المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الكتاب الرابع: في القياس - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٦

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الكتاب الرابع: في القياس

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة. وفيه مسائل:

- ‌استدل أصحابنا على حجية القياس بوجوه أربعة

- ‌أحدها: أنّ القياس مجاوزة

- ‌(الثاني: خبر معاذ وأبي موسى

- ‌(الثالث أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال في الكلالة: أقول برأيي

- ‌(الرابع: إنّ ظنّ تعليل الحكم في الأصل بعلة توجد في الفرع

- ‌(الثانية: قال النظام والبصري وبعض الفقهاء التنصيص على العلّة أمر بالقياس، وفرَّق أبو عبد الله بين الفعل والترك)

- ‌(الثالثة: القياس إما قطعي أو ظني)

- ‌(الباب الثاني: في أركانه

- ‌(الفصل الأول: في العلّة

- ‌ اختلفت مقالات الناس في تفسيرها على مذاهب

- ‌الأول: وبه جزم المصنف واختاره الإمام(1)وأكثر الأشاعرة أنّها المعرِّف للحكم

- ‌المذهب الثاني: أنها الموجب لا لذاته بل بجعل الشارع إياه

- ‌الثالث: وهو قول المعتزلة أنّها المؤثر في الحكم بذاته

- ‌الرابع: واختاره الآمدي(1)وابن الحاجب(2)أنّها الباعث

- ‌الطرف الأول: مسالك العلة

- ‌ الأول: النص القاطع كقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً}

- ‌(الثاني الإيماء:

- ‌(الثالث الإجماع

- ‌(الرابع المناسبة

- ‌(الخامس الشبه

- ‌فروع:

- ‌(السادس الدوران:

- ‌(السابع: التقسيم الحاصر

- ‌(الثامن الطرد

- ‌(التاسع تنقيح المناط

- ‌(الطرف الثاني: فيما يبطل العليّة

- ‌الأول: النقض

- ‌(الثالث الكسرُ

- ‌(الرابع القلب

- ‌(الخامس: القول بالموجب

- ‌(السادس الفرق

- ‌(الطرف الثالث في أقسام العلّة

- ‌ الأولى يستدل بوجود العلّة على الحكم لا بعليتها لأنها نسبة يتوقف عليه)

- ‌تعليلُ الحكم العدميِّ بالوصف الوجوديّ

- ‌(الثالثة لا يشترط الاتفاق على وجود العلّة في الأصل بل يكفي انتهاض الدليل عليه)

- ‌(الرابعة الشيء يدفع الحكم كالعدّة أو يرفعه كالطلاق أو يدفع ويرفع كالرضاع)

- ‌(الخامسة: العلة قد يعلل بها ضدان ولكن بشرطين متضادين)

- ‌(الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الأول: ثبوت الحكم فيه بدليل غير القياس

- ‌الثاني: أنْ يكون ذلك الثبوت بدليل

- ‌الثالث: هو المشار إليه بقوله: "غير القياس

- ‌الشرط الرابع: أنْ لا يكون دليل الأصل بعينه دليل الفرع

- ‌الخامس: لا بد وأن يظهر كون ذلك الأصل معللا بوصف معين

- ‌السادس: أنْ لا يكون حكم الأصل متأخرا عن حكم الفرع وهو كقياس الوضوء على التيمم في اشتراطه النية

- ‌(الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة منها

- ‌الأولى: الأصل في المنافع الإباحة

- ‌(الثاني الاستصحاب حجة خلافًا للحنفية والمتكلمين)

- ‌خاتمة:

- ‌(الثالث الاستقراء مثاله:

- ‌(الرابع أخذ الشافعي بأقلّ ما قيل إذا لم يجد دليلًا

- ‌ المناسب

- ‌(السادس فقد الدليل بعد التفحص البليغ يغلب ظنّ عدمه

- ‌(الباب الثاني: في المردودة

- ‌الأول: الاستحسان

- ‌(الثاني قيل: قول الصحابي حجة

الفصل: ‌(الكتاب الرابع: في القياس

قال: ‌

‌(الكتاب الرابع: في القياس

(1)

.

وهو إثباتُ حكمِ معلومٍ في معلومٍ آخرَ لاشتراكهما في علّةِ الحكمِ عندَ المثبتِ).

أقول: القياس في اللغة: التقدير، ومنه قست الأرض بالخشبة أي قدرتها بها، والتسوية، ومنه قاس النعل بالنعل أي حاذاه، وفلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه

(2)

، قال الشاعر:

خِفْ يا كَرِيمُ عَلَى عِرْضٍ يُدَنِّسُهُ

مَقَالُ كُلِّ سَفِيهٍ لَا يُقَاسُ بِكَا

(3)

(1)

القياس: أنواع كثيرة يكثر تعدادها فمنها خاص بالأصوليين ومنها ما هو خاص بالمناطقة ويمكن ذكر بعضها على سبيل الإجمال: (القياس الجلي، والقياس الخفي، والقياس البرهاني، والشعري، والشرعي، والعقلي، والاقتراني، والاستثنائي، وقياس الخلف، والمركب والمنفصل، وقياس الدليل والقياس الجزئي الحاجي، وقياس المعنى وقياس الشبه، وقياس التمثيل، وغيرها. .) وللمزيد من معرفة هذه الأنواع من القياسات وتعريفاتها. ينظر: الكليات: ص 713 - 716. والتعريفات: ص 181 - 182، والمبين: ص 84 - 87.

