الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيكون الخلاف لفظياً بينه وبين سابقيه.
وقيل إنها ثمانية: خمسة متفق عليها وهي الكوفي والبصري ولشامي والمدني العام والمدني الخاص، وثلاثة مختلف فيها وهي المكي، ومصحف البحرين، ومصحف اليمن وقيل إن عثمان رضي الله عنه أنفذ إلى مصر مصحفاً.
ولعل القول بأن عددها ستة، هو أولى الأقوال بالقبول. والمفهوم على كل حال أن عثمان رضي الله عنه، قد استنسخ عدداً من المصاحف يفي بحاجة الأمة وجمع كلمتها.
كيف أنفذ عثمان المصاحف العثمانية
؟
كان الاعتماد في نقل القرآن - ولا يزال - على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقة وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك اختار عثمان حُفَّاظاً يثق بهم وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين. فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه ما من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، ثم نقل التابعون عن الصحابة فقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم تلقياً عن الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا في ذلك مقام الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم. ثم تفرغ قوم للقراءة والأخذ والضبط، حتى صاروا في هذا الباب أئمة يرحل إليهم ويؤخذ عنهم، وأجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم واعتماد روايتهم. ومن هنا نسبت القراءة إليهم، وأجمعت الأمة - وهي معصومة من الخطأ في إجماعها - على ما في هذه المصاحف، وعلى ترك كل ما خالفها من زيادة ونقص وإبدال، لأنه لم يثبت عندهم ثبوتاً متواتراً أنه من القرآن.
المصاحف في دور التجويد والتحسين:
المعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً، وهو بقاء الكلمة محتملة لأن تقرأ بكل ما يمكن من وجوه القراءات فيها. بيد أن المؤرخين يختلفون، فمنهم من يرى أن الإعجام كان معروفاً قبل الإسلام ولكن تركوه عمداً في المصاحف. ومنهم من يرى أن النقط لم يعرف إلا من بعدُ على يد أبي الأسود الدُّؤَلِيِّ.
وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت، واختلط العرب بالعجم، وكادت العجمة تمسُّ سلامة اللغة، وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يُلِحُّ بالناس، حتى ليشق على السوادِ منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة. هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ، فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل، وندب الحجاجُ - طاعةً لأمير المؤمنين - رجلين جليلين يعالجان هذا المشكل، هما نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني. وكلاهما كفء قدير على ما نُدب له، إذ جمعا بين العلم والعمل، والصلاح والورع، والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي السود الدؤلي.
ويرحم الله هذين الشيخين، فقد نجحا في هذه المحاولة، وأعجما المصحف الشريف لأول مرة، ونقطا جميع حروفه المتشابهة، والتزما ألا تزيد النقط في أيِّ حرف على ثلاث. وشاع ذلك في الناس بعد، فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف.
وقيل: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط، نقطه يحيى بن يعمر. ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية، ثم تبعه ابن سيرين، وأن عبد الملك أول منْ نقط المصحف، ولكن بصفة رسمية عامة، ذاعت وشاعت بين الناس، دفعاً للبس والإشكال عنهم في قراءة القرآن.
واتفق المؤرخون على أن العرب في عهدهم الأول، لم يكونوا يعرفون شكل الحروف والكلمات فضلاً عن أن يشكلوها. ذلك لأن سلامة لغتهم، وصفاء سليقتهم وذلاقة ألسنتهم كل أولئك كان يغنيهم عن الشكل. ولكن حين دخلت الإسلام أمم جديدة؛ منهم العجم الذين لا يعرفون العربية، بدأت العجمة تحيف على لغة القرآن. بل قيل إن أبا الأسود الدؤلي سمع قارئاً يقرأ قوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} . فقرأها بجر اللام من كلمة 0 رسوله). فأفزع هذا اللحنُ الشنيع أبا الأسود وقال: عزَّ وجه الله أن يبرأ
من رسوله، ثم ذهب إلى زياد والي البصرة وقال له: وقد أجبتك إلى ما سألت. وكان زياد قد سأله أن يجعل للناس علامات يعرفون بها كتاب الله، فتباطأ في الجواب حتى رعه هذا الحادث، وهنا جّدَّ جِدُّه، وانتهى به اجتهاده إلى أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وجعل علامة الكسر نقطة أسفله، وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين.
