الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الرابع أخذ الشافعي بأقلّ ما قيل إذا لم يجد دليلًا
؛ كما قيل: دية الكتابي الثلث، وقد قيل: النصف وقيل: الكلّ بناءً على الإجماع والبراءة الأصلية.
قيل: يجب الأكثر ليتيقن
(1)
الخلاص.
قلنا: حيث يتيقن الشغل والآن لم يتيقن).
ذهب إمامنا الشافعي رضوان الله تعالى عليه إلى أنَّه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقلّ ما قيل.
ووافقه القاضي أبو بكر والجمهور
(2)
. وخالفه قوم
(3)
.
مثاله اختلاف العلماء في دية اليهودي.
قال بعضهم: كدية المسلم
(4)
وقال آخرون نصف. . . . . . . . . . . . . .
(1)
في (ت): لتبين.
(2)
منهم الباجي وأبو إسحاق الشيرازي والغزالي والرازي والمصنف، قال القاضي عبد الوهاب: وحكى بعض الأصوليين إجماع أهل النظر عليه. الاحكام لابن حزم: 5/ 50، وإحكام الفصول: ص 699، وشرح اللمع: 2/ 993، والمستصفى: 1/ 216، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 208، والحاصل: 2/ 1064، والإحكام للآمدي: 1/ 403، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4032، والبحر المحيط: 6/ 27.
(3)
منهم ابن حزم أنكر الأخذ بأقل ما قيل. ينظر: الإحكام لابن حزم: 5/ 630، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4032.
(4)
وهو قول الحنفية ينظر المبسوط: 26/ 84، ومختصر الطحاوي: ص 240، الهداية: 2/ 307.
ديته
(1)
(2)
وقال آخرون بل الثلث فقط
(3)
. وأخذ به الشافعي رضي الله عنه
(4)
.
ونحوه أيضًا زكاة الفطر قال بعضهم خمسة أرطال وثلث
(5)
وقال آخرون ثمانية أرطال
(6)
فأخذ بالأوّل.
ونحوه أيضًا النِّفاس
(7)
.
واعلم أنّ هذه المسألة كما أشار إليه المصنف بقوله: "بناءً" إلى آخره مبنية على قاعدتين:
(1)
(وقال آخرون نصف دية) ليس في (غ)، (ت).
(2)
وهو قول المالكية. ينظر الشرح الصغير: 4/ 376، وبداية المجتهد: 2/ 406، وهو ظاهر مذهب الحنابلة أيضًا: ينظر المغني: 7/ 793.
(3)
وهو مذهب الشافعية ورواية عن أحمد: ينظر: الأم 6/ 96، والمجموع: 2/ 198، والمغني: 7/ 793.
(4)
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4032.
(5)
هذا مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وسائر فقهاء الحرمين وأكثر فقهاء العراقيين. ينظر: الحاوي للماوردي: 4/ 422.
(6)
وهو قول أبي حنيفة ومحمد: استدلالا برواية أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمدّ والمد رطلان". وروت عائشة بنت عجرة عن أم أنفع امرأة أبي السفر قالت: "كان رسول الله يغتسل بالصاع والصاع ثمانية أرطال". ينظر: الحاوي للماوردي: 4/ 423.
(7)
اختلف العلماء في أقل النفاس. قال أبو حنيفة: أقل النفاس خمسة وعشرون يوما. وقال أبو يوسف: أقله أحد عشر يومًا. وقال سفيان الثوري أقله ثلاثة أيام. وروى أبو ثور عن الشافعي أنه قال أقل النفاس ساعة وأقله مجة من دم وبه قال مالك والأوزاعي، وأحمد وإسحاق. ينظر: الحاوي للماوردي: 1/ 535.
أحدهما: الإجماع.
والثانية: البراءة الأصلية.
فإن الأمة لما أجمعت على ذلك الأوّل كالثلث في المثال الأول فإنّ من أوجب الكلّ أو النصف فقد أوجب الثلث ضرورة كونه بعضه فالكلّ مطبقون على وجوب الثلث
(1)
(2)
.
وأما البراءة الأصلية: فإنّها تدل على عدم الوجوب في الكلّ، ترك العمل بها في الثلث لحصول الإجماع عليه فيبقى الباقي على أصله ويصار إليه وإنما يتم هذا إذا لم يكن في الأمّة من يقول بعدم وجوب شيء منها أو بوجوب أقلّ من الثلث، فإن بتقدير ذلك لا يكون القول بوجوب الثلث
(3)
قول كل الأمّة، وأن لا يكون هناك دليل دال على الأكثر، فإن بتقدير ذلك لا يصح أنْ يتمسك بالبراءة الأصلية فإنها ليست بحجة مع الناقل السمعي
(4)
.