(2)

ينظر في التعريفات اللغوية: لسان العرب لابن منظور: 5/ 3793 مادة: "قيس" والصحاح للجوهري: 3/ 967 مادة: "قوس". قال الجوهري: "قست الشيء بالشيء، أي قدَّرْته على مثاله، يقال: قست أقيس وأقوس فهو من ذوات الياء والواو، ونظائره في اللغة كثيرة، والمصدر قيسًا وقوسًا بالياء والواو من بناء أقيس قياسًا وأقوس قوسًا" وينظر أيضًا هذا المثال (قاس النعل بالنعل) في شفاء الغليل: ص 19.

(3)

البيت لأبي العلاء المعري وهو من البحر البسيط ويروى البيت مع التكملة كما هو في ديوانه:

خف يا كريم على عرض تعرضه

لعائب فلئيم لا يقاس بكا

إن الزجاجة لما حطمت سبكت

وكم تكسَّر من در فم سبكا =

ص: 2157

وبهذا المعنى يطلق على القياس المصطلح؛ لأنَّ الفرع يساوي الأصل في الحكم.

وأمَّا تعريفه في الاصطلاح

(1)

بين العلماء فقد ذكروا فيه أمورًا أقربها ما ذكره المصنف وهو الذي أبداه الإمام في المعالم

(2)

، وهو:

إثباتُ مثلِ حكمِ معلومٍ في معلومٍ آخرَ لاشتراكهما في علَّة الحكمِ عندَ

= ينظر ديوان أبي العلاء المعري.

(1)

اختلف العلماء في تعريف القياس وإمكان حده، فذهب البعض ومنهم إمام الحرمين إلى أنه لا يحدّ. قال في البرهان: 2/ 748: "يتعذر الحدّ الحقيقي في القياس، فإنّ الوفاء بشرائط الحدود شديد. . . إلخ"، وذهب الجمهور إلى إمكانه ثمّ اختلفوا في تعريفه تبعًا لاختلافهم في أنه هل هو دليل شرعي كالكتاب والسنة سواء نظر المجتهد أم لم ينظر، أو هو عمل من أعمال المجتهد، فلا يتحقق إلا بوجوده؟

فمن ذهب إلى الأول كالآمدي، وابن الحاجب عرفه بأنه: مساواة فرع لأصل في علّة حكمه. الإحكام: 3/ 273، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 204.

ومن ذهب إلى الثاني كالقاضي الباقلاني، وأبي الحسين البصري، والشيرازي، والرازي والبيضاوي وغيرهم، عرفه بما يفيد أنه عمل من أعمال المجتهد مثل تحصيل الأصل في الفرع لاشتباههما في علَّة الحكم عند المجتهد. المعتمد: 2/ 195، أو إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر لأجل اشتباههما في علّة الحكم عند المثبت. المحصول للرازي: 2/ ق 2/ 9.

وينظر تعرفه في: شرح اللمع للشيرازي: 2/ 755، والمستصفى للغزالي: 2/ 227، والمنخول للغزالي: ص 323، والتلويح على التوضيح: 2/ 52، وفواتح الرحموت: 2/ 246.

(2)

ينظر المعالم للرازي: ص 153.

ص: 2158

المثبتِ

(1)

.

قال الإمام: ونعني بالإثبات: القدرَ المشترك بين العلم والاعتقاد والظنِّ، سواءٌ أَتَعَلَّقَتْ

(2)

هذه الثلاثة بثبوت الحكمِ أمْ بعَدَمِه

(3)

.

وأمَّا المِثْل

(4)

: فبديهي

(5)

التصور

(6)

؛ لأنَّ كلّ عاقل يعرف بالضرورة كون الحار مثلا للحارّ

(7)

في كونه حارًا ومخالفًا للبارد في ذلك

(8)

.

وإنّما قلنا: "إثباتُ مثلِ حكم" ولم نقل: "إثباتُ حكم"؛ لأنَّ عين الحكم الثابت في الأصل ليس هو عين الثابت في الفرع بل مثله

(9)

.

(1)

وهذا التعريف هو ما ذكره القاضي أبو بكر واختاره جمهور المحققين، ومنهم الغزالي في المستصفى، والرازي في المحصول وتبعه البيضاوي. ينظر: التلخيص للجويني: 3/ 145، والمستصفى: 2/ 228، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 9.

(2)

في (ت)، (غ): تعلقت.

(3)

ينظر: المحصول: 2/ ق 2/ 17. والإثبات: هو كالجنس في التعريف، يشمل المعرّف وغيره، وباقي القيود كالفصل. كذا قاله الإسنوي في نهاية السول: 4/ 3.

(4)

قيد أول احترز به عن إثبات خلاف حكم معلوم، فإنه لا يكون قياسًا. أفاده الإسنوي في نهاية السول: 4/ 3.

(5)

البديهي: هو الذي لا يتوقف حصوله على نظر وكسب سواء احتاج إلى شيء آخر من حدس أو تجربة أو غير ذلك. أو لم يحتج فيرادف الضروري. التعريفات للجرجاني: ص 68.

(6)

التصور: هو حصول إدراك الماهية من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات. التعريفات للجرجاني: ص 87.

(7)

في (غ)، (ت): الجار مثلا للجار. وهو تصحيف.

(8)

ينظر: المحصول: 2/ ق 2/ 18.

(9)

ينظر: الإسنوي: 3/ 4.

ص: 2159

وأمّا "الحكم" فسبق تفسيره في أوّل الأصول

(1)

.

وأما "المعلوم" فلسنا نعني به مطلق متعلق العلم

(2)

فقط، بل ومتعلق الاعتقاد والظنّ، والفقهاء يطلقون لفظ العلم على هذه الأمور

(3)

.

(1)

فهو كما عرفه البيضاوي: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير. الإبهاج: ص 117.