طفق الناس ينهجون منهجه، ثم امتدَّ الزمان بهم فبدؤوا يزيدون ويبتكرون، حتى جعلوا للحرف المشدَّد علامة كالقوس، لألف الوصل جرَّة فوقها أو تحتها أو وسطها، على حسب ما قبلها من فتحة أو كسرة أو ضمة. ودامت الحال على هذا حتى جاء عبد الملك بن مروان، فرأى بنافذ بصيرته أن يميز ذوات الحروف من بعضها، وأن يتخذ سبيله إلى ذلك التمييز بالإعجام والنقط، وهنالك اضطرَّ أن يستبدل بالشكل الأول الذي هو النقط، شكلاً جديداً هو ما نعرفه اليوم من علامات الفتحة والكسرة والضمة والسكون. والذي اضطره إلى هذا الاستبدال، أنه لو أبقى العلامات الأولى على ما هي عليه نقطاً، ثم جاءت هذه الأخرى نقطاً كذلك لتشابها واشتبه الأمر. فميز بين الطائفتين بهذه الطريقة. ونِعمَّا فَعَلَ!
حُكْمُ نقط المصحف وشكله:
كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وشكله، مبالغةً منهم في المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى التغيير فيه.
ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: جرِّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء. وما روي عن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم إلى غير ذلك.
ولكن الزمان تغيَّر- كما علمت - فاضطر المسلمون إلى إعجام المصحف وشكل لنفس ذلك السبب أي للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفاً من أن يؤدي تجرده من النقط والشكل إلى التغيير فيه.
فمعقولٌ حينئذ أن يزول القول بكراهة ذينك الإعجام والشكل، ويحلَّ محلَّه القول بوجوب أو باستحباب الإعجام والشكل. لما هو مقرر من أن الحكم يدور مع علته وجوداً
وعدماً. قال النووي في كتابه التبيان ما نصه: قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه. وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط، فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفاً من التغيير فيه. وقد أُمن ذلك اليوم فلا يمنع من ذلك لكنه محدثاً، فإنه من المحدثات الحسنة، فلا يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك. والله أعلم ا. هـ.
تجزئة القرآن:
كانت المصاحف العثمانية مجردة من التجزئة التي نذكرها، كما كانت مجردة من النقط والشكل. ولما امتدَّ الزمان بالناس جعلوا يَفْتَنُّونَ في المصاحف وتجزئتها عدة تجزئات مختلفة الاعتبارات. فمنهم من قسم القرآن ثلاثين سماً، وأطلقوا على كل قسم منها اسم الجزء بحيث لا يخطر بالبال عند الإطلاق غيره، حتى إذا قال قائل: قرأت جزءاً من القرآن تبادر إلى الذهن أنه قرأ جزءاً من الثلاثين جزءاً التي قسموا المصحف إليها. وجرى على ذلك أصحاب الربعات، إذ طبعوا كل جزء في نسخة مستقلة، ومجموع النسخ الجامعة للقرآن كله يسمونه (رَبْعة). ويوجد من هذا القبيل أجزاء مستقلة بالطبع بأيدي صغار التلاميذ في المدارس وغيرهم.
ومن الناس من قسموا الجزء إلى حزبين، ومن قسموا الحزب إلى أربعة أجزاء سموا كل واحد منها رُبْعاً.
ومن الناس من وضعوا كلمة خمس، عند نهاية كل خمس آيا تمن السورة، وكلمة عشر عند نهاية كل عشر آيات منها، فإذا انقضت خمس أخرى بعد العشر أعادوا كلمة خمس، فإذا صارت هذه الخمس عشراً أعادوا كلمة عشر وهكذا دواليك إلى آخر السورة. وبعضهم يكتب في موضع الأخماس رأس الخاء بدلاً من كلمة خمس، ويكتب في موضع الأعشار رأس العين بدلاً من كلمة عشر. وبعض الناس يرمز إلى رؤوس الآي برقْمِ عددها من السورة أو من غير رقم. وبعضهم يكتب فواتح للسور كعنوان يُنوِّه فيه باسم السورة وما فيها من الآيات المكية والمدنية إلى غير ذلك.
وللعلماء في ذلك كلام طويل، بين الجواز بكراهة والجواز بلا كراهة، ولكن الخطب سهل على كل حال، مادام الغرض هو التيسير والتسهيل، وما دام الأمر بعيداً عن اللبس والتزيُّد والدخيل:{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} .