فإن قلت: هل الأخذ بأقل ما قيل تمسك بالإجماع؟ .
قلت: قال بعض الفقهاء ذلك وعزاه إلى الشافعي. وهو خطأ
(1)
في (غ): على ترك لعمل بها في الثلث.
(2)
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4032.
(3)
(أو بوجوب أقلّ من الثلث فإن بتقدير ذلك لا يكون القول بوجوب الثلث) ساقط من (ت).
(4)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 209 - 211، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4033، ونهاية السول للإسنوي مع حاشية المطيعي: 4/ 382 - 383.
عليه رضي الله عنه.
قال القاضي أبو بكر: ولعل الناقل عنه زلّ في كلامه
(1)
.
وقال الغزالي: هو سوء ظن به فإنّ المجمع عليه وجوب هذا القدر ولا مخالفة فيه، والمختلف فيه سقوط الزيادة ولا إجماع فيه
(2)
.
وقد علمت مما قررناه أنَّه ليس تمسكًا بالإجماع وحده.
فإن قلت: حاصل ما قررته أنه مركب من الإجماع وهو دليل بلا ريب ومن البراءة الأصلية وهي كذلك فما وجه جعله دليلا مستقلا برأسه؟ وكيف يتجه ممن يوافق على الدليلين المذكورين مخالفة الشافعي رحمه الله فيه؟ فما هو إلا تمسك بمجموع هذين
(3)
الدليلين الدال أحدهما على إثبات الأقل والآخر على نفي الزيادة.
قلت: هذا سؤال لم نزل نورده ولم يتحصل لنا عنه جواب.
فإن قلت: ما بال الشافعي اشترط أربعين في الجمعة؟ وقد اكتفى بعض العلماء بثلاث، واشترط سبعًا في عدد الغسل من ولوغ الكلب وقد اكتُفي فيه بثلاث مرات
(4)
.
(1)
ينظر: التلخيص لإمام الحرمين: 3/ 135.
(2)
ينظر: المستصفى: 1/ 216.
(3)
(هذين) ليس في (ت).
(4)
هذه الأسئلة واردة على أصل الشافعي في الأخذ بأقل ما قيل، فإنهم في هاتين المسألتين لم يأخذوا بأقل ما قيل. حيث اختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة على أقوال كثيرة: =
قلت: هذا سؤال من لم يحط بالحقائق فإنَّ الشافعي لم يخالف أصله؛ لأنَّ أصله الأخذ بالمتيقن وطرح المشكوك. واتفق العلماء في صورة الجمعة والغسل من ولوغ الكلب بالخروج
(1)
عن العهدة بالأربعين وبالسبع واختلفوا في الخروج عنها بما دون ذلك فالأربعون والسبع بمنزلة الأقلّ إذ أخذ الشافعي فيهما بالمتيقن، فلا يتوهمن متوهم أنَّه أخذ بالأكثر فيما ذكر وإنما أخذ بالمتيقن
(2)
.
= القول الأول: أنها تنعقد بثلاثة أحدهم الإمام وهو مذهب أبي يوسف.
القول الثاني: أنها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام، وبه قال أبو حنيفة.
القول الثالث: أنها تنعقد بأربعين وهو مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه، وهو مذهب الإمام الشافعي.
والقول الرابع: تنعقد بجمع كثير من غير قيد، وهذا مذهب الإمام مالك.
ينظر هذه الأقوال وتفاصيلها بأدلتها: بداية المجتهد: 1/ 161، 162، والإفصاح: 1/ 160، والمغني: 2/ 172، والمجموع: 4/ 502 - 505، وفتح القدير: 2/ 60.
كما اختلفوا في وجوب غسل ما ولغ فيه الكلب.
القول الأول: ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب غسل ما ولغ فيه الكلب سبعًا إحداهن بالتراب.
القول الثاني: وذهب أبو حنيفة إلى أنه يغسل من ولوغه كما يغسل من سائر النجاسات فإن غلب على ظنه زواله بغسلة أجزأه، وإلا فبثلاث، أو حتى يغلب على ظنه أن النجاسة قد ذهبت.
ينظر المسألة: بداية المجتهد: 1/ 88، والإفصاح: 1/ 64، وفتح القدير: 1/ 109، والمهذب: 1/ 48.
(1)
في (غ): والخروج.
(2)
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4035.
ولا يقال: قد اشترط بعض العلماء الخمسين في الجمعة وكان قياس هذا الأخذ
(1)
بالخمسين؛ لأنا نقول: وصحّ له دليل ينفي اشتراط الخمسين.
