المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال: ‌ ‌(الثاني الإيماء: وهو خمسة أنواع: الأول ترتيب الحكم على - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٦

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الكتاب الرابع: في القياس

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة. وفيه مسائل:

- ‌استدل أصحابنا على حجية القياس بوجوه أربعة

- ‌أحدها: أنّ القياس مجاوزة

- ‌(الثاني: خبر معاذ وأبي موسى

- ‌(الثالث أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال في الكلالة: أقول برأيي

- ‌(الرابع: إنّ ظنّ تعليل الحكم في الأصل بعلة توجد في الفرع

- ‌(الثانية: قال النظام والبصري وبعض الفقهاء التنصيص على العلّة أمر بالقياس، وفرَّق أبو عبد الله بين الفعل والترك)

- ‌(الثالثة: القياس إما قطعي أو ظني)

- ‌(الباب الثاني: في أركانه

- ‌(الفصل الأول: في العلّة

- ‌ اختلفت مقالات الناس في تفسيرها على مذاهب

- ‌الأول: وبه جزم المصنف واختاره الإمام(1)وأكثر الأشاعرة أنّها المعرِّف للحكم

- ‌المذهب الثاني: أنها الموجب لا لذاته بل بجعل الشارع إياه

- ‌الثالث: وهو قول المعتزلة أنّها المؤثر في الحكم بذاته

- ‌الرابع: واختاره الآمدي(1)وابن الحاجب(2)أنّها الباعث

- ‌الطرف الأول: مسالك العلة

- ‌ الأول: النص القاطع كقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً}

- ‌(الثاني الإيماء:

- ‌(الثالث الإجماع

- ‌(الرابع المناسبة

- ‌(الخامس الشبه

- ‌فروع:

- ‌(السادس الدوران:

- ‌(السابع: التقسيم الحاصر

- ‌(الثامن الطرد

- ‌(التاسع تنقيح المناط

- ‌(الطرف الثاني: فيما يبطل العليّة

- ‌الأول: النقض

- ‌(الثالث الكسرُ

- ‌(الرابع القلب

- ‌(الخامس: القول بالموجب

- ‌(السادس الفرق

- ‌(الطرف الثالث في أقسام العلّة

- ‌ الأولى يستدل بوجود العلّة على الحكم لا بعليتها لأنها نسبة يتوقف عليه)

- ‌تعليلُ الحكم العدميِّ بالوصف الوجوديّ

- ‌(الثالثة لا يشترط الاتفاق على وجود العلّة في الأصل بل يكفي انتهاض الدليل عليه)

- ‌(الرابعة الشيء يدفع الحكم كالعدّة أو يرفعه كالطلاق أو يدفع ويرفع كالرضاع)

- ‌(الخامسة: العلة قد يعلل بها ضدان ولكن بشرطين متضادين)

- ‌(الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الأول: ثبوت الحكم فيه بدليل غير القياس

- ‌الثاني: أنْ يكون ذلك الثبوت بدليل

- ‌الثالث: هو المشار إليه بقوله: "غير القياس

- ‌الشرط الرابع: أنْ لا يكون دليل الأصل بعينه دليل الفرع

- ‌الخامس: لا بد وأن يظهر كون ذلك الأصل معللا بوصف معين

- ‌السادس: أنْ لا يكون حكم الأصل متأخرا عن حكم الفرع وهو كقياس الوضوء على التيمم في اشتراطه النية

- ‌(الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة منها

- ‌الأولى: الأصل في المنافع الإباحة

- ‌(الثاني الاستصحاب حجة خلافًا للحنفية والمتكلمين)

- ‌خاتمة:

- ‌(الثالث الاستقراء مثاله:

- ‌(الرابع أخذ الشافعي بأقلّ ما قيل إذا لم يجد دليلًا

- ‌ المناسب

- ‌(السادس فقد الدليل بعد التفحص البليغ يغلب ظنّ عدمه

- ‌(الباب الثاني: في المردودة

- ‌الأول: الاستحسان

- ‌(الثاني قيل: قول الصحابي حجة

الفصل: قال: ‌ ‌(الثاني الإيماء: وهو خمسة أنواع: الأول ترتيب الحكم على

قال: ‌

‌(الثاني الإيماء:

وهو خمسة أنواع: الأول ترتيب الحكم على الوصف بالفاء، ويكون في الوصف

(1)

أو الحكم وفي لفظ الشارع أو الراوي مثاله: السارق والسارقة، لا تقربوه طيبًا، زنى ماعز فرجم).

الثاني: من الطرق الدالة على العليّة: الإيماء والتنبيه

(2)

.

قال الآمدي، وصفيّ الدّين الهندي: دلالته على العليّة بالالتزام

(3)

:

(1)

في (ت): في الوصفية.

(2)

الإيماء والتنبيه والإشارة: ألفاظ متقاربة المعنى في اللغة. فالإيماء في اللغة بمعنى الإشارة مأخوذ من وَمَأَ إليه يمأُ ومئًا، أشار ويأتي الإيماء بمعنى الإشارة بالرأس أو اليد. ينظر اللسان: 6/ 4926 مادة "ومأ"، والصحاح: 1/ 82. أما التنبيه: فإنه يستعمل لغة للقيام والانتباه، يقال: نبهه وأنبهه من النوم فتنبه وانتبه. ينظر: اللسان: 6/ 4232 مادة "نبه".

وأما الأصوليون: فيختلفون في عدد هذه الأنواع فبعضهم يدمج نوعًا في آخر، وبعضهم يقتصر على بعضها، والضابط الجامع فيه أنّ كل ما يتحقق فيه اقتران الوصف بالحكم فهو من قبيل الإيماء. والتنويع إنما جاء من الحالات التي يكون عليها هذا الاقتران، وهو اعتباري، فبعضهم يعتبر عدّة حالات متقاربة نوعًا واحدًا وبعضهم يعتبرها أنواعًا، وهكذا.