(2)

(العلم) ليست في (غ). و (بل ومتعلق. . . . . العلم) مثبتة ومصححة في هامش (ص).

(3)

المعرفة: هي إدراكٌ مَا لصورِ الأشياء أو صفاتها أو سماتها وعلاماتها، أو للمعاني المجردة سواء أكان لها في غر الذهن وجود أم لا؟ . وكمال المعرفة يكون بمطابقة الإدراك لما عليه المدرَك في واقع نفسه من صورة أو صفة أو سمة وعلامة، أو وجود أو عدم، أو حق أو باطل، أو غير ذلك مما تتعلق به. فإن كان الشيء مما له صورة تُدرَك بالحس الظاهر أو الباطن فمعرفة صورته تكون بانطباع هذه الصورة في نفس المدرِك، وإن كان مما له صفة ما أو سمة ما لا تدرك بالحس، فمعرفة هذه الصفة أو هذه السمة تكون بإدراكها على ما هي عليه في الواقع، وإن كان من المجردات العملية كالوجود والعدم، والحق والباطل، والخير والشر، فمعرفته تكون بإدراك حقيقته المجردة على ما هي عليه في واقع أمرها، وهكذا إلى سائر ما يمكن أن يتناوله الإدراك.

فالعلم: هو إدراك الشيء أو المعنى على ما هو عليه في الواقع.

واليقين: وهو حين يجزم المدرِك بأن ما أدركه مطابق للواقع قطعًا، ويكون كذلك في حقيقة أمره، بالدليل القاطع.

والاعتقاد: وهو حين يجزم المدرِك بأن ما أدرك مطابق للواقع قطعًا، دون أن يقترن جزمه بالدليل القاطع على مطابقته للواقع.

وللعلم درجات: فما يلزم الفكر إلزاما لا يحتمل النقيض فهو اليقين، ودون مرتبة اليقين تأتي مرتبة الظنّ الراجح، وتأتي من دونه مرتبة الشك، وهي مرتبة تتساوى فيها الاحتمالات تساويًا تامًا، فلا يكون لبعضها رجحان على بعض. ويأتي بعد هذا الظن المرجوح، أو الوهم، فهو على درجات تقابل درجات الظن الراجح، =

ص: 2160

وإنّما قلنا: "معلوم" ولم نقل: موجود، ولا شيء لجريان القياس في المعدوم والموجود، والشيء عند الأشاعرة

(1)

لا يطلق على المعدوم

(2)

، وإنَّما لم يذكره

(3)

بدل المعلومين الأصل والفرع؛ لرفع إيهام كون الفرع والأصل وجودِيَيْن، وذلك لأنَّ الأصل ما يُتَوَلَدُ منه شيءٌ، والفرعُ ما تَوَلَدَ عن شيءٍ.

وإنّما قلنا: "في معلوم آخر"؛ لأنَّ القياس كما عرفت هو التسوية بين

= فبمقدار رجحان الاحتمال المقابل له تكون نسبة ضعفه، ثم تأتي بعد الظن المرجوح مرتبة الباطل بيقين.

ينظر: ضوابط المعرفة للميداني: ص 123 - 126 بتصرف.

(1)

الأشاعرة أو الأشعرية: هم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المتوفى سنة 324 هـ، قال أبو الحسن:"الباري تعالى عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع بسمع لا بأذن، وباصر ببصر هو رؤية لا عين، ومتكلم بكلام لا من جنس الأصوات والحروف"، وأجمعوا على أن هذه الصفات السبع أزلية، وسموها قديمة، وقد عرف مذهبهم الكلامي بمذهب أهل السنة والجماعة. انظر: الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 82، أصول الدين للبغدادي: ص 90.

(2)

وبيان ذلك أنَّ الشيء عند الأشاعرة هو الموجود سواء أكان ممكنًا أم واجبًا، فلا يصدق الشيء على المعدوم أصلًا عندهم، وأمّا المعتزلة، فالشئ عندهم هو الممكن مطلقًا، سواء أكان موجودًا أو معدومًا، فالواجب والمستحيل كل منهما شيء عندهم، وعلى ذلك فالمعدوم عندهم شيء، فلو عبر المصنف بالشيء لخرج المعدوم عند الأشاعرة، ولخرج المستحيل والواجب عند المعتزلة، فلا يجري القياس فيها، وبذلك يكون التعريف غير جامع. ينظر: الشامل لإمام الحرمين: ص 34، ونهاية السول للإسنوي: 3/ 4، ونشر البنود: 2/ 264 - 265.

(3)

في (ص)، (غ): يذكر.

ص: 2161

الأمرين فيستدعي وجود المنتسبين.

وإنّما قلنا: "لاشتراكهما في علَّة الحكم"؛ لأنَّ القياس لا يوجد بدون العلّة

(1)

.

وإنَّما قلنا: "عند المثبت"؛ ليشمل الصحيحَ والفاسدَ في نفس الأمر.

(1)

هذا هو القيد الخامس في التعريف، وهو إشارة منه إلى أن القياس لا يتحقق بغير العلّة، وهو في ذات الوقت احترز به عن إثبات الحكم بالنص أو بالإجماع، فلا يكون قياس حينئذ.

وقد عبَّر ابن السبكي في جمع الجوامع بالمساواة، ورجح الزركشي في شرح جمع الجوامع التعبير بالمساواة نقلا عن ابن السبكي بأمرين:

الأول: المناسبة للمعنى اللغوي، فإن من معانيه المساواة.

