المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الطرف الثالث في أقسام العلة - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٦

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الكتاب الرابع: في القياس

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة. وفيه مسائل:

- ‌استدل أصحابنا على حجية القياس بوجوه أربعة

- ‌أحدها: أنّ القياس مجاوزة

- ‌(الثاني: خبر معاذ وأبي موسى

- ‌(الثالث أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال في الكلالة: أقول برأيي

- ‌(الرابع: إنّ ظنّ تعليل الحكم في الأصل بعلة توجد في الفرع

- ‌(الثانية: قال النظام والبصري وبعض الفقهاء التنصيص على العلّة أمر بالقياس، وفرَّق أبو عبد الله بين الفعل والترك)

- ‌(الثالثة: القياس إما قطعي أو ظني)

- ‌(الباب الثاني: في أركانه

- ‌(الفصل الأول: في العلّة

- ‌ اختلفت مقالات الناس في تفسيرها على مذاهب

- ‌الأول: وبه جزم المصنف واختاره الإمام(1)وأكثر الأشاعرة أنّها المعرِّف للحكم

- ‌المذهب الثاني: أنها الموجب لا لذاته بل بجعل الشارع إياه

- ‌الثالث: وهو قول المعتزلة أنّها المؤثر في الحكم بذاته

- ‌الرابع: واختاره الآمدي(1)وابن الحاجب(2)أنّها الباعث

- ‌الطرف الأول: مسالك العلة

- ‌ الأول: النص القاطع كقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً}

- ‌(الثاني الإيماء:

- ‌(الثالث الإجماع

- ‌(الرابع المناسبة

- ‌(الخامس الشبه

- ‌فروع:

- ‌(السادس الدوران:

- ‌(السابع: التقسيم الحاصر

- ‌(الثامن الطرد

- ‌(التاسع تنقيح المناط

- ‌(الطرف الثاني: فيما يبطل العليّة

- ‌الأول: النقض

- ‌(الثالث الكسرُ

- ‌(الرابع القلب

- ‌(الخامس: القول بالموجب

- ‌(السادس الفرق

- ‌(الطرف الثالث في أقسام العلّة

- ‌ الأولى يستدل بوجود العلّة على الحكم لا بعليتها لأنها نسبة يتوقف عليه)

- ‌تعليلُ الحكم العدميِّ بالوصف الوجوديّ

- ‌(الثالثة لا يشترط الاتفاق على وجود العلّة في الأصل بل يكفي انتهاض الدليل عليه)

- ‌(الرابعة الشيء يدفع الحكم كالعدّة أو يرفعه كالطلاق أو يدفع ويرفع كالرضاع)

- ‌(الخامسة: العلة قد يعلل بها ضدان ولكن بشرطين متضادين)

- ‌(الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الأول: ثبوت الحكم فيه بدليل غير القياس

- ‌الثاني: أنْ يكون ذلك الثبوت بدليل

- ‌الثالث: هو المشار إليه بقوله: "غير القياس

- ‌الشرط الرابع: أنْ لا يكون دليل الأصل بعينه دليل الفرع

- ‌الخامس: لا بد وأن يظهر كون ذلك الأصل معللا بوصف معين

- ‌السادس: أنْ لا يكون حكم الأصل متأخرا عن حكم الفرع وهو كقياس الوضوء على التيمم في اشتراطه النية

- ‌(الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة منها

- ‌الأولى: الأصل في المنافع الإباحة

- ‌(الثاني الاستصحاب حجة خلافًا للحنفية والمتكلمين)

- ‌خاتمة:

- ‌(الثالث الاستقراء مثاله:

- ‌(الرابع أخذ الشافعي بأقلّ ما قيل إذا لم يجد دليلًا

- ‌ المناسب

- ‌(السادس فقد الدليل بعد التفحص البليغ يغلب ظنّ عدمه

- ‌(الباب الثاني: في المردودة

- ‌الأول: الاستحسان

- ‌(الثاني قيل: قول الصحابي حجة

الفصل: ‌(الطرف الثالث في أقسام العلة

قال رحمه الله: ‌

‌(الطرف الثالث في أقسام العلّة

.

علّةُ الحكمِ إمّا محله أو جزؤه أو خارج عنه عقلي حقيقي أو إضافي أو سلبي أو شرعي أو لغوي متعدية أو قاصرة وعلى التقديرات إما بسيطة أو مركبة).

هذا الطرف معقود لبيان ما يظنّ أنَّه من

(1)

مفسدات العلّة مع أنَّه ليس كذلك وذُكِرَ قبل الخوض فيه تقسيمات للعلّة.

اعلم أنَّ كلَّ حكمٍ ثبَتَ في محلِ فعله ذلك الحكم؛ إمّا نفس ذلك المحل أو ما يكون جزءًا من ماهيته؛ إمّا العام أو الخاص أو ما يكون خارجًا عنه والخارج؛ إمّا أنْ يكون أمرًا عقليًا أو شرعيًا أو لغويًا أو عرفيًا ولم يذكره المصنف.

والعقلي: إمّا أنْ يكون حقيقيًا وهو الذي يعقل باعتبار نفسه. أو إضافيًا وهو الذي يعقل باعتبار غيره.

والحقيقي والإضافي ثبوتيان فيقابلهما السلب فحصل في العقلي ثلاثة أقسام مع الأربعة المذكورة فالأقسام سبعة:

الأول: التعليل بالمحل، مثل الذهب ربوي لكونه ذهبًا.

الثاني: بجزء المحل الخاص وهو مع الأول لا يكون إلّا في العلّة القاصرة لاستحالة وجود خصوصية المحل أو جزئه الخاص في غيره أو بجزئه

(1)

(من) ليس في (ت).

ص: 2529

العام كتعليل إباحة البيع بكونه عقد معاوضة فعقد المعاوضة من حيث إنّها جنسه جزء له لا يختص به.

الثالث: بأمر خارج عقلي

(1)

حقيقي كتعليل الربوي بالطعم.

الرابع: بأمر خارج عقلي حقيقي إضافي كتعليل ولاية الإجبار بالأبوة.

الخامس: بأمر خارج عقلي

(2)

سلبي كتعليل بطلان بيع الآبق والضال بعدم القدرة على التسليم وقد يجتمع التعليل بهذه الأقسام الثلاثة مثل القتل العمد بغير حق فإنّ القتل حقيقي والعمد إضافي وقولنا بغير حق سلبي.

السادس: بأمر شرعي كتعليل حرمة بيع الكلب لنجاسته.

