الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التحريم
2884 -
* روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنُو من إحداهنَّ، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبسُ، فغرتُ فسألت عن ذلك؟ فقيل لي: أهدتْ لها امرأة من قومها عُكَّةً من عسلٍ، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربةً، فقلت: أما والله لنحتالنَّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا فقولي له: ما هذه الريح التي أجدُ؟ - زاد في رواية (1): وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه أن يوجد منه اليرحُ - فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسلٍ، فقولي له: جرستْ نحلُهُ العُرْفُطَ، وسأقول ذلك، وقولي أنتِ يا صفيةُ مثل ذلك، قالت: قول سودة: فوالله الذي لا إله إلا هو، ما هو إلا أن قام على الباب، فأردتُ أن أبادئَهُ بما أمرتني فرقاً منك، فلمَّا دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال:"لا" قالت: فما هذه الريح التي أجدُ منك؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسلٍ" فقالت: جرستْ نحلُهُ العُرْفُط، فلما دار إليَّ، قلت له نحو ذلك، فلما دار إلىص فية، قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة، قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال:"لا حاجة لي فيه" قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكُتي.
وفي رواية (2) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب بنت جحشٍ، فيشربُ
2884 - البخاري (9/ 374، 375) 68 - كتب الطلاٌ، 8 - باب لم تُحرم ما أحل الله لك؟.
مسلم (2/ 1101، 1102) 18 - كتاب الطلاق، 3 - باب وجوب الكفارة على من حرَّم امرأته ولم ينو الطلاق.
أبو داود (3/ 335) كتاب الأشربة، باب في شراب العسل.
(1)
البخاري (12/ 343) 90 - كتاب الحيل، 12 - باب من ما يُكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر
…
إلخ.
(2)
النسائي (7/ 71) 36 - كتاب عشرة النساء، 4 - باب الغيرة.
(عُكة) العكة. الظرفُ الي يكونُ فيه العسلُ.
(مغافير) المغافير بالفاء والياء: شيء ينضحه العُرْفُط، حُلو كالناطف وله ريحٌ كريهة.
(جرست العرفط) جرست النحل العرفط، إذا أكلته، ومنه قيل للنحل: جوارس، والعُرفط: جمع عُرفطة، وهو شجر من العضاه زهرته مدحرجة، والعضاةُ: كل شجرٍ يعظمُ وله شواك كالطلح والسمر والسلم، ونحو ذلك.
(فرقا) الفرقُ: الفزع والخوفز
عندها عسلاً، قالت: فتواطأتُ أنا وحفصة، أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلتقل له: إني أجدُ منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهُما، فقالت ذلك له، فقال: بل شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحشٍ، ولن أعود له، فنزل {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1) {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} (2) لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (3) لقوله: بل شربتُ عسلاً ولن أعود له، وقد حلفتُ، فلا تخبري بذلك أحداً.
الرواية الأولى من طريق عبيد بن عمير عن عائشة، في "الصحيحين" أيضاً من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وفيه أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر، قال الحافظ: وأخرج ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن شرب العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير، وإن اختلفا في صاحبة العسل، وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد، فلا يمنع تعدد السبب للأمر الواحد، فإن جنح إلى الترجيح، فرواية عبيد بن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها، على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة، وفي الطلاق من جزم عمر بذلك، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة، لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه، واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة، ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها: أن شرب العسل كان عند حفصة تعرض للآية، ولا يذكر سبب النزول. والراجح أيضاً أن صاحبة العسل زينب لا سودة، لأن طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق ابن أبي مليكة بكثير، ولا جائز أن تتحد بطريق هشام بن عروة، لأن فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها: أجد ريح مغافير ويرجحه أيضاً ما ثبت عن عائشة أن نساء النبي كن حزبين، أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب، فهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولهذا غارت منها لكونها من غير حزبها والله أعلم [م].
(1) التحريم: 1.
(2)
التحريم: 4.
(3)
التحريم: 4.
