الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المؤمنون
2749 -
* روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (1) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا، يا بنت الصديق، ولكن هم الذين يصومون [ويصلون] ويتصدقون، ويخافون أن لا يُتقبل منهم {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (2).
سورة النور
2750 -
* روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"البينةُ أو حدٌّ في ظهرك" قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة، وإلا حدٌّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق. إني لصادق، وليُنزلن الله ما يبرئ ظهري من الحدِّ، فنزل جبريل عليه السلام، وأنزل عليه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (3) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد، والنبي يقول:
2749 - الترمذي (5/ 327، 328) 48 - كتاب تفسير القرآن، 24 - باب ومن سورة المؤمنون وقال: وقد رُوي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث له شاهد عند ابن جرير 18/ 26.
المستدرك (2/ 393، 394) وصححه الحاكم، وافقه الذهبي.
قال ابن كثير: في معنى الآية يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أني كونوا قد قصروا في القيام بشروط العطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط.
(1)
المؤمنون: 60.
(2)
المؤمنون: 61.
2750 -
البخاري (8/ 449) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (ويدرأ عنها العذاب .. إلخ).
أبو داود 02/ 276) كتاب الطلاق، باب في اللعان.
الترمذي (5/ 331، 332) 48 - كتاب تفسير القرآن، 25 - باب ومن سورة النور.
(قذف) القذف: رمي الإنسان بالزنا، أو ما كان في معناه.
(3)
النور: 6 - 9.
"إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائبٌ؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبةٌ، قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجعُ، ثم قالت: لا أفضحُ قومي سائر اليوم فمضتْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءتْ به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل: لكان لي ولها شأنٌ".
2751 -
* روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء هلال بن أمية- وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم - أرضه عشاءً، فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاء، فوجدت عندهم رجلاً، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} -إلى قوله- {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (1) فسُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشرْ يا هلالُ، قد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً، قال هلالٌ: قد كنت أرجو ذلك من ربي تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها، فجاءت، فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا، وقال هلالٌ: والله لقد صدقتُ عليها، فقالت كذب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعنوا بينهما، فقيل لهلالٍ: اشهد فشهد هلالٌ أربع شهادات بالله إنه لمن
= (موجبة) الموجبة: هي التي توجب لصاحبها الجنة أو النار.
(فتلكأت) التلكؤ: التوقفُ والتباطؤ في الأمر.
(نكصت) النكوص: الرجوع إلى وراء.
(سابغ) الأليتين: ضخمهما، تامهما.
(أكحل العينين) الكحل في العين: هو سوادٌ في الأجفان خلقة.
(خدلج الساقين) أي: ممتلئهما.
(لكان لي ولها شأن) أراد بقوله "لكان لي ولها شأن" يعني: لولا ما حكم الله تعالى من آيات الملاعنة وانه أسقط عنها الحد، لأقمت عليها لحد حيث جاءت بالولد شبيهاً بالي رُميت به.
2751 -
أبو داود (2/ 277، 278) كتاب الطلاق، باب في اللعان.
(1)
النور: 6 - 9.
(فلم يهجه) لم يهجه، أ]: لم يزعجه.
الصادقين، فلما كانت الخامسةُ، قيل له: يا هلال اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يُجلدني عليها، فشهد الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة، ثم قالت، والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله بينهما، وقضى أن لا يُدعى ولدها لأب، ولا تُرمى، ولايرمى ولدها، ومن رماها ورمى ولدها، فعليه الحدُّ، وقضى أن لا بيتَ عليه لها، ولا قوت، من أجل أنهما يتفرقان من يغر طلاقٍ، ولا متوفى عنها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جاءت به أصيهب، أريصح، أثيبج، حمش الساقين، فهو لهلال، وإن جاءت به أروق جعداً جمالياً، حدلج الساقين، سابغ الأليتين، فهو للذي رُميت به، فجاءت به أورق جعداً جُمالياً خدلج الساقين، سابغ الأليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمانُ لكان لي ولها شأن، وقال عكرمةُ: فكان ولدها بعد ذلك أميراً على مصر، وما يدعى لأب".
2752 -
* روى الشيخان عن محمد بن شهاب الزهريِّ رحمه الله أن سهل بن سعد الساعدي أخبره "أن عُويمراً العجلاني جاء إلى عاصم بن عديٍّ الأنصاري، فقال له: أرأيت يا عاصمُ، لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعلُ (1)؟ فسلْ لي عن
= (أصيهب) تصغير الأصهب، وهو الأشقر، والأصهب من الإبل: هو الذي يخالط بياضه حمرةٌ.
(أريصح) الأريصح، بالصاد والحاء المهملتين - تصغير الأرصح، وهو الخفيف لحم الأليتين والفخذين.
(أثيبج) الأثيبج: تصغير الأثبج، وهو الناتيء الثبج، وهو ما بين الكتفين، وإنما جاء بهذه الألفاظ مصغرة، لكونها صفة لمولود.
(أورق) الورقة في الألوان: السمرة.
(جمالياً) الجُمالي العظيم الخِلقة، كأنه الجمل في القدِّ.
(خدلج) الخدلج: الضخم.
(نكصت) النكوص: الرجوع إلى خلف.
2752 -
البخاري (8/ 448) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء). مسلم (2/ 1129/1130) 19 - كتاب اللعان.
ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصمٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبُرَ على عاصمٍ ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نزل فيك وفي صاحبتك، فأذهب فائت بها، قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا قال عويمر: كذبت والله عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين".
وفي رواية (1) نحوه، وأدرج فيه قوله:"فكان فراقُه إياها بعد سُنَّة في المتلاعنين" ولم يقل: إنه من قول الزهري، وزاد فيها: قال سهل: "وكانت حاملاً، فكان ابنها يُنسب إلى أمه ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها".
وفي أخرى (2) نحوه قال: "فتلاعنا في المسجد وأنا شاهدٌ، وقال بعد قوله: "فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال النبي صلى الله عليه وسلم" ذاكم التفريق بين كل متلاعنين".
وفي أخرى (3): فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن جاءت به أحمر قصراً، كأنه وحرةٌ، فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين، ذا أليتين، فلا أراه إلا صدق عليها، فجاءت به على المكروه من ذلك".
(1) مسلم، الموضع السابق ص 1130.
(2)
مسلم، الموضع السابق.