السابع: بأمر لغوي كقولنا: في النبيذ: أنَّه يسمَّى بالخمر فيحرم كالمعتصر من العنب هذه الأقسام التي في كلام المصنف.

والثامن: ما أشرنا إليه وأهمله: التعليل بأمر عرفي

(3)

كقولنا: هذا عيب عرفًا فيثبت به الردّ.

ثم العلّة تنقسم باعتبار آخر إلى متعدية وهي التي توجد في غير المحلّ المنصوص أو قاصرة وهي التي تختص بذلك المحلّ،

(1)

(عقلي) ليس في (غ).

(2)

(حقيقي كتعليل الربوي بالطعم. الرابع: بأمر خارج عقلي. . . . . . . . . خارج عقلي) ساقط من (ت).

(3)

(عرفي) ليس في (ت).

ص: 2530

وعلى التقديرات كلّها إمّا أنْ تكون بسيطة وهي التي لا جزء لها كالإسكار والطعم أو مركبة وهي التي لها جزء كالقتل العمد العدوان.

قال: (قيل لا يعلل بالمحلّ لأنَّ القابل لا يفعل.

قلنا: لا نسلم ومع هذا فالعلّة المعرّف)

شرع في مسائل الفصل وهي ست:

الأولى: اختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم أو جزئه الخاص.

والمختار عند المصنف والأكثرين جوازه

(1)

وقول الآمدي المختار التفصيل وهو امتناع ذلك في المحلّ دون الجزء ليس مذهبًا ثالثا؛ لأنَّ مرادَه الجزء العام بدليل قوله بعد ذلك وأمّا الجزء فلا يمتنع التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع

(2)

.

قال صفيّ الدّين الهندي: الحقّ أنّ الخلاف في المسألة مبنيّ على جواز التعليل بالقاصرة فإن جوز ذلك جوز هذا سواء عرفت عليته بنصّ أو غيره؛ إذ لا يبعد أنْ يقول الشارع: حرمت الربا في البر لكونه برًّا، أو تعرف مناسبة محلّ الحكم له لاشتماله على حكمة داعية إلى إثبات ذلك الحكم فيه

(3)

.

(1)

ينظر الخلاف في المسألة: المحصول: 2/ ق 2/ 386، وشرح تنقيح الفصول: ص 405، ونهاية السول مع بخيت: 4/ 257.

(2)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 288. وينظر أيضًا البرهان: 2/ 1080، والمستصفى: 2/ 345، وفواتح الرحموت: 2/ 276.

(3)

ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3492.

ص: 2531

وهذا صحيح وهو مقتضى كلام الإمام وغيره

(1)

.

واحتجّ من منع التعليل بالمحل بأنّ المحل قابل للحكم فلو كان علّة له لكان فاعلًا له أيضا لتأثير العلّة في المعلول، والمؤثر لا بد أنْ يفعل فيه ويمتنع كون الشيء قابلًا وفاعلًا معًا لشيء واحد؛ لأنَّ نسبة القابل إلى المقبول بالإمكان ونسبة الفاعل إلى المفعول بالوجوب فبينهما تناف.

وأجاب: بأنّا لا نسلم أنّ الشيء الواحد لا يكون قابلًا وفاعلًا، ألا ترى أنّ الجسم المتحرك قابل للحركة وفاعل لها؟ ولو سلم امتناع كون الشيء الواحد قابلًا وفاعلًا ولكن ذلك إذا كان الفاعل بمعنى المؤثر، أمّا إذا كان بمعنى المعرّف فلا يمتنع قطعًا، وإلى هذا أشار بقوله:"ومع هذا فالعلة المعرّف".

قال (قيل لا يعلل بالحِكَم الغير المضبوطة كالمصالح والمفاسد؛ لأنّه لا يعلم وجود القدر الحاصل في الأصل والفرع.

قلنا: لو لم يجز لما جاز بالوصف المشتمل عليها، فإذا حصل ظنّ أنّ الحكم لمصلحة وجدت في الفرع يحصل ظنّ الحكم فيه)

المسألة الثانية: جوز قوم التعليل بالحكمة

(2)

، واختاره المصنف تبعًا

(1)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 386.

(2)

تنحصر أقوال الأصوليين في التعليل بالحكمة في ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: المنع مطلقا وهو مذهب بعض الأصوليين، ونسبه الآمدي لأكثرهم.

المذهب الثاني: جواز التعليل بالحكمة مطلقًا. وهذا ما ذهب إليه الرازي والبيضاوي والغزالي من الشافعية وبعض الأصوليين. =

ص: 2532

للإمام

(1)

.

ومنع

(2)

منه آخرون

(3)

.

وفصّل قوم فقالوا: إنْ كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها وإلا فلا.

واختاره الآمدي وصفي الدين الهندي

(4)

وأطبق الكلّ على جواز التعليل بالوصف المشتمل عليها ما حاد عن ذلك قياس كالقتل والزنا والسرقة وغير ذلك.

= المذهب الثالث: التفصيل: وهو رأي بعض الأصوليين، فأجازوا التعليل بالحكمة إن كانت ظاهرة منضبطة بنفسها، ومنعوا التعليل بها إن كانت مضطربة خفية. وهذا ما ذهب إليه الآمدي، وابن الحاجب والصفي الهندي، وهو ظاهر مذهب الحنابلة.

ينظر تفاصيل هذه المسألة: ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 389، والإحكام للآمدي: 3/ 290، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3494، وشفاء الغليل: ص 614، وشرح تنقيح الفصول: ص 406، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 213، نهاية السول: 4/ 260، والمسودة: ص 423 - 424، وشرح الكوكب المنير: 4/ 47.

(1)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 389. وشفاء الغليل للغزالي: ص 614، ونهاية السول مع بخيت: 4/ 260.

(2)

في (ت): ومنه.

(3)

نسبه الآمدي إلى الأكثرين. ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 290، وشرح تنقيح الفصول: ص 406،

(4)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 290، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3494. ومختصر ابن الحاجب: 2/ 213، والمسودة: ص 423 - 424، وشرح الكوكب المنير: 4/ 47.

ص: 2533

واحتج المفصّل بما أشار إليه في الكتاب من أنّ الحِكَمَ التي لا تنضبط كالمصالح، والمفاسد لا يعلم لعدم انضباطها أنّ القدر الحاصل منها

(1)

في الأصل حاصل في الفرع أم لا؟ . فلا يمكن التعليل بها لأنَّ القياس فرعُ ثبوتِ ما في الأصل من المعنى في الفرع.

وأجاب: بأنّه لو لم يجز التّعليل بالحِكَم التي لا تنضبط، لم يجز بالوصف

(2)

المشتمل عليها أيضًا، واللازم باطل بالاتفاق فبطل الملزوم.

