الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة البقرة
2499 -
*روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قِيل لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} فبدَّلوا، فدخلوا بزحفون على أستاههم فبدلوا، وقالوا: حِطَّة حبَّةٌ في شعرةٍ".
وفي رواية (1) الترمذي في قول الله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} قال: "دخلوا متزحفين على أوراكهم: أي مُنحرفين".
قال: وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} قال: "قالوا: حبَّةٌ في شعرةٍ".
2500 -
* روى البزار عن ابن عباس في قوله تعالى {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} قال أبو جهل لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأنَّ على عنقِهِ. فقيل: هو ذاك. قال: ما أراهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو فعل لأخذتْه الملائكة عياناً، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا".
2501 -
* روى الشيخان عن انس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي
2499 - البخاري (8/ 304) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (وقولوا حطة).
مسلم (4/ 2312) 54 - كتاب التفسير.
(1)
الترمذي (5/ 205) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(سجداً) خضعاً متواضعين خاشعين شأن التائب من ذنوبه.
(الأستاه) المقاعد.
(حِطة) فِعْلة، من حطَّ، وهي مرفوعة على معنى: أمرُنا حِطَّة، أي: حط عنا ذنوبنا.
قال الحافظ في الفتح:
وللكشميهني "في شعيرة" بكسر العين المهملة وزيادة تحتانية بعدها، والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول، فإنهم أمروا بالسجود عند انتهائهم شكراً لله تعالى، وبقولهم (حطة) فبدلوا السجود بالزحف، وقالوا (حنطة) بدل (حطة) أو قالوا: حطة، وزادوا فيها "حبة في شعيرة" وروى الحاكم من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال: قالوا: "هطي سمقاً" وهي بالعربية: حنطة حمراء قوية، فيها شعيرة سوداء.
2500 -
كشف الأستار (3، 40، 41) سورة البقرة.
مجمع الزوائد (6/ 314) وقال الهيثمي: قلت هو في الصحيح بغير سياقه، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
2501 -
البخاري (1/ 504) 8 - كتاب الصالة، 32 - باب ما جاء في القبلة
…
إلخ.
الله عنه قال: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقامِ. فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1).
2502 -
* روى الطبراني عن ابن عباس {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} كان إبراهيم احتجرها دون الناس، فأنزل الله: ومن كفر أيضاً فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أمتعُهم قليلاً ثم اضطرهم إلى عذاب النار، ثم قرأ ابن عباس {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} .
2503 -
* روى مسلم عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فمر رجلٌ من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، قد صلوا ركعةً، فنادى: ألا إنَّ القِبلة قد حُوِّلت، فمالوا كما هم نحو القبلة. وأخرجه أبو داود، وقال: فيه نزلت الآية، فمر رجلٌ من بني سلمة، وهم ركوعٌ في صلاة الفجر، نحو بيت المقدس، فقال: ألا إن القبلة قد حُوِّلت إلى الكعبة - مرتين - قال: فمالوا كما هم ركوعاً إلى الكعبة.
2504 -
* روى البخاري عن أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله
= مسلم (4/ 1865) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 2 - باب من فضائل عمر رضي الله عنه، وقد جاءت رواية مسلم هذه عن ابن عمر.
الترمذي (5/ 206) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قال ابن الجوزي: إنما طلب عمر الاستنان بإبراهيم عليه السلام لأنه سمع قول الله تعالى في حق إبراهيم: (إني جاعلك للناس إماماً) وقوله تعالى: (أن اتبع ملة إبراهيم) فعلم أن الائتمام بإبراهيم من هذه الشريعة، ويكون البيت مضافاً إليه، وأن أثر قدميه في المقام كرقم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، فرأى الصلاة عند المقام.
(1)
البقرة: 125.
2502 -
الطبراني (المعجم الكبير)(12/ 38).
مجمع الزوائد (6/ 316) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
2503 -
مسلم (1/ 375) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.
أبو داود (1/ 274) كتاب الصلاة، 205 - منْ صلى لغير القبلة ثم علم.
2504 -
البخاري (6/ 371) 60 - كتاب الأنبياء، 3 - باب قول الله عز وجل [هود: 25]: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه). =
صلى الله عليه وسلم: "يجيءُ نوح وأمتُه، فيقول الله: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي ربِّ، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فنشهد أنه قد بلغ"، وهو قوله عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (1).
إلا أن في رواية الترمذي، فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد- وذكر الآية إلى آخرها- ثم قال: والوسطُ، العدل.
واختصره الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطا) قال: عدلاً.
2505 -
* روى أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال عدلاً.
أقول: العدل، مفرد العدول، وهم الذين اتصفوا بصفة العدالة، فهم غير متهمين بضلال أو فسوق أو انخرام مروءة.
2506 -
* روى الشيخان عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ
= الترمذي (5/ 207) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قال الطبري: وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي: متوسط الحسب إذا أرادوا بذلك الرفعة ف يحسبه، وهو وسط في قومه وواسطة قال: وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار، والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلم يغلوا كغلو النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود، ولكنهم أهل وسط واعتدال، قال الحافظ: لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحاً لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الآخر، كما نص عليه الحديث، فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية.
(1)
البقرة: 143.
2505 -
أحمد (3/ 9).
مجمع الزوائد (6/ 316) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
2506 -
البخاري (3/ 497، 498) 25 - كتاب الحج، 79 - باب وجود الصفا والمروة
…
مسلم (2/ 928، 929) 15 - كتاب الحج، 43 - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركنٌ
…
حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1) فوالله ما على أحدٍ جُناحٌ أنْ لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت على ما أولتها: كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهِلُّون لمناةَ الطاغية، التي كانوا يعبدونها عن المُشلَّلِ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أنْ نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الطواف بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما.
قال الزهري: فأخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن، فقال: إن هذا العِلْم ما كنتُ سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة ممن كان يُهِلُّ لمناة - كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن الله أنزل الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا، فهل علينا من حرجٍ أن نطوف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ} الآية
…
قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بين الصفا والمروة، والذين كانوا يطوفون ثم ترجوا أن يطوَّفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.
وفي رواية (2): أن الأنصار كانوا قبل أن يُسْلِموا - هم وغسان يُهِلُّون لمناة - فتحرَّجوا
= (الصفا والمروة): هما الجبلان بمكة، وهما منتهى المسعى من الجانبين. وحقيقة الصفا في اللغة: جمع صفاة، وهي الحجر الأملس، والمروة: الحجرُ الرَّخو.
(يُهِلُّون لمناةَ) مناة: صنم كان لهُذيل وخُزاعة، بين مكة والمدينة، والهاء فيها للتأنيث، والوقف عليها بالتاء، والإهلالُ، رفع الصوت بالتلبية.
(يتحرَّجونَ) التحرُّجُ تفعُّلٌ من الحرج، وهو الضيق والإثم، يعني: أنهم كانُوا لا يسعوْنَ بين الصفا والمروة خروجاً من الحرج والإثم.
(شعائر) جمع شعيرة، وهي معالم الإسلام.
(المُشَلَّلُ): موضع بين مكة والمدينة، وكذلك قُدَيدٌ.
(1)
البقرة: 158.
(2)
مسلم (2/ 390) نفس الموضع السابق.
…
=
أن يطوَّفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سُنَّةً في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطفْ بين الصفا والمروة، وإنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله تعالى في ذلك:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} وذكر إلى آخر الآية.
2507 -
* روى الشيخان عن عاصم بن سليمان الأحول رحمه الله قال: قلت لأنسٍ: أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ فقال: نعم، لأنها كانت من شعائر الجاهلية، حتى أنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} .