(3)
البخاري (9/ 452، 453) 68 - كتاب الطلاق، 30 - باب التلاعن في المسجد.
(الوحرة) بفتح الحاء: دُويبَّةٌ كالعضاه تلصق بالأرض، وأراد بها في هذا الحديث: المبالغة في قصره.
(رجل أعين) إذا كان واسع العين.
(أدعج) الأدعج العين: الشديد سواد العين مع سعتها، ورجل أدعجُ: أسود.
وفي أخرى (1): أن سهل بن سعد قال: "شهدتُ المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة، فُرق بينهما".
وفي رواية لأبي داود (2): عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعاصم بن عدي "أمسك المرأة عندك حتى تلد".
وله في أخرى (3) قال: "حضرت لعانهُما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة. وساق الحديث، قال فيه: ثم خرجت حاملاً، فكان الولد يُدعى إلى أمه".
وأخرج (4) أيضاً الزيادة التي أخرجها البخاري ومسلم في آخر الحديث. وهذا لفظه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروها، فإن جاءت به أدعج العينين، عظيم الأليتين، فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة، فلا أراه إلا كاذباً، قال: فجاءت به على النعت المكروه" وزاد في رواية "فكان يُدعى لأمه".
وزاد في أخرى (5) قال: "فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وسلم سُنة، قال سهلٌ: حضرتُ هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت السنة بعد في المتلاعنين: أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً".
وزاد في أخرى (6)"ثم جرت السنة في الميراث: أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها".
قال الحافظ في ["الفتح" 1/ 341]: كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية، وفي حديث سهلٍ، أنها نزلت في عويمر - يعني العجلاني - ولفظه، فجاء عُويمر
(1) البخاري (12/ 180) 86 - كتاب الحدود، 43 - باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة.
(2)
أبو داود (2/ 274) كتاب الطلاق، باب في اللعان.
(3)
أبو داود، الموضع السابق.
(4)
أبو داود، الموضع السابق.
(5)
أبو داود (2/ 274، 275) الموضع السابق.
(6)
أبو داود، الموضع السابق ص 275.
فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلاً يقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فأمرهما بالملاعنة. وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع، فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضاً، فنزلت في شأنهما معاً في وقت واحد، وقد جنح النووي إلى هذا، وسبق الخطيب فقال: لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد، ثم قال الحافظ: ولا مانع أن تتعدد القص ويتحد النزول، ويحتمل ان النزول سبق بسبب هلال، فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال، أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم ولهذا قال في قصة هلال: فنزل جبريل، وفي قصة عويمر: قد أنزل الله فيك، فيؤول قوله: قد أنزل الله فيك، أي: وفيمن كان مثلك، وبهذا أجاب في "الشامل" قال: نزلت الآية في هلال، وأما قوله لعويمر، قد نزل فيك وفي صاحبتك. فمعناه ما نزل في قصة هلال. ويؤيده أن في حديث أنس عن أبي يعلي قال: أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أميه بامرأته
…
الحديث.
2753 -
* روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إنا ليلة جمعةٍ في المسجد، إذ جاء رجلٌ من الأنصار، فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم: جلدتموه، أو قتل: فقتلتموه، وإن سكت، سكت على غيظٍ، والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، فتكلم: جلدتموه، أو قتل: قتلتموه، أو سكت: سكت على غيظٍ، فقال: اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} هذه الآيات (1) فابتُلي به ذلك الرجل من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله: إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فذهبت لتلعن، فقال النبي صلى الله لعيه وسلم: مهْ، فأبت فلعنتْ، فلما أدبرا قال: لعلها أن تجيء به أسود
2753 - مسلم (2/ 1133) 19 - كتاب اللعان. أبو داود (2/ 275، 276) كتاب الطلاق، باب في اللعان.
(اللهم افتح) أي: احكم، والفتاح: الحاكم.
(مه): اسكت (اسم فعل أمر) أي اكفُف. (أبتْ): رفضتْ.
(1)
النور: 6 - 9.
جعداً، فجاءت به أسود جعداً".
2754 -
* روى الشيخان عن سعيد بن جُبير: "سُئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب ابن الزبير: أيفرق بينهما؟ قال: فما دريتُ ما أقول، فمضيتُ إلى منزل ابن عمر بمكة، فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إنه قائلٌ فسمع صوتي، فقال: ابن جبير؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فوالله ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجةٌ، فخلت، فإذا هو مفترشٌ برذعة له، متوسدٌ وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرحمن، المتلاعنان أيُفرق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم، إن أول من سأل عن لك: فلان ابن فلانٍ، قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألت عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن عليه، ووعظه وذكره، وأخبره: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها، وذكرها وأخبرها: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذبٌ، فبدأ بالرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما".
وفي رواية (1) عن سعيد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: "حسابُكما على الله، أحدكما كاذبٌ، لا سبيل لك عليها، قال: يا رسول الله مالي؟ قال: لا مال كل، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعدُ لك منها".
2754 - البخاري (9/ 456) 68 - كتاب الطلاق، 32 - باب صداق الملاعنة.
مسلم (2/ 1130، 1131) 19 - كتاب اللعان.
(1)
مسلم، الموضع السابق، 1131، 1132.
(البرذعة): ما يوضع على الدابة كالسرج ليركب عليها.
وفي أخرى (1) عنه عن ابن عمر قال: "فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ ".
وفي أخرى (2): قال سعيد بن جبير "لم يُفرقْ المصعب بين المتلاعنين قال سعيد: فذُكِرَ ذلك لعبد الله بن عمر، فقال: فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان".
وفي أخرى (3) عنه قال: قلت لابن عمر: رجلٌ قذف امرأته؟ فقال: "فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ فهل منكما تائب؟ - ثلاثاً - فأبيا، ففرق بينهما".
وفي رواية (4) نافع عن ابن عمر "أن رجلاً رمى امرأته، وانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله عز وجل، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرق بين المتلاعنين".
وفي رواية (5) قال "لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلٍ من الأنصار وامرأته، وفرق بينهما".
وفي أخرى (6)"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بأمه".
وفي رواية (7) للنسائي قال: "قال الرجل: مالي؟ قال: لا مال لك، إن كنت صادقاً فقد خلت بها، وإن كنت كاذباً، فهو أبعدُ لك".
(1) مسلم: الموضع السابق.
(2)
مسلم: الموضع السابق.
(3)
البخاري، الموضع السابق.
