال ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم بها، ثم رسل الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم تضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوعوا علومه وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة والآيات المتماثلة من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما أودع فيه، فسموا القراء واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال والحروف العاملة

ص: 1590

وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به، حتى إن بعضهم أعرب مشكله وبعضهم أعربه كلمة كلمة، واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظاً يدل على معنى واحد ولفظاً يدل على معنيين ولفظاً يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه وأوضحوا معنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كل منهم فكره وقال بما اقتضاه نظره، واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية مثل قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأصول الدين. وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك، فاستنطبوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز، وتكلموا في التخصيص والإخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والنسخ إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه. وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام، فأسسوا أصوله وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطاً حسناً، وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيضاً. وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة والمم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص. وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد والتحذير والتبشير وذكر الموت والمعاد والنشر والحشر والحساب والعقاب والجنة والنار فصولاً من المواعظ وأصولاً من الزواجر، فسموا بذلك الخطباء والوعاظ. واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال. ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عادتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض،

ص: 1591

فاستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول، واستخرجوا منه أحكام الوصايا. ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت. ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق المبادي والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز وغير ذلك واستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع.

وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل وأم علوم القرآن ثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام. فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام منها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب، ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة، وسورة الإخلاص ثلثه لاشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة وهو التوحيد. وقال ابن جرير: القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء: التوحيد، والأخبار، والديانات، ولهذا كانت سورة الإخلاص ثلثه لأنها تشمل التوحيد كله. وقال علي بن عيسى: القرآن يشتمل على ثلاثين شيئاً: الإعلام والتشبيه والأمر والنهي والوعد والوعيد ووصف الجنة والنار وتعليم الإقرار باسم الله وبصفاته وأفعاله وتعليم الاعتراف بإنعامه والاحتجاج على المخالفين والرد على الملحدين والبيان عن الرغبة والرهبة والخير والشر والحسن والقبيح ونعت الحكمة وفضل المعرفة ومدح الأبرار وذم الفجار والتسليم التحسين والتوكيد التقريع والبيان عن ذم الأخلاق وشرف الآداب. قال شيدلة: وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها ابن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها، فإن القرآن لا يستدرك ولا تحصى عجائبه.

وقال الشيخ العز بن عبد السلام:

وقد نوع الشارع في ذلك أنواعاً كثيرة ترغيباً لعباده وترهيباً وتقريباً إلى أفهامهم: فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن فاعله أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب أو أقسم به أو بفاعله كالإقسام

ص: 1592

بالشفع والوتر وبخيل المجاهدين وبالنفس اللوامة، أو نصبه سبباً لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو لشكره له أو لهدايته إياه أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارته أو وصف فاعله بالطيب أو وصف الفعل بكونه معروفاً أو نفي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده بالأمن، أو نصب سبباً لولايته أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله أو وصفه بكونه قربة أو بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب، وكل فعل طلب الشارع تركه أو ذمه أو ذم فاعله أو عتب عليه أو مقت فاعله أو لعنه أو نفي محبته أو محبة فاعله أو الرضى به أو عن فاعله أو شبه فاعله بالبهائم أو بالشياطين أو جعله مانعاً من الهدى أو من القبول أو وصفه بسوء أو كراهة أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه أو جعل سبباً لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل أو لذم أو لوم أو ضلالة أو معصية أو وصف بخبث أو رجس أو نجس أو بكونه فسقاً أو إثماً أو سبباً لإثم أو رجس أو لعن أو غضب أو زوال نعمة أو حلول نقمة أو حد من الحدود أو قسوة أو خزي أو ارتهان نفس أو لعداوة الله ومحاربته أو لاستهزائه أو سخريته أو جعله الله سبباً لنسيان فاعله أو وصفه نفسه بالصبر عليه أو بالحلم أو بالصفح عنه أو دعا إلى التوبة منه أو وصف فاعله بخبث أو احتقار أو نسبه إلى عمل الشيطان أو تزيينه، أو تولي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلماً أو بغياً أو عداناً أو إثماً أو مرضاً، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله أو جاهدوا فاعله بالعداوة أو نهوا عن الأسى والحزن عليه أو نصب سبباً لخيبة فاعله عاجلاً أو آجلاً، أو رتب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعله بأنه عدو لله أو بأن الله عدوه أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه لا ينبغي هذا أو لاتكون أوامره بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضاده أو بهجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء، أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سبباً للفلاح، أو جعله سبباً لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل هل أنت منته، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعاداً أو طرداً، أو لفظة قتل من فعله أو قاتله الله، أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولايزكيه ولا يصلح

ص: 1593

عمله ولا يهدي كيده أو لا يفلح، أو قيض له الشيطان أو جعل سبباً لإزاغة قلب فاعله أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل، فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة، وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإنكار على من حرم الشيء من الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والإخبار عن فعل من قبلنا غير ذامّ لهم عليه، فإن اقترن بإخباره مدح دل على مشروعيته وجوباً أو استحباباً اهـ كلام الشيخ العز بن عبد السلام.

ص: 1594