وفي رواية (1): كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلامُ، أمسكنا عنهما، فأنزل الله عز وجل، وذكر الآية.
وفي رواية (2) قال: كانت الأنصارُ يكرهون أن يطوَّفوا بين الصفا والمروة، حتى
= قال الحافظ في الفتح 3/ 398 تعليقاً على قوله: "فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بهما-إلخ" محصله: أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح، فلو كان واجباً، لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك ومحصل جواب عائشة: أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين، لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام، فخرج الجواب مطابقاً لسؤالهم، وأما الوجوب، فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجباً، ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة، فيقال له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك:
وقال الطحاوي أيضاً: لا حجة لمن قال: السعي مستحب بقوله (فمن تطوع خيراً) لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة، لا إلى خصوص السعي، لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع.
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما.
أي: فضه بالسنة، وليس مراده نفي فريضتها، ويؤيده قولها "لم يتم الله حج أحد ولا عمرته ما لم يطف بينهما" قاله الحافظ. ا. هـ.
2507 -
البخاري (3/ 502) 25 - كتاب الحج، 80 - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة.
مسلم 02/ 930) 15 - كتاب الحج، 43 - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به.
الترمذي (5/ 209) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
(1)
البخاري (8/ 176) 65 - كتاب التفسير، 21 - باب قوله (إن الصفا والمروة من شعائر الله
…
).
(2)
مسلم (2/ 930) نفس الموضع السابق.
نزلت: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} .
2508 -
* روى البخاري عن مجاهد رحمه الله قال: سمعتُ ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الديَةُ، فقال الله عز وجل لهذه الأمة:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} فالعفو: أن يقْبل الرجل الدية في العمد، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}: أن يطلب هذا بمعروفٍ، ويؤدي هذا بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مما كُتب على من كان قبلكم {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} قتل بعد قبول الدية.
2509 -
* روى البخاري عن عطاءٍ رحمه الله أنه سمع ابن عباس يقرأ: (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكينٍ) قال ابن عباس: ليست بمنسوخةٍ هي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيُطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً.
وفي رواية أبي داود (1) قال: {الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى، وتم له صومُه، فقال الله تبارك وتعالى:{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ثم قال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
وفي أخرى (2) له: أثبتتْ للحُبلى والمرضعِ، يعني الفدية والإفطار.
وفي أخرى (3) له: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: كانت رُخصةً
2508 - البخاري (8/ 176، 177) 65 - كتاب التفسير، 23 - باب (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى
…
".
النسائي (8/ 36، 37) 45 - كتاب القاسمة، 27، 28 - تأويل قوله عز وجل (فمن عُفي له من أخيه شيءٌ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان).
2509 -
البخاري (8/ 179) 65 - كتاب التفسير، 25 - باب (أياماً معدودات).
(1)
أبو داود (2/ 296) كتاب الصوم، 2 - باب نسخ قوله (وعلى الذين يُطيقونه فدية) وسنده حسن.
(2)
أبو داود (2/ 296) كتاب الصوم، 3 - باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى، وسنده حسن.
(3)
أبو داود: نفس الموضع السابق، وسنده قوي.
للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة - وهما يُطيقان الصيام - أن يُفطرا، ويُطعمَا مكان كل يومٍ مسكيناً، والحُبلى والمرضع: إذا خافتا - يعني على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا.
وأخرجه النسائي (1) قال: في قول الله عز وجل {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: يُطيقونه: يُكلَّفونه، فديةٌ طعامُ مسكين واحد، فمن تطوع: فزاد على مسكين آخر، ليست بمنسوخة، فهو خير له، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} لا يرخص في هذا إلا للذي ل يطيق الصيام أو مريضٍ لا يُشفى.
أقول: قراءة يُطوَّقونه: قراءة شاذة لأنها تخالف الرسم العثماني للمصحف، وهي كالتفسير لوجه من الأوجه التي تحتملها الآية.
2510 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قرأ {فِدْيَةٌ طعامِ مِسْكِينٍ} قال: هي منسوخة.
هذه القراءة بإضافة فدية إلى طعام وبجمع كلمة مساكين قراءة نافع وابن ذكوان ومراد الراوي بالنسخ، نسخ الحكم لا نسخ التلاوة لأن هذه القراءة من القراءات السبع المتواترة وقراءة حفص كما هو المعلوم {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بتنوين فدية وإفراد مسكين، أما قراءة هشام أحد الرواة عن ابن عامر وهو من القراء السبعة فإضافة فدية وإفراد مسكين فتكون قراءته {فِدْيَةٌ طعامِ مِسْكِينٍ} .
والخلاصة أن هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فيها ثلاثة آراء:
(1) النسائي (4/ 190، 191) 22 - كتاب الصيام، 63 - باب تأويل قول الله عز وجل (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) وسنده صحيح.
(يطوقونه) أي: يُكلفونه، كأنه يجعلُ في أعناقهم مثل الطَّوق.
قال الحافظ في "الفتح" 8/ 135: وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار: يطوقونه: يكلفونه، وهو تفسير حسن، أي: يكلفون إطاقته، وقد رد الطبري في تفسيره 3/ 438 هذه القراءة بقوله: وأما قراءة من قرأ ذلك (وعلى الذين يطوقونه) فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلاً ظاهراً قاطعاً للعذر، لأن ما جاءت به الحجة عن الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله، ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والأقوال الشاذة.
2510 -
البخاري (8/ 180، 181) 65 - كتاب التفسير، 26 - باب (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
الأول: الذي يقول إن هاهنا حرفاً محذوفاً والتقدير وعلى الذين لا يطيقونه ونرى أن هذا لا يليق بجلال القرآن وإعجاز نظمه ولو كان مراداً لقيل: وعلى الذين لا يطيقونه.
الثاني: أن هذه الآية في الذين يتحملونه بصعوبة كما ذهب إلى ذلك ابن عباس ومعناها أن الذين يجدون مشقة في الصوم كالحامل والمرضع والشيخ الهرم والمريض يمكنهم الفطر وعليهم فدية لكن الصوم أفضل ويبدو أن هذا لا يتفق مع يسر الشريعة وقول الله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} .
والرأي الثالث: وهو ما ذهب إليه ابن عمر ورجحه كثير من العلماء أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فقد كان أولاً يجوز لمن يستطيع الصيام ولم يرد أن يصوم أن يفطر ويخرج فدية فمن تطوع خيراً أي زاد على هذه الفدية فذلك خير ولكن مع التخيير يبقى الصوم أفضل ثم نسخ هذا وهو من حكمة التشريع في التدرج وأثبت الصوم على كل مستطيع دون تخيير وفي النصوص التالية ما يؤكد ذلك.
2511 -
* روى البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: نزل شهر رمضان، فشقَّ عليه، فكان من أطعم كل يومٍ مسكيناً ترك الصوم، ممن يُطيقه، ورُخص لهم في ذلك، فنسختها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأمروا بالصوم.
2512 -
* روى الجماعة إلا الموطأ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (1) كان من أراد أن يُفطر
2511 - البخاري (4/ 187) 30 - كتاب الصوم، 39 - باب (وعلى الذين يطيقونه فدية).
قال الحافظ: وصله أبو نعيم في "المستخرج" والبيهقي من طريقه ولفظ البيهقي "قدم النبي المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان، فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من أطعم مسكيناً كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، ثم نسخه (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا بالصيام.
2512 -
البخاري (8/ 181) 65 - كتاب التفسير، 26 - باب (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
مسلم (2/ 802) 13 - كتاب الصيام، 25 - باب بيان نسخ قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
أبو داود (2/ 296) كتاب الصوم، باب نسخ قوله (وعلى الذين يُطيقونه فدية).
