الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلِمَ قلتم: إنَّه لا يحصل ذلك إلا إذا كان البيان بلا واسطة؟ وحينئذ لا ينافي إكمال الدّين العمل بالقياس بل يكون من إكماله شرعية القياس
(1)
ولا يحتاج على هذا التقرير
(2)
إلى تخصيص الآية، بل تكون باقية على عمومها.
قال:
(الثالث أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال في الكلالة: أقول برأيي
، الكلالةُ ما عدا الوالد والولد
(3)
، والرأي هو القياس إجماعًا. وعمر رضي الله عنه أمر أبا موسى في عهده بالقياس، وقال في الجدّ أقضي برأيي. وقال له عثمان: إن اتبعت رأيك فسديد. وقال علي: اجتمع رأيي ورأي عمر في أم الولد. وقاس ابن عباس الجدّ على ابن الابن في الحجب ولم ينكر عليهم وإلا لاشتهر، قيل ذموا أيضًا قلنا: حيث فقد شرطه توفيقًا).
الوجه الثالث: مما يدلّ على أنّ القياس حجّة، وهو معتمد الجمهور: الإجماع
(4)
.
= كالنص على ما يخرج زمن الحصاد مع تقدم قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} {سورة الأنعام: من الآية 141]. ورابعها: نصوص السنة المبتدأة مما ليس في القرآن نص عليها بالاجمال ولا بالتفسير. خامسها: بيان الإشارة وهو القياس المستنبط من الكتاب والسنة. ولمزيد من التفصيل، ينظر البحر المحيط: 3/ 480 - 481.
(1)
في (ت): بل تكون من إكماله شريعة القياس، وفي (ص): بل تكون من إكمال شرعية.
(2)
في (غ): التقدير.
(3)
(الوالد) ليس في (غ).
(4)
دليل الإجماع صاغه السبكي كما البيضاوي، في قياس منطقي مؤلف من مقدمتين =
وتقريره أنّ العمل بالقياس مجمعٌ عليه بين الصحابة؛ لصدوره من
= كبرى وصغرى فنتيجة، واستدلوا على صحة المقدمتين بأدلة حتى تصح لهم النتيجة، وصورة القضية على النحو التالي:
القياس مجمع على العمل به بين الصحابة. (مقدمة صغرى)
وكلما كان كذلك فهو حجة يجب العمل بمقتضاه. (مقدمة كبرى)
فالقياس حجة يجب العمل بمقتضاه (نتيجة)
أما الصغرى؛ فدليلها أن القياس ثبت العمل به أو القول به من بعض الصحابة، ولم يظهر الإنكار على ذلك من أحد منهم، وكلما كان كذلك فهو مجمع على العمل به بينهم. فالقياس مجمع على العمل به بينهم فتضمنت مقدمتين: إحداهما: أن بعض الصحابة ذهب إلى العمل بالقياس، والثانية: أنه لم ينكر عليه أحد من الباقين. وكبراه مقدمة. فها هنا ثلاث مقدمات تتوقف صحة الصغرى على إثباتها. والكبرى مقدمة فيكون مجموع ما تتوقف صحة دليل الإجماع عليه أربع مقدمات.
أما المقدمة الأولى: وهي أن بعض الصحابة ذهب إلى العمل بالقياس، فاستدلوا عليه ما نقل عن الصحابة من الوقائع التي حكموا فيها بالقياس، وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: مسائل وقع التصريح منهم فيها بالقياس أو ما يقرب منه.
النوع الثاني: مسائل وقع فيها خلاف بينهم وليس فيها نص من الشارع فيتعين مدرك كل واحد فيما ذهب إليه هو القياس.
النوع الثالث: مسائل صرح كل واحد بأنه أفتى فيها بالرأي الذي هو القياس.
وقد جاءوا لكل نوع من هذه الأنواع بدليل من الأحاديث والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم.
وأما الكبرى فدليلها أن الرأي هو القياس. واستدل صاحب المنهاج بالإجماع. واستدل صاحب المحصول بأن يقال للإنسان: أقلت هذا برأيك أم بالنص فيجعل أحدهما في مقابلة الآخر، وذلك يدل على أن الرأي لا يتناول الاستدلال بالنص جليه وخفيه. ينظر: النبراس: بتصرف. ص 92 - 105.
طوائف منهم من غيرِ إنكارٍ، وكلّما كان كذلك كان إجماعًا؛ لما تقدم في كتاب الإجماع.
وأما صدوره عن طوائف منهم: فلِما روي أنّ أفضل الصحابة الصديق رضي الله عنه قال حين سئل عن الكلالة
(1)
: "أقول فيها برأيي، فإنْ يكنْ صوابًا فمنَ الله، وإنْ يكنْ خطأً، فمنِّي ومن الشيطان"
(2)
، والرأي هو القياس؛ لأنَّه يقال: أقُلْتَ هذا برأيك أم بالنص؟ فدلت مقابلته للنّص على أنَّه للاستدلال.