وبيان الملازمة أنّ الوصف بذاته ليس بعلّة للحُكم بل بواسطة اشتماله على الحِكمة، فعليَّةُ الوصف بمعنى أنَّه علامة على الحكمة التي هي علَّة غائية باعثة للفاعل، والوصف هو المُعَرِّف فإذا لم تكن تلك الحكمة علّة للحكم لم يكن الوصف بواسطته علّة له وإذا بطل الملزوم فيجوز التعليل بالحِكم التي لا تنضبط؛ لأننا إذا ظننا استناد

(3)

الحكم المخصوص في مورد النّص إلى الحِكم المخصوصة ثمّ ظننا حصول تلك الحكمة في صورة تولد لا محالة من ذينك الظنين؛ ظنّ

(4)

حصول الحكم في تلك الصورة، والعمل بالظنّ واجب.

وإذا أقام الدليل على جواز التعليل بالحكم التي لا تنضبط فليكن جائزًا فيما تنضبط بطريق أولى، وهذا هو السّر في إعراض المصنف

(1)

في (ص): منهما.

(2)

في (غ): الوصف.

(3)

في (ت): حصول تلك.

(4)

(ظن) ليس في (ت).

ص: 2534

عن الكلام مع مانع التعليل بالحِكم مطلقًا.

والذي نختاره نحن في هذه المسألة التفصيل

(1)

(2)

.

وقولهم: إذا ظننا استناد

(3)

الحكم المخصوص إلى الحكمة المخصوصة ثمّ حصول تلك الحكمة في صورة ظننا حصول الحكم فيها.

قلنا: هذا لا يتأتى إلا إذا كانت الحكمة مضبوطة

(4)

يمكن معرفة مقاديرها، فإنّها إذا لم تنضبط لا يمكن معرفة مقاديرها، فيتعذر حصول الظنّ بالمقدمتين.

وقولهم: لو لم يجز بالحكمة، لم يجز بالوصف المشتمل عليها.

قلنا: العلّة في الحقيقة

(5)

هي الحكمة والحاجة، فإنّها الغائبة الباعثة للفاعل كما ذكرتم، ولكنّها لما كانت في الغالب لا تنضبط ولا تتقدر في ذاتها جعل الوصف علّة بمعنى أنَّه يعرف العلّة بصالحية

(6)

الوصف للضبط، وتعريف العلة التي هي الحكمة هي العلّة في جعله علّة، وهذا قد قررناه مرّة من قبل.

وإذا وضح هذا، فالحكمة لا تصلح لأنْ يعلل بها ما لا ينضبط

(7)

إلا

(1)

في (غ): في التفصيل.

(2)

أي قوله: وفصل قوم فقالوا: إنْ كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها، جاز التعليل بها وإلا فلا.

(3)

في (ت): إسناد.

(4)

في (ت): بعينها.

(5)

في (غ)، (ت): العلّة الحقيقية.

(6)

في (غ)، (ت): فصالحية.

(7)

في (ت): ما لم تنظبط.

ص: 2535

بواسطة الوصف

(1)

؛ لأنَّ الشارع أقامه حينئذ ضابطًا لها، ولا مبالاة بوجدانها والحالة هذه دون الوصف، فإنّنا نعلم بالاستقراء من محاسن الشريعة ردّ النّاس فيما يضطرب، ويختلف باختلاف الصور والأشخاص والأزمان والأحوال إلى المظانّ الواضحة التي يكشف غيبها ويجلى غيهبها ردًّا لما تَدَّعِ العامة تخبطّ عشواء ونفيًا للحرج والضراء، ألا ترى إلى حصر القصر والفطر في مظنته الغالبة وهي السَّفر وإن كانت الحكمة المشقة التي قد توجد في حقّ الحاضر وتنعدم في حقّ المسافر.

قال (قيل العدم لا يعلل به لأنَّ الأعدام لا تتميز وأيضا ليس على المجتهد سبرها.

قلنا: لا نسلم فإن عدم اللازم متميز عن عدم الملزوم، وإنما سقطت عن المجتهد لعدم تناهيها).

المسألة الثالثة: ذهب قوم إلى أنَّه يجوز التعليل بالعدم ثبوتيًا كان الحكم أو عدميًا

(2)

؛ لأنّه قد يحصل دوران الحكم مع بعض العدميات، والدوران يفيد الظنّ؛ ولأن العلّة المعرف وهو غير مناف للعدم فإنّ العدم قد يعرف وجود الحكم الثبوتي فإن عدم امتثال العبد لأمر سيده يعرفنا سخطه عليه والحكم العدمي فإنّ عدم العلّة يعرف

(1)

(الوصف) ليس في (ت).

(2)

وهو مذهب الرازي وأتباعه ومنهم البيضاوي وهو مذهب الحنابلة. ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 400، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3502، وشرح تنقيح الفصول: ص 407، والمسودة: ص 418، وشرح الكوكب المنير: 4/ 48.

ص: 2536

عدم المعلول وكذا عدم اللازم وعدم الشرط فيصحّ

(1)

قيام العلية

(2)

بالعدم كما بالموجود واختاره الإمام

(3)

وأتباعه ومنهم المصنف.

ومنع منه قوم إذا كان الحكم ثبوتيًا واختاره الآمدي وابن الحاجب

(4)

.

واحتج هؤلاء بوجهين أشار إليهما في الكتاب.

أحدهما: أنّ العلَّة لا بد أن تتميز عمَّا ليس بعلّة سواءً أريد بها المؤثر أو المعرِّف أو الدّاعي، والتمييز عبارة عن كون كلّ واحد من المتميزين مخصوصًا في نفسه بحيث لا يكون تعيين هذا حاصلًا لذاك ولا تعيين ذاك لهذا، وهذا غير معقول في العدم الصرف؛ لأنّه نفي محض.

والثاني: أنّ المجتهد إذا بحث عن علّة الحكم لم يجب عليه سبر الأوصاف العدمية، فإنّها غير متناهية، مع أنَّه يجب عليه سبر كلّ وصف يصلح للعلية، وهذا يدل على أنّ الوصف العدمي لا يصلح للعلية.

وأجاب: عن الأول بأنّا لا نسلم أنّ الأعدام لا تتميز؛ لأنَّ كلامنا في الأعدام المضافة وبعضها يتميز عن بعض؛ بدليل أنّ عدم اللازم متميز عن عدم الملزوم؛ لأنَّ الأوّل يستلزم الثاني من دون عكس، وكذا عدم أخذ الضّدين عن المحل يصحّ حلول الآخر فيه. نعم العدم

(1)

(فيصح): ليس في (غ).