(4)
البخاري (8/ 451) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
(5)
مسلم، الموضع السابق ص 1133.
(6)
مسلم، الموضع السابق ص 1132، 1133.
(7)
النسائي (6/ 177) 27 - كتاب الطلاق، 43 - باب استتابة المتلاعنين بعد اللعان.
(أخوي بني العجلان): أي بين عويمر العجلاني وامرأته العجلانية.
2755 -
* روى الشيخان عن محمد بن شهاب الزهري عن عُروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى له من بعض، وأثبتهم له اقتصاصاً، وقد وعيت عن واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يُصدق بعضاً، قالوا: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً، أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، قالت: فأقرع بيننا في غزاةٍ غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت معه - بعد ما أنزل الحجاب - وأنا أُحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيتُ من شأني، أقبلت إلى الرحْلِ فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفارٍ.
وفي رواية: جزع ظفارٍ قد انقطع، فرجعتُ، فالتمستُ عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحَّلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن - ومنهم من قال: لم يُهَبَّلْن- ويم يغشهن اللحمُ وإنما يأكلن العُلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، ومنهم من قال: خفة الهودج - فحملوهُ، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحدٌ- (1)
2755 - البخاري (8/ 452، 453، 454، 455) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا).
مسلم (4/ 2129، 2137) 49 - كتاب التوبة، 10 - باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.
قال ابن الأثير:
(الإفك) الكذب، وأراد به: قذف عائشة رضي الله عنها.
(أوعى): أحفظ.
(آذن) أي أعلم، يعني: نادى بالرحيل.
(جزعُ أظفارٍ) الجزع هنا: الحجر اليماني المعروف، وإضافته إلى أظفار: تخصيص له، وفي اليمن موضع يقال له: ظفار، والرواية في الحديث "أظفار-وظفار".
(لم يهبلن) أي: لم يكثر لحمهن من السمن فيثقلن، والمهبل: الكثير اللحم، الثقيل الحركة من السمن، وقد روى "لم يهبلن".
(العلقة) بضم العين: البُلغة من الطعام قدر ما يُمسك الرمق، تريد: القليل.
…
=
ومنهم من قال: فجئت منازلهم وليس بها منهم داعٍ ولا مجيبٌ- فتيممتُ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمتُ، وكان صفوان بن المعطل السُّلمي، ثم الذكوانيُّ: عَرَّس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائمٍ، فأتاني فعرفني حين رآني - وكان يراني قبل الحجاب - فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلتهُ، فوطئ على يديها فركبتُها، فانطل قيقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين- وفي رواية موغرين في نحر الظهيرة - قال أحد رواته والوغرةُ: شدة الحر - قالت: فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبر الإفك: عبد الله بن أُبيِّ بن سلولٍ، فقدمنا المدين، فاشتكيت بها شهراً، والناس يفضيون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخُل فيسلمُ، يم يقول، كيف تيكُم؟ ثم ينصرفُ، فلك الذي يُريبني منه ولا أشعر بالشرِّ حتى نقِهْتُ فخرجتُ أنا وأم مسطحٍ قبل المناصع، وهي متبرَّزُنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليلٍ، وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف قريباً من بيوتنا، وأمرُنا أمرُ العرب الأول في التبرُّز قِبَلَ الغائط (1)، وكنا
= (داع ولا مجيب) أي ليس بها أحدٌ، لا من يدعو، ولا من يرد جواباً.
(عرس فادلج) التعريس: نزول آخر الليل نزلة الاستراحة، والادلاج- بالتشديد-: سير آخر الليل.
(الاسترجاع) وهو قول القائل: (إنا لله وإنا إليه راجعون).
(بجلبابي) الجلباب: ما يتغطى به الإنسان من ثوب أو إزار.
(وهوى) هوى الإنسان: إذا سقط من علوٍ، والمراد: أنه نزل من بعيره عجلاً.
(موغرين) الوغرة: شدة الحر، ومنه يقال: وغر صدره يوغر: إذا اغتاظ وحمي، وأوغره غيره، فيكون قوله: موغرين، أي: داخلين في شدة الحر.
(نحر الظهيرة) الظهيرة: شدة الحر، ونحرها: أولها، ونحرُ كل شيء: أوله.
(فهلك من هلك في شأني): أي طعن في من طعن.
(كبرُ الإفك) الكبر - بكسر الكاف وضمها هاهنا - معظم الإفك.
(اشتيكتُ): مرضتُ.
(يفيضون) الإفاضة في الحديث: التحدث به والخوض فيه بين الناس.
(يريبني) رابني الشيء يريبني: شككت فيه، ولا يكون ريباً إلا في شك مع تهمة.
(المناصع): المواضع الخالية تقضي فيها الحاجة من الغائط والبول، وأصله: مكان فسيحٌ خارج البيوت واحدها: منصعٌ.
…
=
نتأذى بالكُنُفِ أن نتخذها عند بيوتنا، فأقبلتُ أنا وأم مسطح -وهي ابنةُ أبي رُهُمِ بن عبد مناف، وأمُّها بنت صخر بن عامرٍ، خالةُ أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وابنها: مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب - حين فرغنا من شأننا نمشي، فعثرتْ أم مسطح في مرطها، فقالت: تعسَ مسطحٌ فقلت لها: بئسما قلت، أتسُبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: يا هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي، دخل رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فسلم، وقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذنْ لي إلى أبويَّ، قالت: وأنا حينئذٍ أريدُ أن أستيقنَ الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فأتيتُ أبويَّ، فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: يا بُنية، هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلمَّا كانت امرأةٌ قطُّ وضيئةٌ عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله! ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيتُ تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحلُ بنومٍ، ثم أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه من الوُدِّ لهم، فقال أسامة: " هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: يارسول الله، لم يُضيِّق الله عليك، والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أي بريرة. هل رأيت فيها شيئاً يريبُك؟ قالت له بريرة: لا والي بعثك بالحقِّ، إن رأيت منها أمراً أغمصُهُ عليها أكثر من أنها جاريةٌ حديثةُ السنِّ، تنامُ عن عجين أهلها، فيأتي الداجن فتأكله، قالت (1): فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أُبي بن سلول فقال
= (مِرْطِها) المرطُ: كساء من صوف أو خز يؤتزر به، وجمعه: مروطٌ.
(تعس) الإنسان: إذا عسر، ويقال في الدعاء على الإنسان: تعس فلانٌ، أي: سقط لوجهه.