وادّعى المصنّف في ذلك الإجماع، وكذلك
(3)
ادّعى صفي الدّين الهندي في النِّهاية، واستدل عليه بأنّ أصحابنا روَوْا عن السلف كلامًا كثيرًا
(1)
قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} (سورة النساء: الآية 176) والكلالة مَن لم يَرِثْهُ أبٌ أو ابن، وهو مصدرٌ من تَكلله النسب. وجاء في النهاية في غريب الحديث مادة "كلل": قد تكرر في الحديث ذكره "الكلالة" وهو أن يموت الرجل ولا يدع والدًا ولا ولدًا يرثانه. وأصله: من تكلله النسب، إذا أحاط به. وقيل: الكلالة: الوارثون الذين ليس فيهم ولدٌ ولا والد، فهو واقعٌ على الميت وعلى الوارث بهذا الشرط. وقيل: الأب والابن طرفان للرجل، فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه، فسمي ذهاب الطرفين كلالة. وقيل: كل ما احتف بالشيء من جوانبه فهو إكليل، وبه سميت؛ لأنّ الوُرَّاث يحيطون به من جوانبه.
(2)
أخرجه الدارمي في كتاب الفرائض باب الكلالة، 2/ 365، والبيهقي: في كتاب الفرائض باب حجب الإخوة والأخوات من قبل الأم والأب والجد وولد الابن: 5/ 223، وتلخيص الحبير: 3/ 1077.
(3)
في (ص): وكذا.
أنَّهم عملوا بالرأي، وقالوا: الرأيُ
(1)
هو القياس.
وروى الخصوم كلامًا كثيرًا في ذمِّ الرأي وقالوا: هو القياس، وساعدناهم على ذلك، فدلّ على أنّ الرأي هو القياس وفاقًا
(2)
.
فإن قلت: هل ذلك باعتبار أصل وضعه، أو باعتبار النقل؟
قلت: الأظهر أنَّه بطريق النقل، مع أنَّ ذلك مما لا حاجة
(3)
لنا إليه مع ثبوت
(4)
ما ذكرناه.
وأمر عمر رضي الله عنه أبا موسى في عهده بالقياس، حيث قال:"واعرف الأشباه والنظائر ثمَّ قايِس بين الأمور"
(5)
وقد تقدم هذا.
وقال عمر أيضًا في الجد: أقضي برأيي. فقال عثمان لعمر: إن اتبعتَ رأيك فسديد، وإن تتبع رأي من قبلك يعني أبا بكر فنعم الرأي
(6)
.
(1)
(الرأي) ليس في (غ)، (ت).
(2)
ينظر: النهاية: 7/ 3108 - 3109.
(3)
(مما لا حاجة) ساقط من (غ).
(4)
في (ت): (مع ما ثبوت ما)
(5)
هذا جزء من كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري في أصول القضاء أخرجه الدارقطني في كتاب الأقضية والأحكام كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري: 4/ 206، حديث رقم (15). وقال ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين: 1/ 86 هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج إليه وإلى تأمله والتفقه فيه اهـ. وانظر الفقيه والمتفقه: 1/ 493.
(6)
روى مروان بن الحكم أن عمر رضي الله عنه حين طعن قال: إني رأيت في الجد رأيًا، فإن رأيتم أن تتبعوه؟ فقال عثمان: إن نتبع رأيك فهو رشد، وإن نتبع رأي الشيخ =
وقال علي: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد
(1)
على أنْ لا يُبَعْنَ، وقد رأيت الآن بيعهن
(2)
.
وقاس ابن عباس الجدّ على ابن الابن في حجب
(3)
الإخوة، وقال: ألا يتقي الله ابن ثابت يجعل ابن الابن ابنًا، ولا يجعل أبَا الأب أبًا
(4)
. فثبت
= قبلك فنعم ذو الرأي كان. رواه الحاكم في المستدرك كتاب الفرائض (45) 4/ 377 - 378 باب (36) رقم الحديث (7983). وقال الحاكم هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه البيهقي في السنن كتاب الفرائض باب من لم يورث الأخوة مع الجد (41) 6/ 402 - 403 رقم الحديث (12421).
(1)
أم الولد: هي التي حملت من سيدها وادّعاه، وهي تعتق بموت سيدها من رأس المال، ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بنقل الملك، وهذا هو مذهب فقهاء الصحابة منهم عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها ونقل عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم جواز بيعهن. ينظر: المغني مع الشرح الكبير: 12/ 492 وما بعدها، والأم: 8/ 332.