2885 -
* روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند سودة العسل فدخل على عائشة فقالت: إني أجدُ منك ريحاً، ثم دخل على حفصة فقالت إني أجد منك ريحاً فقال أراه من شرابِ شربته عند سودة والله لا أشربه. فنزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} .
2886 -
* روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة، حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية.
وذكر ابن كثير في تفسيره 8/ 404 عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: لا تخبري أحداً وإن أم إبراهيم عليَّ حرام، فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: "فوالله لا أقربها" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة قال: فأنزل الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المستخرج". [م].
2887 -
* روى البزار عن ابن عباس {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قال نزلت هذه الآية في سُرّيته.
2888 -
* روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزلْ حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتينِ قال الله عز وجل (1): {إِنْ
2885 - الطبراني (المعجم الكبير)(11/ 117).
مجمع الزوائد (7/ 127) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
2886 -
النسائي (7/ 71) 36 - كتاب عشرة النساء، 4 - باب الغيرة، وإسناده قوي.
2887 -
كشف الأستار (3/ 76) كتاب التفسير، سورة التحريم.
مجمع الزوائد (7/ 126) وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين والطبراني، ورجال البزار رجال الصحيح، غير بشر بن آدم الأصغر، وهو ثقة.
2888 -
البخاري (9/ 278، 279) 67 - كتاب النكاح، 83 - باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها.
مسلم (2/ 1111، 1112، 1113) 18 - كتاب الطلاق، 5 - باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن
…
إلخ.
الترمذي (5/ 420، 421، 422، 423) 48 - كتاب تفسير القرآن، 66 - باب "ومن سورة التحريم" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
…
=
تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حتى حجَّ عمرُ، وحججتُ معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلتُ معه بالإداوة، فتبرز ثم أتاني، فسكبتُ على يديه، فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ فقال عمر: واعجبا لك يا ابن العباس! قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه، فقال: هما عائشة وحفصة، ثم أخذ يسوق الحديث- قال: كنا معشر قريش قوماً نغلبُ النساء، فلما قدمنا المدينة، وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: كان منزلي في بني أُمية بن زيد بالعوالي، فتغضبتُ يوماً على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكرُ أن أراجعك، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقتُ، فدخلتُ على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، أفتأمن إحداكن أن يغضب الهل عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا هي هلكتْ، لا تراجعي رسول الله، ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغُرنك أن كانت اجرتُك هي أوسم وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة - وكان لي جارٌ من الأنصار، فكنا نتناوب النزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يوماً، وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث: أن غسان تُنْعِلُ الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثم أتاني عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرج إليه، فقال: حدث أمر عظيم، فقلت: ماذا؟ جاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قلت: وقد خابت حفصة وخسرت، وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكُنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (1) قالت
= (العوالي) جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة.
(صغت) قلوبكما: مالت.
(جارتك) الجارة هاهنا: الضرةُ، أراد بها عائشة رضي الله عنها.
(أوسم منك): أكثر منك حسناً وجمالاً، والوسامة: الحسن والجمال.
(أوضأ منك) أكثر منك وضاءة، والوضاءة: الحسن والنظافة، ومنه الوضوء
(نتناوب) التناوب: هو أن تفعل الشيء دفعة، ويفعله الآخر دفعة أخرى، مرة بعد مرة.
…
=
لا أدري، هو هذا معتزلٌ في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود، فقلت، استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليَّ، قال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى إذا أتيتُ المنبر فإذا عنده رهط جلوس، يبكي بعضهم، فجلستُ قليلاً، ثم غلبني ما أجد فأتيتُ الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم خرج إليَّ، فقال: قد ذكرتك له فصمت، فخرجتُ فجلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له، فصمتَ، فوليت مدبراً، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخُلْ فقد أُذن لك، فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكيء على رمال حصيرٍ، قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلأيَّ، فقال: لا، فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش نغلبُ النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبْتُ على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرتُ ان تراجعني، فقالت: ما تُنكرُ أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج رسول الله ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلأى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله، فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله ليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلتُ على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسمُ وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم أخرى، فقلت: أستأنسُ يا رسول الله؟ قال: نعم، فجلستُ، فرفعتُ رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرُدُّ البصر، إلا أُهْبَةً ثلاثةً، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله فاستوى جالساً، ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قومٌ عُجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: استغفر لي يا رسول الله. وكان أقمس أن لا يدخل عليهن شهراً من أجل ذلك الحديث، حين أفشته حفصة إلى عائشة، من شدة موجِدته عليهن حتى عاتبه الله تعالى (1).
