الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة حم: الدُّخان
2833 -
* روى الشيخان عن مسروق بن الأجدع رحمه الله قال: كُنَّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود- وهو مُضطجعٌ بيننا - فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصا عند أبواب كندة يقُص، ويزعم: أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزكام، فقال عبدالله وجس وهو غضبان: يا أيها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلمُ، ومن لا يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (1) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباراً قال: "اللهم سبعٌ كسبعِ يوسفَ".
وفي رواية (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشاً كذبوه، واستعصوا عليه، فقال: "اللهم أعني عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف، فأخذتهم سنةٌ حصتْ كل شيءٍ، حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظرُ إلى السماء أحدهم، فيرى كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك جئت تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا، فادع الله عز وجل لهم، قال الله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (3) قال عبد الله: أفيُكْشَفُ عذاب الآخرة؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فالبطشة: يوم بدرٍ.
وفي رواية (4) قال: قال عبد الله: إنما كان هذا، لأن قريشاً لما استعصوا على النبي
2833 - البخاري (8/ 511) 65 - كتاب التفسير، 30 - سورة الروم.
مسلم (4/ 2155) 50 - كتاب صفات لامنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان.
(1)
ص: 86.
(2)
البخاري (2/ 493) 15 - كتاب الاستسقاء، 1 - باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء.
(3)
الدخان: 10 - 16.
(4)
البخاري (8/ 571) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (يغشى الناس عذاب أليم).
صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحطٌ وجهدٌ، حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله عز وجل:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمُضر، فإنها قد هلكت. قال: لمُضر؟ إنك لجريء، فاستسقى لهم، فسُقوا، فنزلت:{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فلما أصابهم الرفاهية، عادوا إلى حالهم، حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال: يعني يوم بدر.
وفي رواية (1) نحوه، وفيها: فقيل له: إن كشفنا عنهم، عادوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ -إلى قوله- إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} .
وفي رواية (2) الترمذي مثل الرواية الأولى إلى قوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال أحد رواته: هذا كقوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} فهل يكشفُ عذاب الآخرة؟ قد مضى البطشة واللزامُ والدخانُ، وقال أحدهم: القمر، وقال الآخر: الروم واللزام يوم بدرٍ.
وفي أخرى (3) للبخاري ومسلم قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخانُ، واللزامُ، والرومُ، والبطشةُ، والقمرُ.
(بسبع كسبع) أراد بالسبع: سبع سنين اليت اكنت في زمن النبي يوسف عليه السلام المجدبة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.
(حصت) حلقت واستأصلت.
(قحط) القحط: احتباس المطر.
(جهده) الجهد- بفتح الجيم - المشقة.
(الرفاهية) الدعة وسعة العيش.
(الروم): يعني انتصار الروم على لافرس.
(1)
البخاري (8/ 572) باب (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون).
(2)
الترمذي (5/ 379، 380) 48 - كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الدخان.
(3)
البخاري (8/ 496) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (فسوف يكون لزاماً).
مسلم (4/ 2157) 50 - كتاب صفات لامنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان.
قال في الفتح: إنما قال: لمضر، لأن غالبهم كانوا بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى منْ حولهم، فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم، فيذكر بجرمهم، فقال "لمضر": ليندرجوا فيهم، ويشير أيضاً إلى أن المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرواية الأخيرة "وإن قومك هلكوا" ولا منافاة بينهما، لأن مضر أيضاً قومه. اهـ.
(قال: لمضر؟) أي: أتأمرني أن أستسقي الله لمضر، مع ما هم عليه من المعصية والإشراك بالله.
أقول: مذهب ابن مسعود أن آية الدخان قد مرت إلا أن النصوص الصحيحة كثيرة في: أنه سيكون من أشراط الساعة الدخان، فإن كان ما ذهب إليه في تأويل الآيات من سورة الدخان صحيحاً فهذا لا ينفي أن نثبت الدخان الذي يكون بين يدي الساعة لأنه قد وردت فيه نصوص صحيحة كما رأينا في قسم العقائد، هذا وقد خالف بعض العلماء ابن مسعود في هذا التفسير وحملوا الآيات على الدخان الذي يكون بين يدي الساعة.