الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الباب الثاني: في أركانه
.
إذا ثبت الحكم في صورة لمشترك بينها
(1)
وبين غيرها تسمى الأولى أصلًا والثانية فرعًا والمشترك علّةً وجامعًا.
وجعل المتكلمون دليل الحكم في الأصل أصلًا.
والإمام: الحكم في الأولى
(2)
أصلًا والعلّة فرعًا وفي الثانية بالعكس وبيان ذلك في فصلين)
أركان
(3)
القياس أربعة: الأصل، والفرع، والجامع بينهما، وحكم الأصل، وأما حكم الفرع فهو حكم الأصل بالحقيقة، وإن كان غيره باعتبار المحل، لذلك لم تكن الأركان خمسة.
وقول الآمدي: حكم الفرع، ثمرة القياس وليس ركنًا منه؛ لأنَّ الحكم في الفرع متوقف على صحة القياس، فلو كان ركنًا منه لتوقف على نفسه
(4)
، مدخول؛ فإنَّ المتوقف على صحة القياس هو العلم بثبوت الحكم في الفرع الذي هو ثمرة القياس، لا نفس حكم الفرع،
(1)
في (غ)، (ت): بينهما.
(2)
في (ص): الأول.
(3)
ركن الشيء في اللغة: جانبه الأقوى، وفي الاصطلاح: ما لا وجود لذلك الشيء إلا به. وأركان الشيء أجزاؤه في الوجود التي لا يحصل إلا بحصولها داخلة في حقيقته محققة لهويته.
ينظر: الكليات: ص 480، والعضد على المختصر: 2/ 208.
(4)
ينظر: الأحكام: 3/ 277.
ثمّ إنّ المصنف اكتفى بتعريف الحكم في أوّل الكتاب عن إعادته هنا.
وقد اختلف اصطلاح الأئمة في الأركان الثلاثة فذهب الفقهاء والنظّار إلى ما صدّر المصنف كلامه فقالوا: إذا ثبت الحكم في صورة كالذُرة مثلًا لأمر مشترك بينها وبين البُرِّ وهو الطُعم، سميت الأولى وهي البر أصلًا، والثانية وهي الذُّرَة فرعًا والمشترك وهو الطُعْم علّةً وجامعًا. وزعم الآمدي أنّ هذه المقالة هي الأشبه
(1)
.
قال المتكلمون: الأصل هو دليل الحكم أي النّص الدّال
(2)
على ثبوت أنّ
(3)
البرَّ ربوي مثلًا، وضعف الإمام هاتين المقالتين
(4)
.
أما الأولى؛ فلأنّ أصل الشيء ما تفرع عليه غيره، والحكم المطلوب إثباته في الذُّرَة لا يتفرع على البر؛ لأنَّ البر لو لم يوجد فيه ذلك الحكم، وهو تحريم الربا لم يمكن تفريع حرمة الربا في الذُّرة عليه، ولو وجد ذلك الحكم في صورة أخرى ولم يوجد في البر، أمكن تفريع الذرة عليه، فإذن الحكم المطلوب إثباته غير متفرع
(5)
على البر بل على الحكم الحاصل فيه،
(1)
قال الآمدي: "والأشبه أن يكون الأصل هو المحل على ما قاله الفقهاء. . ." 3/ 275.
(2)
(والأشبه قال المتكلمون: الأصل هو دليل الحكم أي النّص الدّال) ساقط من (ت).
(3)
(أن) ليس في (غ).
(4)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 24 - 25 قال الإمام: "أما قول الفقهاء فضعيف. . . . . وأما قول المتكلمين فضعيف أيضًا. . .".
(5)
في (غ)، (ت): مفرع.
فلا يكون البُّر أصلًا للحكم المطلوب.
وأما الثانية: فمن هذا الوجه؛ لأنَّا لو قدرنا كوننا عالمين حرمة الربا في البر بالضرورة أو بالدليل العقلي، لأمكن تفريع الذُّرة عليه، ولو قدرنا أنّ النّص لم يدل على حرمة الربا في صورة خاصة، لم يكن تفريع الذُّرة عليه تفريعًا قياسيًا، وإن أمكن تفريعًا نصيًّا.
ثمّ ذهب الإمام إلى رأي ثالث فقال: الحكم أصلٌ في محل الوفاق، فرعٌ في محل الخلاف، والعلّة فرعٌ في محل الوفاق أصلٌ في محل الخلاف
(1)
، فتحريم الربا في البر أصل وعلّته
(2)
، وهي الطُعم فيه فرعٌ، وفي الصورة الثانية وهي الذُّرةُ بالعكس، فصار القياس عنده مشتملًا على أصلين وفرعين باعتبار الصورتين المحل المقيس والمقاس عليه.