(هنتاه) يقال: امرأة هنتاه، أي: غرةٌ لأنها قليلة المعرفة بمكائد الناس وفسادهم.
(وضيئة) الوضاءة: الحُسن، ووضيئةٌ: فعيلةٌ بمعنى: فاعلة.
(أغمصهُ) الغمصُ: العيبُ.
(الداجن): الشاة التي تألف البيت وتقيم به، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به.
(فاستعذر) يقال: من يعذرني من فلانٍ، أي: من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه، فلا يلومُني،
…
=
رسول الله صلى الله لعيه وسلم - وهو على المنبر- من يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي؟ - ومن الرُّواة من قال: في أهل بيتي - فوالله ما علمتُ على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي، قالت: فقام سعد بن معاذ أد بني عبد الأشهل، فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرُك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عُبادة - وهو سيد الخزرج، وكانت أم حسانٍ بنت عمهِ من فخذه وكان قبل لك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميةُ - ومن الرواة من قال: اجتهلته الحميةُ، فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حُضيرٍ - وهو ابن عم سعد، يعني ابن معاذٍ - فقال لسعد بن عبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا - ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر - فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفِّضُهمْ، حتى سكتوا وسكت وبكيتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنومٍ، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالقُ كبدي- ومن الرواة من قال: وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأةٌ من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك، إذ دخل علينا رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فسلم، ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لا يُوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: أما بعد، يا عائشة فنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئةً فسيبرئُك الله، وإن كنت ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله (1)،
= واستعذر: استفعل من ذلك، أي قال: من يعذرني؟ فقال له سعد بن معاذٍ: أنا أعذرُك، أي أقومُ بعذرك.
(من فخذه) الفخذُ في العشائر: أقلُّ من البطن، أولها: الشعبُ، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، كذا قال الجوهري.
(اجتهلته الحمية) الاجتهال: افتعال من الجهل، أي: حملته الحمية، وهي الأنفة والغضب على الجهل، واحتملته: افتعلته من الحملِ.
(فتثاور) تثاور الناس، أي: ثاوروا ونهضوا من أماكنهم، طلباً للفتنة.
(يخفضهم) يُهون عليهم ويسكنهم.
(فالقٌ) فاعل، من فلق الشيء: إذا شقه.
(ألممت) الإلمام: المقاربة، وهو من اللمم: صغار الذنوب، وقيل: اللمم: مقاربة المعصية من غير إيقاع فعلٍ.
…
=
وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، قالت: وأنا جاريةٌ حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني والله، لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس، حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، ولئن قلت لكم: إني بريئةٌ - والله يعلم أني لبريئةٌ- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفتُ لكم بأمر - والله يعلم أني بريئةٌ - لتصدقني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (1) ثم تحولتُ، فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مُبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظنُّ أن الله يُنزلُ في شأني وحياً يُتلى، ولشأني في نفسي كأن أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمرٍ يُتلى، ومن الرواة من قال: ولأنا أحقرُ في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عيه وسلم في النوم رؤيا يُبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسهُ، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدرُ منه مثلُ الجمان من العرق في يومٍ شاتٍ من ثقل القول الذي أُنزل علي قالت: فسُريَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحكُ، وكان أوَّل كلمةٍ تكلم بها، أن قال لي: يا عائشة، احمدي الله - ومن الرواة من قال: أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك - فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات (2)، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق وكان يُنفق على مسطح بن أثاثة - لقرابته منه وفقره - والله لا أنفقُ على
= (قلص) قلص الدمع: انقطع جريانه.
(1)
يوسف: 18.
(ما رام) أي ما برح من مكانه، يُقال: رام يريمُ: إذا برح وزال، وقلما يُستعملُ إلا في النفي.
(البرحاء): الشدة.
(الجُمان) جمع جُمانة: وهي الدُّرة، وقيل: هي خرزةٌ تعمل من الفضة مثل الدرة.
(سُري عنه) أي كشف عنه.
(ولا يأتل) يأتل: يفعتلُ من الأليَّة: وهي القسم، يقال: آلى وائتلى وتألَّى.
(2)
النور: 11 - 19.
…
=
مسطح شيئاً أبداً، بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فقال أبو بكر: بلى، والله إني لأحبُّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطحٍ الذي كان يجري عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحشٍ عن أمري، فقال: يا زينبُ، ما علمت؟ ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تُساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، قالت عائشة: وطفقت أختها حمنةُ تحاربُ لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهْطِ.
ومن الرواة من زاد: قال عروة: قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده، ما كشفت من كنف أنثى، قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله.
وفي رواية (2) أخرى عن عُروة عن عائشة قالت: لما ذُكر من شأني الذي ذُكر، وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، فتشهَّد، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فأشيرُوا عليَّ في أناس أبنوا أهلي، وأيمُ الله، ما علمت على أهلي من سوء قطُّ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوءٍ قطُّ، ولا دخل بيتي قطُّ إلا وأنا حاضرٌ، ولا غبتُ في سفرٍ إلا غاب معي، فقام سعد بن معاذ، فقال: إئذن لي يا رسول الله: أن نضرب أعناقهم، وقام رجلٌ من بني الخزرج - وكانت أم حسان من رهطِ ذلك الرجل- فقال: كذبت والله: أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تُضربَ
= (أحمي سمعي) حميتُ سمعي وبصري: إذا منعتُهما من أن أنسب إليهما ما لم يُدركاه.
(تُساميني) المساماةُ: مفاعلةٌ من السموِّ والعلو: أي أنها تطلب من السمو والعلو مثل الذي أطلب.
(فعصمها الله بالورع) أي منعها بالمعدلة، ومجانبة ما لا يحل.
(كنف) الكنف: الجانب، والمراد: ما كشفت على امرأةٍ ما سترته من نفسها، إشارة إلى التعفف.
(أبنوا أهلي) ذكروهم بسوء.
(1)
التوبة: 22.
(2)
مسلم (4/ 2137، 2138).
