الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو يقدم الأخ من الأبوين كولاية النكاح وصلاة الجنازة وتحمل العقل والوصية والوقف؟ وإنّما لم يقع في الحضانة؛ لأنَّ الأنوثة في بابها أقوى من الذكورة ولذلك قال بعض الأصحاب بتساوي الأخ للأم والأخ للأب فكيف ذلك مع الإجماع؟
(1)
قلت: لا يلزم من إجماعهم على علية وصف أنْ لا يقع خلاف معها؛ لجواز أنْ يكون وجودها في الأصل أو الفرع متنازعًا فيه أو يكون في حصول شرطها أو مانعها نزاع وهذا على رأي من يجوز تخصيص العلّة، وإنما لا يتصور الخلاف إذا وقع الاتفاق على ذلك كله.
قال:
(الرابع المناسبة
. المناسب: ما يجلب للإنسان نفعا أو يدفع عنه ضررًا).
عرف المناسب
(2)
: بأنَّه الذي يجلب للإنسان نفعًا
(3)
أو يدفع عنه ضررًا
(4)
.
(1)
ينظر هذا الاعتراض والإجابة عليه في: نهاية الوصول: 8/ 3263، والإحكام للآمدي: 3/ 364 - 365، وشرح الكوكب المنير: 4/ 116. وغيرهم
(2)
المناسب أو المناسبة أطلق عليها العلماء مصطلحات مختلفة تؤدي في غالبها إلى نفس المعنى، فقيل عنها الإخالة، والمصلحة، ورعاية المقاصد، والاستدلال، والملاءمة، وتخريج المناط. وهي عمدة كتاب القياس وغمرته ومحل غموضه ووضوحه. ينظر البحر المحيط: 5/ 206.
(3)
(نفعا) ليس في (ت).
(4)
عرف المناسب لغة: بمعنى المشاكلة للشيء يقال: ليس بينهما مناسبة أي: مشاكلة، وتأتي بمعنى أشرك في النسب، يقال ناسبه: أي شاركه في نسبه. ينظر: اللسان: =
وغيره قال: إنّه
(1)
الوصف المفضي إلى ما يجلب للإنسان نفعًا أو يدفع عنه ضرَرًا
(2)
(3)
وهما متغايران؛ لأنَّ المصنف جعل المقاصد أنفسها أوصافًا.
وهذا التعريف هو قول من يعلل أفعال الله تعالى بالمصالح.
والنفع: عبارة عن اللذة وما كان طريقًا إليها
(4)
.
والضرر: الألم وطريقه
(5)
.
وقيل في حدّ اللذة: إدراك الملائم والألم إدراك المنافي
(6)
.
قال الهندي: وهو لا يخلو من شائبة الدور، يعني لأنَّ إدراك أحدهما
= 6/ 405، 5/ 3976، الصحاح: 1/ 224، 5/ 2026، ومختار الصحاح: 656، 588.
أما في الاصطلاح فعرف بتعريفات كثرة وهذا تبعًا لتفسير المصلحة وحسب من يجوز تعليل الأحكام بالمصالح ومن لا يجوز ذلك. وعلى كل حال فقد عرف بأنه: "وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع مفسدة" وإلى هذا ذهب ابن الحاجب، والآمدي وبعض الأصوليين. ينظر: شرح العضد على المختصر: 2/ 239، والإحكام للآمدي: 3/ 388 - 389، ونهاية الوصول: 8/ 3287.
(1)
(إنه) ليس في (غ)، (ت).
(2)
في (ص): ضرًا.
(3)
هذا تعريف الرازي في المحصول: ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 218.
(4)
ينظر التعريف اللغوي: في القاموس المحيط مادة (نفع) ص 991.
(5)
ينظر التعريف اللغوي في: القاموس المحيط: مادة (ضرّ) ص 550.
(6)
ينظر تعريفها اللغوي في: القاموس المحيط مادة (اللذّة) ص 461.
تتوقف معرفته على إدراك الآخر، وهذا فيه نظر، إذ قد
(1)
يدرك المنافي من لم يدرك الملائم ويعرفه وكذا العكس.
قال الإمام: والصواب عندي أنّهما لا يحدّان لكونهما من الأمور الوجدانية
(2)
.
أمّا من لم يعلل أفعال الله تعالى فقال المناسب: الملائم لأفعال العقلاء في العادات
(3)
(4)
.
قال: (وهو حقيقي دنيوي ضروري كحفظ النفس بالقصاص، والدّين بالقتال والعقل بالزجر عن المسكرات والمال بالضمان والنسب بالحدّ على الزنا، ومصلحي كنصب الولي للصغير، وتحسيني كتحريم القاذورات، وأخروي كتزكية النفس، وإقناعي بظنّ مناسب فيزول بالتأمل فيه)
هذا تقسيم أوّل للمناسب
(5)
، المناسب إمّا حقيقي أو إقناعي.
(1)
في (ت): وقد يدرك.
(2)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 218، ونهاية الوصول: 8/ 3288.
والمراد بالأمور الوجدانية، أي الأمور المتعلقة بأحاسيس وعواطف الإنسان التي يصعب التعبير عنها، فهي أمور داخلية تختلج في النفس البشرية، كالجوع والعطش والحب والبغض، والألم واللذة. . وغيرها.
(3)
(في العادات) ليس في (ت).
(4)
هذا التعريف ذكره الرازي في المحصول. ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 219، ونهاية الوصول: 8/ 3287.
(5)
قسم الأصوليون المناسب من وجوه عدّة يمكن أن نلخصها فيما يلي: =
الأوّل الحقيقي: وهو إمّا لمصلحة تتعلق بالدنيا أو بالآخرة، والمتعلق بالدّنيا إمّا أن يكون في محل الضرورة، وهو الضروريّ أو في محل الحاجة وهو المصلحيّ، أو لا في محل الضرورة ولا الحاجة، بل كان مستحسنًا في العادات فهو التحسينيّ.
فالضروري: ما تضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمس التي اتفقت الملل على حفظها وهي: النّفس والدّين والعقل والمال والنسب
(1)
.
- فحفظ النفس بمشروعية القصاص قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}
(2)
.
= التقسيم الأول: من حيث النظر فيه وهو قسمان: مناسب حقيقي وهو أقسام، ومناسب إقناعي.
التقسيم الثاني: من حيث حصول المقصود من شرع الحكم به وهو قسمان أيضا: ما يحصل به الحكم يقينًا وما يحصل به الحكم ظنًا.
التقسيم الثالث: من حيث شهادة الشرع له بالاعتبار وعدمه، وهو ثلاثة أقسام:
1 -
ما علم أن الشارع اعتبره
2 -
ما علم أن الشارع ألغاه
3 -
ما لم يعلم أن الشارع اعتبره أو ألغاه. وهو المناسب
التقسيم الرابع: من حيث التأثير وعدمه، وهو قسمان: مؤثر وغير مؤثر، وله وجوه.
(1)
الضروري عرفه الشاطبي في الموافقات: 2/ 8 بقوله: "أما الضرورية فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدّين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين".
(2)
سورة البقرة من الآية 179.
- وأمّا الدّين فبقتال الكفار وعليه نبه قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
(1)
.
- وأمّا العقل فبتحريم المسكرات، وعليه نبه قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ}
(2)
.
- وأما حفظ المال فبالضمان على الغاصب والاختلاس والسرقة.
- وأما النسب: فبوجوب الحدّ على الزاني فهذه الخمسة هي الضرورية.
ويلتحق بها ما كان مكملا لها كتحريم البدعة والمبالغة في عقوبة الداعي إليها وفي تحريم شرب القليل من المسكر ووجوب الحدّ فيه وفي حفظ النسب بتحريم النظر والمس وترتيب التعزير على ذلك.
وأما المصلحيّ
(3)
فكنصب الولي للصغير فيمَكَّن من تزويج الصغيرة؛ لأنَّ مصالح النكاح غير ضرورية، ولكن واقعةٌ في محل الحاجة، فإنّها داعية إلى الكفء الموافق، وهو لا يوجد في كل وقت، فلو
(4)
لم يقيّد بالنّكاح
(1)
سورة التوبة من الآية 29.