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 235، ونهاية الوصول: 8/ 3267، العضد على مختصر ابن الحاجب: 2/ 234، تيسير التحرير: 4/ 40، فواتح الرحموت: 2/ 296. المحصول: ج 2/ ق 2/ 203، والنبراس: ص 243.

(3)

دلالة الالتزام: دلالة اللفظ عن أمر خارج المعنى لازم له كدلالة الإنسان على كونه ضاحكا أو قابلا صنعة الكتابة. ينظر: إيضاح المبهم في شرح السلم: ص 7.

ص: 2301

لأنّه يفهم التعليل فيه من جهة المعنى لا من جهة اللفظ

(1)

.

قال الهندي: إذ اللفظ

(2)

لو كان موضوعًا لها لم يكن دلالته من قبيل الإيماء، بل كان صريحًا

(3)

. وهذا الذي قالاه فيه نظر، سنذكره. وهو أنواع:

الأول: أنْ يَذْكُرَ

(4)

حكمًا ووصفًا وتدخل الفاء على أحدهما وهو أقسام أربعة

(5)

:

أولها: دخول الفاء على الوصف في كلام الشارع

(6)

كقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنّه يبعث يوم القيامة ملبيا"

(7)

.

الثاني: دخولها في كلام الراوي ولم يمثل له المصنف

(8)

.

(1)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 366، ونهاية الوصول: 8/ 3267.

(2)

(إذ اللفظ): ليس في (ت).

(3)

ينظر: نهاية الوصول: 8/ 3267.

(4)

في (ت): أن نذكر.

(5)

(أربعة) ليس في (غ)، (ص).

(6)

فالوصف في المثال بعثه يوم القيامة ملبيًا، والحكم حرمة إمساسه الطيب.

(7)

سبق تخريجه قريبًا.

(8)

قال الإسنوي في نهاية السول: 4/ 65: "لم يظفروا له بمثال" وكذا في المحلي على جمع الجوامع ما يقتضي عدم إمكانه، وعلله الشربيني بأنّ الراوي من حيث إنه راو يريد حكاية ما وقع، فلا بد أن يحكيه على ترتيبه ثم السامع ينتقل منه إلى فهم التعليل، وليس هو كالشارع حتى يؤخر ما كان مقدما في الوجود بناء على فهم السامع التعليل. ينظر: حاشية البناني مع تقريرات الشربيني: 2/ 264.

ص: 2302

الثالث: دخول الفاء على الحكم في كلام الشارع مثل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

(1)

الرابع: دخولها عليه في كلام الراوي مثل: "زنى ماعز فرجم"

(2)

وقد تقدم الكلام على حديث: زنى ماعز في

(3)

التخصيص

(4)

، وليس فيه وقوع هذا اللفظ في كلام الراوي ومثاله أيضًا:"سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد"

(5)

.

(1)

سورة المائدة من الآية 38.

(2)

قصة ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه رواها جماعة من الصحابة منهم ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة رضي الله عنهم.

أخرج الحديث البخاري في صحيحه ص 1301 في كتاب الحدود (86)، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت؟ (28) رقم (6824) وأخرجه مسلم في صحيحه ص 703، في كتاب الحدود (29)، باب من اعترف على نفسه بالزنا (5) رقم (1693). وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود (32)، باب رجم ماعز بن مالك (24). رقم (4425). وأخرجه الترمذي في أبواب الحدود، باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع. 3/ 440، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الحدود باب الرجم: 2/ 86، وأخرجه الإمام أحمد في المستند: 1/ 325، 289، 270، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الحدود، باب أحاديث رجم ماعز: 4/ 361.

(3)

في (ص): من.

(4)

ينظر ص: 1468.

(5)

أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (2) باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم (195) 1/ 239 رقم (1039) عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وأخرجه عنه الترمذي في أبواب الصلاة (2) باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهم (173) 1/ 245، رقم (392) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه عنه النسائي في كتاب السهو (13) باب ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين (29) رقم (1238) =

ص: 2303

وهنا كلمات:

إحداها

(1)

: قال الإمام: يشبه أنْ يكون تقدم العلّة على الحكم أقوى في الإشعار بالعليّة من الثاني؛ لأنَّ إشعار العلّة بالمعلول أقوى من إشعار المعلول بالعلّة؛ لأنَّ الطرد واجب في العلل دون العكس

(2)

، وعكس النقشواني الأمر معترضًا على الإمام بأنّه إذا تقدم الحكم لطلب نفس السامع العلّة، فإذا سمع وصفًا معقبًا بالفاء سكنت نفسه عن الطلب وركنت إلى أنَّ ذلك هو العلّة، وأمّا إذا تقدّم معنى لم يعلم بعد حكمه مثل:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} فالنفس تطلب الحكم فإذا صار الحكم مذكورًا فبعد ذلك قد يكتفى في العلّة بما سبق إن كان شديدَ المناسبة، مثل:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} وقد لا يكتفى بل يطلب العلّة بعد ذلك

(3)

بطريق آخر، بأن يقول: إذا أقمتم الصلاة

(4)

فاغسلوا وجوهكم تعظيمًا للمعبود، وأما فيما إذا تأخر ذكر العلّة فلا يجوز ذكر علّة أخرى. قال ولو ذكر علّة

(5)

عدَّ مناقضًا فكان الإشعار بالعليّة على عكس ما قاله الإمام

(6)

. . . . . . . . . . . . . . . . .

= 3/ 25.

(1)

(وهنا كلمات إحداها) ساقط من (ص).

(2)

ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 203.