الترمذي (3/ 162، 163) 6 - كتاب الصوم، 75 - باب ما جاء (وعلى الذين يطيقونه).
النسائي (4/ 190) 22 - كتاب الصيام، 63 - تأويل قول الله عز وجل (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
وفي رواية (1): حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .
2513 -
* روي البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما نزل صومُ رمضان، كانوا لا يقربُون النساء رمضان كُلَّه، وكان رجالٌ يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} (2).
2514 -
* روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (3) قال: وكان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجلٌ نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يُفطِرْ، فأراد الله أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعةً، فقال:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الآية فكان هذا مما نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسرَ.
2515 -
* روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجلُ صائماً، فحضر الإفطارُ، فنام قبل أن يفطر، لم يأكلْ ليلتَهُ ولا يومَهُ، حتى يُمسي، وإن قيس بن صِرْمَةَ الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار، أتى امرأتهُ، فقال: أعندَكِ طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطَلِقُ فأطلبُ لك، وكان يومَهُ
(1) مسلم (2/ 802) نفس الموضع السابق.
2513 -
البخاري (8/ 181) 65 - كتاب التفسير، 27 - باب (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ..).
(يخونون) أنفسهم، أي يظلمونها بارتكاب ما حُرِّم عليهم، ويختانون: يفتعلون منه.
(2)
البقرة: 187.
2514 -
أبو داود (2/ 295) كتاب الصوم، باب مبدأ فرض الصيام، وإسناده حسن.
(القابلة) الليلة الآتية. (العتمة): صلاة العشاء.
(3)
البقرة: 183.
2515 -
البخاري (4/ 129) 30 - كتاب الصوم، 15 - باب قول الله جل ذكره (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ..).
الترمذي (5/ 210) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وزاد أبو داود بعد قوله: (غُشِي عليه) قال: "فكان يعملُ يومَهُ في أرضه" وذلك في (2/ 295) كتاب الصوم، 1 - باب مبدأ فرض الصيام
…
=
يعملُ، فغلبتْهُ عينُهُ، فجاءت امرأتُهُ، فلما رأتْهُ، قالتْ: خيبةً لك، فلما انتصف النهار، غُشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرحوا فرحاً شديداً، ونزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} .
2516 -
* روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: نزلتْ هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجَّوا فجاؤوا، لم يدْخلوا من قِبَلِ أبواب البيوت، فجاء رجلٌ من الأنصار، فدخل من قِبَلِ بابه، فكأنه عُيِّرَ بذلك فنزلت:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (1).
وفي رواية (2) قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} .
2517 -
* روى البخار يعن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال: نزلت في النفقة (3).
2518 -
* روى الترمذي عن أسلم أبي عمران رحمه الله قال: كُنا بمدينة الرُّوم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلُهم أو أكثرُ، وعلى أهل مصر: عُقبةُ بن عامرٍ، وعلى الشَّامٍ: فضالةُ بن عبيدٍ، فحمل رجل من المسلمين على صفِّ
= (الرفثُ) هاهنا: الجماع، وقيل: هو كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة.
رجح الحافظ بعد بيان الاختلاف في اسم الأنصاري في الفتح أنه أبو قيس صِرْمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي، وأنه على هذا جاء الاختلاف فيه، فبعضهم أخطأ اسمه وسماه بكنيته، وبعضهم نسبه لجده، وبعضهم قلب نسبه، وبعضهم صحفه ضمرة بن أنس، وأن صوابه صِرْمة بن أبي أنس.
2516 -
البخاري (3/ 621) 26 - كتاب العمرة، 18 - باب قول الله تعالى:(وأتوا البيوت من أبوابها).
مسلم (4/ 2319) 54 - كتاب التفسير.
(1)
البقرة: 189.
(2)
البخاري (8/ 183) 65 - كتاب التفسير، 29 - باب (وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها).
2517 -
البخاري (8/ 185) 65 - كتاب التفسير، 31 - باب 0 وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة
…
).
(3)
البقرة: 195.
2518 -
الترمذي (5/ 212) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
الروم، حتى دخل فيهم، فصاح الناسُ، وقالوا: سُبحان الله! يُلقِي بيديه إلى التهلكة؟! فقام أبو أيُّوبٍ الأنصاريُّ، فقال: يا أيها الناس إنكم لتؤوِّلون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلتْ هذه الآية فينا معشر الأنصار: لما أعز الله الإسلام، وكثُر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً - دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعتْ، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصْلَحْنا ما ضاع منها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه، يردُّ علينا ما قلنا:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وكانت التهلكة: الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوبٍ شاخصاً في سبيل الله، حتى دُفِنَ بأرض الروم.
وفي رواية صحيحة (1) عند أبي داود قال: "غزونا من المدينة، نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبْدُ الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم مُلْصقُوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس، مه مه، لا إله إلا الله يُلْقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوبٍ: إنما أُنزِلتْ هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيهُ، وأظهر الإسلام، قلنا: هلُمَّ نُقيمُ في أموالنا ونُصْلِحُها، فأنزل الله عز وجل {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أنْ نقيم في أموالنا ونُصْلِحها، وندع الجهاد، قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوبٍ يُجاهِدُ في سبيل الله حتى دُفن بالقسطنطينية".
فائدة: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد توفي سنة 46 للهجرة وهذا يعني أن هذه الغزوة غير الغزوة المشهورة سنة 52 التي توفي فيها أبو أيوب وكان على رأسها يزيد بن معاوية، أفاده العلامة أحمد شاكر ذكر ذلك محقق جامع الأصول -2/ 32.
2519 -
* روى الطبراني في الكبير والأوسط عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما في
(1) أبو داود (3/ 12، 13) كتاب الجهاد، باب في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
(مدينة الروم): القسطنطينية.
(فلو أقمنا على أموالنا): يعني بساتين النخيل.
(شخاً) شخص الرجل من بلدٍ إلى بلدٍ: إذا انتقل إليه، والمراد به: لم يزل مُسافراً.
2519 -
مجمع الزوائد (6/ 317) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح.
قوله تعالى قال {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر الله لي فأنزل الله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
2520 -
* روى أحمد عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحملُ على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم فقال:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} إنما هو في النفقة.
أقول: لعل ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أوضح مثال على أن النص القرآني تأخذ منه معنى، وتأخذ من محله في سياقه القريب السابق معنى، ومن سياقه القريب اللاحق معنى، ومن سياقه العام معنى، فهذا النص جاء في سياق الأمر بالإنفاق، فأخذ بعضهم من ذلك معنى: أن ترك الإنفاق إلقاء بالنفس إلى التهلكة. وجاء بعده قوله تعالى: (وأحسنوا) فاخذ بعضهم من ذلك: أن القنوط من رحمة الله إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وجاء قبل هذه الآية آيات القتال فأخذ بعضهم منها، أن إلقاء النفس إلى التهلكة هو: ترك القتال في سبيل الله تعالى.
واستشهد عمرو بن العاص بقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} عندما صلى بأصحاب دون اغتسال من الجنابة خوف الهلاك فأخذ بظاهر النص، وهكذا تجد من خلال ظاهر النص وسياقه القريب سواء كان سابقاً أو لاحقاً، ومن السياق العام تتولد معانٍ كثيرة، ولقد أبرزنا هذا الموضوع في تفسيرنا وأبرزنا أن لكل سورة سياقها الخاص بها على ضوء محورها، وأن للقرآن كله سياقه، وبذلك أوضحنا أنه بسبب ذلك تتولد معانٍ لا حصر لها من هذا القرآن العظيم وذلك من معجزات هذا القرآن.