(2)
سورة المائدة من الآية 91.
(3)
عبر عنه الشاطبي بالحاجي وعرفه في الموافقات: 2/ 10 بقوله: "وأما الحاجيات: فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب. فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة".
(4)
في (ت): فلم يقيد.
لأوشك فواته لا إلى بدل، ومثله تجويز الإجارة فإنّها مبنية على مسيس الحاجة إلى المساكن مع القصور عن تملكها وضنّةِ مالكها ببذلها عارية.
قال إمام الحرمين: فمن قال الإجارةُ خارجة عن مقتضى القياس فليس على بصيرة من قوله، فإنّها إن خرجت فخروجها عن الاستصلاح
(1)
، فهي خارجة على مقتضى الحاجة، والحاجة أصل والاستصلاح بالإضافة إليه فرع
(2)
انتهى.
ومراده بالاستصلاح كما نبه هو عليه: الحملى على الأصلح والأرشد كاشتراط مقابلة الموجود بالموجود فليست
(3)
الإجارة من الأقيسة الجزئية التي هي الاستصلاح لأنها
(4)
مقابلة موجودٍ بمعدومٍ.
قال إمام الحرمين: وليس المراد بكونه قياسًا جزئيًا جريانه في شخص أو جزء، ولكن الأصل الذي لا بد من رعايته الضرورةُ ثمّ الحاجةُ والاستصلاحُ في الوجوه الخاصة في حكم الجزء عند النظر في المصالح والضوابط الكلية
(5)
انتهى.
وكالإجارة المساقاة
(6)
لاشتغال بعض الملاك عن تعهد أشجاره
(1)
في (غ): الاصطلاح في جميع المواضع.
(2)
ينظر: البرهان: 2/ 932.
(3)
في (ص): فليس.
(4)
(مقابلة الموجود. . . . . . التي هي الاستصلاح لأنها) ساقط من (غ).
(5)
ينظر: البرهان: 2/ 932.
(6)
المساقاة: دفع شجر إلى من يصلحه بجزء من ثمره. ينظر: التعريفات: ص 212، =
والقراض
(1)
وذكر بعضهم البيع في هذا القسم.
وقال إمام الحرمين: تصحيح البيع آيل إلى الضرورة؛ فإنّ النّاس لو لم يباذلوا ما بأيديهم لجرَّ ذلك ضرورة ظاهرة
(2)
، فيلتحق بمشروعية القصاص
(3)
.
واعلم أنَّه قد تتناهى بعض جزئيات هذا القسم فيخرج عنه إلى حدّ الضرورة كتمكين
(4)
الوليّ من شراء الطعام والملبوس للصغير الذي في معرض التلف من الجوع والبرد، واستئجار المرضعة له.
ويلتحق بقسم المصلحيّ ما كان مكمِّلًا له، كرعاية الكفاءة ومهر المثل في التزويج؛ فإنّه أفضى إلى دوام النكاح، وتكميل مقاصده، وإن حصلت أصل الحاجة بدون ذلك.
- وأمّا التحسينيّ
(5)
فقسمان:
= والتوقيف على مهمات التعاريف: ص 653.
(1)
القراض: لغة من القرض وهو القطع، وشرعًا: دفع جائز التصرف إلى مثله دراهم أو دنانير ليتجر فيها بجزء معلوم من الربح. ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف: ص 577.
(2)
في (ص)، (غ): لم يباذلوا ما بأيديهم لجرِّ ذلك إلا لضرورة ظاهرة.
(3)
ينظر: البرهان: 2/ 923.
(4)
في (غ): لتمكن.
(5)
قال الشاطبي في الموافقات: 2/ 11 "وأما التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات. وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العمول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق".
أحدهما: وعلى ذكره اقتصر المصنّف ما يقع على
(1)
غير معارضة
(2)
قاعدة معتبرة كتحريم القاذورات، فإنّ نفرة الطباع عنها لقذارتها معنىً يناسب حرمة تناولها حثًّا على مكارم الأخلاق ومحاسن الشِّيَّم؛ ومن هذا إزالة النجاسات فإنّها متقذرة في الجبلات واجتنابها أهمّ في المكارم والمروءات، ولهذا يحرم على الصحيح أنْ يتضّمّخ المرء بالنجاسة من غير حاجة.
قال إمام الحرمين في البرهان: والشافعي نصّ على هذا في الكثير
(3)
. ثمّ إنّه في النهاية عند الكلام في وطء المرأة في دبرها قال: لا يحرِّم
(4)
، ويحرم أيضًا على الصحيح لبس جلد
(5)
الميتة، ولا يجوز أنْ يلبس دابته جلد الكلب أو الخنزير، وقال بعض الأصحاب يمنع الاستصباح بالدّهن النجس، وأما إيجاب الوضوء فليس ينكر العاقل ما فيه من إفادة النظافة، والأمر بالنظافة على استغراق الأوقات يعسر الوفاء به، فوظف الشرع الوضوء في أوقات، وبنى الأمر على إفادته المقصود وعَلِمَ الشارع أنَّ أرباب العقول لا يعتمدون نقل الأوساخ والأدران إلى
(1)
(على) ليس في (ت).
(2)
في (ت): معاوضة.
(3)
ينظر: البرهان: 2/ 939 وعبارته: "والشافعي نصّ في الكثير وقد ردد في مواضع من كتبه تحريم لبس جلد الميتة قبل الدباغ، وحرام على المرء أن يلبس جلود الكلاب والخنازير. . .".
(4)
ينظر نهاية المطلب (مخطوط توجد منه نسخة بمركز إحياء التراث ولم أعثر عليها).
(5)
(جلد) ليس في (غ)، (ت).
أعضائهم
(1)
البادية منهم، فكان ذلك النهاية في الاستصلاح، ومحاولةُ الجمع بين تحصيل أقصى الإمكان في هذه المكرمة ورفع التضييق في التّدنس والتوسخ إذا حاول المرء ذلك.
قال
(2)
إمام الحرمين: ولكنَّ
(3)
إزالة النجاسة أظهر في هذا من النظافة الكليّة المترتبة
(4)
على الوضوء من حيث إنَّ الجبلة تستقذرها، والمروءةُ تقتضي اجتنابها فهي أظهر من اجتناب الشعث والغبرات
(5)
.
قال: ولهذا خصّ
(6)
الشافعي رضي الله عنه الوضوء بالنيّة من حيث التحق بالتعبدات العرية عن الأغراض
(7)
وضاهى العبادات الدينية
(8)
.
ومن هذا القسم التحسينيّ أيضًا سلب أهلية الشهادة عن الرقيق؛ لأجل أنّها منصب شريف والعبد نازل القدر والجمع بينهما غير ملائمٍ.
وأما سلب ولايته فهو محل
(9)
الحاجة؛ إذ ولاية الأطفال تستدعي
(1)
في (ت): عصيانهم.
(2)
(قال) ليس في (غ).
(3)
(ولكن) ليس في (ت).
(4)
في (ت): المرتبة.
(5)
ينظر: البرهان: 2/ 939.
(6)
في (غ)، (ت): ولهذا جعل الشافعي.
(7)
في (غ): الإعدام.
(8)
ينظر: البرهان: 2/ 940.
(9)
في (ت): في محل الحاجة.
استغراقًا وفراغًا، والعبد مستغرق بخدمة سيده، فتفويض أمر طفله إليه إضرارٌ بالطفل، أمّا الشهادة فتتفق أحيانًا كالرواية والفتوى
(1)
.
قال الغزالي: وقول القائل سلب منصب الشهادة لخسّة قدره، ليس كقولنا: سلب ذلك لسقوط الجمعة عنه، فإنّ ذلك لا يشمّ منه رائحة مناسبة أصلًا، وهذا لا ينفك عن الانتظام ولو صرح به الشارع، وليس تنتفي مناسبته بالرواية والفتوى بل ذلك نقض
(2)
على المناسب إلى أنْ يعتذر
(3)
عنه.