(2)
رواه عبد الرزاق في المصنف الحديث رقم (13224)، ورواه البيهقي 10/ 1609 الحديث رقم (21794)، والتلخيص الحبير: 4/ 1609 رقم (2161).
(3)
الحجب لغة: المنع، وفي الاصطلاح: منع شخص معين عن ميراثه إما كله أو بعضه بوجود شخص آخر ويسمى الأول حجب حرمان، والثاني حجب نقصان. ينظر التعريفات: ص 82.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف في كتاب الفرائض باب فرض الجد حديث رقم (19059) 10/ 266، حيث روى الحديث من طريق قتادة، قال: دعا عمر رضي الله عنه علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس فسألهم عن الجد فذكر الحديث، وفيه قال ابن عباس: هو أب ليس للإخوة معه ميراث. وأورد الأثر أيضًا ابن عبد البر في جامع بيان العلم: 2/ 107 بلفظ: "ليتق الله زيد أيجعل ولد الولد بمنزلة =
صدور القياس بما قلناه وبغيره من الآثار الكثيرة التي لا ينكرها إلا معاند، وقد تواتر القدر المشترك منها
(1)
.
قال القاضي في كتاب التقريب والإرشاد: وقد صار تمسكهم بالرأي وتسويغهم التعلق بطريق الاجتهاد مدركًا ضرورةً
(2)
، كما أدرك اختلافهم على الجملة ضرورة، وإن كانت صورة الاختلاف نقلت آحادًا
(3)
.
واعترض الخصم على هذا الدليل، بأنه معارض بمثله، فإنه نقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم ذموه أيضًا، وأنكروه كما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال:"أيُّ سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي"
(4)
.
وقوله: تظلني أي توقع عليَّ ظلًا، وتقلني معناها تحملني
(5)
.
= الولد ولا يجعل أب الأب بمنزلة الأب؟ إن شاء باهلته عند الحجر الأسود".
(1)
يعني التواتر المعنوي لا اللفظي.
(2)
في (ص): مدرك ضرورة.
(3)
ينظر: تلخيص التقريب: 3/ 194.
(4)
قال ذلك لما سئل عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ينظر جامع بيان العلم: 2/ 52، وقال ابن عبد البر عقيبه:"وذكر مثل هذا عن أبي بكر الصديق، ميمون بن مهران وعامر الشعبي وابن أبي مليكة" وقد ساق الأثر ابن حجر في الفتح من طريق التيمي والنخعي وأعلهما بالانقطاع وقال: لكن أحدهما يقوي الآخر. ينظر فتح الباري: 13/ 271. وينظر الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف: 4/ 158، وابن كثير في تفسيره 1/ 5، 4/ 473، ومقدمة أصول التفسير لابن تيمية: ص 108.
(5)
ينظر معاني هذه الكلمات: الصحاح: 5/ 1755 مادة "ظلل" و 5/ 1804 مادة "قلل".
وعن عمر رضي الله عنه: "إيَّاكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء الدين"
(1)
.
وعن علي رضي الله عنه: "لو كان الدِّين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره"
(2)
إلى غير ذلك من آثار كثيرة
(3)
.
والجواب: أنّ معارضة هذا الذّمّ لما ذكرناه أيضًا عنهم من العمل به إنْ ثبتت، فالجمع بين الدليلين أولى، فيحمل هذا على ما إذا كان القياس غيرَ مستجمع لشرائطه، وذلك على القياس المستجمع لشرائطه توفيقًا بين الدليلين، وهذا
(4)
ما ذكره في الكتاب وهو جواب إجمالي.
وقد قيل: إن المعارضة غير ثابتة.
وأجيب: بوجه تفصيلي؛ أمَّا ما نُقِلَ عن أبي بكر فإنّما أراد به قوله
(1)
رواه ابن عبد البر في بيان العلم وفضله 2/ 144، وأخرجه الدارقطني في سننه في كتاب النوادر: 4/ 146 الحديث رقم (12) والفقيه والمتفقه: 1/ 453.
(2)
هذا الأثر أورده أبو داود بزيادة: "وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه" رقم (162) 1/ 114. وأورده الخطيب في الفقيه والمتفقه مرويًا عن عمر رضي الله عنه قال: "أصحاب الرأي أعداء السنن، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أحق بمسحه من أعلاه". 1/ 455.
(3)
منها على سبيل المثال: "ما رواه ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قالا: "يذهب قراؤكم وصلحاؤكم ويتخذ الناس رؤساء جهالًا برأيهم" أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 133، وعن ابن عباس أيضًا: "إياكم والمقاييس، فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس" أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم: 2/ 133، وأورد الخطيب آثارًا كثيرة ينظر الفقيه والمتفقه: 1/ 449 - 466.
(4)
في (ت): (وهو).