أعناقهم حتى كاد يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، وما علمتُ، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطحٍ، فعثرتْ، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أمِّ، أتسبين ابنك؟ فسكتتْ، ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أم، أتسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطحٌ، فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أيِّ شأني؟ فذكرتْ -وفي رواية: فبقرتْ - لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعتُ إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً، ووُعِكْتُ، وقلت لرسول الله صلى الله لعيه وسلم: أرسلني إلى بيت أمي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومانٍ في أسفل البيت، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنيةُ؟ فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغْ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: أي بنيةُ، خفضي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجلٍ يحبها لها ضرائر، إلا حسدنها، وقيل فيها، قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، ورسول الله، فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكرٍ صوتي وو فوق البيت يقرأ فنزل. فقال لأمي: ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذُكر في شأنها، ففاضت عيناهُ. وقال: أقسمت عليك يا بُنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعتُ، ولقد جاء رسول الله صلى الله لعيه وسلم بيتي، فسأل عني خادمي؟ فقالت: لا والله، ما علمت عليها عيباً، إلا أنها كانت ترقُد، حتى تدخل الشاة فتأكل خبزها أو عجينها - وفي رواية عجينها أو خميرها - شك هشام. فانتهرها بعض أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله، حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله! والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الحمر. وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله! والله ما كشفتُ كنف أنثى قط، قالت عائشة: فقتل شهيداً في سبيل الله، قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا، حتى دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وقد صلى العصر
(فبقرت) البقْر: الفتح والتوسعة والشقُّ، والمعنى: ففتحتْ لي الحديث وكشفته وأوضحتهُ.
(وايم الله) من ألفاظ القسم، وفيها لغات كثيرة.
(وأسقطوا لها به) اسقطوا به: أي قالوا لها السقط من القول، وهو الرديء، يريد: أنهم سبُّوها، وقوله "به" أي بسبب هذا المعنى: وهو الذي سُئلت عنه من أمر عائشة رضي الله عنها. فيكون المعنى: سبوها بهذا السبب. وقد رُوي هذا اللفظ على غير ما قلناه، والصحيح المحفوظ: إنما هو ما ذكرناه. والله أعلم.
(فقتل شهيداً في سبيل الله): في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة.
…
=
ثم دخل، وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا عائشةُ إن كنتِ قارفتِ سوءاً أو ظلمتِ، فتوبي إلى الله فإن الله يقبلُ التوبة عن عباده، قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار، فهي جالسةٌ بالباب، فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة: أن تذكر شيئاً؟ قالت: فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت! ُ إلى أبي: فقلت: أجِبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدتُ فحمدتُ الله وأثنيتُ عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فوالله، لئن قلت لكم: إني لم أفعل - والله يعلم إني لصادقةٌ - ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به، وأُشربتهُ قلوبكم، وإن قلت: إني قد فعلت - والله يعلم أني لم أفعل - لتقولن: قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً - والتمستُ اسم يعقوب، فلم أقدر عليه - إلا أبا يوسف، حين قال {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وأُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فرُفع عنه، وإني لأتبين السُّرور في وجهه، وهو يمسحُ جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك، قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ولقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينبُ بنت جحشٍ: فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيراً، وأما أختها حمنة: فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم فيه: مسطحٌ، وحسانُ بن ثابتٍ، والمنافق: عبد الله بن أبي بن سلول، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنةُ، قالت: فحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحاً بنافعةٍ أبداً، فأنزل الله عز وجل {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} ، يعني أبا بكرٍ {يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} يعني مسطحاً، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فقال أبو بكر: بلى والله
= (قارفتِ) المقارفة: الكسبُ والعمل في الأصل، ويقال لمن باشر معصية أو ألمَّ بها.
(وأشربته قلوبكم) أي: تداخل هذا الحديث قلوبكم، كما يتداخل الصبغُ الثوب فيشربه.
(باءت به) أي: رجعت به وتحملته.
(يستوشيه) أي: يستخرجه بالبحث عنه، والاستقصاء، كما يستوشي الرجل فرسهُ: إذا ضرب جنبيه بعقبيه ليجرين يقال: أوشى فرسهُ، واستوشاهُ.
(1)
النور: 22.
يا ربنا، إنا لنُحبُّ أن تغفر لنا: وعاد له بما كان يصنعُ.
وفي رواية (1): أن عائشة لما أخبرتْ بالأمر قالت: يا رسول الله، أتأذنُ لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها، وأريل معها الغلام، وقال رجلٌ من الأنصار: سبحانك! ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك! هذا بُهتانٌ عظيم. لم يزد على هذا.
وعند البخاري قال: قال الزهريُّ: كان حديث الإفك في غزوة المُريسيع، ذكره البخاري في غزوة بني المصطلق من خُزاعة، قال: وهي غزوةُ المريسيع، قال ابن إسحاق: وذلك سنة ستٍ، وقال موسى بن عقبة: سنة أربعٍ، إلى هنا ما حكاه البخاري.
وأخرجه البخاري (2) من حديث الزهري قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلتُ: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - أن عائشة قالت لهما: كان عليٌّ مسلماً في شأنها.
وأخرج البخاري (3) أيضاً من حديث الزهري عن عروة عن عائشة {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} : عبد الله بن أبي.
زاد في رواية (4): قال عروة: أخبرْتُ أنه كان يُشاع، ويُتحدث به عنده، فيُقره ويشيعه ويستوشيه، قال عروة: لم يُسم من أهل الإفك أيضاً إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنةُ بنت جحش، في ناس آخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبةٌ، كما قال الله تعالى، قال عروةُ: وكانت عائشة تكره أن يسبَّ عندها حسانٌ، وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمدٍ منكم وقاءُ
وفي رواية (5) لهما: قال مسروقُ بن الأجدع: دخلتُ على عائشة وعندها حسانٌ
(1) البخاري (7/ 433) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك.
(2)
البخاري (7/ 435) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك.
(3)
البخاري (8/ 451) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم).
(4)
البخاري (7/ 432) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك.
(5)
البخاري (7/ 436) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك.