والمناسب قد يكون منقوضًا فيترك أو يحترز عنه بعذرٍ أو تعبدٍ، وكذلك تقييد النكاح بالولي فلو علل بفتور رأيها في انتقاد الأزواج وسرعة الاغترار بالظواهر لكان مصلحيًا
(4)
في محل الحاجة، ولكن لا يصحّ ذلك في
(5)
سلب عبارتها، وفي نكاح الكفء فهو في رتبة التحسيني؛ لأنَّ
(1)
أي أنّ سلبَ الولايةِ عنِ العبدِ من قبيل الحاجيات؛ لأنّ الولاية عن الطفل تستدعي الخلو والفراغ والنظر في أحواله. واستغراق العبد فيما هو الواجب عليه من خدمة مالكه وسيده مانع من ذلك، وليس الأمر كذلك في الشهادة لاتفاقها في بعض الأحيان كالرواية والفتوى. أي لا تمنع خدمته لسيده ومالكه من أن يشهد. قال صاحب البحر المحيط: 5/ 212 "وقد نبه بعض أصحاب الشافعي لإشكال المسألة فذكر أنه لا يعلم لمن رد شهادة العبد مستندًا أو وجهًا".
(2)
في (غ): يقضي.
(3)
في (غ): تعذّر.
(4)
في (ت): مصلحًا.
(5)
(في) ليس في (غ).
الأليق بمحاسن العادات استحياء النّساء عن مباشرة العقد؛ لأنَّ ذلك يشعر بتوقان نفسها إلى الرجال، وذلك غير لائق بالمروءة، ففوضه الشرع
(1)
إلى الولي حملًا للخلق على أحسن المناهج. وكذلك تقييد النكاح بالشهادة لو علل بالإثبات عند النزاع لكان واقعًا في محل الحاجة ولكن سقوط الشهادة
(2)
على رضاها يضعف هذا المعنى فهو لتفخيم أمر النّكاح وتمييزه عن السّفاح بالإعلان والإظهار عند من له رتبة ومنزلة على الجملة
(3)
.
والثاني: من قسمي التحسيني ما يقع على
(4)
معارضة قاعدة معتبرة، وذلك كالكتابة فإنها من حيث كونُها مكرمة في العوائد مستحسنة احتمل الشرع فيها خرم قاعدة ممهدة وهي: امتناع معاملة السيد عبده وامتناع مقابلة المِلك بالمِلك على صيغة المعاوضة، ولم يجز ذلك في الضرب
(5)
المتقدم، ولكن اختصّ ذلك الضرب بإيجاب الطهارة، ولا تجب الكتابة على السيد على رأي معظم العلماء
(6)
، وحكى صاحب التقريب وجهًا
(7)
أنّها تجب إذا طلبها العبد ووجد السيد
(1)
(الشرع) ليس في (ت).
(2)
(لو علل بالاثبات عند النزاع لكان واقعا في محل الحاجة ولكن سقوط الشهادة) ساقط من (غ) لسبق النظر. و (الشهادة) ليس في (ت).
(3)
ينظر: المستصفى ص 175. (طبعة جديدة بدون فواتح الرحموت).
(4)
(على) ليس في (ت).
(5)
في (ص): الصرف.
(6)
ينظر فتح العزيز: 13/ 442
(7)
في (ص): قولًا.
فيها خيرًا
(1)
، وهذا تمام القول في المتعلق بالدّنيا.
وأمّا المتعلق بالآخرة فكتزكية النفس ورياضتها وتهذيب الأخلاق المؤدي إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي الموصل إلى رضى الرحمن سبحانه وتعالى
(2)
.
وبقي قسم ثالث: لم يورده المصنف تبعًا للإمام وهو ما يتعلق بمصالح الدارين معًا، وذلك ما يحصل برعايته بعض ما تقدم من مصالح الدّنيا والآخرة، كإيجاب الكفارات إذ يحصل بها الزجر عن تعاطي تلك الأفعال التي وجبت الكفارة بسببها ويحصل تلاقي التقصير وتكفير الذنب الكبير الذي حصل من فعلها
(3)
.
واعلم أنّه قد يقع في كلّ قسم من هذه الأقسام ما يظهر كونه منه، وما يظهر كونه ليس منه، وما يستوي الأمران فيه
(4)
.
أمّا الأوّل: فكوجوب
(5)
القصاص بالمثقل؛ إذ يظهر أنَّه من المصالح
(1)
ينظر: تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 278 - 279 ذكره صاحب التقريب، وقال هو القفال الشاشي. وينظر رأيه في فتح العزيز: 13/ 442.
(2)
وهكذا انتهت الأقسام الثلاثة، ومن نافلة القول أنَّ هناك مثالًا تجتمع فيه هذه المراتب الثلاث، وهو النفقة، فالنفقة على النفس ضرورية، وعلى الزوجة حاجية، وعلى الأقارب تحسينية.
(3)
ينظر: نهاية الوصول: 8/ 3298 - 3299، والبحر المحيط: 5/ 212.
(4)
ذكر ذلك صاحب المحصول واستقصاها صاحب البرهان. ينظر البرهان: 9/ 926 وما بعدها، والمحصول: 2/ ق 2/ 223 - 224.
(5)
في (ص): فلوجوب.
الضرورية في حفظ النفوس؛ لأنّه لو لم يجب به القصاص لفات المقصود من حفظ النّفوس؛ لأنَّ من يريد قتل إنسان، والحالة هذه يَعْدِل عن المحدّد
(1)
إلى المثقل درءًا للقصاص عن نفسه، والمثقل ليست فيه زيادة مؤنة على المحدد حتّى يقال: لا يكثر به القتل
(2)
بسبب تلك المؤنة كما يكثر في المحدد
(3)
فعدم وجوب القصاص فيه لا يفضي إلى الهرج والمرج بل المثقل أسهل من المحدد لوجوده غالبًا من غير عوض
(4)
.
وأما الثاني: فكإيجاب القصاص على أحد الوجهين عندنا بالقتل بغرز الإبرة في غير مقتل بحيث لا يعقب ألمًا وورمًا
(5)
ظاهرًا، وكذا إبانة فلقة
(6)
خفيفة من اللّحم على ما ذكره إمام الحرمين
(7)
ونظائر ذلك فإنّه يظهر منه أنَّه ليس من قبيل رعاية المصالح الضرورية، إذ لا يفضي ذلك إلى الهلاك إلا نادرًا فأشبه السوط
(8)
الخفيف
(9)
.
(1)
في (ت): المحدّ.
(2)
في (غ): النقل.
(3)
في (ت): المحدود.
(4)
ينظر المثال في نهاية الوصول: 8/ 3299.
(5)
والورم: محركة: نتوء، وانتفاخ. ورِمَ كورث: انتفخ (القاموس المحيط: ص 1506 مادة "ورم").
(6)
والفلقة: فَلَقَهُ يَفْلِقُه شقه وفي رجله فلوق شقوق، و {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [سورة الأنعام 95] خالقه أو شاقه بإخراج الورق منه. (القاموس المحيط: ص 1186 مادة "فلق").
(7)
ينظر: روضة الطالبين: 9/ 124، ومغني المحتاج للشربيني: 4/ 5.
(8)
(السوط) ليس في (غ).
(9)
ينظر المثال في نهاية الوصول: 8/ 3299.
وأمّا الثالث: فكإيجاب القصاص على الجماعة بقتل الواحد
(1)
لاحتمال إلحاقه بالمصالح الضرورية؛ إذ لو لم يوجب ذلك لاستعان كلّ من أراد قتل إنسان بصديق يشاركه فتبطل فائدة شرعية القصاص، واحتمال خروجه عنه لاحتياجه إلى مشاركة غيره، والظاهر أنّ ذلك الغير لا يشاركه فلم تساوِ المصلحة هنا
(2)
المصلحة في وجوب القصاص في
(3)
المنفرد؛ ولنزول هذا القسم عن الأول كان في المذهب قول استنبطه أبو حفص بن الوكيل
(4)
من كلام الشافعي رضي الله عنه أنّ الجماعة لا يقتلون
(1)
لما رواه البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ غلامًا قُتلَ غِيلةً، فقال عمرُ: لو اشتركَ فيها أهلُ صنعاء لَقتلتهم. وقال مغيرةُ بن حَكيم عن أبيه: "إِنَّ أربعةً قَتلوا صبيًا فقال عمر. . . مثله". وأَقادَ أبو بكر وابنُ الزُّبير وعَليٌّ وسُوَيدُ بن مقرِّن من لَطمةٍ. وأَقادَ عمرُ من ضربةٍ بالدِّرة. وأقاد عليٌّ من ثلاثةِ أسواط. واقتصَّ شُرَيحٌ من سَوطٍ وحموش.