= (المشربةُ) بضم الراء وفتحها: الغرفة.
(رمال حصير) يقال: رملتُ الحصير: إذا ضفرته ونسجته، والمراد: أنه لمي كن عل السرير وطاء سوى الحصير.
(العجلة): هو أن ينقر الجذع ويجعل فيه مثل الدرج ليصعد فيه إلى الغرف وغيرها.
(أهبة، وأهُب) الأهبُ: جمع إهاب، وكذلك الأهبة، والإهاب: الجلد، ويُجمع أيضاً على أهبٍ بالضم.
(الموجدةُ) الغضب.
قال الزهري: فأخبرني عروةُ عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي، فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت أنك لا تدخل علينا شهراً، وإنك دخلت من تسعٍ وعشرين أعُدُّهن؟ فقال: إن الشهر تسع وعشرون - زاد في رواية: وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة، ثم قال: يا عائشة إني ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، ثم قرأ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} قالت عائشة: قد علم والله أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه، فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
وفي رواية (1): أن عائشة قالت: لا تُخبر نساءك أني اخترتُك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله أرسلني مُبلغاً ولم يُرسلني متعنتاً".
ولمسلم (2) أيضاً نحو ذلك، وفيه:"وذلك قبل أن يؤمرْن بالحجاب".
وفيه: دخول عمر على عائشة وحفصة ولومهُ لهما، وقوله لحفصة:"والله لقد علمتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحبُّكِ، ولولا أنا لطلقك".
وفيه: قول عمر عند الاستئذان- في إحدى المرات - يا رباحُ استأذنْ لي، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئتُ من أجل حفصة، والله لئن أمرني أن أضرب عنقها، لأضربن عُنقها، قال: ورفعتُ صوتي، وأنه أذن له عند ذلك، وأنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يخبر الناس أنه لم يطلقْ نساءه فأذِنَ له، وأنه قام على باب المسجد، فنادى بأعلى صوته: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه، وأنه قال له - وهو يرى الغضب في وجهه- يا رسول الله، ما يشُقُّ عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهُنَّ، فإن الله معك، وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، قال: وقلما تكلمتُ - وأحمد الله - بكلامٍ، إلا
(1) مسلم (2/ 1113) نفس الموضع السابق.
(2)
مسلم (2/ 1105، 1106، 1107، 1108) نفس الموضع السابق.
رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت هذه الآية آية التخيير:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} .
وفيه أنه قال: فلم أزل أحدثه، حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك- وكان من أحسن الناس ثغراً - قال: ونزلتُ أتشبثُ بالجِذْع، وهو جِذْعٌ يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدرُ، ونزل رسول الله كأنما يمشي على الأرض، ما يمسه بيده. فقلت: يا رسول الله، إنما كنت في الغرفة تسعاً وعشرين؟ فقال: إن الشهر يكون تسعاً وعشرين، قال: ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (1) قال: فكنت أنا الذي استنبطتُ ذلك الأمر، فأنزل الله عز وجل آية التخيير.