قال الإمام: ولقول المتكلمين وجه؛ لأنَّ الحكم الحاصل في محل الوفاق أصل كما وضح، والنّص أصل لذلك الحكم، فكان أصلًا للأصل، فحسُنت لذلك تسميته بالأصل
(3)
.
ولك أنْ تقول: الكلام فيما هو أصل بالذات من غير وساطة
(4)
شيء لا فيما هو أصل بالعرض، ولقول الفقهاء وجه؛ لأنَّ النّص والحكم
(1)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 25.
(2)
في (غ): وعليه.
(3)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 26 - 27.
(4)
في (ت): واسطة.
يتوقف
(1)
على حصول المحل ضرورة، وحصول المحل لا يتوقف عليهما.
قال النقشواني: وقول الإمام في الردّ عليهم البر لو لم يوجد فيه ذلك الحكم لم يمكن
(2)
تفريع الذرة عليه: ممنوع؛ لأنَّ المجتهد إذا تأمل حال البر والذّرة قبل ورود النّص بتحريم الربا في شيء منهما ووجدهما مشتركين في الطعم، وأنّهما مما يتوقف البقاء عليهما، وأنّ بيع بعضه ببعض متفاضلًا فيه مفسدة، فتلك المفسدة إن كانت موجبة
(3)
لربا الفضل وجب حرمة ربا الفضل فيهما، وإلا فلا؛ لعدم الفرق بينهما في هذا المعنى فقياسه قبل العلم بالنّص، وثبوت الحكم في أحدهما
(4)
.
(1)
في (ت): متوقف.
(2)
في (غ)، (ت): لم يكن.
(3)
في (غ): موجبًا.
(4)
وعبارة النقشواني في تلخيص المحصول لتهذيب الأصول تحقيق صالح الغنام: 2/ 773 - 774 "قوله [أي الإمام]: البر لو لم يوجد فيه ذلك الحكم وهو حرمة الربا لم يمكن تفريع حرمة الربا في الذرة عليه. قلنا: هذا ممنوع؛ لأنّ الفقيه إذا تأمل حال البر والذرة قبل ورود النص بتحريم الربا في شيء منهما، ووجدهما مشتركين في كونهما مطعومين، وأنهما مما يتوقف البقاء عليهما، وأن بيع بعضه ببعض متفاضلًا لا يخلو عن مفسدة، فتلك المفسدة إذا كانت موجبة لربا الفضل يجب حرمة ربا الفضل فيهما، وإن لم تكن محرمة فلا يحرم فيهما، إذ لا فرق بينهما في أحدهما، وكل واحد منهما كان أصلًا من وجه وفرعًا من وجه، بحسب تقديره للحكمين ونفيه، في أنهما قدر يقبل وجدان النص كل واحد من الصورتين صالح لأن يكون أصلًا، وبعد =
وقيل: وجد أن النّص كلّ واحدة من الصورتين صالحة لأنْ تكون أصلًا وبعده تسمى المنصوصة أصلًا؛ لأنَّ علمه بشمول هذا الحكم المعين إنما نشأ من حكم هذه الصورة بعينها فسميت أصلا بهذا الاعتبار.
قوله: لو وجد ذلك الحكم في صورة أخرى ولم يوجد في البر أمكن تفريع الذرة عليه ممنوع؛ لأنّه لو ورد الشرع بربوية الحديد لم يفرع الذّرة عليه لبعد الاشتراك في مناط الحكم.
قلت: والمنع الأول حسن وأما الثاني ففيه نظر؛ لأنَّ الصورة الأخرى التي فرض الإمام وجود الحكم فيها لا بد وأن تشارك الذرة في العلّة فإن فرضنا أنّ العلّة وصف يشمل الحديد والذّرة فلا نسلم بعد الاشتراك في مناط الحكم.
واعلم أنّ هذه أمور اصطلاحية لا طائل تحت المنازعة فيها
(1)
.
والذي نقوله: أنّ هناك أربعة أشياء: أحدهما: البر، والثاني: النّص الوارد بتحريم الربا فيه، والثالث: الحكم المستفاد من ذلك
= وجدان النص تسمى الصورة المنصوصة أَصْلًا؛ لأنّ علمه بشمول الحكم المعين إنما نشأ من حكم هذه الصورة بعينها، فسميت أصلًا بهذا الاعتبار. وأيضًا قوله: لو وجد ذلك لحكم في صورة أخرى، ولم يوجد في البر. أمكن تفريع حرمة الربا في الذرة عليه. ممنوع؛ لأن الشرع لو ورد بحرمة الربا في الحديد لا يمكن تفريع حرمة الذرة عليه لبعد الاشتراك في الخطاب القديم، فلا يرد ما ذكره من الاعتراض".