يُنشدها شعراً، يُشببُ من أبياتٍ، فقال:
حصانٌ رزانٌ، ما تُزنُّ بريبةٍ
…
وتُصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك، قال مسروق: فقلت لها: أتأذنين له أن يدخل عليك؟ وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ؟ قالت وأيُّ عذابٍ أشدُّ من العمى؟ وقالت: إنه كان ينافح - أو يهاجي- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في شرح النووي على مسلم (17/ 116 - 118) وفتح الباري (8/ 479 - 481):
في هذا الحديث من الفوائد، جواز الحديث عن جماعة ملفقاً مجملاً، وفيه مشروعية القرعة حتى بين النساء، وفي المسافرة بهن، والسفر بالنساء حتى في الغزو، وجواز حكاية ما وقع للمرء من الفضل ولو كان فيه مدح ناس وذم ناس إذا تضمن ذلك إزالة توهُّم النقص عن الحاكي إذا كان بريئاً عند قصد نصح من يبلغه ذلك لئلا يقع فيما وقع فيه من سبق، وأن الاعتناء بالسلامة من وقوع الغير في الإثم أولى من تركه يقع في الإثم، وتحصيل الأجر للموقوع فيه، وفيه استعمال التوطئة فيما يحتاج إليه من الكلام، وأن الهودج يقوم مقام البيت في حجب المرأة، وجواز ركوب المرأة الهودج على ظهر البعير، ولو كان ذلك مما يشق عليه حيث يكون مطيقاً لذلك، وفيه خدمة الأجانب للمرأة من وراء الحجاب، وجواز تستر المرأة بالشيء المنفصل عن البدن، وتوجه المرأة لقضاء حاجتها وحدها وبغير إذن خاص من زوجها، بل اعتماداً على ألإذن العام المستند إلى العرف العام، وجواز تحلي المرأة في السفر بالقلادة ونحوها، وصيانة المال ولو قل للنهي عن إضاعة المال، فإن عقد عائشة لم يكن من ذهب ولا جوهر، وفيه شؤم الحرص على المال لأنها لو لم تظل في التفتيش لرجعت بسرعة فلما زاد على قدر الحاجة أثر ما جرى. وتوقف رحيل الجند على
إذن الأمير، والاسترجاع عند المصيبة، وتغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي، وإغاثة الملهوف، وعون المنقطع، وإنقاذ الضائع، وإكرام ذوي القدر وإيثارهم بالركوب، وتجشم المشقة لأجل ذلك، وحسن الأدب مع الأجانب خصوصاً النساء، لا سما في الخلوة، والمشي أمام المرأة ليستقر خطرها وتأمن مما يتوهم من نظره لما عساه ينكشف منها في حركة المشي، وفيه ملاطفة الزوجة وحسن معاشرتها، والتقصير من ذلك عند إشاعة ما يقتضي النقص وإن لم يتحقق، وفائدة ذلك أن تتفطن لتغير الحال فتعتذر أو تعترف، وأنه لا ينبغي لأهل المريض أن يعلموه بما يؤذي باطنه لئلا يزيد ذلك في مرضه، وفي السؤال عن المريض والإشارة إلى مراتب الهجران بالكلام والملاطفة، وفيه أن المرأة إذا خرجت لحاجة تستصحب من يؤنسها أو يخدمها ممن يؤمن عليها، وفيه ذب المسلم عن المسلم خصوصاً من كان من أهل الفضل، وردع من يؤذيهم ولو كان منهم بسبيل، وبيان مزيد فضيلة أهل بدر، وفيه البحث عن الأمر القبيح إذا أشيع، وتعرف صحته وفساده بالتنقيب على من قيل فيه، واستصحاب حال من اتهم بسوء إذا كان قبل ذلك معروفاً بالخير إذا لم يظهر عنه بالبحث ما يخالف ذلك، وفيه فضيلة قوية لأم مسطح لأنها لم تحاب ولدها في وقوعه في حق عائشة، بل تعمدت سبه على ذلك، وفيه مشروعية التسبيح عند سماع ما يعتقد السامع أنه كذب، وفيه توقف خروج المرأة من بيتها على إذن زوجها ولو كانت إلى أبويها، وفيه البحث عن الأمر المقول ممن يدل عليه المقول فيه، والتوقف في خبر الواحد ولو كان صادقاً، وطلب الارتقاء من مرتبة الظن إلى مرتبة اليقين وأن خبر الواحد إذا جاء شيئاً بعد شيء أفاد القطع، لقول عائشة: لأستيقن الخبر من قبلهما، وأن ذلك لا يتوقف على عدد معين، وفيه استشارة المرء أهل بطانته ممن يلوذ به بقرابة وغيرها، وتخصيص من جربت صحة رأيه منهم بذلك ولو كان غيره أقرب، والبحث عن حال من اتهم بشيء، وحاكية ذلك للكشف عن أمره، ولا يعد ذلك غيبة، وفيه استعمال "لا نعلم إلا خيراً" في التزكية، وأن ذلك كاف في حق من سبقت عدالته ممن يطلع على خفي أمره، وفيه التثبت في الشهادة وفطنة الإمام عند الحادث المهم، والاستنصار بالأخطاء على الأجانب، وتوطئة العذر لمن يراد إيقاع العقاب به أو العتاب له، واستشارة الأعلى لمن هو دونه، وأن من استسفر عن حال شخص فأراد بيان ما فيه من عيب فليقدِّم
ذكر عذره في ذلك إن كان يعلم، كما قالت بريرة في عائشة حيث عابتها بالنوم عن العجين فقدمت قبل ذلك أنها جارية حديثة السن، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي، لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم في القصة بشيء قبل نزول الوحي، وأن الحمية لله ورسوله لا تذم، وفيه فضائل جمة لعائشة ولأبويها ولصفوان ولعلي بن أبي طالب وأسامة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وفيه أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح، وجواز سب من يتعرض للباطل، ونسبته إلى ما يسوؤه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه، وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ "لعمر الله" وفيه الندب إلى قطع الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة، وسد ذريعة ذلك، واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما، وفضل احتمال الأذى، وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريباً حميماً، وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل يقتل، لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه مساعدة من نزلت فيه بلية بالتوجع والبكاء والحرن، وفيه تثبت أبي بكر الصديق في الأمور لأنه لم ينقل عنه في هذه القصة مع تمادي الحال فيها شهراً كلمة فما فوقها، وفيه ابتداء الكلام في الأمر المهم بالتشهد والحمد والثناء، وقول:"أما بعد"، وتوقيف من نقل عنه ذنب على ما قيل فيه بعد البحث عنه وأن قول:"كذا وكذا" يكنى بها عن الأحوال كما يكنى بها عن الأعداد ولا تختص بالأعداد وفيه مشروعية التوبة، وأنها تقبل من المعترف المقلع المخلص، وأن مجرد الاعتراف لا يجزيء فيها، وأن الاعتراف بما لم يقع لا يجوز ولو عرف أنه يصدق في ذلك، ولا يؤاخذ على ما يترتب على اعترافه، بل عليه أن يقول الحق أو يسكت، وأن الصبر تحمد عاقبته ويغبط صاحبه، وفيه تقديم الكبير في الكلام، وتوقف من اشتبه عليه الأمر في الكلام، وفيه تبشير من تجددت له نعمة، أو اندفعت عنه نقمة، وفيه الضحك والفرح والاستبشار عند ذلك، ومعذرة من انزعج عند وقوع الشدة لصغر سن ونحوه، وإدلال المرأة على زوجها وأبويها، وتدريج من وقع في مصيبة فزالت عنه لئلا يهجم على قلبه الفرح من أول وهلة فيهلكه، وفيه أن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج، وفضل من يفوض الأمر لربه، وأن من قوي على ذلك خف عنه الهم والغم، وفيه الحث على الإنفاق في سبيل الخير خصوصاً في صلة الرحم، ووقوع المغفرة لمن أحسن إلى من أساء إليه أو صفح عنه، وأن من حلف أن لا يفعل شيئاً من الخير استحب له الحنث، وجواز الاستشهاد بآي القرآن في النوازل، والتأسي بما وقع للأكابر من الأنبياء وغيرهم، وفيه
التسبيح عند التعجب، واستعظام الأمر، وذم الغيبة، وذم سماعها، وزجر من يتعاطاها لا سيما إن تضمنت تهمة المؤمن بما لم يقع منه، وذم إشاعة الفاحشة وتحريم الشك في براءة عائشة رضي الله عنها.