(2)
(المصلحة هنا) ليس في (غ). وفي (ت): المصلحة هذا.
(3)
(في) ليس في (ت).
(4)
هو أبو حفص عمر بن عبد الله المعروف بابن الوكيل ويعرف أيضا بالباب الشامي منسوب إلى باب الشام وهي إحدى المحال الأربعة بالجانب الغربي من بغداد كان فقيها جليلا من نظراء ابن سريج وكبار المحدثين والرواة. قال أبو حفص المطوعي في كتابه المذهب في ذكر شيوخ المذهب هو فقيه جليل الرتبة من نظراء أبي العباس وأصحاب الأنماطي وممن تكلم في المسائل وتصرف فيها فأحسن ما شاء ثم هو من كبار المحدثين والرواة وأعيان النقلة وقال العبادي هو من أصحاب أبي العباس وذكر عنه مسألة حكاها عن أبي العباس. مات بعد العشر وثلاثمائة.
ينظر ترجمته في طبقات الفقهاء للشيرازي: 2/ 200، وطبقات الشافعية لابن شهبة: 2/ 97.
بالواحد
(1)
.
وقول آخر عن القديم: أنّ ولي الدم يقتل واحدًا يختاره من الجماعة، ويأخذ حصّة الآخرين، ولا يقتل الجميع
(2)
.
ولا خلاف عندنا في وجوب القصاص بالمثقل، ولتعاليه عن الثاني كان الخلاف فيه أضعف منه في الثاني
(3)
، وقد نجز القول في تقسيم الحقيقي.
وأما الإقناعي: فهو الذي يظنّ مناسبته في بادئ الرأي، وإذا بحث عنه
(4)
حقّ البحث وضح أنَّه غير مناسب
(5)
(6)
مثل تعليل بعض أصحابنا تحريم بيع الخمر والميتة والعذرة بنجاستها وقياس الكلب والسرقين
(7)
عليها، قال لأنَّ كونه نجسًا يناسب إذلاله ومقابلته بالمال في البيع يناسب
(1)
ينظر روضة الطالبين: 9/ 159
(2)
قال النووي في روضة الطالبين ما نصه 9/ 159: "ونقل الماسرجسي عن القفال قولا قديما أن الولي يقتل واحدًا من الجماعة أيّهم شاء، ويأخذ حصة الآخرين من الدية، ولا يقتل الجميع ويكفي للزجر كون كل واحد منهم خائفًا من القتل. وهذان القولان شاذان والمشهور قتل الجماعة بالواحد".
(3)
أي ولتعالي القول الأول وهو قول أبي حفص الوكيل: إنّ الجماعة لا تقتل بالواحد، كان الخلاف فيه أضعف منه في القول الثاني وهو القول القديم للشافعي القائل إن ولي الدّم يقتل واحدًا يختاره من الجماعة ويأخذ حصة الآخرين ولا يقتل الجميع. لكن المشهور عند الشافعية كما سبق وأن قلت: هو قتل الجماعة بالواحد.
(4)
في (ت): عن.
(5)
في (ت): مناف.
(6)
ينظر: هذا التعريف في نهاية الوصول للهندي: 8/ 3300.
(7)
والسرقين: الزبل. القاموس المحيط: 1303 "زبل".
إعزازه والجمع بينهما متناقض
(1)
. فهذا وإن تخيلت مناسبته أولًا فليس الأمر كذلك؛ لأنَّ المعنى بكونه نجسًا مع
(2)
منع الصلاة معه، ولا مناسبة بين بيعه واستصحابه في الصلاة كذا ذكره الإمام
(3)
.
ولقائل أنْ يقول: لا نسلم أنّ المعنى بكونه نجسًا منعُ الصلاة معه بل ذلك من جملة
(4)
أحكام النّجس، وحينئذ فالتعليل بكون النجاسة تناسب الإذلال ليس بإقناعي. نعم مثال هذا استدلال الحنفية على قولهم: إذا باع عبدًا من عبدين أو ثلاثة يصحّ، غررٌ قليلٌ تدعو الحاجة إليه فأشبه خيار الثلاث فإن الرؤساء لا يحضرون السوق لاختيار المبيع، فيشتري الوكيل واحدًا من ثلاثة، ويختار الموكل ما يريد
(5)
، فهذا وإن تخيلت مناسبته أولًا فعند التأمل يظهر أنَّه غير مناسب؛ لأنّا نقول لا حاجة إلى ذلك، لأنّه يمكنه أنْ يشتريَ ثلاثة في ثلاثة عقود بشرط الخيار فيختار منها ما يريد.
قال (والمناسبة تفيد العلية إذا اعتبرها الشارع فيه كالسكر في الحرمة أو في جنسه كامتزاج النسبين في التقديم أو بالعكس كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في
(6)
سقوط
(7)
الصلاة، أو جنسه في جنسه
(1)
ينظر هذه الأمثلة في: نهاية الوصول للهندى: 8/ 3300.
(2)
(مع) ليس في (ت).
(3)
ينظر: المحصول: 2/ ق 2/ 225 - 226.
(4)
(جملة) ليس في (ت).
(5)
ينظر: البحر الرائق: 5/ 307، والهداية شرح البداية: 3/ 23.
(6)
(في) ليس في (غ).
(7)
في (ت): بسقوط الصلاة.
كإيجاب حدّ القذف على الشارب لكون الشرب مظِنّة للقذف والمظنّة قد أقيمت مقام المظنون)
هذا تقسيم ثانٍ للمناسب من جهة شهادة الشرع لاعتباره وعدم اعتباره
(1)
.
(1)
هذا التقسيم من أهم مباحث المناسبة، والمقصود منه بيان ما هو مقبول منه وما هو مردود منه وما هو محل خلاف بين العلماء.
وقد اختلف الأصوليون في حكاية هذا التقسيم لا فرق بين متكلمين وحنفية وغيرهم، فكل واحد منهم يحكيه بطريقة يخالف غيره فيها وإن كانوا في آخر المطاف يصلون إلى هدف واحد.
ولنختر من بين هذه المدارس مدرسة ابن الحاجب، ومدرسة الآمدي ومدرسة الفخر الرازي.
فمدرسة ابن الحاجب تقول عن المناسب: المناسب أربعة أقسام: مؤثر وملائم وغريب ومرسل، وذلك لأنه إما معتبر شرعًا أو لا. أما المعتبر، فإما أن يثبت اعتباره أي اعتبار عينه في عين الحكم بنص أو إجماع أو لا. بل بترتيب الحكم على وفقه، وهو ثبوت الحكم معه في المحل، فإن ثبت بنص أو إجماع اعتبار عينه في عين الحكم فهو المؤثر كالصغر لولاية المال فإن عليته ثابتة بالإجماع. وإن لم يثبت اعتبار عينه في عين الحكم بنص أو إجماع بل ثبت بترتيب الحكم على وفقه، فلا يخلو إما أن يثبت بنص أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو جنسه في جنس الحكم، أو عينه أو لا. فإن ثبت فهو الملائم، وإن لم يثبت فهو الغريب، وإن لم يعتبر لا بنص ولا إجماع ولا بترتيب الحكم على وفقه فهو المرسل.
والمرسل ينقسم إلى ما علم إلغاؤه وإلى ما لم يعلم إلغاؤه. والثاني ينقسم إلى ملائم قد علم اعتبار عينه في جنس الحكم أو جنسه في عينه الحكم أي بنص أو إجماع.