(3)

(بعد ذلك) ليس في (ص).

(4)

(الصلاة) ليس في (ت).

(5)

(علّة) ليس في (غ)، (ت).

(6)

(الإمام) ليس في (ت).

ص: 2304

.

(1)

، كيف، وترتيب

(2)

الحكم على الوصف عند الإمام يقتضي العلّة وإن لم يكن مناسبا؟ ويلزمه أنْ يقول إشعار قول القائل: أما الطِّوَال فأكرموهم بالعلّة

(3)

أقوى من أكرموا هؤلاء فإنّهم طوال

(4)

، وليس كذلك؛ لإمكان قول القائل: في الأول لم أجعل الإكرام علّة دون الثاني، وأمّا قول الإمام إشعار العلّة بالمعلول أقوى، فهذا لا يتأتى

(5)

إلا في شيء عرف كونه علّةً قبل الكلام أو قبل الحكم. أمّا ما كانت العلّة فيه مستنبطة من ذلك الكلام فلا يتأتى فيه ذكر

(6)

(7)

.

(1)

يقول الإمام: ". . . وأما القسمان الباقيان فيشبه أن يكون الذي تقوم العلّة فيه على الحكم أقوى في الإشعار بالعليَّة من القسم الثاني؛ لأنّ إشعار العلّة بالمعلول أقوى من إشعار المعلول بالعلّة؛ لأنّ الطرد واجب في العلل، والعكس غير واجب فيها". ينظر رأي الإمام في المحصول: 2/ ق 2/ 203.

(2)

في (غ): ورتب.

(3)

في (غ)، (ت): بالعلية.

(4)

في (ت): الطوال.

(5)

في (ت): لا ينافي.

(6)

في (ت): فلا ينافي فيه ما ذكر.

(7)

يظهر أن السبكي إما ينقل بالمعنى أو يتصرف في عبارة النقشواني لذا نذكر عبارته بتمامها. يقول في تلخيص المحصول لتهذيب الأصول: 2/ 838 - 839: "والسبب فيه: أنه لما تقدم الحكم طلبت نفس السامع العلّة، فلما سمع المعنى الذي عقبه بحرف الفاء سكنت عن الطلب وعلمت أن ذلك هو العلّة، وأما إذا تقدم معنى لم يعلم بعد حكمه مثل قوله:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} أو قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} فالنفس تطلب الحكم وتنتظره، فإذا صار الحكم مذكورًا، فبعد ذلك قد يقنع في العلّة بما سبق إن كان شديد المناسبة كقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا =

ص: 2305

الثانية: ما ورد في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم فهو أقوى دلالة على العليّة من

(1)

كلام الراوي لتطرق احتمال الخطأ إليه دون الله ورسوله.

وجعل الآمدي الوارد في كلام الله أقوى من الوارد في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

= مِائَةَ جَلْدَةٍ} وقد لا يقنع بل يطلب العلة بعد ذلك، ولهذا يصح ان يذكر العلة بعد ذلك بطريق آخر، بأن يقول إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم تعظيما للمعبود. وفي القسم الآخر: وهو ما إذا تأخر ذكر العلّة عن الحكم، لا يجوز ذكر علّة أخرى ولو ذكر علّة عدّ متناقضًا. فيعلم من هذا أن إشعار ذلك القسم بالعليّة أقوى، وكيف والمختار عند المؤلف: أن الوصف إن لم يكن مناسبًا فإن ترتيب الحكم عليه يوجب عليته. ويلزمه أن يقول: لو قال القائل: اما الطوال فأكرمهم، يكون إشعار هذا بالعليّة أقوى من أن يقول: أكرموا هؤلاء فإنهم طوال، وليس كذلك.

فإنه لو قيل للقائل في الأول: لم جعلت الطوال علّة للإكرام؟ كان له أن ينكر، وأما لو قيل له في القول الثاني: لم جعلت الطوال علّة للإكرام؟ لم يكن له الإنكار، وكل ذلك يدل على عكس ما ذكره. أما قوله:"إشعار العلّة بالمعلول أقوى" قلنا: هذا مغلطة؛ لأنّ هذا إنما يتأتى في الشيء الذي عرف كونه علّة قبل الكلام، ثمّ ذكر الشيء الذي عرف كونه علة قبل الحكم، كان الإشعار بالحكم أقوى مما إذا ذكر الحكم قبل العلّة واما فيما لم تعرف عليته، بل العلّة مستنبطة من هذا الكلام، فكيف يتأتى فيه ما ذكره".

قال المحشي الدكتور صالح الغنام: إن هذا المسألة لا تستحق كل هذه المشادة الكلامية بين الإمام المصنف والفاضل الشارح، وذلك لأن الإمام فخر الدين لم يجزم بما ذهب إليه بل قال: يشبه أن يكون تقدم العلة على الحكم أقوى من تقدم الحكم على العلّة. والله أعلم. هامش: (6) 2/ 839.

(1)

في (غ)، (ت): في.

(2)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 367.

ص: 2306

والحقّ مساواتهما؛ لعدم احتمال تطرق الخطأ. قاله الهندي

(1)

، وهو صحيح

(2)

، وما كان من

(3)

كلام الراوي الفقيه أقوى مما هو من

(4)

كلام من ليس بفقيه

(5)

.

الثالثة: استدل الآمدي على إفادة هذا النوع من الإيماء العلية بأنّ الفاء للتعقيب، ودخولها على الحكم بعد الوصف يقتضي ثبوت الحكم عقيب الوصف، ويلزم كون الوصف سببًا، إذ لا معنى لسببيته إلا ثبوت الحكم عقيبه

(6)

.