الثاني: أن الاشتراك يصدق بوجهين: احدهما: المناصفة، نقول: شارك زيد عَمرًا واشترك زيد مع عمرو في المال، وهذا ليس بمراد لهم في قولهم شارك الفرع الأصل، في علَّة الحكم؛ لأنَّ العلَّة لا تقسط عليهما حتى يكون في كل منهما بعضها. وثانيهما: المساواة كما تقول اشترك زيد مع عمرو في الإنسانية، أي تساويا فيها، وهذا هو المقصود. أما المساواة فلا يستعمل إلا في المعنى الثاني، وقد استحسن الزركشي وجهًا آخر فقال ما خلاصته: التعبير بالمساواة أولى من التعبير بالمشاركة؛ لأنَّ المشاركة في أمر ما لا توجب استواءهما في الحكم ما لم يكن ذلك الأمر فيهما سواء أو قريبًا منه، بخلاف ما لو اختلفا من الجهة التي تقتضى الحكم فإن ذلك يكون فرقًا يمنع التسوية بينهما. ويمكن أن يقال أيضًا: إنّ لفظ المشاركة أولى من لفظ المساواة؛ لأنَّ لفظ المساواة يوهم قصر القياس على المساوي وخروج الأولى والأدون.

ينظر: جمع الجوامع بحاشية البناني: 2/ 202، وتشنيف المسامع شرح جمع الجوامع للزركشي: 3/ 153.

ص: 2162

وإنّما لم نقل

(1)

بدل "المثبت": المجتهد ليعمّ

(2)

كلّ مثبت من مجتهد وغيره

(3)

وقوله: "مِثْلُ حُكْم" كلاهما مضاف بغير تنوين أعني: "مثل" و"حكم".

و"معلومٍ" مضاف

(4)

إليه منون، ولهذا قال في المعالم:"إثبات مثلِ حكمِ صورةٍ لصورةٍ أخرى"

(5)

، وهو أوضح

(6)

.

قال: (قيل الحكمان غير متماثلين في قولنا: لو لم

(7)

يشترط الصوم في صحة الاعتكاف لما وجب بالنذر كالصلاة.

قلنا: تلازم، والقياس لبيان الملازمة، والتماثل حاصل على

(1)

في (ص): يقل.

(2)

في (غ): ليعلم.

(3)

فالمثبت هو القائس سواء كان مجتهدًا أو مقلدًا. قال الآمدي وهذا الحد يرد عليه إشكال مشكل لا محيص عنه، وهو أنّ إثبات الحكم هو نتيجة القياس فجعله ركنًا في الحدّ يقتضي توقف القياس عليه وهو دور. وقد يقال: إنما يلزم ذلك أن لو كان التعريف المذكور حدًّا، ونحن لا نسلمه بل ندعي أنه رسم. وقد أشار إليه إمام الحرمين في البرهان: 2/ 748. ينظر الآمدي في الإحكام: 3/ 373، والإسنوي في نهاية السول: 4/ 4.

(4)

في (غ): ومضاف إليه.

(5)

ينظر المعالم: ص 153.

(6)

في (ت): واضح.

(7)

في (ت): ولم يشترط.

ص: 2163

التقدير

(1)

.

والتلازم والاقتراني لا نسميهما قياسا)

اعترض على حدِّ القياس هذا

(2)

، بأنَّه غير جامع، لأنَّه ينتقض بقياس العكس، وهو: تحصيل نقيض حكم معلوم في غيره لافتراقهما في علّة الحكم

(3)

، وقياس التلازم

(4)

، والمقدمتين

(1)

في (غ): على التقديرين.

(2)

هذا شروع في ذكر الاعتراضات الواردة على حدّ القياس، والقاعدة أنه لا يسلم حدّ من اعتراض، فمهما ادّعى الآتي بالحدّ من كون الحدّ جامعًا مانعًا، إلا ويعترض عليه، وقد ساق المصنف وتبعه الشارح عدَّة اعتراضات مفترضة على هذا الحد وأجاب عنها.

(3)

قياس العكس: كما عرَّفه الآمدي: "فعبارة عن تحصيل نقيض حكم معلوم ما في غيره لافتراقهما في علّة الحكم" وعرفه الإسنوي بقوله: "إثبات نقيض حكم معلوم في معلوم آخر، لوجود نقيض علته فيه". ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 262، ونهاية السول للإسنوي: 3/ 7، والمبين للآمدي: ص 85.

(4)

من مبادئ التصديقات في المنطق القضايا وأحكامها، والقضية في الاصطلاح هي: التصديق أو الخبر، وتنقسم القضايا إلى قسمين لا ثالث لهما وهما القضية الحملية والقضية الشرطية، ومثال الأولى زيد قائم. وأما الشرطية فمثالها: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودًا، وتنقسم الشرطية إلى قسمين شرطية متصلة وشرطية منفصلة. والمتصلة تنقسم إلى شرطية متصلة لزومية وشرطية متصلة اتفاقية. والذي يهمنا في الباب هو الشرطية المتصلة اللزومية أو (قياس التلازم). وهي التي لا بد من اتصال مقدمها بتاليها في الوجود والعدم لموجب يقتضي ذلك ككون أحدهما سببًا للآخر والآخر سببًا له. أو كون أحدهما ملزما للآخر والآخر لازمًا له، وسواء كان ذطث الارتباط عقليًا أو شرعيًا أو عاديًا =

ص: 2164

والنتيجة

(1)

.