قال ابن جرير الطبري 2/ 119 بعد ذكر عدة معانٍ للإلقاء بالتهلكة (1):
فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولم يكن الله عز
2520 - أحمد (4/ 281).
مجمع الزوائد (5/ 328) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سليمان بن داود الهاشمي وهو ثقة.
رجل خص منها شيئا دون شيء فالصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا والاستسلام للهلكة وهي العذاب بترك ما لزمنا من فرائضه فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه غير أن الأمر وإن كان كذلك فإن الأغلب من تأويل الآية وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي.
2521 -
* روى الشيخان عن عبد الله بن معقل رضي الله عنهما قال: "قعدْتُ إلى كعب بن عُجرة في هذا المسجد- يعني مسجد الكوفة - فسألته عن فدية من صيامٍ؟ فقال: حُملتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمْلُ يتناثرُ على وجهي، فقال: فقال: "ما كنتُ أُرى أنَّ الجهد بلغ بك هذا؟ أما تجدُ شاةً؟ " قلت: لا، قال: "صُمْ ثلاثة أيامٍ، واحلق رأسك"، فنزلت في خاصةً، وهي لكم عامة".
أقول: هذا النص يشير إلى قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . فكعب بن عجرة يذكر أن به نزل هذا النص ولكنه عام، فخصوص السبب لا ينفي عموم اللفظ، وأقل النسك ذبح شاة، والصيام ثلاثة أيام، والصدقة: ثلاثة أصوُع من طعام على ستة مساكين.
2522 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهلُ اليمن يحجُّون، فلا يتزَوَّدُون، ويقولون: نحن المتوكِّلون، فإذا قَدِمُا مكة سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1).
2521 - البخاري (8/ 186) 65 - كتاب التفسير، 32 - باب (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه).
مسلم (2/ 859، 860، 861، 862) 15 - كتاب الحج، 10 - باب جواز حلق الرأس للمحرم
…
الترمذي (5/ 213) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(الجهْدُ) بالفتح: المشقة، وبالضم: الطاقة.
2522 -
البخاري (3/ 383، 384) 25 - كتاب الحج، 6 - باب قول الله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
أبو داود (2/ 141) كتاب المناسك، باب التزود في الحج.
(1)
البقرة: 197.
2523 -
* روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أُنزلتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهُم في رجليه الخيط الأبيض، والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رئيهُما، فأنزل الله تعالى بعد (من الفجر) فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار.
2524 -
* روى الشيخان عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: لما نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ، عمدت إلى عِقالٍ أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتُهما تحت وسادتي، وجعلتُ أنظرُ من الليْل، فلا يستبينُ لي، فغدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له فقال:"إنما ذلك سوادُ الليْل وبياضُ النهار".
واختصر النسائي: أن عدي بن حاتمٍ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال: "هو سوادُ الليل وبياض النهار".
وفي رواية للبخاري (1)، قال: أخذ عديٌّ عقالاً أبيض وعقالاً أسود، حتى كان بعض الليل، نظر، فلم يستبينان فلما أصبح قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلتُ تحت وسادتي خيطاً
2523 - البخاري (4/ 132) 30 - كتاب الصوم، 16 - باب قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
…
).
مسلم (2/ 767) 13 - كتاب الصيام، 8 - باب بيان آن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل ويغره حتى يطلع الفجر
…
إلخ.
(رئيهما) براء مكسورة ثم همزة ساكنة ثم ياء - ومعناه: منظرهما، ومنه قوله تعالى (هم أحسن أثاثا ورئياً) [مريم: 74].
2524 -
البخاري (4/ 132) 30 - كتاب الصوم، 16 - باب قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
…
).
مسلم (2/ 766، 767) 13 - كتاب الصيام، 8 - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر
…
إلخ.
أبو داود (2/ 304) كتاب الصوم، 17 - باب وقت السحور.
النسائي (4/ 148) 22 - كتاب الصيام، 29 - تأويل قول الله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
(1)
البخاري (8/ 183) 65 - كتاب التفسير، 28 - باب (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ..).
أبيض، وخيطاً أسود، قال:"إنَّ وسادك لعريضٌ، أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادك".
وفي أخرى له (1) قال: قلتُ: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود: أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا، أن أبْصرت الخيطين" ثم قال: "لا، بل هما سواد الليل وبياضُ النهار".
2525 -
* روى الشيخان عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدِمَ المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار، وأنه صلى قِبلَ بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شراً، وكان يعجبه أن تكون قبلتُه قبل البيت، وأنه صلى أول صلاةٍ صلاها صلاة العصر، وصلى معه قومٌ فخرج رجلٌ ممن صلى معه فمر على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبلَ الكعبة، فداروا كما هم قِبلَ البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولَّى وجهه قِبلَ البيت أنكروا ذلك.
أقول: قوله: وأهل الكتاب أي أنهم كان يعجبهم ما يعجب اليهود من الصلاة إلى بيت المقدس.
وفي رواية (2): أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} .
وفي أخرى (3): وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يُوجَّه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى:
(1) البخاري: نفس الموضع السابق.
(عِقالٌ) العقال: الحُبيلُ الذي تُشدُّ به ركبة البعير لئلا يهرب.
(وسادي) الوسادُ والوسادة: المخدةُ.
قوله: إن واسدك لعريض: إما أن يكون قد قصد أن نومه كثير أو أراد أن ليله طويل إن كان لا يمسك عن الأكل حتى يتبين له العقال، أما قوله عريض القفا فهذه تقولها العرب لمن فيه غفلة.
2525 -
البخاري (1/ 95) 2 - كتاب الإيمان، 30 - باب الصلاة من الإيمان
…
إلخ.
مسلم (1/ 374) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.
الترمذي (5/ 207، 208) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق.
النسائي (1/ 242، 243) 5 - كتاب الصلاة، 22 - باب فرض القبلة.
(2)
البخاري (1/ 95) 2 - كتاب الإيمان، 30 - باب الصلاة من الإيمان
…
إلخ.
(3)
البخاري (1/ 502) 8 - كتاب الصلاة، 31 - باب التوجه نحو القبلة حيث كان.
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتوجه نحو الكعبة، فقال السفهاء وهم اليهود {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
أقول: عُبِّرَ بلفظ الإيمان في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} عن الصلاة وذلك دليل على أن الصلاة هي المظهر الأول للإيمان ولأنها تذكر بأركان الإيمان، ولأنها تجديد للإيمان وبها حياة الإيمان وحيويته.
2526 -
*روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما وُجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف بإخواننا الين ماتوا وهم يصلُّون إلى بيت المقدسِ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية.
2527 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عُكاظُ ومجنَّةُ، وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية؛ فلمَّا كان الإسلام، فكأنهم تأثَّموا أنْ يتجِرُوا في المواسم، فنزلت:(ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربِّكُمْ في مواسم الحجِّ) قرأها ابن عباس هكذا (1) وفي رواية (2): (أنْ تبتغوا في مواسم الحج فضلاً من ربكم).
وفي رواية (3) أبي داود، أنه قرأ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} قال: كانوا لا يتَّجِرُون بمنىً، فأُمِروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات.
وفي أخرى (4) له قال: إنَّ الناس في أوَّل الحج كانوا يتبايعونَ بمنىً وعرفة وسُوقِ ذي
2526 - أبو داود (4/ 320) كتاب السنة، 16 - باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه.
الترمذي (5/ 208) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب"ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ابن حبان (3/ 109) ذكر تسمية الله جل وعلا صلاة من صلى إلى بيت المقدس في تلك المدة إيماناً.