وقد ذكر الهندي هذا التعليل واعترض عليه بأنّا نسلم أنّ كلّ سبب يعقبه الحكم، لكن لا نسلم أنّ كلّ ما يعقبه الحكم سبب، فإن القضية الكلية

(7)

. . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

ينظر: نهاية الوصول: 8/ 3269.

(2)

هذه من ترجيحات الشارح وآرائه.

(3)

في (غ)، (ت): في.

(4)

في (غ)، (ت): في.

(5)

ينظر: نهاية الوصول: 8/ 3269.

(6)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 365 - 366.

(7)

القضية مشتقة من القضاء، والقضاء هو الحكم، وظاهر أنّ كلّ جملة خبرية لا بد أن تتضمن حكما موجبا أو سالبًا. وكل قضية لا بد وأن يتعلق الحكم فيها بمقدار ما من الأفراد، واحدا فما فوق، معينًا أو غير معين، ولا بد أيضًا أن تكون النسبة موجبة أو سالبة. إذن فمن عوارض القضية الكم والكيف. وبالتالي يكون مجموع القضايا بالنظر إلى هذه الحيثية أربعة أنواع: شخصية، كلية، جزئية، مهملة. والذى يهمنا منها النوع الثاني. فالقضية الكلية: أن يكون المحكوم عليه فيها مسورًا بسور كليّ أي مقترنا =

ص: 2307

لا تنعكس كنفسها

(1)

(2)

، وهو اعتراض صحيحٌ

(3)

، ثم هذا الدليل

(4)

على ضعفه يختص بدخولها على الحكم بعد الوصف دون عكسه.

وقد جعل ابن الحاجب دلالةَ الأقسام التي ذكرناها في هذا القسم

(5)

من باب الصريح دون الإيماء

(6)

.

والحق عندي

(7)

: في هذا أنْ يقال ترتيب الحكم على الوصف يفيد العليّة بوضع اللغة، ولم تضع العرب ذلك دالًا على مدلوله بالقطع والصراحة بل بالإيماء والتنبيه، ولا بدع في مثل هذا الوضع. وإنّما نجعله من باب الصريح لتخلفه في بعض محاله عن أنْ يكون إيماءً وهو حيث تكون الفاء، بمعنى الواو، فكانت دلالته أضعف، وإذا وضح هذا علمت أن دلالته ليست التزامية كما زعم الآمدي والهندي، وهذا هو النظر الذي أشرنا إليه أوّل الفصل

(8)

، وإنها ليست صريحة على خلاف ما ظنَّ ابن

= بما يدل على أن الحكم فيها يشمل جميع أفراد الكليّ. ينظر: شرح الكوكب المنير: 2/ 300، وضوابط المعرفة: ص 68 - 71.

(1)

في (غ): كيفيتها، وفي (ت): كفتيها.

(2)

ينظر: نهاية الوصول: 8/ 3270.

(3)

من ترجيحات الشارح.

(4)

في (غ): التعليل.

(5)

(التي ذكرناها في هذا القسم) ساقط من (غ).

(6)

ينظر: شرح العضد لمختصر المنتهى: 2/ 234.

(7)

من ترجيحاته.

(8)

ينظر ص: 2301 - 2302.

ص: 2308

الحاجب.

الرابعة: قد يقال كيف يعتمد قول الراوي هنا مع جواز أنْ يكون ترتيبه

(1)

للحكم على الوصف لفهمه أو ظنّه ما ليس بعلّةٍ علّةً

(2)

.

وقد قال الجمهور: لا يعتمد قوله: هذا منسوخ، ولا عمله بخلاف ما رواه؛ لاحتمال ذلك، ولا قوله: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض الأصوليين، وقد يقال: يعتمد قوله في فهم مدلولات الألفاظ كالرواية بالمعنى.

ويجاب: بأنّ العمل بقوله هذا منسوخ، يلزم منه رفع دليل ثابت بقول جاز أنْ يقوله عن اجتهاد لا نراه، بخلاف مثل قوله:"سها فسجد" فإنه لا يلزم من إثبات هذا الحكم الذي جاء به رفع ثابت بالدليل

(3)

وكذا الآخذ بما رآه دون ما رواه.

وأما قوله: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فالأكثرون على اعتماده والعمل به، ومن لم يعتمده مستنده احتمال أنّ الحكمَ كان غيرَ دائمٍ وظنَّه دائمًا أو مختصًا بواحد وظنّ عدم اختصاصه لا من جهة ظنّه ما ليس بأمر أمرًا، فإن ذلك بعيد من العربي.

وحاصل هذا كلِّه أنّ الرّاوي يرجع إليه في مدلولات الألفاظ لا في الاجتهاد.

(1)

في (ت): ترتيب.

(2)

في (غ)، (ت): علمه.

(3)

في (غ): الدليل.

ص: 2309

والحق عندي

(1)

في هذا أنْ يقال: إن كان الراوي صحابيًا اعتمد فهمه؛ لأنَّ الصحابة رضي الله عنهم كلّهم فقهاء ومن صميم العرب وإن كان غيرَ صحابيّ، فالظاهر أيضًا اعتماده إذا كان كذلك، وإن كان ممن قد يخفى عليه أنّ ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليّة فلا يعتمد

(2)

.

قال: (فرع

(3)

: ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية

وقيل: إذا كان مناسبًا.

لنا: لو قيل أكرم الجاهل وأهن العالم قَبُحَ، وليس لمجرد الأمر فإنه قد يحسن فهو لسبق التعليل.

قيل: الدلالة في هذه الصورة لا تستلزم دلالته في الكل.

قلنا: يجب دفعًا للاشتراك).

اختلفوا في اشتراط المناسبة

(4)

في الوصفِ المومَى إليه، فذهب

(1)

هذا من ترجيحاته.