فعند ابن الحاجب الملائم نوعان: ملائم المناسب وملائم المرسل. والفرق بينهما أن الأول قد اعتبر عينه في عين الحكم بالترتيب، والثاني لم يعتبر ذلك. والغريب أيضا نوعان غريب المناسب، وغريب المرسل والفرق بينهما كالفرق بين الملائمين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما مدرسة الآمدي فلها طريقة أخرى وخلاصتها أن المناسب إن كان معتبرًا بنص أو إجماع فهو المؤثر وإلا فإن كان معتبرًا بترتيب الحكم على وفقه فتسعة أقسام؛ لأنه إما يعتبر خصوص الوصف أو عمومه أو خصوصه وعمومه معا في عين الحكم أو في جنسه أو في عينه وجنسه جميعًا، وإن لم يكن معتبرًا فإما أن يظهر إلغاؤه أو لا. فهذه جملة الأقسام. إلا أن الواقع في الشرع منها لا يزيد على خمسة:
الأول: ما اعتبر خصوص الوصف في خصوص وعمومه في عمومه في محل آخر ويسمى هذا الملائم.
الثاني: ما اعتبر الخصوص في الخصوص فقط لكن لا بنص ولا إجماع ويسمى بالمناسب الغريب
الثالث: ما اعتبر جنسه في جنسه ولا نص ولا إجماع وهذا أيضا من جنس المناسب الغريب إلا أنه دون ذلك.
الرابع: ما لم يثبت اعتباره ولا إلغاؤه ويسمى بالمناسب المرسل.
الخامس: المناسب الذي ثبت إلغاؤه اهـ ملخصًا.
وأما مدرسة الرازي ومن تبعه كالبيضاوي فهي كما عُرِضت في الكتاب، وتبعه الشراح وذكروا لكل نوع مثالًا ومنهم شارحنا السبكي.
إلا أنّ السبكي ارتأى أن يختار طريقة ابن الحاجب في جمع الجوامع، ولعله تأثر به عند شرحه لمختصر ابن الحاجب. فهو في جمع الجوامع سلك طريقة ابن الحاجب إلا أنه خالفه في أمرين: الأول أنه لم يذكر غريب المناسب، والثاني أنه أخرج الملغى من المرسل وقصر المرسل على ما لم يعتبر ولم يدل الدليل على إلغائه ولم يقسمه إلى ملائم وغيره.
هذا ما يتعلق بحكاية هؤلاء الأئمة لهذا التقسيم والخلاف في هذه الألقاب أمور اصطلاحية فلا يترتب عليها فائدة.
ينظر: مختصر ابن الحاجب: 2/ 340 - 341، والآمدي في الإحكام: 3/ 388 - 390، والسبكي في جمع الجوامع مع حاشية البناني: 2/ 282 - 285.
فنقول المناسب: إمّا أنْ يعتبره الشارع
(1)
أو لا.
الضرب الأول: ما علم اعتبار الشارع له والمراد بالعلم هنا ما هو أعمّ من الظنّ وبالاعتبار إيراد الحكم على وِفقه لا التنصيص عليه، ولا الإيماء إليه وإلا لم تكن العلية مستفادة من المناسبة. وهو أربعة أحوال لأنَّه إما أنْ يعتبر نوعه في نوعه
(2)
أو في جنسه أو جنسه في نوعه أو جنسه.
الحالة الأولى: أن يعتبر نوعه في نوعه ومثّل له المصنف: بالسكر في الحرمة أي أنّ حقيقة السكر إذا اقتضت حقيقة التحريم، فإنّ النبيذ يلحق بها؛ لأنّه لا فارق بين العلّتين وبين الحكمين إلا اختلاف المحلين، واختلاف المحل لا يقتضي ظاهرًا اختلاف الحالين.
ومثاله: أيضًا قياس المثقّل على الجارح في وجوب القصاص بجامع كونه قتلًا عمدًا محضًا عدوانًا وأنّه عرف تأثير نوع كونه قتلًا عمدًا عدوانًا في نوع الحكم الذي هو وجوب القصاص في النّفس في المحدد.
الحالة الثانية: أن يعتبر نوعه في جنسه وإليه الإشارة بقوله أو في جنسه. الأخوة من الأب والأم لما اقتضت التقدم في الميراث قيس عليها التقدم في النكاح وما أشبهه، والأخوة من الأب والأم نوع واحد في الموضعين إلا أنّ ولاية النّكاح ليست مثل ولاية الإرث، ولكن
(1)
(لاعتباره وعدم اعتباره، فنقول المناسب: إمّا أنْ يعتبره الشارع) ساقط من (غ).
(2)
النوع: اسم دال على أشياء كثيرة مختلفة بالأشخاص. التعريفات: ص 303.
بينهما مجانسة في الحقيقة، وهذا القسم دون الأوّل، لأنَّ المفارقة بين المثلين بحسب اختلاف المحلين أقلّ من المفارقة
(1)
بين نوعين مختلفين
(2)
.
الحالة الثالثة: أنْ يعتبر جنسه في نوعه: وإليه الإشارة بقوله أو بالعكس، إسقاط قضاء الصلاة عن الحائض، إذا قيس على إسقاط الركعتين الساقطتين
(3)
عن المسافر في الرباعية تعليلا بالمشقة، فالمشقة جنس وإسقاط قضاء الصلاة نوعٌ واحدٌ يشتمل على صنفين: إسقاط قضاء الكل وإسقاط قضاء البعض، وقد ظهر تأثيرها في هذا النوع ضرورةَ تأثيرها في
(1)
في (ص): المفارق.
(2)
يقول الشيخ عيسى منون في النبراس: ص 308: "عبارة شراح المنهاج تقتضي أن التقديم في ولاية النكاح مقيس، والتقديم في الإرث مقيس عليه مع أن التقديم هو الحكم، وامتزاج النسبين هو الوصف، والمقيس عليه الأخ الشقيق في حالة الميراث والمقيس نفس الأخ الشقيق في حالة ولاية النكاح أو الصلاة أو تحمل الدية. . . .
ووجه كون التقديم جنسًا تحته أنواع وليس بنوع أن التقديم في الإرث عبارة عن الحكم بكون الأخ الشقيق يرث دون الأخ لأب والتقديم في الصلاة عبارة عن الحكم بأن يصلي على أخيه الميت دون الأخ لأب وهكذا. ولا شك أن هذه الحقائق مختلفة يجمعها جنس وأحد وهو التقديم. ثم إن هذا المثال بناء على أن المراد بالاعتبار هو الاعتبار بالترتيب تقديري؛ لأن امتزاج النسبين مجمع على أنه علّة في التقديم في الميراث".
وعبارة الشارح الأخير في قوله "لأن المفارقة. . . الخ" يعني أن المفارقة في بين ولاية النكاح وولاية الإرث بحسب اختلاف المحلين أي النكاح والإرث، أقل من المفارقة بين نوعين مختلفين، لأن الأخوة هنا نوع واحد وهي كونه شقيقًا، وليس لأب أو لأم. والله أعلم.
(3)
في (ص): الساقطين.
إسقاط قضاء الركعتين، ولو فرض ورود النّص بسقوط قضاء الصلاة على الحرائر الحيض، وقسنا عليهنّ الإماء، لكان ذلك من الحالة الأولى؛ لظهور تأثير نوعه في نوع الحكم.
ومثال هذا القسم أيضًا قولنا: قليل النبيذ حرام وإن لم يسكر قياسًا على قليل الخمر، وتعليلنا
(1)
قليل الخمر بأنّ ذلك يدعو إلى كثيره، فهذا مناسب لم يظهر تأثير نوعه، لكن ظهر تأثير جنسه، إذ الخلوة لما كانت داعية إلى الزنا حرمّها الشارع بتحريم الزنا، وهذا القسم والذي قبله متقاربان لكنّ ذلك أولى؛ لأنَّ الابهام في العلّة أكثر محذورا من الإبهام في المعلول.
الحالة الرابعة: وإليها الإشارة بقوله: أو جنسه في جنسه اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم.