(2)

في (غ): قيام الشرط.

(3)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 400.

(4)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 295، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 214، وتيسير التحرير: 4/ 2، وفواتح الرحموت: 2/ 274.

ص: 2537

المطلق لا يتميز

(1)

وليس فيه كلامنا.

وعن الثاني: بأنه إنما أسقط عن المجتهد سبرها لتعذره؛ لأنَّ العدميات لما كانت غير متناهية تعذر سبرها.

وقد يجاب بأنّا لا نسلم أنَّه لا يجب عليه سبر ما تتخيل المناسبة فيه أو الدوران أو ما يقرب من العلية.

قال (قيل: إنما يجوز التعليل بالحكم المقارن وهو أحد التقادير الثلاثة فيكون مرجوحًا.

قلنا: ويجوز بالمتأخر لأنّه معرّف)

المسألة الرابعة: ذهب الأكثرون إلى أنَّه يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي

(2)

وهو اختيار الإمام

(3)

وأتباعه ومنهم المصنف؛ لأنَّ الحكم قد يدور مع الآخر وجودًا وعدمًا؛ لأنَّ العلّة هي المعرف فلا بدع في جعل حكمه معرفًا لآخر كأن يقول الشارع مهما رأيتموني أثبت الحكم الفلاني في الصورة الفلانية، فاعلموا أني أثبت الحكم الفلاني فيها أيضًا.

(1)

(لأنَّ كلامنا في الأعدام المضافة وبعضها. . يصحّ حلول الآخر فيه نعم العدم المطلق لا يتميز) ساقط من (ت).

(2)

ينظر: المعتمد: 2/ 789، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 408، والمسودة: ص 411، مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 230، والإحكام للآمدي: 3/ 301، وتيسير التحرير: 4/ 34، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3509.

(3)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 408.

ص: 2538

وذهب الأقلّون إلى امتناع ذلك

(1)

.

واحتجوا بأنّ الحكم إذا كان علّة لحكم آخر فلا بد وأن يكون مقارنًا له؛ لأنّه إن لم يقارنه فإمّا أنْ يكون متقدمًا عليه فيلزم وجود العلّة مع تخلف المعلول عنها وهو غير جائز ولو سلم جوازه فلا ريب في أنَّه مخالف للأصل فلا يجوز إثبات العلّة بهذه الصفة إلا عند قيام الدليل عليه

(2)

أو

(3)

يكون متأخرًا عنه والمتأخر لا يكون علّة للمتقدم فثبت أنَّه لا بدّ له في كونه علّة من المقارنة وعلى هذا فلا يكون الحكم علّة إلا على تقدير

(4)

واحد من ثلاثة وهو احتمال المقارنة والاحتمالان أغلب من واحد والتعليل به لا يصحّ على تقديرهما فكان عدم التعليل به راجحًا على التعليل به؛ لأنّه ثابت على احتمالين من ثلاثة والعبرة بالراجح دون المرجوح.

وأجاب: بأنا لا نسلم أنّه يمتنع كونه علّة على تقدير تأخره فإنّ العلّة هي المعرف ويجوز أنْ يكون المتأخر معرفًا للمتقدم كالعالم للصانع، وحينئذ يندفع ما ذكرتم ويكون التعليل به ثابتًا على احتمالين من ثلاثة فيكون راجحًا.

(1)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 408، والمسودة: ص 411، مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 230، والإحكام للآمدي: 3/ 301، وتيسير التحرير: 4/ 34، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3509.

(2)

في (غ)، (ت): علمًا.

(3)

في (ت): ويكون متأخرًا.

(4)

في (غ): بتقدير.

ص: 2539

وقد ذهب الآمدي في المسألة إلى تفصيل مبني على ما لا نوافقه عليه فلذلك لم نورده

(1)

.

قال (قالت: الحنفية لا يعلل بالقاصرة لعدم الفائدة.

قلنا: معرفة كونه على وجه المصلحة فائدة.

ولنا: أنّ المتعدية توقفت على العلة

(2)

فلو توقفت هي عليها لزم الدور).

المسألة الخامسة

(3)

: أطبق النّاس كافةً على صحة العلّة القاصرة

(4)

، وهي المقصورة على محل النّصّ المنحصرة فيه التي لا تتعداه

(1)

ينظر: رأي للآمدي في الإحكام: 3/ 304 - 305. ولطوله اكتفينا بالعزو.

(2)

في (غ): العلية.

(3)

تفاصيل هذه المسألة: في المعتمد لأبي الحسين: 2/ 801، والعدة لأبي يعلى: 4/ 1379، والتبصرة للشيرازي: ص 452، وشرح اللمع له: 2/ 841، والمستصفى: 2/ 345، والوصول: لابن برهان: 2/ 269، والتمهيد لأبي الخطاب: 4/ 61، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 423، والتحصيل للسراج الأرموي: 2/ 231، والحاصل للتاج الأرموي: 2/ 938، وروضة الناظر لابن قدامة: ص 2/ 315، والإحكام للآمدي: 3/ 311، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3519. ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 217. وكشف الأسرار: 3/ 315، والمسودة: ص 411، والتحرير مع التيسير: 4/ 5، وشرح الكوكب المنير: 4/ 53، ومسلم الثبوت مع فواتح الرحموت: 2/ 276، وشرح التلويح: 2/ 66، نشر البنود: 2/ 138، مفتاح الوصول للتلمساني: ص 686، وتخريج الفروع للزنجاني: ص 47، إحكام الفصول: ص 556، رفع الحاجب على مختصر ابن الحاجب لابن السبكي: 2/ اللوحة 139 - 140.

(4)

العلّة القاصرة: هي التي لم تتجاوز محل النص الذي وجدت فيه سواء كانت منصوصة أم مستنبطة كتعليل حرمة الربا في النقدين بالجوهرية والثمنية. =

ص: 2540

إذا كانت منصوصةً أو مجمعًا عليها

(1)

، كما نقله جماعة ومنهم القاضي أبو بكر في التقريب والإرشاد

(2)

، فيما إذا كانت منصوصةً وجعلوا محل الخلاف في المستنبطة.

والذي ذهب إليه الأكثرون منهم الشافعي والأصحاب

(3)

ومالك

(4)

وأحمد

(5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والعلّة المتعدية: هي ما تجاوزت المحل الذي وجدت فيه إلى غيره كالإسكار في الخمر والنبيذ، والطعم في المطعومات والقياس لا يتحقق إلّا بالعلّة المتعدية. ينظر: المعتمد: 2/ 801، والمستصفى: 2/ 345، ونهاية السول: 4/ 277.