(2)

هذا الاعتراض والجواب عليه، لم أقف عليه غير أنّ بعض المتأخرين كصاحب شرح الكوكب المنير، ذكر كلاما يشبه هذا الاعتراض. ينظر: شرح الكوكب المنير: 4/ 127 - 128.

(3)

في (ت): فروع.

(4)

المناسبة: وهي لغة الملائمة، واصطلاحًا ملاءمة الوصف المعين للحكم. أو يقال: إبداء الملاءمة بينه وبين الحكم مع السلامة من القوادح. ينظر: مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين رفيق العجم: 2/ 1564 - 1565. سيأتي تعريفها عند الكلام =

ص: 2310

الأكثرون إلى عدمِ اشتراطه.

وقيل: يشترط، وتوجيه تفريع هذا الفرع على ما قبله أنْ يقال: إذا ثبت أنّ ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليّة فهل يشترط مناسبة الوصف؟

واستدل المصنف على أنَّه لا يشترط بأنّ القائل لو قال: أكرم الجاهل وأَهِنِ العالم استقبح هذا الكلام منه عرفًا، وليس الاستقباح لمجرد الأمر بذلك، فإنّ الجاهل قد يحسن إكرامه في الجملة لنسب

(1)

أو دِين أو غير ذلك.

والعالم قد يحسن إهانته لفسق أو بخل أو غيره، فثبت أنّ

(2)

استقباح ذلك إنما هو لسبق الفهم إلى تعليل إكرام الجاهل بالجهل، وإهانة العالم بالعلم؛ لأنَّ الأصل عدم غيره، فيكون حقيقة في أنّ ترتيب الحكم على الوصف يقتضي العليّة مطلقًا.

واعلم أنّ عبارة الإمام: أَكْرِمِ الجُهَّال وأهن العلماء

(3)

، وفهم عليّة الوصفين

(4)

في هذه الصورة أسبق إلى الذهن من فهمه في قولنا: أكرم الجاهل وأهن العالم؛ لأنّه قد يقال: إنّه في حالة الجمع يكون

= عن المسلك الرابع من مسالك العلّة بشيء من التفصيل.

(1)

في (ص): لسبب.

(2)

أنّ: ليس في (غ).

(3)

ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 200.

(4)

في (غ)، (ت): الوصف. بالإفراد.

ص: 2311

ناظرًا إلى جهة الجهل والعلم دون الإفراد، إذ

(1)

يكون الشخص فيه مقصودًا فإتيان المصنف بصيغة الإفراد أحسن، إذ يلزم من ثبوته فيه ثبوته في تلك الصورة بطريق أولى. وهكذا فعل الآمدي

(2)

.

وقد اعترض الخصم على هذا الدليل بأنّ دلالةَ الترتيب على العليّة في هذه الصورة لا تستلزم دلالته في جميع الصور؛ لأنَّ المثال الجزئي لا يدل على القاعدة الكليّة، فيحتمل أن يكون ذلك؛ لخصوصية هذه الصورة.

وأجاب: بأنَّه إذا ثبت في هذه الصورة لزم في جميع الصور، وإلا يلزم الاشتراك في هذا النوع من التركيب.

ولقائل أنْ يقول: الترتيب تركيب والمركب غير موضوع عنده فأين لزوم الاشتراك؟ .

سلمنا: أنّه موضوع، ولكن

(3)

إنّما يلزم الاشتراك أنْ لو قلنا: إنّه يدل في غير هذه الصورة على غير العليّة ونحن نقول: لا يدلّ في غير هذه الصّورة على

(4)

شيء وفرْق بين الدلالة على العدم وعدم الدلالة، والاشتراك لازم على الأول الممنوع دون الثاني المسلم ولا يقال: الترتيب الدّال في هذه الصورة لا بد أنْ يدل على شيء في غيرها؛ لأن ذلك مجرد دعوى.

(1)

في (غ)، (ت): ويكون.

(2)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 377.

(3)

(ولكن) ليس في (ت).

(4)

(غير العليّة ونحن نقول: لا يدل في غير هذه الصورة على) ليس من (ص).

ص: 2312

قال: الثاني: (أنْ يحكم

(1)

عقيب علمه بصفة المحكوم عليه كقول الأعرابي: واقعت يا رسول الله. فقال: "أعتق رقبة"

(2)

؛ لأنَّ صلاحيةَ جوابه تغلب ظنّ كونه جوابًا والسؤال معاد فيه تقديرًا فالتحق بالأول).

الثاني: من أنواع الإيماء أنْ يحكم الرسول

(3)

صلى الله عليه وسلم بحكم في محلّ عند علمه بصفة فيه، فيغلب على الظنّ أنّ تلك الصفة علّةٌ لذلك الحكم، مثاله: ما روي "أنّ أعرابيا جاء إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت وأهلكت، واقعتُ أهلي في نهار رمضان عامدًا فقال: أعتق رقبة"

(4)

.

وأصل الحديث في الكتب الستّة كلّها، لكن بغير صيغة أعتق رقبة وبهذه الصيغة في سنن ابن ماجه

(5)

.

(1)

في (غ): الحكم.

(2)

(فقال: أعتق رقبة) ساقط من (ت).

(3)

في (غ): أنّ الحكم للرسول صلى الله عليه وسلم.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب الصوم (30) باب إذا جامع في رمضان (29) 3/ 29 رقم (1936)، ومسلم في كتاب الصوم (13)، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان (14) 2/ 781، رقم (82)، وأبو داود في كتاب الصوم، (14) باب كفارة من أتى أهله في رمضان (37) 2/ 783، حديث رقم (2390)، والترمذي في أبواب الصيام، باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان (28) 3/ 415 حديث (720)، وقال حديث أبي هريرة حسن صحيح. ورواه ابن ماجه في أبواب ما جاء في الصيام (7) باب كفارة من أتى أهله في رمضان (14) حديث رقم (2393). وينظر التلخيص الحبير: 2/ 807 - 808.