2756 -
* روى البخاري عن أم رومان رضي الله عنها وهي أم عائشة رضي الله عنها قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشة، إذ ولجت امرأةٌ من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل، فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني فيمن حدث الحديث، قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا، قالت عائشة: وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم، فخرتْ مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حُمى بنافضٍ، فطرحتُ عليها ثيابها، فغطيتُها؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما شأن هذه؟ " قلت: يا رسول الله، أخذتها الحمى بنافضٍ، قال "فلعل في حديث تُحُدِّثَ به؟ قالت: نعم، فقعدت عائشةُ فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قالت: فانصرفن ولم يقل لي شيئاً، فأنزل الله عُذرها، قالت: بحمد الله، لا بحمد أحد، ولا بحمدك.
2757 -
* روى الطبراني عن هشام بن عروة قال الذي تولى كبره عبد الله بن أُبيِّ بن سلول ومسطح بن أثاثة وحسان وحمنةُ بنت جحشٍ وكان كبرُ ذلك من قبل عبد الله بن أبي بن سلول.
وعن قتادة في قوله {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} كذبتم وقلتم هذا كذبٌ بينٌ ولعمري أن تكذب على أخيك بالشر إذ سمعته خيرٌ لك وأسلم من أن تُذيعه وتفشيه وتُصدق به.
2758 -
* (1) روى الطبراني عن ابن جريج في قوله {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ
2756 - البخاري (7/ 435) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث لإفك.
(بنافض) برعدة شديدة كأنها نفضتها أي حركتها.
2757 -
مجمع الزوائد (7/ 77) وقال الهيثمي: رواه الطبراني عنه وعن مجاهد وإسنادهما جيد، وكذا الآخر.
2758 -
مجمع الزوائد (7/ 78) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد.
وَالْمُؤْمِنَاتُ} يقول بعضهم ألا تسمع إلى قوله.
2759 -
* روى الطبراني عن قتادة في قوله تعالى {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال هذا في شأن عائشة رضي الله عنها وفيما قِيلَ كاد أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكوا فيه.
أقول: الظاهر أن التهديد لمن أفاض فيه أو قَبِلَهُ قلبه.
2760 -
* روى الطبراني عن مجاهدٍ في قوله {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} قال ينهاكم.
2761 -
* روى الطبراني عن قتادة في قوله {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أهل الحق حقهم وأهل الباطل باطلهم {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} .
2762 -
* روى الطبراني عن قتادة في قوله {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} من القول والعمل {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} من القول والعمل.
2763 -
* روى الطبراني عن قتادة في قوله {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} قال من القول والعمل {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} مغفرة لذنوبهم وهي الجنة.
2764 -
* روى الطبراني عن مجاهد في قوله {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} فمن كان طيباً فهو مبرأ من كل قول خبيث يقوله بمغفرة الله له ومن كان خبيثاً فهو مبرأ من كل قول صالح قاله يرده الله عليه لا يقبل منه.
2765 -
* (1) روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُنزل عُذري، قام رسول
2759 - مجمع الزوائد، الموضع السابق، وقال: إسناده جيد.
2760 -
مجمع الزوائد (7/ 79) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
2761 -
مجمع الزوائد (7/ 80) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناد جيد.
2762 -
مجمع الوائد (7/ 81) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد.
2763 -
مجمع الزوائد (7/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
2764 -
مجمع الزوائد (7/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات
2765 -
الترمذي (5/ 336) 48 - كتاب تفسير القرآن، 25 - باب ومن سورة النور وقال الترمذي: حديث حسن.
الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وذكر ذلك، وتلا القرآن، قالت: وأمر برجلين وامرأةٍ، فجُلدوا الحدَّ.
2766 -
* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحمُ الله نساء المهاجرات الأول لما أُنزل {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (1) شققن مروطهنَّ، فاختمرن بها".
وفي أخرى (2) قالت: "أخذن أزرهُن، فشققنها من قِبل الحواشي، واختمرن بها.
وفي رواية (3) أبي داود قال: "شققن أكنُف مروطهن، فاختمرن بها".
2767 -
* روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها "ذكرت نساء الأنصار، فأثنتْ عليهن، وقالت لهن معروفاً، وقالت: لما نزلتْ (سورة النور) عمدن إلى جحورٍ أو جحورٍ - شك أبو كامل الجحدريُّ - فشققنهُن، فاتخذنهُن خُمراً".
2768 -
* روى الطبراني عن عبد الله في قوله {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (4) قال الزينة: السوار والدُّمْلُج والخلخال والقُرط والأذن والقلادة وما
2766 - البخاري (489) 65 - كتاب التفسير، 12 - باب (ويضربن بخمرهن على جيوبهن).
(1)
النور: 31.
(2)
البخاري، الموضع السابق.
(3)
أبو داود (4/ 61) كتاب اللباس، 31 - باب في قوله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن).
(مروطهن) المروط: جمع مرط، وهو كساء من خز أو صوف يتغطى به.
(اختمرن بها): غطين وجوهن. وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار.