أمّا قياس العكس، فكقول الحنفي

(2)

: لو لم يكن الصوم شرطًا لصحّة الاعتكاف مطلقًا، لم يصرْ شرطًا بالنَّذر؛ قياسًا على الصلاة، فإنها لمَّا لم تكن شرطًا لصحّة الاعتكاف في الأصل، لم تكن

(3)

شرطًا له بالنّذر؛ إذ لو نَذَرَ أنْ يعتكف مصليًا لم يلزمه الجمع، بخلاف ما لو نذر أنْ يعتكف صائمًا، والثابت في الأصل نفي كون الصّلاة شرطًا لها، وفي الفرع إثبات كون الصوم شرطًا لها، فحكم

(4)

الفرع ليس حكم الأصل، بل يقتضيه

(5)

.

= مثال العقلي: كلما كان هذا إنسانا كان حيوانا.

مثال الشرعي: كلما زالت الشمس وجبت صلاة الظهر، وكلما وجد شهر رمضان وجب الصوم.

مثال العادي: كلما لم يكن ماء لم يكن نبات.

(1)

المقدمة والنتيجة عند المناطقة: هي القضية التي تنتج ذلك مع قضية أخرى. نحو كلّ مسكر خمر، وكل خمر حرام. فالنتيجة: كل خمر حرام. تعريفات الجرجاني ص 242، تحرير القواعد المنطقية للرازي ص 4 وما بعدها.

(2)

هذا المثال ساقه الآمدي في الإحكام ينظر: 3/ 262.

(3)

في (ص): لم يكن.

(4)

(فحكم) مثبتة في هامش (ص).

(5)

وتقريره: كما قال الإسنوي: 4/ 5 "أنه إذا نذر أن يعتكف صائمًا، فإنه يشترط الصوم في صحة الاعتكاف اتفاقًا، ولو نذر أن يعتكف مصليًا لم يشترط الجمع اتفاقًا بل يجوز التفريق. واختلفوا في اشتراط الصوم في الاعتكاف بدون نذره معه، فشرطه أبو حنيفة ولم يشترطه الشافعي، فيقول أبو حنيفة: لو لم يكن الصوم شرطًا لصحة الاعتكاف عند الإطلاق لم يصر شرطًا له بالنذر قياسًا على الصلاة، فإنها لما لم تكن شرطًا لصحة الاعتكاف حالة الإطلاق لم تصر شرطًا له بالنذر، والجامع عدم =

ص: 2165

ونظير هذا المثال أيضًا من مذهبنا قولنا: إنّ المفوضة

(1)

يجب لها المهر بالوطء على أصحّ القولين

(2)

، والقول الآخر: أنَّه يجب بالعقد

(3)

، واتفق

= كونهما شرطين حالة الإطلاق فالحكم الثابت في الأصل أعني الصلاة عدم كونها شرطًا في صحة الاعتكاف، والعلّة فيه كونها غير واجبة النذر والحكم الثابت في الفرع كون الصوم شرطًا في صحة الاعتكاف، والعلّة فيه وجوبه بالنذر فافترقا حكمًا وعلّة". وينظر: المحصول فقد ذكر المثال نفسه: 2/ ق 2/ 22 - 23.

(1)

تسمى المفوِّضة على اسم الفاعل؛ لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي، بلا مهر، أو لأنها أهملت المهر و (المفوَّضة) على اسم المفعول؛ لأن الوليّ فوَّض أمرها إلى الزوج. قال الغزالي: ونعني بالتفويض إخلاء النكاح عن المهر بأمر من يستحق المهر. والتفويض نوعان: تفويض مهر: وهو أن تقول لوليها: زوجني على أن المهر ما شئت، أو ما شاء الخاطب. وتفويض بُضْع: والمراد إخلاء النكاح عن المهر، كأن تقول البالغة الراشدة: زوجني بلا مهر وهذا النوع هو المراد هنا. ينظر روضة الطالبين للنووي: 5/ 603.

(2)

أصح القولين: الأصح عند الرافعي والمتقدمين هو الرأي الراجح أي ما هو أكثر صحة من غيره، سواء أكان هذا الرأي قولًا للإمام الشافعي أو وجهًا من وجوه الأصحاب، أو طريقًا من الطرق. وهو يقابل الصحيح. وأما الأصحّ عند النووي فقد جعله خاصًا للترجيح بين الخلاف في الأوجه فقط، وعكس البيضاوي فجعله خاصًّا للترجيح بين الأقوال فقط. ينظر: مقدمة تحقيق الغاية القصوى: ص 118، وتحفة المحتاج: 1/ 50، والمنهاج: ص 2.

(3)

هذه المسألة معقودة في هل تستحق المفوضة المهر بنفس العقد؟ . قال الرافعي: فيه طريقان: أظهرهما: وهو المذكور في الكتاب أنه على قولين: أنه يجب بنفس العقد شيء؛ لأنّ المهر حقها، والثاني يجب مهر المثل. والثاني: القطع بالقول الثاني. وإذا قلنا بظاهر المذهب، وأوجبنا مهر المثل، فالاعتبار بحال العقد، أم بحالة الوطء فيه وجهان أو قولان. هذان القولان هما اللذان حكاهما الشارح. ينظر: فتح العزيز: 8/ 276.

ص: 2166

القولان على أنّ الوطء في هذا النكاح لا بد له من مهر، إنما الخلاف في أنَّه بماذا يجب

(1)

؟ .

وخَرَّجَ القاضي الحسين وجهًا

(2)

أَنَّه لا يجب مهرٌ أصلًا كما

(3)

إذا وطئ المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن ظانًا أنها تباح بالإذن، حيث لا يجب المهر في أحد القولين بجامع حصول

(4)

الملك من مالك البُضع

(5)

.

فنقول: في الدليل على أنَّه لا بد من مهر؛ ردًّا على هذا التخريج

(6)

.