مثل ما روي أنّ عليًا رضي الله عنه أقام الشُرب مقام القذف فقال: أرى أنَّه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى
(2)
، وأوجب عليه حدّ القذف إقامة لمظنة الشيء مقامه قياسًا على الخلوة فإنّها لما كانت مظنة الوطء أقيمت مقامه في الحرمة، ولقائل أنْ يقول كان الوفاء بإقامة المظنّة مقام المظنون أنْ يوجب الحدّ بالخلوة، ولا قائل به، وبتفريع مظنة القذف على مظنّة الوطء أنْ يقال بتحريم ما هو مظنة القذف. كما هو الواقع وكما هو في الأصل ولا يوجب الحدّ فإنّ فيه زيادةً في الفرع
(1)
في (غ)، (ت): وتعليل قليل.
(2)
سبق تخريجه.
على الأصل الذي هو
(1)
إلحاق الخلوة بالوطء، إذ لم يلحق به في غير الحرمة.
ثمّ اعلم أنّ للجنسية مراتب فأعمّ الأوصاف كونها حكمًا، ثمّ ينقسم الحكم إلى أقسامه من تحريم وإيجاب وغيره والواجب إلى عبادة وغيرها، والعبادة إلى صلاة وغيرها، وتنقسم الصلاة إلى فرض ونفل، فما ظهر تأثيره في الفرائض أخصّ مما ظهر في الصّلاة، وهكذا. وكذا في جانب الأوصاف أعمّ أوصافه كونه وصفًا يناط به الأحكام حتّى تدخل فيه الأوصاف المناسبة وغيرها، وأخصّ منه المناسب الضروري وأخصّ منه ما
(2)
هو كذلك في حفظ النفوس، وبالجملة فإنّما
(3)
يلتفت إلى الأوصاف بعد ظنّ التفات الشرع إليها، وكلّما كان التفات الشرع
(4)
إليه أكثر كان الظنّ كونه معتبرًا أقوى وكلّما كان الوصف والحكم أخصّ كان ظنّ كون ذلك الوصف معتبرًا في حقّ ذلك الحكم آكد فيكون مقدمًا على ما هو أعمّ منه.
قال: (لأنَّ الاستقراء دلّ على أنّ الله تعالى شرع أحكامه لمصالح العباد تفضلا وإحسانا فحيث ثبت حكم وهناك وصف ولم يعلم غيره ظنّ كونه علّة).
(1)
(هو) ليس في (ت).
(2)
(ما) ليس في (ص)، (غ).
(3)
في (ت): فإنّا.
(4)
(الشرع) ليس في (ت).
هذا دليل على
(1)
أنّ ما تقدم من المناسب يفيد العليّة، وتقريره أنّا استقرينا
(2)
أحكام الشرع فوجدناها على وفق مصالح العباد، وذلك من فضل الله تعالى وإحسانه لا بطريق الوجوب عليه، خلافًا للمعتزلة، فحيث ثبت حكم وهناك وصف صالح لعلية ذلك الحكم ولم يوجد غيره يحصل ظنّ أنّ ذلك الوصف علّة لذلك الحكم والعمل بالظنّ واجب.
وقد ادّعى بعضهم الإجماع على أنّ الأحكام مشروعة لمصالح العباد
(3)
، قال: وذلك إما بطريق الوجوب عند المعتزلة أو الإحسان عند الفقهاء من أهل السنّة
(4)
وهذه الدّعوى باطلة؛ لأنَّ المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام
(1)
(على) ليس في (ت).
(2)
الاستقراء: هو تتبع جزئيات الشيء وهو قسمان:
استقراء تام: وهو الاستقراء بالجزئي على الكلي نحو كل جسم متحيز، فإنه لو استقريت جميع جزئيات الجسم من جماد وحيوان ونبات لوجدتها متحيزة. وهذا الاستقراء دليل يقيني فيفيد اليقين.
والاستقراء الناقص: هو الاستقراء بأكثر الجزئيات نحو كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ وهذا دليل ظني فلا يفيد إلا الظن، لجواز وجود جزئي لم يستقرأ ويكون حكمه مخالفا لما استقرئ كالتمساح فإنه يحرك فكه الأعلى عند المضغ.
ينظر: الكليات: ص 105 - 106، والتعريفات: ص 18، ومعيار العلم: 160، والوقيف على مهمات التعاريف: ص 60.
(3)
يعني به الآمدي في الأحكام: 3/ 411 فقد قال: "الفصل الثامن في إقامة الدلالة على أنّ المناسبة والاعتبار دليل كون الوصف علة وذلك لأن الأحكام إنما شرعت لمقاصد العباد. أما أنها مشروعة لمقاصد وحكم، فيدل عليه الإجماع والمعقول. . .".
(4)
ينظر الإحكام للآمدي: 3/ 411.
بالمصالح لا بطريق الوجوب ولا الجواز، وهو اللائق بأصولهم، وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة جماهير المتكلمين؟
والمسألة من مسائل علمهم وقد قالوا لا يجوز أنْ تعلل أفعال الله تعالى؛ لأنَّ
(1)
من فعل فعلًا لغرض كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان ذلك الغرص يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك يكون ناقصًا في نفسه مستكملًا في غيره ويتعالى الله سبحانه عن ذلك
(2)
.
قال: (وإن لم يعتبر فهو
(3)
المناسب المرسل اعتبره مالك).
تقدم الكلام في المناسب إذا اعتبره الشارع، وإن لم يعتبره فوراء ذلك حالتان:
(1)
في (غ): لا من فعل.
(2)
وقد أجاب عليه الآمدي في الإحكام حين قال: إن المتكلمين إنما نفوا العلّة والباعث بالمعنى الحقيقي. ولا أظن أحدًا من العقلاء ينفي أن الله حكيم لا يفعل إلا لحكمة، ولا يشرع حكما إلا لحكمة من غير أن تكون باعثة له بحيث يعد بذلك مستكملًا بغيره بل على معنى أنها غاية وحكمة مترتبة على فعله وحكمه. ثم قال أيضا: وأما المعقول فهو أن الله حكيم في صنعه فرعاية الغرض إما أن يكون واجبا أو لا يكون واجبًا، فإن كان واجبًا فلم يحل عن المقصود ففعله للمقصود يكون أقرب إلى موافقة المعقول من فعله بغير مقصود، فكان لازما من فعله ظنًا وإذا كان المقصود لازما في صنعه فالأحكام من صنعه فكانت لغرض ومقصود والغرض إما أن يكون عائدًا إلى الله تعالى أو إلى العباد ولا سبيل إلى الأول لتعاليه عن الضرر والانتفاع ولأنه على خلاف الإجماع فلم يبق سوى الثاني. . . . وخشية الإطالة لسردت جميع أدلته في الردّ على المقولة التي ساقها السبكي. ينظر الإحكام للآمدي: 3/ 411 - 412.
(3)
في (ت): وهو المناسب.
إحداهما: أنْ لا يعلم أنّ الشارع اعتبره ولا ألغاه، وفيها كلام المصنف، وذلك هو المناسب المرسل وقد قال به مالك بن أنس رحمه الله وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى مبسوطًا في الكتاب الخامس فإنّ صاحب الكتاب هناك ذكره
(1)
.
والثانية: أنْ يلغيه الشارع ولم يذكرها المصنف، فهذا لا يجوز التعليل به باتفاق القياسيين ومثاله: قول بعض العلماء لبعض الملوك لما جامع في نهار رمضان عليك صوم شهرين متتابعين
(2)
، فلما أنكره
(3)
عليه حيث لم يأمره
(4)
بالإعتاق مع اتساع ماله، قال: لو أمرته بذلك لسهل عليه، واستحقر عتق رقبة في قضاء شهوته، فكانت المصلحة عندي في إيجاب الصوم لينزجر، فهذا قول باطل
(5)
، ومخالف لنص الكتاب بما
(1)
سيأتي في الأدلة المختلف فيها وهو الخامس من الأدلة.
(2)
يحكى أن عبد الرحمن بن الحكم الأموي الأمير المعروف واقع جاريته في نهار رمضان فأفتى الإمام يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي بأن لا كفارة له إلا صيام شهرين متتابعين قال: لأن ذلك أدعى لزجره فأنكر العلماء على الإمام يحيى بسبب هذه الفتوى. ينظر: المستصفى: 1/ 185، والمحصول: ج 2/ ق 2/ 229، والإحكام للآمدي: 3/ 285، فواتح الرحموت: 2/ 266.