وفي رواية (2) للبخاري ومسلم قال ابن عباس: مكثتُ سنةً أريدُ أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيعُ أن أسأله، هيبةً له، حتى خرج حاجاً، فخرجت معه، فلما رجعنا - وكنا ببعض الطريق - عدل إلى الأراك لحاجةٍ له فوقفتُ له حتى فرغ، ثم سرتُ معه، فقلت: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنةٍ، فما أستطيع، هيبةً لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسلني، فإن كان لي به علم خبرتك به، ثم قال عمر: والله، إن كنا في الجاهلية ما نعُدُّ للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا أنا في أمرٍ أتأمره، إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا؟ فقلت لها: مالك ولما هاهنا! فيما تكلُّفُك ي أمر أريده! فقالت لي: عجباً لك يابن الخطاب!! ما تريد أن تُراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) النساء: 83.
(2)
البخاري (8/ 657، 658) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (تبتغي مرضاة أزواجك).
مسلم (2/ 1108، 1109، 1110) نفس الموضع السابق.
(تحسر) الغضب، أي: انكشف وزال.
(كشر) عن أسنانه، أي: كشف.
(أتأمره) التأمرُ: تدبرُ الشيء والتفكر فيه، ومشاورة النفس في شأنه.
حتى يظل يومه غضبان؟ فقام عمر، فأخذ رداءه مكانه، حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بُنية، إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أُحذرك عقوبة الله وغضب رسوله؟ يا بنية، لا يغرنك هذه التي أعجبها حُسنها، وحُبُّ رسول الله إياها - يريدعائشة - قال: ثم خرجت، حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتُها، فقالت أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب!! دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه؟ قال: فأخذتني والله أخذاً كسرتني به عن بعض ما كنت أجدُ، فخرجتُ من عندها. وكان لي صاحبٌ من الأنصار، إذ غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوفُ ملكاً من ملوك غسان، ذُكر لنا: أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدقُّ الباب. فقال: افتح، افتح، فقلت: جاء الغسانيُّ؟ فقال: بل أشدُّ من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، فقلت: رغِمَ أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرُبةٍ له، يَرْقى عليها بعجلةٍ، وغلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة، فقلت: قل: هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي، قال عمر: فقصصتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة، تبسم رسول الله صلى الله علي هوسلم، وإنه لعلى حصير، ما بينه وبينه شيءٌ، وتحت رأسه وسادةٌ من أدم، حشوُها ليفٌ، وإن عن رجليه قرظاً مصبُوراً، وعند رأسه أهبٌ معلقةٌ، فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيتُ. فقال ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله؟! فقال:"أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة"؟.
وفي الحديث من الفوائد: سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ، وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره، وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل، وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة (1)
= (قرظا) القرظ: ورق السلم، يدبغ به الجلود.
(مصبوراً) المصبور: لامجموع، أي: جُعل صبرة كصبرة الطعام.
الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه، وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل إصلاحها لزوجها، وفيه سياق القصة على وجهها وإن لم يسأل السائل عن ذلك، إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان، لا سيما إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك، وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي، وفيه ذكر العال ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن، وجواز ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه، وبيان ذكر وقت التحمل، وفيه الصبر على الزوجات والإغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من ذلك في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى، وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بواباً يمنع من يدخل إليه بغير إذنه، وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصة عند الأمر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخهرج إلى الناس وهو منبسط إليهم، فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر، عظيم المنزلة عنده، وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموماً استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه، لقول عمر: لأقولن شيئاً يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك، كما فعل عمر، وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الأكابر، وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي، وفيه أن الأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري في روايته بوقوع التطليق، وكذا جزم الناس الين رآهم عمر عند المنبر بذلك، محمول على أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن، فشاع ذلك فتحدث الناس به، وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه، لقول عمر: ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات، وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلاً، والاستغفار من وقوع ذلك، وطلب الاستغفار من أهل الفضل، وإيثار القناعة، وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية.
انظر الفتح 9/ 291 - 293 وشرح النووي 10 - 93 - 94، وجامع الأصول 2/ 408.
نقل القرطبي في تفسيره 6/ 173 و 174 قال الخليل بن أحمد والفراء: كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع. تقول هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما، و"إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" ولهذا قال:"فاقطعوا أيديهما" ولم يقل: يديهما.