الزنا لو شرط فيه مال لم يثبت؛ لأنَّ المال لا يتعلق به شرعًا

(7)

أصلًا، فلم يتعلق به شرطًا، فكذلك الوطء المحرَّم

(8)

إذا نفي عنه، وجب أنْ لا ينتفي؛ لأنَّه يتعلق به المال أصلًا شرعًا

(9)

، فلم ينتف عنه بالشرط، فالثابت في الأصل كون المال لا يجب أصلًا وفي الفرع

(1)

ينظر: مختصر المزني: ص 94، والوسيط: 5/ 237 - 240، وفتح العزيز: 8/ 273، ومغني المحتاج: 3/ 230، ومنهاج الطالبين: ص 102.

(2)

الوجه: أو الوجوه هي الآراء التي استنبطها أصحاب الإمام الشافعي المنتسبون إليه من الأصول العامّة للمذهب، بتخريجها على ضوء القواعد التي رسمها لهم الإمام الشافعي. ينظر: المجموع: 1/ 107، وتحفة المحتاج: 1/ 48.

(3)

في (غ)، (ص): مما.

(4)

في (غ): الأصول.

(5)

ينظر تخريج هذا الوجه في: روضة الطالبين عمدة المفتين للنووي: 5/ 604.

(6)

في (غ): الترجيح.

(7)

(شرعا): ليست في (غ)، (ت).

(8)

في (ص): المحترم.

(9)

(شرعًا) ليس في (غ).

ص: 2167

الوجوب

(1)

.

والجواب: أنّ هذا في الحقيقة تمسكٌ بنظم التلازم

(2)

،

(1)

هذا مثال آخر لقياس العكس أورده الشارح، وهناك أمثلة أخرى نذكر منها على سبيل المثال:

الوتر يؤدى على الراحلة فهو نفل كصلاة الصبح لم تؤد على الراحلة فكانت فرضًا.

المرأة لما ثبت عليها الاعتراض لم يصح منها النكاح، كالرجل لما لم يثبت عليه الاعتراض صح منه النكاح.

المجامع لحليلته لما وضع شهوته في حلال كان له أجر كالزاني لما لم يضعها في حلال كان عليه وزر.

ينظر هذه الأمثلة في نبراس العقول: ص 36.

(2)

التلازم: هو كل قضية يكون الربط فيها قائمًا على وجود علاقة بين المقدم والتالي توجب ذلك.

والعلاقات التي توجب ربط التالي بالمقدم متعددة منها:

أن يكون المقدم سببًا في التالي. مثال: إذا مرت الرياح الباردة على السحاب المثقل ببخار الماء نزل المطر.

وإما أن يكون المقدم مسببًا للتالي: مثال: إذا نزل المطر فقد برد جو السحاب الذي كان يحمله.

وإما أن يكون المقدم علّة للتالي. مثال: إذا كانت الطائرة تطير في الجو، فإن ركابها يتحركون وفق حركتها.

وإما أن يكون المقدم معلولًا للتالي مثال: إذا كان ركاب الطائرة يسيرون في الجو بسرعة مئة ميل في الساعة فلا بد أن الطائرة التي هم فيها تسير بسرعة مئة ميل في الساعة.

وإما أن يكون ربط المقدم بالتالي على أساس التضايف العقلي بينهما، كارتباط الأبوة، إذ لا تفهم الأبوة ما لم نفهم البنوة. ولا تتحقق الأبوة إلا بتحقق البنوة. وكارتباط معنى الكل بالجزء. وكارتباط معنى الأصغر بالأكبر.

مثال: إذا كانت عائشة بنتا لأبي بكر الصديق فأبو بكر أب لها. =

ص: 2168

وإثباتٌ لإحدى مقدمتي التلازم بالقياس. فإنّك تقول في المثال الأول: لو لم يكن الصوم شرطًا للاعتكاف، لم يصر شرطًا له بالنذر، فهو شرطٌ له مطلقًا، فهذا تمسك بنظم التلازم، واستثناء لنقيض اللازم لإثبات نقيض

= وقضيتنا التي جاء بها الشارح وهي قوله: "لو لم يكن الصوم شرطًا لم يصر شرطًا له بالنذر. فهو شرط له مطلقًا".

فالمقدم هو قوله: لو لم يكن الصوم شرطًا.

والتالي هو قوله: لم يصر شرطًا له بالنذر.

والنتيجة هي: فهو شرط له مطلقًا.

وإنما جاءت هذه النتيجة بعد أن سلطنا الاستثناء على التالي: بقولنا لكنه شرط له في النذر، وهو نقيض اللازم، فينتج نقيض الملزوم، وهو: فهو شرط له مطلقًا.

وهذا من باب القياس الاستثنائي المتصل. المؤلف من مقدمتين صغرى وكبرى، فالكبرى قضية شرطية متصلة، ويشترط فيها أن تكون لزومية اتفاقية، والصغرى قضية حملية مقترنة بلفظة لكن أو نحوها، وتسمى استثنائية، ويستثنى بالمقدمة الصغرى مقدم الشرطية المتصلة الموجبة اللزومية أو نقيض التالي. والقاعدة أن إثبات الملزوم يقتضي عقلًا إثبات لازمه ونفي اللازم يقتضي عقلا نفي ملزومه.

ومن الأمثلة المبثوثة في الكتاب والسنة قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيْهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ} (مقدم){لَفَسَدَتَا} (تالي)[كبرى] أي لكنهما لم تفسدا (صغرى)(رفع فيها التالي). إذن فليس فيهما إلا الله (النتيجة)(وقد رفع فيها المقدم).