(3)
في (ت): أنكر.
(4)
في (غ): لم يأت.
(5)
إنما أفتاه بذلك لأن كفارة الصيام عند المالكية على التخيير فلا وجه للإنكار.
قال السعد: وإنما خصّ كفارة الظهار بالذكر مع أن كفارة الصوم كذلك؛ لأنَّ ثبوت الإلغاء في كفارة الظهار أظهر لأن الصوم قبل العجز عن الاعتاق ليس بمشروع في حقه أصلا لكونه مترتبة بالنص القاطع والإجماع بخلاف كفارة الصوم فإنها على =
اعتقده مصلحةً
(1)
وفتحُ هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصه، بسبب
(2)
تغير الأحوال، ثمّ إذا عرف ذلك من صنيع العلماء لم يحصل الثّقة بقولهم للمستفتين ويظنّ الظانّ أنّ فتياهم بتحريف من جهتهم بالرأي.
فإن قلت: قولكم آنفًا هذه الحالة لم يذكرها المصنف مدخول؛ لأنّها داخلة في عموم قوله: وإن لم يعتبر، ولا يقال: هي وإنْ دخلت في كلامه فلم يردها؛ لعدم الاختلاف في بطلانها؛ لأنَّ ابن الحاجب قد جعل المرسل هو ما لم يعتبر سواءً علم إلغاؤه أم لا
(3)
.
ونقل بعضهم القول بالمرسل عن مالك فتركب من ذلك إنْ كان مالكًا يخالف فيما علم إلغاؤه أيضًا.
قلت: هذا التركيب غير صحيح؛ لأنَّ الذي نقَلَ عن مالك أنَّه اعتبر المرسل، لم يقل: إنّ المرسل ما لم يعتبر سواءً عُلِم إلغاؤه أم لا؟ . ومن قال: إنّ المرسل أعمّ مما علم إلغاؤه كابن
(4)
الحاجب صرّح بوقوع الاتفاق على
= التخيير عند مالك وبالجملة فإيجاب الصوم ابتداء على التعيين مناسب، لكن لم يثبت اعتباره بنص أو بإجماع ولا ترتيب الحكم على وفقه فهو مرسل ومع ذلك فقد علم أن الشارع لم يعتبره ولم يوجب الصوم على التعيين في حق أحد. اهـ. ينظر: حاشية التفتازاني على العضد شرح مختصر ابن الحاجب: 2/ 244.
(1)
في (غ): بما اعتقد مصلحته.
(2)
(بسبب) ليس في (ت).
(3)
ينظر ابن الحاجب: 2/ 243.
(4)
في (غ): كان.
ما علم إلغاؤه
(1)
.
وقد قال إمام الحرمين: في باب ترجيح الأقيسة من كتاب الترجيح ولا نرى التعليق عندنا بكل مصلحة، ولم ير ذلك أحد من العلماء. قال: ومن ظنّ ذلك بمالك فقد أخطأ
(2)
انتهى.
فإذا كان مالك لا يرى التعليق بكلّ مصلحة مع أنّ من حملة ذلك ما لم يعلم إلغاؤه فكيف يقول بما علم إلغاؤه؟ .
قال: (والغريب: ما أثّر هو فيه، ولم يؤثر جنسه في جنسه كالطعم في الربا
(3)
.
والملائم: ما أثّر جنسه في جنسه
(4)
أيضًا.
والمؤثر: ما أثّر جنسه فيه).
هذا تقسيم
(5)
للضرب الأوّل من المناسب وهو ما علم أنّ الشارع اعتبره وقد قسّمه المصنف إلى غريب
(6)
. . . . . . . . . . . .
(1)
ينظر ابن الحاجب: 2/ 243.
(2)
ينظر: البرهان: 2/ 1204.
(3)
(كالطعم في الربا) ليس في (غ).
(4)
(كالطعم في الربا والملائم: ما أثّر جنسه في جنسه) ساقط من (ت).
(5)
في (ت): هذا القسم.
(6)
الغريب: هو الذي أثر نوعه في نوع الحكم، ولم يؤثر جنسه في جنسه، وسمي به لكونه لم يشهد غير أصله المعيّن باعتباره، ومثاله الطعم في الربا، فإن نوع الطعم =
وملائم
(1)
ومؤثر
(2)
.
وعبارات المصنفين في التعبير عن هذه الأقسام مضطربة، والأمر فيه قريب لكونه أمرًا اصطلاحيًا، ونحن نأتي بما ذكره المصنف ونشير إلى قليل من كلام غيره.
فنقول: الوصف إمّا أنْ يؤثر نوعه في نوع الحكم ولا يؤثر جنسه في جنسه أو لا يكون كذلك.
والأول: هو الغريب وهو مقبول عند جماهير القياسيين وسمي بذلك؛ لأنّه لم يشهد غير أصله المعين باعتباره، وذلك كالطعم في الربا فإنّ كلّ واحدٍ من نوع الطعم يؤثر في نوع من الأحكام، وهو حرمة الربا إذا بيع ذلك النوع بمثله كالبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر،
= مؤثر في حرمة الربا، وليس جنسه مؤثرًا في جنسه.
ينظر: نهاية السول مع حاشية بخيت: 4/ 101. وينظر جميع تعاريفه عند جميع الأصوليين في موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين: 2/ 1063 - 1065.
(1)
الملائم: هو ما أثر جنسه في جنسه، كما أثر نوعه في نوعه، كالقتل العمد العدوان مع وجوب القصاص، فإن نوعه مؤثر في وجوب القصاص، وكذا جنسه وهو الجناية مؤثر في جنس القصاص وهو العقوبة.
ينظر: نهاية السول مع حاشية بخيت: 4/ 101. وينظر جميع تعاريفه عند جميع الأصوليين في موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين: 2/ 1543 - 1545.
(2)
المؤثر: ما أثر جنسه في نوع الحكم لا غر كالمشقة مع سقوط الصلاة.
ينظر: نهاية السول مع حاشية بخيت: 4/ 102. وينظر جميع تعاريفه عند جميع الأصوليين في موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين: 2/ 1560 - 1564.
ولا يؤثر جنس هذه الأنواع وهو الطعم في جنس الربا وهو زيادة أحد العوضين على الآخر، بدليل جواز بيع بعض الأنواع كالشعير مثلًا ببعض آخر كالبر مثلًا متفاضلًا مع وجود الطعم فيهما.
والثاني: أنْ لا يكون كذلك، فإمّا أنْ يكون أثر نوعه
(1)
في نوع الحكم وجنسه أيضًا في جنس الحكم أو لَا.
والأول الملائم وقد اتفق القياسيون على قبوله كالقتل العمد العدوان في وجوب القصاص، إذا أثّر نوعه في وجوب القصاص الذي هو نوع من الحكم، وكذلك جنسه وهي الجناية التي هي أعمّ من القتل، حيث أثّرت في جنس المؤاخذة
(2)
وجوبًا أو جوازًا وذلك أعمّ من وجوب القصاص.
والثاني أنْ يكون جنسه مؤثرًا في نوع الحكم لا غير كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط قضاء الصّلاة على ما تقدم بيانه، وكقياس الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر على الجمع في السفر بجامع الحرج فإنّ جنس الحرج مؤثر في نوع الحكم وهو إباحة الجمع، وكقياس من شذّ من أصحابنا وجوّز الجمع للمرض
(3)
، فهو المؤثر
(1)
في (ص): نوعيه.
(2)
في (غ): حده.
(3)
قال القفال الشاشي في حلية العلماء بتحقيق ياسين درادكة: 2/ 27 "ولا يجوز الجمع لمرض ولا خوف، وقال أحمد مجوز الجمع للمرض والخوف وحكى ابن المنذر عن ابن سيرين أنه قال يجوز الجمع من غير مرض ولا خوف واختاره ابن المنذر".
عند صاحب الكتاب
(1)
وسماه غيره بالملائم.