(5)

رواه ابن ماجه في أبواب الصوم (7) باب كفارة من أتى أهله في رمضان (14) حديث رقم (2393).

ص: 2313

فيظنّ أنّ الوقاع في نهار رمضان سببٌ لوجوب عتق الرقبة؛ لأنَّ ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من الكلام يصلح أنْ يكون جوابًا لهذا السؤال وصلاحيته لذلك تغلب على الظنّ كونه جوابًا؛ لأنَّ الاستقراء يدل على أنّ الغالبَ فيما يصلح

(1)

للجواب أنْ يكون جوابًا.

فإن قلت: يحتمل أنْ يكون جوابًا عن سؤال آخر، أو ابتداء كلام، أو زجرًا له عن الكلام كقول السيد لعبده إذا سأله عن شيء: اشتغل بشأنك.

قلت: غلبة الظنّ توجب إلحاق

(2)

هذا الفرد بالأعمّ والأغلب، ولأنّه لو لم يكن جوابًا خلا السؤال عن الجواب، ولزم تأخير البيان عن وقت الحاجة

(3)

، وما يقال عليه لعله صلى الله عليه وسلم عرّف أنَّه لا حاجة للمكلف إلى ذلك الجواب في ذلك الوقت فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فهو احتمال مرجوح لكونه نادرًا إذ الغالب من

(4)

السؤال كونه وقت الحاجة، وإذا كان ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم جوابًا عن السؤال كان السؤال معادًا في الجواب تقديرًا، فيصير تقدير الكلام إذا واقعت فأعتق، فيرجع إلى نوع ترتيب الحكم على الوصف بالفاء،

(1)

في (ت): صلح.

(2)

(إلحاق) ليس في (ت).

(3)

تأخير البيان عن وقت الحاجة يراد به: لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الحاجة أي الوقت الذي قام الدليل على إيقاع العمل بالمجمل فيه على التضييق من غير فسحة في التأخير؛ لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به ممتنع، والتكليف بذلك تكليف بما لا يطاق، وقد أجمع أرباب الشرائع على ذلك. ينظر ص: 1595 وما بعدها.

(4)

في (غ)، (ص): في.

ص: 2314

لكنه أضعف منه؛ لأنَّ الفاء وإعادة السؤال مقدرٌ فيه والمقدّر وإن ساوى المحقق في أصل الثبوت، فلا يساويه في القوّة وما وقع من هذا النوع في كلام الراوي فهو حجّة أيضًا؛ لأنَّ معرفة كون الكلام المذكور جوابًا عنه أو ليس جوابًا لا يحتاج إلى دقيق نظر، وظاهر حال الراوي العدل لا سيما العارف أنْ لا يجزم بكونه جوابًا إلا وقد تيقن ذلك.

قال: (الثالث أنْ يذكر وصفًا لو لم يؤثر لم يفد مثل: "إنّها من الطوافين عليكم والطوافات"، "ثمرةٌ طيبة وماءٌ طهور"، وقوله: "أينقص الرطب إذا جف؟ فقال: نعم فقال: فلا إذًا"، وقوله لعمر وقد سأل عن قبلة الصائم: "أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته؟ ").

إذا ذكر الشارع وصفًا لو لم يؤثر في الحكم أي لو لم يكن علّة فيه لم يكن لذكره فائدة دلّ على عليته إيماء وإلا كان ذكره عبثًا ولغوًا ينزّه هذا المنصب الشريف عنه

(1)

وهو على أربعة أقسام:

الأول: أنْ يدفع السؤال في صورة الإشكال بذكر الوصف كما روي أنَّه صلى الله عليه وسلم امتنع من الدخول على قوم عندهم كلب فقيل: إنّك تدخل على بني فلان وعندهم هرّة فقال صلى الله عليه وسلم: "إنّها ليست بنجسة إنّها من الطوافين عليكم والطوافات"

(2)

رواه الأربعة أصحاب السنن فلو لم يكن لكونها من الطوافات أثر في طهارتها لم يكن لذكره عقيب الحكم بطهارتها فائدة.

(1)

في (ت): تنزه هذا المصنف الشريف عنه.

(2)

سبق تخريجه.

ص: 2315

الثاني: أنْ يذكر وصفًا في محل حكم لا حاجة إلى ذكره ابتداءً، فتعلم أنَّه إنما ذكره لكونه مؤثرًا في الحكم كما روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الجنّ

(1)

لابن مسعود "ما في إدواتك قال نبيذ قال: ثمرةٌ طيبةٌ وماء طهور"

(2)

وهو حديث ضعيف

(3)

رواه الترمذي وابن ماجه.

(1)

ليلة الجنّ: هي تلك لليلة التي التقى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجن، والقصة في: صحيح مسلم بشرح النووي: 4/ 169، وتفسير ابن كثير: 4/ 169، وتفسير القرطبي: 16/ 213.

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة (1) باب الوضوء بالنبيذ (42) 1/ 66 رقم (84)، والترمذي في كتاب الطهارة (1) باب الوضوء بالنبيذ (65) 1/ 147 رقم (88)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها (1) باب الوضوء بالنبيذ (37) 1/ 135 رقم (384) وأحمد في المسند 1/ 402.