وقس على هذا قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} سورة الصافات الآيتان 143 - 144. وقوله تعالى: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} الأحقاف الآية 11. وقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} الحاقة الآية 45 - 47.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". أخرجه البخاري في صحيحه ص 179، كتاب الجمعة (11) باب السواك يوم الجمعة (8) رقم (889) وفي كتاب التمني (94) باب ما يجوز من اللّو (9) رقم (7240).

ص: 2169

الملزوم، ثمَّ إنّك تثبت المقدمة الشرطية بالقياس، وهو أنّ ما لا يكون شرطًا للشيء في نفسه، لا يصير شرطًا له بالنّذر كما في الصلاة.

وقيس عدم شرطية الصّوم بالنّذر على عدم شرطية الصلاة بالنذر، بجامع كونهما غير شرطين:

أحدهما: في الواقع بالاتفاق.

والثاني: على تقدير أنْ يكون الصّوم ليس شرطًا في الواقع.

فوَضُحَ أنّ هذا قياس الطرد

(1)

لا قياس العكس، وظهر دخوله في الحدِّ

(2)

.

وهذا الجواب هو المَعْنِيُ بقوله: "قلنا تلازم" إلى آخره.

وأمّا قوله: "والتلازم والاقتراني لا نسميهما

(3)

قياسًا"، فهو جواب عن سؤال مقدر، وهو ما أشرنا إليه من أَنَّه ينتقض بقياس التلازم والمقدمتين والنتيجة.

وتقريره: أمَّا قياس التلازم، وهو القياس الاستثنائي

(4)

، فهو كقولنا:

(1)

سيأتي تعريفه عند ذكر مسالك العلة إن شاء الله.

(2)

الحدّ: عرفه الجرجاني بأنه "قول دال على ماهية الشيء". ينظر: التعريفات للجرجاني بتحقيق عميرة: ص 116.

(3)

في (غ): لا يسميهما.

(4)

القياس الاقتراني: نقيض الاستثنائي، وهو ما لا يكون عين النتيجة ولا نقيضها مذكورًا فيه بالفعل كقولنا الجسم مؤلف وكل مؤلف محدث، ينتج الجسم محدث فليس هو ولا نقيضه مذكورًا في القياس بالفعل. التعريفات: ص 231.

ص: 2170

إنْ كان هذا إنسانًا، فهو حيوان، لكنّه إنسان، فهو حيوان، لكنّه ليس بحيوان فليس بإنسان،

وأمّا المقدمتان والنتيجة وهو القياس الاقتراني

(1)

فكقولنا: كلُّ جسم مؤلف وكلّ مؤلف محدث، وكلّ جسم محدث فحكم النتيجة ليس حكم المقدمتين.

وأجاب: بأن ما ذكرتموه من الاستثنائي والاقتراني لا نسميهما قياسًا في اصطلاحنا، وإن كان المنطقيون يسمونهما قياسًا

(2)

. وإنّما لا نسميهما قياسًا؛ لأنَّ القياس التسوية؛ وهى لا تحصل إلا عند تشبيه صورة بصورة، وليس الأمر كذلك في التلازم وفي المقدمتين والنتيجة.

فإن قلت: بل هي حاصلة في هذين الموضوعين؛ لأنَّ الحكم في كلِّ واحدة من المقدمتين معلومٌ، وفي النتيجة مجهول، فاستلزام المطلوب من هاتين المقدمتين يوجب صيرورة الحكم المطلوب مساويًا للحكم في المقدمتين

(3)

في الصّفة المعلومية.

(1)

القياس الاستثنائي: ما كان عين النتيجة أو نقيضها مذكورًا بالفعل كقولنا: إن كان هذا جسمًا فهو متحيز لكنه جسم ينتج أنه متحيز، وهو بعينه مذكور في القياس، أو لكنه ليس بمتحيز ينتج أنه ليس بجسم ونقيضه قولنا إنه جسم مذكور في القياس. التعريفات: ص 231.

(2)

إذ القياس عندهم قول مؤلف من أقوال متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر، والذي يسميه الأصوليون قياسًا يسميه المنطقيون تمثيلًا. أفاده الإسنوي في نهاية السول: 4/ 6.

(3)

(يوجب صيرورة الحكم المطلوب مساويًا للحكم في المقدمتين) ساقط من (ت).

ص: 2171

قلت: لو كفى هذا الوجه في إطلاق اسم القياس، لوجب أنْ يسمَّى كلُّ دليلٍ قياسًا؛ لأنَّ التّمسك بالنّصِّ جَعَلَ مطلُوبَه

(1)

مساويًا لذلك النّص في المعلومية، فَلَوْ صَحَّ ذلك لامتنع

(2)

أنْ يقال: ثبت الحكم في محل النّص بالنّص لا بالقياس، والله أعلم.

قال الإمام: فإن أردنا أن نذكر عبارة في تعريف القياس شاملة لجميع هذه الصُّوَّر، نقول القياس: قول مؤلف من أقوال

(3)

إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر.

وقد تمّ شرح التعريف المذكور في الكتاب للقياس المصطلح وما أورد عليه مما أشار إليه صاحب الكتاب.

ولقائل أنْ يقول: يَرِدُ عليه أمران:

أحدهما: قياس الشبه

(4)

، فإنّه خارج عنه؛ إذ لا علّة فيه معينة لا سيما الشبه الصوري عند من اعتبره.

وثانيهما: قياس لا فارق

(5)

؛ فإنه ليس فيه علّة عند المجتهد.

وأورد الآمدي

(6)

اعتراضًا: وقال إنّه مشكل لا محيص عنه، وهو أنّ

(1)

في (غ): مطلوبًا.

(2)

(لامتنع) ليس في (ت).