قال أبو داود: قال ابن صالح: أكثف مروطهن. ومعنى أكثف مروطهن: أي أشدها ستراً لصفاقته والأكتف: الأغلظ والأثخن.
2767 -
أبو داود (4/ 61) كتاب اللباس، باب في قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن).
(الحجزْ) جمع حجزة، وأصل الحجزة: موضع مشد الإزار، والحجوز، جمع الحجز والحجور- بالراء المهملة- فهو جمع حجر الإنسان.
2768 -
الطبراني (المعجم الكبير)(9/ 260).
مجمع الزوائد (7/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد مطولاً ومختصراً، ورجال أحدهما رجال الحصيح.
(الدملج): المعضد من الحلي (ما يزين به العضد).
(الخلخال): حلية كالسوار يلبس في الرجل.
(4)
النور: 31.
ظهر هي الثياب والجلباب.
أقول: فسر ابن مسعود رضي الله عنه الزينة التي يجب سترها وذكر الزينة التي يسوغ إظهارها وهي التي تظهر فوق الثياب والجلباب، مما يدل على أن ما سوى ذلك مما ذكر يجب ستره، والدملج هو الذي تزين به المرأة عضدها، والخلخال ما تزين به الرجل فوق الكعبين وهو كالسوار، والقرط في الأذن والقلادة ومكانها في الرقبة أو النحر كل ذلك مما يجب ستره.
2769 -
* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن أُبيِّ بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فباغينا شيئاً، قال: فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1).
وفي أخرى (2): أن جاريةً لعبد الله بن أُبيٍّ يقال لها مُسيْكةُ، وأخرى يقال لها أميمةُ، كان يريدهما على الزنا، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ -إلى قوله- غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
وفي رواية أبي (3) داود قال: جاءت مُسيكةُ لبعض الأنصار، فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء، فنزل في ذلك {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} .
قال أبو داود: وروى مُعتمرٌ عن أبيه: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال: قال سعيد بن أبي الحسن: غفورٌ لهن: المكرهات.
قال النووي: قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} خرج على الغالب لأن الإكراه إنما هو لمريدة التحصن، أما غيرها: فهي تسارع إلى البغاء من غير حاجة إلى إكراه. والمقصود: أن الإكراه على الزنا حرام، سواء أرادت تحصناً أم لا، وصورة الإكراه - مع أنها لا تريد
2769 - مسلم (4/ 2320) 54 - كتاب التفسير، 3 - باب في قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء).
(1)
النور: 33.
(2)
مسلم، الموضع السابق.
(3)
أبو داود (2/ 294) كتاب الطلاق، باب في تعظيم الزنا.
(البغاء): الزنا، وهو في الأصل: الطلب.
(التحصن): العفة.
التحصن-: أن تكون هي مريدة للزنا بإنسان، فيكرهها على الزنا بغيره، فكله حرام.
أقول: أراد النووي بكلامه أن يزيل التباساً يمكن أن يقع فيه بعض الناس، وهو جواز الزنا للأمة التي لا تريد التحصن، وليس المراد ذلك وإنما نزلت الآية لتجيب على واقعة بعينها فهي كقوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} فالربا كبيره وصغيره محرم، والزنا في كل الحالات محرم، ولكن الآيتين نزلتا لتعالجا واقعتين قائمتين فذكرتهما على الوجه الواقع، وتحريم الربا والزنا جاء بشكل مطلق في آيات أخرى.
2770 -
* روى الطبراني في الأوسط عن أبيِّ بن كعبٍ قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فنزلت: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (1).
2771 -
* روى أبو داود عن عكرمة بن أبي جهلٍ (رضي الله نه) أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس، كيف ترى في هذه الآية التي أُمرنا بها ولا يعملُ بها أحدٌ؟ قول الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية (2) فقال ابن عباس: إن الله حليمٌ رحيمٌ بالمؤمنين، يُحبُّ الستر. وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجالٌ، فربما دخل الخادم، أو الولد، أو يتيمة الرجل، والرجل على أهله، فأمرهم الله تعالى بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالسُّتُور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعدُ.
وفي رواية (3) عن ابن عباس: أنه سُمع يقول: لم يؤمر بها أكثر الناس: آية الإذن، وإني لآمرُ جاريتي هذه تستأذنُ عليَّ".
2770 - مجمع الزوائد (7/ 83) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(1)
النور: 55.
2771 -
أبو داود (4/ 349) كتاب الأدب، باب الاستئذان في العورات الثلاث.
(2)
النور: 58.
(3)
نفس الموضع السابق، وسنده حسن.
(حجال) ج حجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب.
قال محقق الجامع:
وهذه الآية من العلماء من قال بنسخها، ومنهم قال: إنها محكمة، والأكثرون على أنها محكمة. قال ابن الجوزي في نواسخ القرآن: الورقتان (110، 111) بعد أن أسند القول بالنسخ إلى سعيد بن المسيب وهذا ليس بشيء، لأن معنى الآية:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ} أي من الأحرار {الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم، فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذن في العورات الثلاث. وقال في (زاد المسير: 6/ 62): وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة، وممن روى عنه ذلك: ابن عباس، والقاسم ابن محمد، وجابر بن زيد، والشعبي، وحكى عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة، والأول أصح.
وقال ابن كثير: ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء وكان عمل الناس بها قليلاً جداً أنكر عبد الله بن عباس على الناس، وذكر بعض الروايات الدالة على أنها محكمة، منها رواية ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى ابن عباس، ثم قال: ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثم قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث، إذا بلغوا الحلم، وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال، يعني بالنسبة إلى أجانبهم، وإلى الأحوال التي يكون الرجل على امرأته، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث.
أقول: إن الرواية عن ابن عباس تؤكد عدم النسخ وتبين سبب إهمال تنفيذ المر، وذلك لأن الأبواب إذا وجدت فلا يستطيع أن يدخل أحد الدار إلا بإذن ما دامت الأبواب مغلقة، وأدب المسلم أن يستأذن ما دام يرى الحجاب قائماً.
2772 -
* (1) روى البزار عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله
2772 - كشف الأستار (3/ 61، 62) سورة النور.
مجمع الزوائد (7/ 84) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتيحهم إلى ضُمنائهم ويقولون لم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما أحببتُم، فكانوا يقولون إنه لا يحلُّ لنا إنهم أذنوا عن غير طيبِ نفسٍ فأنزل الله عز وجل:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} (1).
(1) النور: 61.