(1)

وممن حكى الاتفاق على ذلك الآمدي وابن الحاجب وأبو الخطاب، وعبد العزيز البخاري، وابن الهمام، وابن النجار وابن عبد الشكور وغيرهم، يقول الآمدي: 3/ 311 "اتفق الكلّ على أنّ تعدية العلة في صحة القياس وعلى صحة العلّة القاصرة، كانت منصوصة أو مجمعًا عليها، وإنما اختلفوا في صحة العلّة القاصرة إذا لم تكن منصوصة ولا مجمعًا عليها". وينظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 217. وكشف الأسرار: 3/ 315، والمسودة: ص 411، والتحرير مع التيسير: 4/ 5، وشرح الكوكب المنير: 4/ 53، ومسلم الثبوت مع فواتح الرحموت: 2/ 276.

(2)

ينظر: التلخيص لإمام الحرمين: 3/ 284.

(3)

ينظر: البرهان: 2/ 1080، والتبصرة: ص 452، والمستصفى: 2/ 345، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 423، والإحكام للآمدي: 3/ 311، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3519.

(4)

ينظر: إحكام الفصول للباجي: ص 556، شرح تنقيح الفصول: ص 409 - 410. ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 217.

(5)

ينظر: التمهيد لأبي الخطاب: 4/ 61، والمسودة: ص 411، وشرح الكوكب المنير: 4/ 53.

ص: 2541

والقاضيان أبو بكر

(1)

وعبد الجبار

(2)

وأبو الحسين

(3)

وعليه المتأخرون كالإمام

(4)

وأتباعه ومنهم المصنف أنّها صحيحة معول عليها.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو عبد الله البصري والكرخي

(5)

إلى امتناعها وحكاه الشيخ محيي الدين النووي في شرح المهذب وجهًا لأصحابنا

(6)

، وكذلك الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع

(7)

.

وأغرب القاضي عبد الوهاب في الملخص فحكى مذهبًا ثالثًا أنّها لا تصح على الإطلاق سواءً كانت منصوصةً أم مستنبطةً. وقال هو قول أكثر فقهاء العراق

(8)

.

وهذا يصادم ما نقلناه من وقوع الاتفاق في المنصوصة، ولم أر هذا القول في شيء مما وقفت عليه من كتب الأصول سوى هذا

(9)

.

(1)

ينظر: التلخيص لإمام الحرمين: 3/ 284.

(2)

ينظر: المغني (الشرعيات): 17/ 339.

(3)

ينظر: المعتمد: 2/ 801.

(4)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 423.

(5)

ينظر: كشف الأسرار: 3/ 315، والتحرير مع التيسير: 4/ 5، ومسلم الثبوت مع فواتح الرحموت: 2/ 276.

(6)

ينظر المجموع للنووي: 9/ 378.

(7)

ينظر: شرح اللمع للشيرازي: 2/ 841.

(8)

ينظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي: ص 409، البحر المحيط: 5/ 157، ونشر البنود: 2/ 138.

(9)

وما علمه القاضي عبد الوهاب حجة على ما فات ابن السبكي، فإن عدم العلم بالشيء ليس علمًا بالعدم.

ص: 2542

واحتجت الحنفية على

(1)

امتناع التعليل بها بما أشار إليه المصنف من أنَّه لا فائدة فيها؛ لأنَّ الفائدة من العلّة التوسل بها إلى معرفة الحكم، وهذه الفائدة مفقودة هنا؛ لأنَّ الحكم في الأصل معلوم بالنّص، ولا يمكن التوسل بها إلى معرفة الحكم في غيره؛ لأنَّ ذلك إنمّا يمكن إذا وجد ذلك الوصف في غير الأصل، والفرضُ خلافه لأنّها قاصرة.

وأجاب بأنّ لها فائدة وهي معرفة أنّ الحكم الشرعي مطابق لوجه الحكمة والمصلحة وهذه فائدة معتبرة؛ لأنَّ النفوس إلى قبول الأحكام المطابقة للحكم والمصالح أميل وعن قبول الحكم المحض والتّعبد الصِّرف أبعد.

وقد ذُكر لها فوائد أخرى:

منها: أنَّه إذا ثبت كون القاصرة علّة للحكم في محل، فلو وجد فيه وصف آخر مناسب متعد يمتنع تعدية الحكم به لمعارضة القاصرة، ما لم يدل دليل على استقلاله بالعليّة بخلاف ما لو لم يثبت كون القاصرة علّة

(2)

له فإنّه حينئذ كان تعدي الحكم بالوصف المناسب المتعدّي من غير افتقار إلى دلالة دليل على استقلاله

(3)

.

وحاصله أنّها تفيد منع حمل الفرع على الأصل كما أنّ تعديها يفيد

(1)

في (ت): إلى.

(2)

في (ت): علة للحكم له.

(3)

وفي (غ): بخلاف ما لو لم يثبت التعدي من غير افتقار إلى حينئذ كان تعدي الحكم بالوصف.

ص: 2543

وجوب الحمل.

ومنها: أنّا بإطلاعنا على علّة الحكم نزداد علمًا بما كنّا غافلين عنه، والعلم بالشيء أعظم فائدة كما أنّ الجهل أخسُّ

(1)

خسرانٍ وأقبحُه.

ومنها: أنّ العلّة إذا طابقت النّص زادته قوّة ويتعاضدان وكذلك سبيل كلّ دليلين اجتمعا في مسألة واحدة ففائدتها فائدة اجتماع دليلين ذكره القاضي في التقريب والإرشاد باختصار إمام الحرمين

(2)

.

ومنها: ما نبه عليه والدي أيدّه الله تعالى من أنّ المكلف يقصد الفعل لأجلها فيزداد أجره كما قررناه في الكلام على العلّة

(3)

، فجدد العهد به.

وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي من فوائدها أنَّه إذا حدث هناك فرع فيعلّق على العلّة ويلحق بالمنصوص عليه

(4)

.

وهذا فيه نظر إذ المسألة مفروضة في القاصرة ومتى حدث فرع

(5)

. يشاركها في المعنى خرجت عن أنْ تكون قاصرة.

وقد ذكر إمام الحرمين ذلك فقال: قال من يصحح القاصرة: فائدة

(1)

في (ت): أخسر.

(2)

ينظر: التلخيص لإمام الحرمين: 3/ 285.

(3)

ينظر ص: 2287. قاله والده في مختصر سماه (ورد العلل في فهم العلل) كما نبه عليه الابن.