(3)

فى (ت): من الأقوال.

(4)

سبق تعريفه.

(5)

سيأتي تعريفه في قوادح العلّة.

(6)

الآمدي: هو علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي سيف الدين، ولد =

ص: 2172

الحكم في الفرع متفرع على القياس، وليس ركنًا في القياس؛ لأنَّ نتيجة الدليل لا تكون ركنًا

(1)

في الدليل لما فيه من الدَّور، وعند ذلك فيلزم من أخذ إثبات الحكم في الفرع في حدِّ القياس أن يكون ركنا في القياس وهو دور

(2)

.

قال الهندي: وهذا الإشكال ضعيف جدًّا؛ لأنَّ المأخوذ في حدِّ القياس إنَّما هو الإثبات لا الثبوت الذي يترتب عليه، ونتيجة القياس

(3)

وهو الثبوت لا الإثبات

(4)

.

قلت وهذا حقّ

(5)

.

والعجب من الآمدي أنَّه لما ذكر حدّ القاضي وهو قوله

(6)

: القياس: حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما

= بعد سنة 550 هـ بمدة قصيرة وتوفي عام 631 هـ له من المصنفات الإحكام، وأبكار الأفكار في أصول الدين، والمنتهى والحقائق في علوم الأوائل وغيرها. ينظر ترجمته في: وفيات الأعيان: 2/ 455، وطبقات الشافعية للسبكي: 5/ 129.

(1)

(على القياس وليس ركنا في القياس لأنّ نتيجة الدليل لا تكون ركنًا) ساقط من (غ).

(2)

ينظر: الإحكام: 3/ 273.

والدور هو: توقف الشيء على ما يتوقف عليه، ويسمى الدور المصرح كما يتوقف (أ) على (ب)(وبالعكس، أو بمراتب ويسمى الدور المضمر كما يتوقف (أ) على (ب)، و (ب) على (ج)، و (ج) على (أ). ينظر التعريفات: ص 140 - 141

(3)

(إنَّما هو الإثبات لا الثبوت الذي يترتب عليه، ونتيجة القياس) ساقط من (غ).

(4)

ينظر: نهاية الوصول: 7/ 3033.

(5)

وهذا من مواطن ترجيحات الشارح.

(6)

في (ص): قول.

ص: 2173

بأمر جامع بينهما من إثبات حكمٍ أو صفةٍ لهما أو نفيهما عنهما

(1)

.

قال: حمل الفرع على الأصل معناه التشريك في الحكم

(2)

.

ثم اعترض بهذا الإشكال الذي فخَّم أمره، وقال: المختار في حدِّه أن يقال: إنَّه عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في حكم الأصل بناءً على جامع بينهما في نظر المجتهد

(3)

.

قال: وهذه العبارة جامعة مانعة وافية بالغرض، عَرِية عمّا يعترضها من التشكيكات العارضة لغيرها

(4)

.

ونحن نقول: إنْ كان الاستواء هو التسوية، والتسوية هي الحمل فهى موافقة لحدِّ القاضي، سواء من غير فرق وقد تقدم قوله، فإنّ قوله: في إثبات حكم لهما إلى آخره شرح لمعنى الحمل، وكذا هو شرح لمعنى الاستواء؛ إذ هو مستلزم لثبوت الحكم في الفرع، فلم يخرج بذلك عن كونه جعل حكم الفرع ركنًا في القياس فيَرِدُ عليه ما أورده وإن كان الاستواء غير التسوية فيرِدُ عليه ما ذكرناه مع اختلاف التسوية والاستواء في المعنى.

فالعجب منه اختياره لهذا الحدّ بعد اعتراضه على الأوّل بما زعم أنَّه لا محيص عنه وهو لازم له، إنْ كان ما أورده

(1)

ينظر: التلخيص: 3/ 145، والبرهان: 2/ 745، والمستصفى: 2/ 228، والمحصول: ج 2/ ق 2/ 9، والإحكام: 3/ 267.

(2)

ينظر الإحكام: 3/ 267.

(3)

المصدر نفسه: 3/ 273.

(4)

المصدر السابق: 3/ 273.

ص: 2174

صحيحًا، وينفرد ما قاله هو بأنَّه جعل الاستواء موضع التسوية وهما غيران

(1)

.

(1)

حاصله أنَّ الآمدي لما اعترض على تعريفات القياس التي أوردها اختار تعريفًا له فقال في: الإحكام: 3/ 273 "والمختار في حدِّ القياس أن يقال: إنَّه عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل" ومن التعريفات التي أوردها واعترض عليها تعريف القاضي الباقلاني والذى قال فيه 3/ 266: "حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما، بأمر جامع بينهما" قال الآمدي بعدها: 3/ 270 ". . . والجواب عن الإشكال الأول أنَّ المراد بحمل المعلوم على المعلوم إنّما هو التشريك بينهما في حكم أحدهما مطلقًا. وقوله بعد ذلك: في إثبات حكم أو نفيه) إشارة إلى ذكرها بفاصل ذلك الحكم وأقسامه، وهي زائدة على نفس التسوية في مفهوم الحكم، فذكرها ثانيًا لا يكون تكرارًا". فاعتراض السبكي حاصله: أن الاستواء إن كان بمعنى التسوية، والتسوية بمعنى الحمل ورد عليه ما أورده على تعريف القاضي الباقلاني، وكذلك إن كان الاستواء غير التسوية يرد عليه ذلك. ويلزمه أيضًا وضع الاستواء موضع التسوية وهما غيران. والله أعلم.

ص: 2175

الباب الأول: بيان حجية القياس

ص: 2177