هذا ما انقدح لنا في جواب هذا السؤال وهو ما اقتضاه إيراد
(2)
الإمام أبي المظفر ابن السمعان في القواطع حيث قال
(3)
الأخذ بأقلّ ما قيل على ضربين:
أحدهما: أن يكون فيما أصله براءة الذمة فيختلف في قدره بعد الاتفاق على وجوبه كدية اليهودي وحكى وجهين للأصحاب فيه.
والثاني: أن يكون فيما هو ثابت في الذمة كالجمعة الثابت فرضها فلا يكون الأخذ بالأقل دليلا لارتهان الذمة بها ولا تبرأ الذمة بالشك. وهل يكون الأخذ بالأكثر دليلا فيه وجهان؟ انتهى
(4)
. فجعل الأكثر هنا بمنزلة الأقلّ
(5)
.
ومن النّاس
(6)
من أجاب عنه بأنّ الشافعي لم يخالف أصله لأنَّ شرطه عدم ورود دليل سمعي على الأكثر كما عرفت ولم يوجد هذا الشرط عنده فيما ذكرته بل دلّ الدليل على الأكثر فلم يمكن التمسك فيه
(1)
في (ص): الأصل القول.
(2)
في (غ): ولأجل ذلك قال.
(3)
(حيث قال) ليس في (غ).
(4)
ينظر: قواطع الأدلة: 2/ 44 - 45.
(5)
(فجعل الأكثر هنا بمنزلة الأقل): ليس في (غ)، (ت).
(6)
ومن، في (ص): ثم ومن.
بالبراءة الأصلية
(1)
.
ويوضح ذلك أنّ بعض العلماء اشترط في الجمعة خمسين فلو أنّ الشافعي أخذ بالأكثر لاشترط الخمسين.
فإن قلت: فهل يقضون فيما إذا أحدث مجتهد أداه اجتهاده إلى إيجاب قدر أقل من الثلث بأن ذلك يصير مذهبًا للشافعي رحمه الله لأنّه أقل ما قيل حينئذ؟ .
قلت: هذا غير متصور؛ لأنَّ الاجتهاد مع قيام الإجماع خطأ ولو صدر من واحد لسفهنا كلامه وقضينا عليه بما نقضي على خارق الإجماع.
فإذا قلت: هب أنَّه لم يوجد دليل سمعي سوى الإجماع لكن لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول.
قلت: إنما لا
(2)
يلزم من عدم الدليل عدم المدلول في الأمور الحقيقة لا في الشرعية التكليفية فإن تجويز ذلك يستلزم تكليف ما لا يطاق
(3)
.
فإن قلت: لا يلزم من عدم وجدانه عدم وجوده.
قلت: هذا ساقط إن قلنا كل مجتهد مصيب وإلا فيصير حكم الله في حقه إذ ذاك ذلك الذي غلب على ظنّه فيخرج عن العهدة، وإلا يلزم التكليف بما لا يطاق
(4)
.
(1)
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4034.
(2)
(لا) ليس في (ت).
(3)
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4035.
(4)
ينظر: المصدر نفسه.
قوله: "قيل يجب الأكثر" تقرير هذا الاعتراض أنَّه ينبغي أنْ يجب الأكثر ليستيقن المكلف الخلاص حينئذ.
وجوابه: أنّ ذلك إنما يجب حيث تيقنا شغل الذمة لا حيث الشك والزائد على الأقلّ لم يتيقن فيه ذلك لعدم ثبوت الدليل عليه
(1)
.
واعلم أنّ هذا الاعتراض يناسب من يقول بقاعدة الاحتياط، والاحتياط أن يجعل المعدوم كالموجود والموهوم كالمحقق، وما يبرئ على بعض التقديرات يلزم به وما لا يبرئ على كلّ التقديرات لا يلزم به ونأخذ بأثقل القولين وأكثرهما، ولعلنا نتعرض لهذه القاعدة في الأشباه والنظائر
(2)
كمّله الله تعالى وقد عضدت القول بها مرّة بقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}
(3)
وهو استئناس حسن ذكرته لأبي
(4)
أيده الله فأعجبه
(5)
.
قال: (الخامس المناسب المرسل إن كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية كتترس الكفار الصائلين
(6)
بأسرى المسلمين اعتبرت وإلا فلا، وأما مالك فقد اعتبرها مطلقًا لأنَّ اعتبار جنس المصالح يوجب
(1)
ينظر هذا الاعتراض وجوابه في نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 4034.
(2)
ينظر: الأشباه والنظائر: 1/ 110.
(3)
سورة الحجرات من الآية 12.
(4)
في (ت): لوالدي.
(5)
ينظر: الأشباه والنظائر: 1/ 110.
(6)
في (ص): القاتلين.