(4)

ينظر: شرح اللمع: 2/ 8432.

(5)

في (غ): ما يشاركها.

ص: 2544

تعليل تحريم التفاضل في النقدين تحريم التفاضل في الفلوس إذا ضربت نقودًا وضعّفه بأن المذهب أنّ الربا لا يجري في الفلوس، وإن استعملت نقودًا

(1)

فإنّ النقدية الشرعية مختصة بالمطبوعات من التبرين. والفلوسُ في حكم العروض وإنْ غلب استعمالها.

ثمَّ إنْ صحّ هذا المذهب قيل: لصاحبه إن كانت الفلوس داخلةً تحت اسم الدراهم والنصّ متناول

(2)

لها فالطِّلَبة

(3)

بالفائدة قائمة، وإنْ لم يتناولها النّص فالعلّة إذن متعدية لا قاصرة

(4)

.

قوله: "ولنا" أي دليلنا على صحة القاصرة أنّ صحة تعدية العلّة إلى الفرع فرع صحتها في نفسها فلو توقفت صحتها في نفسها على صحة تعديتها إلى الفرع لزم الدور، وإذا لم تتوقف صحتها في نفسها على صحة التعدية صحّت وإن لم تتعد وهو المطلوب.

واعترض الآمدي على هذا الدليل بوجهين:

أحدهما: أنَّه إن أريد بالتعدية الموقوفة على صحة العلّة ثبوت الحكم بها في الفرع وهو مسلم، ولكن لا نسلم أنّ التعدية بهذا الاعتبار شرط في صحة العلّة، وإن أريد بهذه التعدية وجودها في الفرع لا غير فهو غير

(1)

(وضعّفه بأن المذهب أنّ الربا لا يجري في الفلوس، وإن استعملت نقودًا) ساقط من (ت).

(2)

في (ت): مناول.

(3)

في (ت): فالطلب.

(4)

ينظر: البرهان لإمام الحرمين: 2/ 1083.

ص: 2545

مفضٍ إلى الدور فإنّ صحة العلّة وإنْ كان مشروطًا بوجودها في غير محلّ النّص فوجودها فيه غير متوقف على صحتها في نفسها فلا دور

(1)

.

سلمنا لزوم الدور، لكن دور معية أو غيره.

والثاني: ممنوع، والأول مسلم وهو صحيح كما في المتلازمين والمتضايفين

(2)

.

فإن قلت: ليس دور معية بدليل أنّ صحة تعديتها إلى الفرع فرع صحتها في نفسها؛ لأنّه يصحّ دخول ما يقتضي التراخي عليه إذ يصح أنْ يقال صحّت العلّة في نفسها ثمّ عديت أو عديت بعد أنْ صحت أو فعديت ولو كانا معًا لما صحّ بهذا القول إذ لا يجوز إدخال كلمةٍ تقتضي التأخير ما بين المضافين والمتلازمين فلا يجوز أنْ يقال حصلت الأبوة ثمّ البنوة أو حصل العلو ثم السفل وبالعكس.

قلت: دخول ثمّ ههنا إنما هو لحصول الترتيب في التّعدية التي هي فعل المعدّي ولا نسلم جواز دخول ما يقتضي التأخير في التّعدية التي أريد بها وجود الوصف في صورة، فلا يقال صحت العلّة في كذا فعديت أو ثمّ عديت بمعنى وجدت وإنّما يصح بمعنى الإثبات.

فائدتان:

إحداهما: قال إمام الحرمين إنْ كان كلام الشارع نصًّا لا يقبل التأويل

(1)

ينظر: الإحكام للآمدي: 3/ 312.

(2)

ينظر: المصدر نفسه.

ص: 2546

فلا يرى للقاصرة وقعًا، ولكن يمتنع عن الحكم بفسادها لما سبق وإنما يفيد إذا كان قول الشارع ظاهرًا يتأتى تأويله ويمكن حمله على الكثير مثلًا دون القليل، فإذا سنحت علّة توافق الظاهر فهي تعصمه من التّخصيص بعلّة أخرى لا تترقى مرتبتها إلى المستنبطة القاصرة.

ثمّ في ذلك سرّ وهو أنّ الظاهر إن كان متعرضًا للتأويل ولو أوّل لخرج بعض المسميات ولا ارتد الظاهر إلى ما هو نص فيه، فالعلّة في محل الظاهر كأنّها

(1)

ثابتة في مقتضى النّص منه متعدية إلى ما اللفظ ظاهر فيه عاصم له عن التّخصيص والتأويل فكان ذلك إفادة وإن لم يكن تعديًا حقيقيا ولا يتجه غير ذلك في العلّة القاصرة

(2)

.

ثم قال: فإن قيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الورِقَ بالوَرِقِ"

(3)

الحديث نصّ أم ظاهرٌ، فإنْ زعمتم أنّه نصّ بطل التعليل بالنقدية وإنْ كان ظاهرًا فالأمّة مجمعة على إجرائه في القليل والكثير فقد صار بقرينة الإجماع نصًّا فأي حاجة إلى التعليل؟ فنقول: أما الخط الأصولي فقد وفينا به والأصول لا تصححّ على الفروع فإن تخلفت مسألة

(1)

في (ص): فإنها.

(2)

ينظر: البرهان لإمام الحرمين: 2/ 1058 - 1086.

(3)

متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري: ص 407 كتاب البيوع (34) باب بيع الفضة بالفضة (78) رقم الحديث (2176)، ومسلم في صحيحه: ص 645 - 646، كتاب المساقاة (22) باب الربا (14) رقم الحديث (76/ 1584).

ص: 2547

فلتمتحن

(1)

بحقيقة الأصول فإنْ لم يصحّ فلتطرح

(2)

. هذا كلام إمام الحرمين.

ولقائل أنْ يقول: القاصرة مفيدة مطلقًا سواءً كانت مستنبطةً من ظاهر أم نصّ لما عرفت. ولكن هذا الذي ذكره في منعها من التّخصيص في الظاهر فائدة أخرى جليلة ولا تنحصر الفائدة فيها.

وأمّا قوله: أنّ الأمّة مجمعة على إجرائه في القليل والكثير فصار كالنّص.

فنقول: إذا انتهى القليل إلى حدّ لا يوزن

(3)

، فلا نسلم حصول الإجماع بل أبو حنيفة يخالف فيه كمخالفته في بيع تمرة بتمرتين

(4)

فيجوز عنده بيع ذرّة بذرّتين

(5)

من الذهب والفضّة كذا حكاه والدي في تكملة شرح المهذب

(6)

عن شرح الهداية للسغناقي

(7)

من كتب أصحابه فيمكن

(1)

في (ت): فلتمتحق.