2527 -
البخاري (8/ 186) 65 - كتاب التفسير، 34 - باب (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم).
(1)
البقرة: 198.
(2)
البخاري (4/ 321) 34 - كتاب البيوع، 35 - باب الأسواق التي كانت في الجاهلية.
(3)
أبو داود (2/ 141) كتاب المناسك (الحج)، [باب التجارة في الحج].
(4)
أبو داود (2/ 142) كتاب المناسك (الحج)، باب الكريِّ.
المجاز وهي مواسمُ الحجِّ، فخافوا البيع وهم حُرمٌ، فأنزل الله عز وجل:(لا جُناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج) قال عطاء بن أبي رباحٍ: فحدثني عُبيد بن عميرٍ أنه كان يقرؤها في المصحف.
2528 -
* روى أبو داود عن أبي أمامة التيميِّ رحمه الله قال: كنتُ رجلاً أكْري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون لي: إنه ليس لك حجٌّ، فلقيتُ ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناساً يقولون: إنه ليس لك حجٌّ، فقال ابن عمر: أليس تُحرمُ وتُلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجًّا، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني، فسكت رسول الله فلم يُجِبْه حتى نزلت الآية:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وقال:"لك حجٌّ".
2529 -
* روى البخار يعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان يطوفُ الرجل بالبيت ما كان حلالاً، حتى يُهِلَّ بالحج، فإذا ركب إلى عرفة، فمن تيسر له هديه من الإبل، أو البقر، أو الغنم، ما تيسر له من ذلك، أيُّ ذلك شاء، غير أنْ لم يتيسرْ له، فعليه ثلاثةُ أيامٍ في الحجِّ، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يومٍ من الأيام الثلاثة يوم عرفة، فلا جُناح عليه، ثم لينطلقْ حتى يقف بعرفاتٍ من صلاة العصر، إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعُوا من عرفاتٍ، فإذا أفاضوا منها، حتى يبلغوا جمعاً (1)، الذي يتَبَرَّزُ
= (فتأثموا) فعلوا ما يخرجهم من الإثم، أو لأنهم اعتدوا فعل ذلك إثما.
(أفاضوا) الإفاضة: الزحف والدفع بكثرة ولا تكون إلا عن تفرق وكثرة.
(المواسم) جمع موسم، وهو الزمان الذي يتكرر في كل سنة، لاجتماع أو بيع أو عيد أو نحو ذلك، ومنه: موسم الحج.
(عكاظ) بضم المهملة وخفة الكاف وبالمعجمة "ومجنة" بفتح الميم والجيم وشدة النون، و"ذو المجاز": أسواق كانت للعرب، وسمي موسم الحج موسماً، لأنه معلم تجتمع الناس إليه.
قال الحافظ: وقراءة ابن عباس "في مواسم الحج" معدودة من الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة وليس بقرآن [فهي من باب التفسير].
2528 -
أبو داود (2/ 142) كتاب المناسك (الحج)، باب الكريِّ، وهو حسن.
2529 -
البخاري (8/ 187) 65 - كتاب التفسير، 35 - باب (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس).
(هديُهُ) الهدي: السمْتُ والطريقة والسيرة. والمراد به هنا ما يُهدي إلى الحرم ليُنحر فيه.
فيه، ثم ليذْكُروا الله كثيراً، ويُكثِرُوا من التكبير والتهليل، قبل أن يصبحوا (ثم أفيضوا) فإن الناس كانوا يفيضون، وقال الله عز وجل:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) حتى يرموا الجمْرَة.
أقول: بد النص بالإشارة إلى ما يفعله المتمتع بالحج من ذبح، فإن لم يتسر له الذبح صام ثلاثة أيام لا يتجاوز بآخرهن يوم عرفة، ويصوم إذا رجع إلى أهله تتمة العشرة ثم تحدث النص عما ذكره الله عز وجل بعد ذلك من آيات في سورة البقرة عن إفاضة من عرفات إلى المزدلفة ثم يفيضون من مزدلفة إلى منى وهناك يرمون جمرة العقبة فيذبحون ويحلقون ثم يطوفون بالبيت.
2530 -
* روى أبو يعلي عن ابن عباس في قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} قال على الإسلام كلهم.
أقول: في هذه الآية مذهبان: أن الناس بعد آدم عليه السلام كانوا على الإسلام فاختلفوا فبعث الله الرسل عليهم السلام، وهذا الذي ذكره ابن عباس، والمذهب الثاني أن الناس جميعاً كفروا بعد إذ كانوا مسلمين على دين آدم عليه السلام فبعث الله إليهم الرسل.
2531 -
* روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} "في صِمامٍ واحدٍ" ويروى: "في سمام واحد" بالسين".
(1) البقرة: 199.
2530 -
أبو يعلي (4/ 473) وإسناده صحيح.
الطبراني (المعجم الكبير)(11/ 309).
مجمع الزوائد (6/ 318) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي والطبراني باختصار ورجال أبي يعلي رجال اصحيح.
2531 -
الترمذي (5/ 215) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب ومن سورة البقرة".
وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد في المسند ولفظه: عن أم سلمة قالت: لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم، وكان المهاجرون يجبون، وكانت الأنصار لا تجبي، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلكن فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة، فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقال: لا إلا في صمام واحد" وإسناده صحيح، وصححه البيهقي في السنن، وفي الباب عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه مرفوعاً "إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" أخرجه الشافعي والطحاوي وصححه ابن حبان وغير واحد من الأئمة وعن أبي هريرة مرفوعاً=
2532 -
* روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحوَلَ، فنزلت:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
وأخرجه الترمذي قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأةً في قُبُلِها من دُبُرها
…
وذكر الحديث وهو في الجماع من الخلف في الفرج.
2533 -
* روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، قال:"وما أهلكك؟ " قال: حوَّلْتُ رحْلي الليلة، قال: فلم يرُدَّ عليه شيئاً، قال: فأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبلْ وأدْبرْ، واتَّقِ الدُّبُرَ والحيضة.
2534 -
* روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن ابن عمر - والله يغفرُ (1)
= "من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وإسناده صحيح، وعن علي عند أحمد لا تأتوا النساء في أعجازهن، وعن عبد الله بن عمرو عنده أيضاً أن النبي صلى الله لعيه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها:"هي اللوطية الصغرى" وإسناده حسن (م).
(الصَّمام): مسلك واحد والصمام ما تسد به الفرجة فسمي الفرج به.
2532 -
البخاري (8/ 189) 65 - كتاب التفسير، 39 - باب (نساؤكم حرث لكم ..) الآية.
مسلم (2/ 1058) 16 - كتاب النكاح، 19 - باب جواز جماعه امرأته في قبلها
…
إلخ.
أبو داود (2/ 249) كتاب النكاح، باب في جامع النساء.
الترمذي (5/ 215) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
كما ورد مصرحاً به في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ "باركة مدبرة في فرجا من ورائها" ولمسلم من طريق ابن المنكدر "إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها، ثم حملت .. " وقد أكذب الله اليهود في زعمهم، وأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيفما شاؤوا، كما جاء عند أبي حاتم والبيهقي والواحدي: فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم "مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج"(م).
2533 -
أحمد (1/ 297).
مجمع الزوائد (6/ 319) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.
الترمذي (5/ 216) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ويعقوب بن عبد الله الأشعري هو يعقوب القُميُّ.