(3)

قال الزيلعي في نصب الراية: 1/ 137 "الحديث التاسع والأربعون حديث التوضي بنبيذ التمر قلت روى من حديث ابن مسعود ومن حديث ابن عباس أما حديث ابن مسعود فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن عندك طهور قال لا إلا شيء من نبيذ في إداوة قال ثمرة طيبة وماء طهور انتهى. زاد الترمذي قال فتوضأ منه قال الترمذي وإنما روى هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له غير هذا الحديث انتهى. ووهم شيخنا علاء الدين فعزاه للأربعة والنسائي لم يروه أصلا والله أعلم، ورواه أحمد في مسنده وزاد في لفظه فتوضأ منه وصلى وقد ضعف العلماء هذا الحديث بثلاث علل أحدها جهالة أبي زيد والثاني التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره والثالث أن ابن مسعود لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن أما الأول فقد قال الترمذي أبو زيد رجل مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء أبو زيد شيخ يروى عن ابن مسعود ليس يدرى من هو ولا يعرف أبوه ولا بلده ومن كان =

ص: 2316

قال القرافي في تعليقه على المنتخب: وهذا المثال غير مطابق؛ لأنَّ ذكره صلى الله عليه وسلم طيب الثمرة ليس إشارةً إلى العلّة في بقاء الطهورية، بل إلى عدم المانع، والمعنى لو كانت الثمرة مستقذرة، أمكن أنْ تكون نجسة تمنع من بقاء الطهورية لكن ليست كذلك

(1)

.

الثالث: أنْ يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء فيسأل صلى الله عليه وسلم عن وصف له، فإذا أخبر عنه حكم فيه بحكم كما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن اشتراء

(2)

الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا نعم، قال صلى الله عليه وسلم: فلا إذن"

(3)

رواه الأربعة وقال الترمذي حسن صحيح وصحّحه ابن

= بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه انتهى. قال ابن أبي حاتم في كتابه العلل سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول وذكر ابن عدي عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبته عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن" انتهى. وينظر: علل الحديث: 1/ 17 حديث رقم (14). وينظر الخلاف في جواز الوضوء بالنبيذ وعدمه المجموع: 1/ 93.

(1)

لم أقف على كتاب القرافي التعليقة على المنتخب. ولكن ذكر ما يشبهه في نفائس الأصول: 8/ 3250.

(2)

في (ت): أن نشتري الرطب بالتمر؟

(3)

الحديث رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات (22) باب ما في بيع التمر بالتمر 3/ 654، رقم (3359)، والترمذي، في كتاب البيوع (12) باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة (14) 4/ 418، وقال حديث حسن صحيح، رقم (1225)، والنسائي في كتاب البيوع (44) باب =

ص: 2317

خزيمة

(1)

والحاكم، فلو لم يكن نقصانه علّة في المنع لم يكن للتقديم عليه فائدة، وهو يدل على العليّة بوجهين آخرين من حيث (الفاء) ومن قوله (إذن) فهي من صيغ التعليل وقد عدّها ابن الحاجب مما يدل بالنّص على العليّة مثل من

(2)

أجل كذا وشبهه

(3)

.

الرابع: أنْ يسأل عن حكم فيتعرض لنظيره وينبه على وجه الشبه بينه وبين المسؤول عنه، فيفيد أنّ وجه الشبه هو العلّة كما روى أبو داود والنسائي أنّ عمر رضي الله عنه قال هششت فقبَّلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا قبّلت وأنا صائم قال:"أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت لا بأس قال: فَفيمَ؟ "

(4)

.

= اشتراء التمر بالرطب 7/ 236 رقم (4549)، وابن ماجه في كتاب التجارات (12) باب بيع الرطب بالتمر 2/ 761 رقم (2264)، والحاكم في كتاب البيوع باب النهي عن بيع الرطب بالتمر وقال حديث صحيح، 2/ 38، ورواه الدارقطني: 3/ 46 - 50، والبيهقي: 5/ 294 - 295، والبزار: رقم 1232. وينظر: التلخيص الحبير: 3/ 954.

(1)

لم أقف على الحديث في صحيح ابن خزيمة، ولعل المصنف اعتمد نسخة غير النسخة المتداولة في هذا العصر، ومما يقوي احتمال اعتماده على نسخة أخرى أن ابن حجر خرج الحديث أيضا عن ابن خزيمة في التلخيص الحبير: 3/ 954.

(2)

(من) ليس في (ت).

(3)

ينظر: شرح العضد على ابن الحاجب: 2/ 235.

(4)

أخرجه أبو داود في كتاب الصيام (14) باب القبلة للصائم (33) 2/ 779 رقم (2385)، والنسائي في السنن الكبرى: 2/ 198 رقم (3048)، ومسند أحمد 1/ 21 رقم (138) و 1/ 52 رقم (372)، والحاكم في كتاب الصوم (15) 1/ 596 رقم (1572)، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري =

ص: 2318

قال النسائي هذا الحديث منكر

(1)

، وقال أحمد بن حنبل ضعيف

(2)

.

فنبه صلى الله عليه وسلم بهذا على أنَّه لا يفسد الصوم بالمضمضة لمشابهتها للقبلة في أنّ كلًّا منهما، وإن كان مقدمة للشرب والوقاع المفسدين فلم يحصل منه

(3)

المطلوب من الشرب والوقاع، وفيه إشارة إلى أركان القياس الأربعة: لأنَّه صلى الله عليه وسلم جعل المضمضة أصلا والقبلة فرعًا وكون كل منهما مقدمة المفسد جامعًا، وعدم الإفساد حكمًا.

واعترض الآمدي على التمثيل بهذا الحديث بأنّه ليس من قبيل ما نحن فيه إذ ليس فيه ما تتخيل أنْ يكون مانعًا من الإفطار بل غايته ألا يفطر قال بل هو نقض لما

(4)

توهمه عمر رضي الله عنه من إفساد مقدمة الإفساد

(5)

.