(2)

ينظر البرهان: 2/ 1086 - 1087.

(3)

في (ص): يورث.

(4)

في (ت): ثمرة بثمرتين.

(5)

في (ص)، (ت): ذرة بذرة.

(6)

ينظر تكملة المجموع لابن السبكي:

(7)

السغناقي وقيل بالصاد بدل السين، هو الحسين بن علي بن حجاج بن علي الملقب بحسام الدين الصِّغْناقيّ نسبة إلى سنغاق بكسر السين المهملة وسكون الغين المعجمة ثمّ نون بعدها ألف بعدها قاف: بلد في تركستان. الإمام الفقيه الحنفي تفقه على الإمام محمد بن محمد بن نصر وعلى الإمام فخر الدين محمد بن إلياس المايمرغي، له النهاية في شرح الهداية (مخطوط) وهو أول شروح الهداية، وله شرح التمهيد في قواعد التوحيد، وله الكافي في شرح أصول الفقه للبزدوي، دخل بغداد ودرّس بها =

ص: 2548

استعمال العلّة وهي جنس الأثمان في ذلك ومنع تخصيص العموم فيه.

وتحصل الفائدة التي حاولها إمام الحرمين وإلا فآخر كلامه يشير إلى الامتناع من الحكم بصحة العلّة المذكورة، فإنّه قال:

فإن قيل: هذا تصريح بإبطال التعليل بالنقدية.

قلنا: الصحيح عندنا أنّ مسائل الربا شبهية والشبه على وجوه:

منها: التعلق بالمقصود، والمقصود من الأشياء الأربعة الطعم ومن النقدين النقدية وهي مقتصرة وليست هي علّة

(1)

إذ لا شبه فيها ولا إخالة، ولكن لما انتظم منها اتباع المقصود عدّ من مسالك

(2)

الأشياء الأربعة انتهى

(3)

.

فقد امتنع من لكم بصحة العلّة المذكورة لعدم الجريان على القانون الذي مهّده وهو مع ذلك لا يرى التعليل بالوزن كقول أبي حنيفة لبطلان التعليل به من أوجه تخصه.

= بمشهد أبي حنيفة، ثمّ توجه إلى دمشق حاجًا فدخلها في سنة عشر وسبعمائة. توفي بحلب سنة 711 هـ.

ينظر ترجمته: تاج التراجم: ص 25، والفوائد البهية: ص 62، والطبقات السنية: برقم 768، والجواهر المضيئة: 2/ 114 - 116، كشف الظنون: 2/ 2032 - 2033، الأعلام للزركلي: 1/ 247.

(1)

في (ت): له.

(2)

(إذ لا شبه فيها ولا إخالة، ولكن لما انتظم منها اتباع المقصود عدّ من مسالك) ساقط من (ت).

(3)

ينظر: البرهان لإمام الحرمين: 2/ 1087.

ص: 2549

الثانية: رجّح الجمهور المتعديّة على القاصرة وامتنع قوم من الترجيح ورجّح الأستاذ أبو إسحاق القاصرة بشهادة

(1)

النّص بحكمها

(2)

ويتضح بذلك مذهب الشافعي فيما إذا أفسد صوم رمضان بجماع وترجيح كون العلّة الجماع وهي قاصرة على الإفساد

(3)

وفي تعليل النقدين بالنقدية على الوزن

(4)

وفي نفقة الوالد على الولد وبالعكس

(5)

وعتق الأصول على

(1)

في (غ)، (ت): لشهادة.

(2)

ينظر: شرح اللمع: 2/ 841.

(3)

قال الرافعي: "وفي الضابط قيود: منها: الإفساد، فمن جامع ناسيا لا يفسد صومه على الصحيح". ينظر: العزيز شرح الوجيز: 3/ 226.

(4)

قال الماوردي في الحاوي: 6/ 110 - 115: "فأما علّة الربا في الذهب والفضة، فمذهب الشافعي: أنها جنس الأثمان غالبا، وقال بعض أصحابنا: قيم المتلفات غالبًا. ومن أصحابنا من جمعهما، وكل ذلك قريب. وقال أبو حنيفة: العلة فيهما أنه موزون جنس، فجعل علَّة الذهب والفضة الوزن" ثمّ أورد أدلة الحنفية ثمّ ردّ عليها ثمّ جاء بكلام في أصول الفقه استغرق فيه خمس صفحات كله في مسالك العلة وقوادحها وما يتعلق بها. وقال الرافعي في العزيز شرح الوجيز: 4/ 74 "وأما النقدان فعن بعض الأصحاب: أن الربا فيهما لعينهما لا لعلة والمشهور أن العلّة فيها لصلاح التنمية الغالبة، وإن شئت قلت: جوهرية الأثمان غالبًا، . . . . وقال أبو حنيفة وأحمد: العلّة فيهما الوزن، فيتعدى الحكم إلى كل موزون".

(5)

فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن النفقة على الأب استصحابًا لما كان في الصِّغر، وأيضا فنفقة الولد على الأب منصوص عليها في قصة هند وغيرها بخلاف نفقة الأب على الولد وهذا اختيار أبي عبد الله الحسين.

وأصحهما على ما ذكر صاحب التهذيب والقاضي الروياني وغيرهما، وهو اختيار صاحب التلخيص أنها على الابن لأن عصوبته أقوى، ولأنه أولى بالقيام بشأن أبيه، =

ص: 2550

الفروع وبالعكس بالبعضية على القرابة

(1)

وأما على المذهبين الأولين فللشافعي في هذه المسائل أدلة تخصها كالشمس وضوحًا.

قال: (قيل: لو علل بالمركب فإذا انتفى جزء تنتفي العلية ثمّ إذا انتفى جزء آخر يلزم التخلف أو تحصيل الحاصل.

قلنا: العلة عدمية فلا يلزم ذلك).

المسألة السادسة: التعليل بالوصف المركّب

(2)

جائز عند

= لعظم حرمته.

وثالثها: أنها عليهما لاستوائهما في القرب، ولتعارض المعاني.

ينظر: العزيز شرح الوجيز: 10/ 81.

(1)

ينظر: العزيز شرح الوجيز: 13/ 342.

(2)

خلاصة المسألة أنه وقع الخلاف بين الأصوليين في اشتراط التعليل بالعلّة ذات وصف واحد لا مركبة.

فالجمهور: ذهبوا إلى عدم اشتراط ذلك، وجوزوا ان تكون العلّة مركبة من أوصاف، بل هو واقع شرعًا، كما في تعليل وجوب القصاص بالقتل بكونه قتلا عمدًا عدوانًا.