(الحيضة) بكسر الحاء: اسم من الحيض. وهي الحال التي تلزمها الحائض من التجنب والتحيض، كالجلسة والقعدة: من الجلوس والقعود. أما الحيضة بفتح الحاء فهي المرة الواحدة من دفع الحيض ونوبه. (م)
2534 -
أبو داود (2/ 249، 250) كتاب النكاح، باب في جامع النكاح، وسنده حسن.
الحاكم (2/ 195) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما اتفقا على
…
=
له- أوْهَمَ: إنما كان هذا الحي من الأنصار - وهم أهلُ وثنٍ- مع هذا الحيّ من يهود - وهم أهل كتابٍ - فكانوا يروْن أنَّ لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب: أن لا يأتوا النساء إلا على حرفٍ، وذلك أسترُ ما تكون المرأةُ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحاً مُنكراً، ويتلذذون منهن مُقبلاتٍ، ومدبراتٍ، ومستلقيات. فلما قدِم المهاجرون المدينة: تزوَّج رجلٌ منهن امرأةً من الأنصار، فذهب يصنعُ بها ذلك، فأنكرتْهُ عليه، وقالت: إنا كُنَّا نُؤتَى على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتى شري أمرهُما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، أي: مُقبلاتٍ، ومُدبراتٍ، ومستلقياتٍ، يعني بذلك موضع الولد.
2535 -
* روى مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نزل قوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (1) في قول الرجل: لا والله، وبلى والله".
وفي رواية (2) أبي داود قال عطاء في اللغو في اليمين، قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو قولُ الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله" ورواه أيضاً عنها موقوفاً.
2536 -
* روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى:
= حديث محمد بن المنكدر عن جابر في هذا الباب وصححه ووافقه الذهبي وله شاهد.
(أوهم) إذا أسقط من قراءته أو كلامه شيئاً والمراد هنا الغلط.
(الوثن): الصنم، وقيل: الصورة لا جُثة لها.
(الحرف): الجانب، وحرفُ كل شيء: جانبه.
(يشرحون) قال الهروي، يقال: شرح فلان جاريته: إذا وطئها على قفاها (أي نائمة على قفاها)، وأصل الشرح: البسطُ، ومنه: انشراح الصدر بالأمر، وهو انفتاحه وانبساطه.
(شري) أمرهما: أي ارتفع وعظُم وتفاقم، وأصله: من شري البرق: إذا لج في اللمعان، واستشرى الرجل إذا ألح في الأمر.
2535 -
الموطأ (2/ 477) 22 - كتاب النذور والأيمان، 50 باب اللغو في اليمين.
البخاري (11/ 547) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 14 - باب (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
…
).
(1)
البقرة: 225.
(2)
أبو داود (3/ 223، 224) كتاب الأيمان والنذور، 7 - باب لغو اليمين.
2536 -
أبو داود (2/ 259) كتاب الطلاق، 10 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.
النسائي (6/ 212) 27 - كتاب الطلاق، 75 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث وإسناده لا بأس به.
…
=
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1) الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته، فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً، فنُسخ ذلك، فقال:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (2).
2537 -
* روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الناسُ والرجلُ يُطلِّقُ امرأته ما شاء أن يُطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرةٍ أو أكثر، حتى قال رجلٌ لامرأته: والله لا أطلقك، فتبينين مني، ولا آويك أبداً، قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلِّقُكِ، فكلما همتْ عدتُك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (3) قالت عائشة: فاستأنف النساُ الطلاق مستقبلاً: من كان طلق، ومن لم يكن طلق".
2538 -
* روى البخاري عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: كانت لي أختٌ تُخطبُ إليَّ، فأتاني ابن عم لي، فأنكحتُها إياه، ثم طلقها طلاقاً له رجعةٌ، ثم تركها حتى انقضت عدتُها، فلم خُطبت إليَّ أتاني يخطبها فقلت له: والله لا أنكحتُكها أبداً، قال: ففي نزلت هذه الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (4) الآية فكفرتُ عن يميني، وأنكحتُها إياه.
وفي أخرى (5) للبخاري فيها: فحَمِيَ معقلٌ من ذلك أنفاً وقال: خلا عنها، وهو
= (يتربص) التربُّص: المكث والانتظار.
(قروء) جمع قُرء: وهو الطهر عند الشافعي، والحيض عند أبي حنيفة، فيكون من الأضداد.
(1)
البقرة: 228.
(2)
البقرة: 229.
2537 -
الترمذي (3/ 497) 11 - كتاب الطلاق، 16 - باب، وهو حديث صحيح.
(لا آويك): أي لا أعاملك معاملة الأزواج.
قوله: (كلما همتْ عدتُك أن تنقضي راجعتك): يريد الزوج بذلك مضارتها.
2538 -
البخاري (8/ 192) 65 - كتاب التفسير، 40 - باب (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن
…
) وهذا الحديث أطرافه في: 5130، 5330، 5331.
أبو داود (2/ 230) كتاب النكاح، باب في العضل.
الترمذي (5/ 216) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
البقرة: 232.
(4)
البخاري (9/ 482) 68 - كتاب الطلاق، 44 - باب (وبعولتهن أحق بردهن).
يقدرُ عليها، ثم يخطبها، فحال بينه وبينها، فأنزل الله هذه الآية، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه فترك الحَمِيَّة، واستقاد لأمر الله عز وجل.
أقول: الطلقة غير البائنة تعتبر طلقة رجعية أي يجوز للزوج أن يُراجع مطلقته ما دامت في العدة، فإذا انقضت العدة ولم يراجعها أصبح الطلاق بائناً بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد عن تراضٍ، وكان معقل متألماً من زوج أخته لأنه كان باستطاعته أن يراجعها خلال العدة فلم يفعل وجاء بعد ذلك يطلبها، والظاهر أنها كانت راضية، فأراد أخوها منعها من الزواج بزوجها الأول، فأنزل الله ما أنزل.
2539 -
* روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (1) هو أن يقول: إني أُريدُ التزوج ولوددت أن تُيسر لي امرأةٌ صالحةٌ.
أقول: ما دامت المرأة في العدة لا يجوز لأحدٍ أن يخطبها أو يواعدها سراً على الزواج بعد لعدة ولكن يجوز له التعريض بالنكاح كما ذكر ذلك ابن عباس.
2540 -
* روى الستة إلا مالكاً عن عليٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس".
= (تعضلوهن) أي: تمنعونهن أن ينكحن من يجوز لهن نكاحه.
(فكفرت) تكفير اليمين: إخراج الكفارة التي تلزم الحالف إذا حنث، كأنها تغطي الذنب الذي يوجبه الحنثُ، والتكفير: التغطية.
(فحمي) أي: أخذته الحمية، وهي الأنفة والغيرة.
2539 -
البخاري (9/ 178) 67 - كتاب النكاح، 34 - باب قول الله عز وجل (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء).
(1)
البقرة: 235.
2540 -
البخاري (6/ 105) 56 - كتاب الجهاد، 98 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة.
مسلم (1/ 436، 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت العصر.
الترمذي (5/ 217، 218) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "من سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. =
وفي رواية (1): "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر".
وفي أخرى (2): ثم صلاها بين المغرب والعشاء.
2541 -
* روى مسلم عن ابن مسعودٍ: حبس المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرتْ، فقال:"شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً أو حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً".
2542 -
* روى مالك في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} عن عمرو بن رافعٍ مولى عمر بن الخطاب حدث أنه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال فاستكتبتني حفصةُ مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأمليها عليك كما حفظتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فلما بلغتها جئتها بالورقة التي أكتُبها فيها فقالت اكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين).
2543 -
* روى الستة إلا البخاري عن أبي يُونس مولى عائشة أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليَّ:(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله علي وسلم.
= النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر.