(1)
لكنه لا يخلو من فوائد جدلية.
النّص، والرابع: العلم به. والحكم في الذُّرة ليس متفرعًا عن البر من حيث هو بُرٌّ، وهذا
(1)
واضح ولا عن الحكم من حيث هو حكمٌ؛ لأنَّ تحريم الربا من حيث هو هو
(2)
شيء واحد، لا يختلف بالمحل، وإنّما إذا أخذ مضافًا إلى محله فيمكن أنْ يقال: إنّ الحكم في الذّرة متفرعٌ عن الحكم في البّر
(3)
، ويمكن أنْ يقال إنّ الذّرة
(4)
مع ثبوت الحكم فيها يتفرع عن البر مع ثبوت الحكم فيه.
فالفقهاء نظروا إلى هذا، والإمام نظر إلى الأوّل، وهما متقاربان، ونظر الفقهاء أقرب إلى الاصطلاح وأوفق لمجاري
(5)
الاستعمال بين
(6)
الجدليين
(7)
، ولقولنا القياس حمل معلوم على معلوم
(8)
والمحمول المحل لا
(1)
في (ص): وهذا هو.
(2)
(هو) ليس في (ت).
(3)
وفي (غ): عبارته هكذا (هو شيء واحد واضح ولا عن الحكم من حيث هو حكمٌ؛ لأنَّ تحريم الربا من حيث هو يقال إن الحكم في الذّرة متفرعٌ عن الحكم في البّر).
(4)
(متفرعٌ عن الحكم في البر. . . . أن يقال إن الذرة) ساقط من (ت).
(5)
في (غ): ووافق بمجاري.
(6)
في (غ): بمعنى.
(7)
الجدليون: هم من يمارسون علم الجدل، والجدل: هو عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجة أو شبهة، وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره. ينظر: الكليات: ص 353.
(8)
هذا تعريف القياس على طريقة القاضي أبي بكر الباقلاني وارتضاه المحققون كالآمدي وإمام الحرمين والإمام الرازي ومن وافقه كالبيضاوي قال الآمدي: "حمل معلوم على معلوم آخر في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما" ينظر: الإحكام: 3/ 266، والبرهان: 2/ 745، والمحصول: ج 2/ ق 2/ 9، وشرح المنهاج للأصفهاني: 2/ 634.
الحكم، ولقول من قال القياس
(1)
: ردُّ فرع إلى أصل لعلّة جامعة
(2)
، والفرع والأصل هما المعلومان المذكوران في الحدّ.
ولو قال قائل: إنّ المتفرع هو العلم بالحكم في الذّرة على العلم بالحكم في البر لكان أولى من قول الإمام
(3)
وليس مخالفًا لقول الفقهاء.
وبيان الأولوية: أنّ الحكم قديم
(4)
في الأصل، والفرع والنّص الوارد دال عليه، والعلم به هو الذي اقتضى تعديته من محل ورود النّص إلى الفرع وينبغي أنْ يحقق أنَّه هل يتعقل
(5)
تفرع حكم الذّرة على حكم البر، وهما قديمان أو لا يعقل بل هما سواء؟ والتفرع في علمنا، والأدّلة الدّالة على ذلك هذا موضع نظر يحتاج إلى زيادة فكر.
ثمّ
(6)
قال الإمام: وبعد التنبيه على هذه الاصطلاحات نساعد الفقهاء على مصطلحهم لئلا يفتقر إلى تغييره
(7)
، ثمّ إنّ المصنف لما بين الأركان الثلاثة على سبيل الإجمال تصدّى لتبيينها مفصلة فعقد لذلك فصلين.
(1)
(حمل معلوم على معلوم والمحمول المحل لا الحكم، ولقول من قال القياس) ساقط من (غ).
(2)
هذا تعريف أبي بكر الرازي الجصاص من الحنفية قال: "لا يكون القياس إلا بردّ فرع إلى أصل لمعنى يجمعهما". ينظر: الفصول في الأصول (أبواب الاجتهاد والقياس): ص 110.
(3)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 9.
(4)
(قديم) ليس في (ت).
(5)
في (ت): ينعقد.
(6)
(ثم) ليس في (غ).
(7)
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 28. وعبارته "واعلم: أنا بعد التنبيه على هذه الدقائق، نساعد الفقهاء على مصطلحهم وهو أنّ الأصل محل الوفاق والفرع محل الخلاف، لئلا نفتقر إلى تغيير مصطلحهم".
الفصل الأول: العلَّة