وذهب بعض الأصوليين إلى اشتراطه، فلم يجوزوا التعليل بالأوصاف المركبة، بل ينبغي عندهم أن تكون العلّة وصفًا واحدًا وهو منقول عن الإمام الأشعري وبعض المعتزلة.

ينظر تفاصيل ذلك: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 413، وشرح تنقيح الفصول: ص 409، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 230، وتيسير التحرير: 4/ 34، وأصول السرخسي: 2/ 175، وكشف الأسرار: 3/ 348، والمنخول للغزالي: ص 395، والمستصفى له: 2/ 336، والروضة: ص 319، ونشر البنود: 2/ 134، ومسلم الثبوت: 2/ 291، والإسنوي: 3/ 112 - 113، والإحكام للآمدي: 3/ 306، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3513.

ص: 2551

المعظم وبه قال المتأخرون ومنهم الإمام

(1)

وأتباعه، ومنهم صاحب الكتاب؛ لأنَّ ما يدلّ على عليّة الوصف من الدوران والسبر والتقسيم والمناسبة مع الاقتران لا تختص بمفرد بل دلالته عليه وعلى المركب على حدٍّ سواء فعُمِلَ به في المركب كما عُمِلَ به في المفرد.

وقال قوم لا يجوز، معتلين بأنّ جوازه يؤدي إمّا إلى تخلف المعلول عن العلّة العقلية أو تحصيل الحاصل وهما محالان، فكذا ملزومهما

(2)

والدليل على أنّه مؤد إلى ذلك أنّ الوصف المركّب إذا كان علّة كالقتل العمد العدوان في إيجاب القصاص مثلًا كان عدم كلّ جزء من أجزائه علّة مستقلة لعدم عليته لانعدام كلّ واحد من أجزائه ضرورة، إذ عليته من جملة صفات ماهيته المنعدمة بانعدام كلّ واحد من أجزائه وانعدام الوصف

(3)

يستلزم انعدام الصفة.

فإذا انتفى جزء من أجزاء المركّب يترتب عليه انتفاء عليته ثمّ إذا انتفى جزء آخر منه؛ فإمّا أن يترتب عليه عدم عليته فيلزم تحصيل الحاصل أو لا

(4)

فيلزم

(5)

تخلف المعلول عن العلّة.

وأجاب: بأنّ العليّة صفة عدمية؛ لأنّها من النسب والإضافات تعتبرها

(1)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 413.

(2)

في (ت): يلزمهما.

(3)

في (غ)، (ت): الموصوف.

(4)

في (غ): وإلا فيلزم.

(5)

(منه فإمّا أن يترتب عليه عدم عليته فيلزم تحصيل الحاصل أو لا فيلزم) ساقط من (ت).

ص: 2552

العقول ولا وجود لها في الخارج.

ويلزم من كونها عدمية أنْ يكون انتفاؤها وجوديا فإنّ العدم والوجود نقيضان ولا بد وأن يكون أحد النقيضين وجوديًا وإذا كان انتفاؤها وجوديا فلا يجوز أنْ يكون

(1)

عدم كلّ جزء علّة له

(2)

، لأنَّ الأمور العدمية لا تكون علّة للأمر الوجودي

(3)

هكذا قرره العبري

(4)

وغيره من شارحي الكتاب

(5)

، وهو أولًا: ضعيف؛ لأنّه ليس بأولى من قول المعترض: العلية أمر وجودي؛ لأنَّ نقيضها وهو عدم العلية عدمي

(1)

(أحد النقيضين وجوديًا وإذا كان انتفاؤها وجوديا فلا يجوز أنْ يكون) ساقط من (غ).

(2)

(له) ليس في (ت).

(3)

ينظر شرح العبري على المنهاج (الجزء الثاني) بتحقيق محمود حامد محمد عثمان: ص 538.

(4)

والعبري هو عبيد الله بن محمد الهاشمي الحسيني الفرغاني الشريف المعروف بالعبري بكسر العين المهملة وسكون الباء الموحدة الملقب ببرهان الدين. سمي بالعبري نسبة إلى عبرة بطن من الأزد ولد بتهريز ودخل بغداد. ومن مصنفاته: شرح طوالع الأنوار للبيضاوي وشرح الغاية القصوى في دراية الفتوى في فقه الشافعية للبيضاوي وغيرها. توفي رحمه الله في غرة ذي الحجة سنة 743 هـ وقيل في شهر رجب من نفس العام.

ينظر ترجمته في: الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 47 - 48، وشذرات الذهب: 6/ 139، والبدر الطالع للشوكاني: 1/ 411 - 412.

(5)

ينظر: نهاية السول للإسنوي: 3/ 112، ومنهاج العقول للبدخشي: 3/ 112، ومعراج المنهاج للجزري: 2/ 203 - 204، والسراج الوهاج للجاربردي: 2/ 962، وشرح المنهاج للأصفهاني: 2/ 735.

ص: 2553

وأحد النقيضين واقع لا محالة.

وثانيا: مخالف لما في المحصول فإنّه جعله جوابًا لشبهة أخرى لهم غير هذه

(1)

، ولكن صاحب الحاصل ترك ذكر تلك الشبهة ونقل جوابها إلى هذه الشبهة التي أوردها صاحب الكتاب

(2)

فتبعه المصنف على ذلك.

وقد أجيب عن هذه الشبهة بأمور:

منها: أنّ عدم الجزء ليس علّة لعدم العلية بل كلّ جزء فوجوده شرط لها وعدمه يكون عدمًا لشرطها.

ومنها: أنَّه يقتضي أنْ لا يوجد ماهية مركبة لما ذكر من التقرير بعينه فإنّ عدم كلّ واحد من أجزائه علّة لعدم تلك الماهية المركبة فإذا انعدم جزء انعدمت تلك الماهية وإذا انعدم جزء آخر لزم إمّا انعدامها وهو تحصيل الحاصل أو نقض

(3)

العلّة العقلية وكلاهما محال

(4)

.

فرع: قال الإمام: نقل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن بعضهم أنَّه قال لا يجوز أنْ تزيد الأوصاف على سبعة

(5)

. وهذا الحصر لا أعرف له

(1)

ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 413 - 414.

(2)

ينظر: الحاصل: 2/ 936 - 937.

(3)

في (ت): بعض.

(4)

وهذان الجوابان مذكوران في نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3515 - 3516.

(5)

والذي في النسخة المطبوعة خمسة وليس سبعة. ينظر: شرح اللمع للشيرازي: 2/ 837.

ص: 2554