ابن ماجه (1/ 224) 2 - كتاب الصلاة، 6 - باب المحافظة على صلاة العصر.
(1)
مسلم (1/ 437) الموضع السابق.
(2)
مسلم: نفس الموضع السابق.
2541 -
مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
2542 -
الموطأ (1/ 139) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 8 - باب الصلاة الوسطى، هذا الحديث رواه مالك موقوفاً. ورواه أبو يعلي في مسنده.
2543 -
الموطأ (1/ 138، 139) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 8 - باب الصلاة الوسطى.
مسلم (1/ 437، 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر.
الترمذي (5/ 217) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث
…
=
أقول: يحتمل أن يكون ذكر صلاة العصر بعد الصلاة الوسطى من المنسوخ التلاوة كما يحتمل أن يكون تفسيراً توهم من سمعه أنه قرآن، ويدل على النسخ النص اللاحق.
2544 -
* روى مسلم عن البراء: نزلت هذه الآية {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وصلاة العصر} فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقال رجل: فهي إذاً صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتُك كيف نزلتُْ، وكيف نسخها الله، والله أعلم.
2545 -
* روى أبو داود عن زيد بن ثابتٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يُصلي صلاةً أشدَّ على أصحابه منها فنزلتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
أقول: هذا وجه آخر لتفسير الصلاة الوسطى وهو وجه ضعيف بالنسبة للوجه الأول، ومن النص نفسه نستشعر احتمال الخطأ، فالعصر هي التي تسبقُها صلاتان ويأتي بعدها صلاتان.
2546 -
* روى الطبراني عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال: "كانوا يتكلمون في الصلاة يجيءُ خادمُ الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته فنهوا عن الكلام"(1).
= حسن صحيح.
النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر.
2544 -
مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
2545 -
أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر.
الترمذي: رواه عن زيد وعن عائشة تعليقاً.
النسائي: رواه بإسناد رجاله ثقات وسكت عنه أبو داود والمنذري كذا في النيل 1/ 342.
2546 -
الطبراني (المعجم الكبير)(11/ 292).
مجمع الزوائد (6/ 320) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
2547 -
* روى البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا -إلى قوله- غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قد نسختها الآية الأخرى، فلِمَ نكتُبها أو تدعُها؟ قال: يا ابن أخي لا أغيرُ شيئاً منه من مكانه.
أقول: قوله تدعها: أي تكتبها متروكة فهو شك من الراوي هل قال تكتبها أو تدعها وفي رواية فلم تكتبها قال أبو عثمان: تدعها يا ابن أخي أي اتركها مكتوبة.
وتتمة الآية {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} والآية هذه نموذج على ما نسخ حُكْمُه ولم تنسخ تلاوته.
2548 -
* روى البخاري عن مجاهد بن جبرٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (1) قال: كانتْ هذه العدةُ، تعتدُّ عند أهل زوجها واجبٌ، فأنزل الله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} (2).
قال: "فجعل الله لها تمام السنة سبعة أشهرٍ وعشرين ليلةً وصيةً، إن شاءتْ سكنت في وصيتها، إنْ شاءتْ خرجتْ، وهو قول الله عز وجل: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}، فالعدةُ كما هي واجبٌ عليها" زعم ذلك ابن أبي نُجيحٍ عنْ مجاهدٍ، قال ابن أبي نجيحٍ: وقال عطاء: قال ابن عباس: "نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: (غير إخراج) " قال عطاء: "إن شاءت اعتدتْ عند أهلها، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول الله عز وجل: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} قال عطاءٌ: ثم جاء الميراث، فنسخ السُّكنى، فتعتدُّ حيث شاءت، ولا سكنى لها".
2547 - البخاري (8/ 201) 65 - كتاب التفسير، 45 - باب (والذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجاً).
2548 -
البخاري (8/ 193) 65 - كتاب التفسير، 41 - باب (والذين يتوفون منكم ويرون أزواجاً ..) وطرف هذا الحديث في:5344.
(1)
البقرة: 234.
(2)
البقرة: 240.
وفي رواية (1) أبي داود مختصراً، قال ابن عباس:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} "فنسخ ذلك بآية الميراث ما فرض الله لهن من الرُّبُع والثُّمُن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهرٍ وعشراً.
وفي أخرى (2) له قال ابن عباسٍ: "نسختْ هذه الآيةُ عِدَّتَها عند أهلها، فتعتدُّ حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: (غير إخراج)، قال عطاء: إن شاءت اعتدتْ عند أهله، وسكنت في وصيتها، وإن شاءتْ خرجتْ، لقول الله عز وجل {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} قال عطاء: ثم جاء الميراثُ فنسخ السكنى، تعتدُ حيث شاءتْ". وأخرج النسائي روايتي أبي داود.
2549 -
* روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} في الأنصار، كانت تكونُ المرأةُ مِقلاةً فتجْعَلُ على نفسها: إن عاش لها ولدٌ أن تُهوِّدَهُ، فلما أجْلِيَتْ بنو النضير، كان فيهم كثير من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندعُ أبناءنا، فأنزل الله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} .
2550 -
* روى أبو يعلي عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} قال: لم يتغيرْ.
(1) أبو داود (2/ 289) كتاب الطلاق، باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث.
(2)
أبو داود (1/ 291) كتاب الطلاق، باب من رأى التحول.
وأخرج النسائي الرواية الثانية لأبي داود في (6/ 200) 27 - كتاب الطلاق، 61 - باب الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت.
وكذلك أخرج النسائي الرواية الأولى لأبي داود أيضاً في (6/ 206، 207) 27 - كتاب الطلاق، 69 - باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث.
(عدة المرأة) أيام أقرائها وأيام إحدادها على الزوج.
(جُناح): إثم.
(الحوْل): السنة.
2549 -
أبو داود (3/ 58، 59) كتاب الجهاد، باب في الأسير يُكره على الإسلام وقال أبو داود: المقلاة: التي لا يعيش لها ولدٌ. وإسناده صحيح.
ابن حبان (1 م 177) ذكر الإخبار عن الحالة التي من أجلها أنزل الله جل وعلا (لا إكراه في الدين).
2550 -
أبو يعلي (5/ 65).
مجمع الزوائد (6/ 323) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.
2551 -
* روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحنُ أحقُّ بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ويرحمُ الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسفُ، لأجبتُ الداعي".
وفي رواية (1) الترمذي، قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الكريم بْنَ الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولو لبثت في السجن ما لبث، ثم جاءني الرسول: أجبتُ"، ثم قرأ {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} (2) قال:"ورحمةُ الله على لوطٍ، إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديد فما بعث الله من بعده نبياً إلا في ثروةٍ من قومه".
أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي" من باب الترخيص والرحمة بأمته عليه الصلاة والسلام ليبين لهم أن ما فعله يوسف عليه السلام في المراجعة لإثبات براءته قبل الخروج من السجن ليس مطلوباً من آحاد هذه الأمة، وهذا يدل على أن السجن نوع من العذاب الشديد.
2551 - البخاري (6/ 411) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 11 - باب قول الله عز وجل [51 - الحجر](ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه) الآية، (وإذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى) الآية [260 البقرة].
مسلم (4/ 1839) 43 - كتاب الفضائل، 41 - باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم.
(1)
الترمذي (5/ 293) 48 - كتاب تفسير القرآن، 13 - باب "ومن سورة يوسف".