قال الهندي: وهو ضعيف

(6)

؛ لأنَّ في

(7)

قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت شاربه" تنبيهًا على

= ومسلم، والدارمي في كتاب الصوم باب الرخصة في القبلة للصائم 2/ 13.

(1)

ينظر: تهذيب الكمال: 8/ 316 رقم (3530)

(2)

ينظر: العلل.

(3)

في (ت): به.

(4)

في (ت): إلى.

(5)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 373.

(6)

وعبارة الهندي: 8/ 3273 في تضعيف رأي الآمدي: "وما قيل: إن هذا ليس من قبيل ما نحن فيه؛ إذ ليس فيه ما يتخيل أن يكون مانعًا من الإفطار بل هو نقض لما توهمه عمر من إفساد مقدمة الإفساد ضعيف. . .".

(7)

(في) ليس في (ت).

ص: 2319

الوصف المشترك بين المضمضة والقبلة وهو عدم حصول المقصود منها

(1)

وهو يصلح للعليّة لعدم اشتراط المناسبة في الوصف المومى إليه

(2)

.

قال: (الرابع أنْ يفرق الحكم بين شيئين بذكر وصف مثل: "القاتل لا يرث" وقوله: "إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يدًا بيد").

إذا فرّق الشارع بين شيئين في الحكم بذكر صفة كان إيماءً إلى عليّة الصفة، وإلا لم يكن لذكرها معنى؛ وهو ضربان:

أحدهما: ألَّا يكون حكمُ أحدِهما مذكورًا في الخطاب بل في خطاب آخر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "القاتل لا يرث"

(3)

وقد تقدم الكلام على الحديث في الخصوص

(4)

مع تقدم بيان إرث الورثة ففرق بقوله القاتل لا يرث بينه

(1)

(على الوصف المشترك بين المضمضة والقبلة وهو عدم حصول المقصود منها) سقط من (غ). وفي (ت): منهما.

(2)

ينظر: نهاية الوصول: 8/ 3273.

(3)

روى هذا الحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أخرجه أبو داود في كتاب الديات (38) باب ديات الأعضاء (18) 4/ 694، رقم (4564)، وأخرجه الترمذي في كتاب الفرائض (27) باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل (17) 6/ 290 رقم (2192)، قال أبو عيسى: هذا حديث لا يصح، ولا يعرف هذا إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة أحد رواة الحديث قال: قد تركه بعض أهل العلم منهم أحمد بن حنبل. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الديات (21) باب القاتل لا يرث (14) 2/ 883، وأخرجه الدارقطني في كتاب الفرائض 4/ 96، وأخرجه البيهقي في كتاب الفرائض باب لا يرث القاتل: 6/ 220.

(4)

ينظر ص: 1359 حيث يقول هناك ". . . بما رواه الترمذي وابن ماجه =

ص: 2320

وبين جميع الورثة بذكر القتل الذي يجوز جعله علّة قي نفي الإرث

(1)

.

وثانيهما: أنْ يذكر حكمهما

(2)

في الخطاب وهو على خمسة أوجه اقتصر في الكتاب على الأول منها:

وهو أنْ تقع التفرقة بلفظ يجري مجرى الشرط كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"

(3)

بعد نهيه عن بيع البر بالبر متفاضلًا

(4)

.

والثاني: أن تقع التفرقة بالغاية مثل: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}

(5)

.

والثالث: بالاستثناء: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}

(6)

.

= والدارقطني والبيهقي من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو رجل متروك عند بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القاتل لا يرث" قال الترمذي: لا يصح هذا الحديث ولا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال البيهقي شواهده تقويه.

(1)

(لا يرث بينه وبين جميع الورثة بذكر القتل الذي يجوز جعله علّة في نفي الإرث) ساقط من (ت).

(2)

في (غ): حكمها.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة (22) باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (15) رقم (1584) 3/ 1211.

(4)

يقصد بداية الحديث: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد. فإذا اختلفت. . . الحديث".

(5)

سورة البقرة من الآية 222.

(6)

سورة البقرة من الآية 237.

ص: 2321

والرابع: بلفظ يجري مجرى الاستدراك مثل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}

(1)

يدل على عليّة التعقيد للمؤاخذة.

والخامس: استئناف أحد الشيئين بذكر صفة من صفاته بعد ذكر الآخر صالحة للعلية كقوله صلى الله عليه وسلم: "للراجل سهم وللفارس سهمان"

(2)

.

واعلم أنّ اعتماد هذين النوعين على أنَّه لا بد لتلك التفرقة من سبب ولذكر الوصف من فائدة وجعل الوصفِ سببَ التفرقة فائدة.

قال: (الخامس: النهي عن مفوت الواجب مثل: {وَذَرُوا الْبَيْعَ}).

إذا نهى عن فعل يمنع الإتيان به حصول ما تقدم وجوبه علينا كان إيماءً إلى أنّ علّة

(3)

ذلك النهي كونه مانعًا من الواجب كقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}

(4)

فإنّه لما أوجب السعي ونهى عن

(1)

سورة المائدة من الآية 89.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر: ص 551، في كتاب الجهاد (56) باب سهام الفرس (51) رقم (2863) وفي كتاب المغازي (64) باب غزوة خيبر (38) رقم (4228). وأخرجه مسلم في صحيحه ص 731، في كتاب الجهاد والسير (32) باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين رقم (1762)

وأخرجه داود بهذا اللفظ عن مجمع بن يزيد الأنصاري: 12/ 340 في كتاب الخراج والإمارة والفيء (14) باب ما جاء في حكم أرض خيبر (24) رقم (3015). ومعنى الحديث أن للفارس سهمين أحدهما لفرسه والآخر له، وللراجل سهم واحد.

(3)

في (غ)، (ت): علية.

(4)

سورة الجمعة من الآية 9.

ص: 2322