وقال قوم المؤثر: هو ما دلّ نص أو إجماع على عليته سواء كان مناسبًا كما تقدم من الأمثلة أو غير مناسب كالمني؛ لإيجاب الغسل واللّمس لنقض الوضوء، وقالوا: إنّما سُمِّي بذلك؛ لأنّه ظهر تأثيره فلم يحتج مع ذلك إلى المناسبة.
وأمّا الإمام رضي الله عنه فإنّه قال في تعريف الغريب الملائم ما قاله المصنف، وقال في المؤثر عكس مقالته، فجعله ما يكون الوصف فيه مؤثرًا في جنس الحكم دون غيره
(2)
، كامتزاج النسبين مع تقديم الأخ من الأبوين، وكالبلوغ فإنّه يؤثر في رفع الحجر عن المال، فيؤثر في رفعه عن النكاح دون النيابة، فإنّها لا تؤثر في جنس هذا الحكم، وهو رفع الحكم ثم قال الإمام: إنّ ذلك إنّما يتمّ بالمناسبة
(3)
أو السبر
(4)
.
قال: (مسألة المناسب: لا تبطل المعارضة؛ لأنَّ الفعل وإن تضمّن ضررًا أزيَدَ من نفعه لا يصير نفعه غير نفع، لكن يندفع مقتضاه).
إذا تضمّن الوصف المشتمل على مصلحة مقتضية لمناسبة مفسدة هل يكون تضمنه لها موجبًا لبطلان مناسبته
(5)
؟ فيه مذهبان: -
(1)
أي البيضاوي.
(2)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 231.
(3)
في (ص): المناسب.
(4)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 275 - 276.
(5)
المراد من بطلان المناسبة أن لا يقضي العقل بمناسبتها للحكم عند وجود =
أحدهما: واختاره صفي الدّين الهندي وابن الحاجب نعم
(1)
.
والثاني: وبه جزم في الكتاب تبعًا للإمام أنّها لا تبطل
(2)
.
واحتج عليه بأنّ الفعل إذا تضمن مصلحة ومفسدة
(3)
، فإمّا أن تترجح مصلحته على مفسدته، فالرّاجح لا يَبْطُل بالمرجوح، أو تكون مساوية لها فيلزم الترجيح من غير مرجح، أو أنقص منها، فالفعل وإنْ تضمن ضررًا أزيد من نفعه، لا يصير نفعه بذلك التّضمن غير نفع، ولا يخرج عن حقيقته، وغاية الأمر أنّ مقتضاه لا يترتب عليه، وذلك غير قادحٍ في المناسبة؛ لأنَّ انتفاء
(4)
المانع شرط في ترتب المقتضى، والمانع هنا موجود
(5)
.
وقد اقتصر المصنف على هذا القسم الثالث؛ لأنَّ المناسبة إذا لم تبطل فيه بمعارضة المفسدة الراجحة لم تبطل في غيره بطريق أولى.
واعترض على هذا الدليل: بأنّا على تقدير كونها مساويةً
= ما يعارضها، وهذا يعني أن لا يكون لها أثر في اقتضاء الحكم، وليس المراد من بطلانها أن يكون الوصف خاليا عن استلزام المصلحة ونفيها عنه. ينظر تعليقات الشيخ بخيت على شرح الإسنوي: 4/ 105.
(1)
ينظر: نهاية الوصول: 8/ 2309، والعضد على مختصر ابن الحاجب: 2/ 241، والإحكام للآمدي: 3/ 396.
(2)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 232.
(3)
في (غ): أو مفسدة.
(4)
في (غ): لانتفاء.
(5)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 232 - 233.
لها لا نسلم لزوم الترجيح من غير مرجّح، وهذا لأنَّ إبطال مناسبة المصلحة بإعمالِ مناسبة المفسدة أولى؛ لأنَّ دفع المفاسد مقدّم
(1)
على جلب المصالح، ولقائل أنْ يقول تقديم درء المفاسد على جلب المصالح
(2)
عند التعارض، إنّما هو فيما إذا تساويا من حيث المصلحةُ والمفسدةُ، أمّا لو ترجح جانب المصلحة مثل إنْ عظم وقعها
(3)
وجلّ خطبها على جانب المفسدة
(4)
، فإنْ حقر أمرها وقلّ، فلا نسلم هنا أنّ درءَ هذه المفسدة أولى من جلب تلك المصلحة
(5)
، ولعلّ هذه الحالةَ هي المرادة بالمساواة في الدليل وإلا فعلى تقدير مطلق كونها مصلحة مع كونها مفسدة أين المساواة؟ مع ترجح درء المفاسد.
واعترض عليه أيضًا
(6)
: بأنّ العقلاء يَعُدُّون فعل ما فيه مفسدة مساوية للمصلحة عبثًا وسفهًا، فإنّ من سلك مسلكًا يفوت درهمًا ويحصّل آخر مثله، أو أقلّ منه عدّ عابثًا وسفيهًا.
واعلم أنّ كلّ من قال بتخصيص العلّة
(7)
يقول ببقاءِ المناسبتين
(1)
(مقدم) ليس في (غ).
(2)
(ولقائل أنْ يقول تقديم درء المفاسد على جلب المصالح) ساقط في (ت).
(3)
في (ت): وفقها.
(4)
(أمّا لو ترجح جانب المصلحة مثل إنْ عظم وقعها وجلّ خطبها على جانب المفسدة) ساقط من (غ).
(5)
(فإن حقر أمرها وقلّ، فلا نسلم هنا أنّ درءَ هذه المفسدة أولى من جلب تلك المصلحة) ساقط من (ت).
(6)
(أيضا): ليس في (غ).
(7)
تخصيص العلّة: قد يعبر عنه بعدم النقض أو المناقضة، بمعنى أن الحكم إذا تخلف =
للمصلحة والمفسدة؛ لأنَّ القول بإحالة انتفاء الحكم على تحقق المانع مع وجود المقتضى، إمّا أنْ يكون مناسبته راجحة أو مساوية أو مرجوحة، فإنْ كان الأولَّ أو الثاني فقد لزم منه تحقيق مناسبة المقتضى المرجوحة أو المساوية، وإلّا فقد كان الحكم منتفيًا؛ لانتفاء المقتضى لا لوجود المانع، فإنّ المقتضى إذا لم يكن مناسبًا لم يكن مقتضيًا، فكان الانتفاء مضافًا إليه؛ لأن إضافةَ انتفاء الحكم إلى عدم المقتضى أولى من إضافة انتفائه إلى وجود المانع، لكنّه خلفٌ، إذ التقدير أن انتفاء الحكم إنما هو لوجود المانع، وإن كان الثالث؛ فلأنّه لا بد أن يكون المانع مناسبًا لانتفاء الحكم إذ لو جاز انتفاء الحكم بما ليس بمناسب للانتفاء لجاز ثبوته بما ليس مناسبًا للثبوت مع عدمِ جهة أخرى للعليّة، ويلزم من ذلك القول ببقاء المناسبة المرجوحة مع المعارضة إذ الفرض أنّ مفسدة المانع مرجوحة، وأمّا من لم يقل بتخصيص العلّة فهم المختلفون في المسألة
(1)
.
= عن العلة في موضع سمي هذا التخلف نقضًا لها. وصارت غير مطردة ويصدق عليها حينئذ أنها خصت بغير هذا المحل للدليل الذي منع من وجود الحكم هنا وهو المانع. فالذي شرط الطرد منع صحة المنقوضة كما منع جواز تخصيصها، والذي لم يشترط ذلك اعترف بصحة المنقوضة وجوز التخصيص فيها. ينظر: المعتمد: 2/ 283، والبرهان: 2/ 982 - 987، والمستصفى: 2/ 336، الإحكام للآمدي: 3/ 315، وأصول السرخسي: 2/ 246 وما بعدها.
(1)
يقول السرخسي في أصوله: 2/ 208 "وزعم بعض أصحابنا أن التخصيص في العلل الشرعية جائز وأنه غير مخالف لطريق السلف ولا لمذهب أهل السنة وذلك خطأ عظيم من قائله فإن مذهب من هو مرضي من سلفنا أنه لا يجوز التخصيص في العلل =