قال الحافظ في الفتح 6/ 412: "اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "نحن أحق بالشك" فقال بعضهم: معناه: نحن أشد اشتياقاً إلى رؤية ذلك من إبراهيم، وقيل: معناه: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي: لو كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعاً منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، وهو كقوله في حديث أنس عد مسلم "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، قال: ذاك إبراهيم" وقيل: إن سبب هذا الحديث: أن الآية لم نزلت قال بعض الناس "شك إبراهيم ولم يشك نبينا" فبلغه ذلك، فقال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" أراد: ما جرت به العادة في الخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئاً قال: مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي: ومقصوده: لا تقل ذلك".
(ثروة من قومه) الثروة العدد الكثير يعني من أسرة قوية كبيرة تحميه.
(2)
يوسف: 50.
2552 -
* روى البخاري عن عُبيد بن عُمير رحمه الله قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم تروْنَ هذه الآية نزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} قالوا: الله أعلمُ، فغضب عمر فقال: قولوا: نعلمُ، أو لا نعلمُ، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال عمر: يا ابن أخي، قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضُربتْ مثلاً لعمل، قال عمر: أيُّ عملٍ؟ قال ابن عباس، لعملٍ، قال عمر: لرجل غنيٍّ يعملُ بطاعة الله، ثم بعث عز وجل له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله".
2553 -
* روى الترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: في قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (2) "نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخلٍ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين، فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصُّفة ليس لهم طعامٌ، فكان أحدهم إذا
2552 - البخاري (8/ 201، 202) 65 - كتاب التفسير، 47 - باب قوله (أيود أحدكم أن تكون له جنة) - إلى قوله- (تتفكرون).
(أغرق أعماله) الصالحة: أضاعها بما ارتكب من المعاصي.
(1)
البقرة: 266.
2553 -
الترمذي (5/ 219) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
ابن ماجه (1/ 583) 8 - كتاب الزكاة، 19 - باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله.
الحاكم (2/ 285) كتاب التفسير، وقال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2)
البقرة: 267.
(تيمموا الخبيث) التيمم: القصد، والخبيث: الرديء والحرام.
(بالقنو) العِذق من الرُّطب وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب.
(أهل الصُّفة): هم الفقراء من الصحابة الذين كانوا يسكنون صُفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا مسكن لهم، ولا مكسب ولا مال وال ولد، وكانوا متفرغين للعلم والجهاد، وكانوا يزيدون وينقصون.
…
=
جاع، أتى القِنْوَ، فضربه بعصاه، فسقط البُسْرُ والتمر، فيأكل، وكان ناسٌ ممن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيصُ والحشفُ، وبالقنو قد انكسر، فيعلقه، فأنزل الله تبارك وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} قال: لو أن أحدكم أُهدي إليه مثل ما أعطى، لم يأخذه إلا على إغماض أو حياءٍ، قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدُنا بصالح ما عنده".
2554 -
* روى الترمذي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمةً بابن آدم، وللملكِ لمَّة، فأما لمةُ الشيطان، فإيعادٌ بالشرِّ، وتكذيبٌ بالحق، وأما لمةُ الملكِ، فإيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فيحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} (1).
أقول: هذا النص أصل فيما يذكره أهل القلوب مما يرد على القلب، فيقسمون ذلك أربعة أقسام، وسوسة الشيطان، ووارد الملك، وهاجس النفس، والإلهام الرباني، ولكل علاماته عند أهل القلوب ومن كان قلبه سليماً وطعامه حلالاً سهُلَ عليه أن يميز ما يلقى في قلبه.
= (الإغماض): المسامحة والمساهلة، يقول في البيع: أغمض لي: إذا استزدته في البيع واستحططته في الثمن.
(الشيص): الرديء من البسر.
2554 -
الترمذي (5/ 219، 220) 5 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
ابن حبان (2/ 171) ذكر الأمر للمسلم أن يسأل ربه جل وعلا التآلف بين المسلمين وإصلاح ذات بينهم.
وفي سنده عطاء بن السائب، وقد رمى بالاختلاط في آخر عمره فمن سمع منه قديماً فحديثه صحيح، وقد استظهر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله من مجموع كلام أئمة الجرح والتعديل أن اختلاطه كان حين قدم البصرة، وعطاء كوفي، والراوي عنه في ذا الحديث أبو الأحوص كوفي أيضاً، فالظاهر أنه سمع منه قبل الاختلاط. (م) هذا وقد ضعف الحديث بعض العلماء.
(اللمة): المرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها: الهمةُ اليت تقع في القلب من فعل الخير والشر والعزم عليه.
(1)
البقرة: 268.
2555 -
* روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية (1) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيقُ، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نُطيقُها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بلْ قولوا: سمعنا وأطعنا، غُفرانك ربنا وإليك المصير" قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القومُ، وذَلَّتْ بها ألسنتُهم، أنزل الله في إثرها:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك: نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: نعم.
2556 -
* روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلتْ هذه الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} دخل قلوبهم منها شيءٌ، لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمْنَا"، قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله عز وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: قد فعلتُ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: قد فعلتُ {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} قال: فعلتُ.
2555 - مسلم (1/ 115، 116) 1 - كتاب الإيمان، 57 - باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يُطاق.
(اقترأها): بمعنى قرأها، وهو افتعل من القراءة.
(قال: نعم) القائل هو الله تعالى.
(1)
البقرة: 284.
2556 مسلم (1/ 116) نفس الموضع السابق.
وفي رواية (1) الترمذي مثله، وقال: فأنزل الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} الآية، وزاد فيه:{وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا}
…
الحديث.
قال النووي:
في الحديث إشفاق الصحابة من عدم قدرتهم القيام بما كلفتهم به ظاهر الآية.
وقولهم (لا نطيقها) لكونهم اعتقدوا أنهم يؤاخذون بما لا قدرة لهم على دفعه من الخواطر التي لا تكتسب. وقد اتجه العلماء في هذه الآية اتجاهين.
الأولى: أن الآية {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ناسخة للأولى (وإن تبدوا).
الثاني: أن الآيتين محكمتان ولا نسخ وأن الآية (وإن تبدوا) عموم يصح أن يشتمل على ما يُمْلَكُ من الخواطر دون ما لا يُملكُ فتكون الآية الأخرى مخصصةً، قال النووي فيما نقله عن الواحدي: والمحققون يختارون أن الآية محكمة غير منسوخة.
وقال القاضي عياض لا وجه لإبعاد النسخ فإن راويها قد روى فيها النسخ.
لكن اختلف في قول الصحابي نسخ كذا بكذا هل يكون حجة يثبت بها النسخ؟ والمحققون على أنه قد يكون قوله عن اجتهاد وتأويل فلا يكون نسخاً حتى ينقل عن رسول الله (باختصار وتصرف انظر شرح النووي على مسلم 2/ 149 - 151).
2557 -
* روى الستة إلا مالكاً عن أبي هريرة رفعه: "إن الله تجاوز لأمتي مالم تكَلَّمْ به أو تعمل به وما حدَّثَتْ به أنفُسها".
(1) الترمذي (5/ 221، 222) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
(الإصر): العهد والميثاق، وقيل: الحمل والثقل.
2557 -
البخاري (9/ 388) 68 - كتاب الطلاق، 11 - باب الطلاق في الإغلاق
…
إلخ.
مسلم (1/ 116، 117) 1 - كتاب الإيمان، 58 - باب تجاوز الله عن حديث النفس
…
إلخ.
أبو داود (2/ 264) كتاب الطلاق، باب في الوسوسة بالطلاق.
الترمذي (3/ 489) 11 - كتاب الطلاق، 8 - باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
النسائي (6/ 156، 157) 27 - كتاب الطلاق، 22 - باب من طلق في نفسه.
ابن ماجه (1/ 659) 10 - كتاب الطلاق، 16 - باب طلاق المكره والناسي.