المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌وقال المتنخِّلَ -واسمه مالك بن عُوَيمرٍ بن - ديوان الهذليين - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌وقال المتنخِّلَ

- ‌شعر عبد منافِ بنِ رِبع

- ‌شعر صَخْر الغَيّ

- ‌وقال صَخْر

- ‌وقال يرثى ابنه تلِيدا

- ‌وقال يرثيه أيضاً

- ‌وقال صخر أيضا

- ‌وقال ابنُ عبدِ الله أخو صخر الغيّ

- ‌(وقال يذكر فرّته الّتى كان فَرَّها)

- ‌(وقال أيضًا)

- ‌(وقال أبو كبير أيضاً):

- ‌وقال أيضا

- ‌وقال أبو خِراش

- ‌وقال أبو خراش أيضًا

- ‌وقال أبو خراش يرثِى خالد بنَ زهير

- ‌وقال أبو خراش أيضا

- ‌وقال أيضاً

- ‌وقال أبو خِراش أيضا

- ‌وقال أيضاً

- ‌وقال أبو خراش أيضاً

- ‌وقال في ذلك مَعقِل بنُ خُوَيْلِد

- ‌وقال أبو خِراش يحرّض على بنى بكر

- ‌وقال أبو خِراش أيضا ويُروَى لتأبّط شَرّا

- ‌وقال أبو خراش أيضا

- ‌وقال أبو خِراش حين نهشتْه الأَفْعَى

- ‌وقال أُميّة بنُ أبى عائذ

- ‌وقال أميّة بن أبي عائذ أيضا

- ‌وقال أسامة بن الحارث

- ‌وقال أسامة بن الحارث أيضا

- ‌وقال أسامة بنُ الحارث لرجلٍ من قَيْسٍ هاجر في خلافة عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه

- ‌وقال أسامة بنُ الحارث

- ‌وقال ساعدة بين جُؤيّة

- ‌وقال أيضا

- ‌وقال ساعدة أيضا

- ‌‌‌وقال ساعدة أيضا

- ‌وقال ساعدة أيضا

- ‌شعر صخر الغيّ وأبى المثلَّم

- ‌فأجابه أبو المثلَّم

- ‌فأجابه صخر

- ‌فأجابه أبو المثلَّم

- ‌فأجابه صخر

- ‌فأجابه أبو المثلَّم أيضا

- ‌وقال أيضاً

- ‌وقال أيضا

- ‌وقال أيضا

- ‌فقال أبو المثلَّم يرثيه

- ‌وقال أبو العيال

- ‌وقال

- ‌ شعر بدر بن عامر وأبى العيال

- ‌فأجابه أبو العيال

- ‌فأجابه بدرُ بنُ عامر

- ‌فأجابه أبو العيال

- ‌فأجابه بدر بن عامر

- ‌فأجابه أبو العيال

- ‌فأجابه بدر بن عامر

- ‌فأجابه أبو العيال

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌وقال المتنخِّلَ -واسمه مالك بن عُوَيمرٍ بن

بسم الله الرحمن الرحيم

‌وقال المتنخِّلَ

-واسمه مالك بن عُوَيمرٍ بن عثمان بن سُوَيد بن خُنَيس بن خُناعة ابن عادية بن صَعْصَعة بن كعب بن طانجة بن لِحْيان بن هُذَيل بن مُدرِكة بن إلياس ابن مُضَر-:

هل تعرف المَنزلَ بالأَهْيَلِ

كالوَشْم في المِعصَم لم يَجمُلِ (1)

قال أبو سعيد: الأَهْيَل مكان. وقوله: "لم يجمل" يقول لم يُوشَم وَشما جاملا (2) أي لم يُجعَل جاملا جعلا ىلىا (3)، ومن قال: يَخمُل، أراد لم يَدْرُس.

وَحْشا تُعَفِّيه سَوافى الصَّبا

والصيفُ إلّا دمَنَ المَنزِل

السوافي: ما تَسْفِي الريحُ، أي ريح الصِّبا. والصبا أكثر في الشتاء. وأراد مطرَ الصّيف (4) فقال: والصيفُ؛ كما قالوا: ميِّت ومَيْت؛ ويقال: هيِّن وهَيْن،

(1) في الأصل: "لم يخمل" بالخاء، وهي وإن كانت رواية في البيت -كما سيأتي بعد- إلا أن سياق كلام الشارح يقتضي ما أثبتنا.

(2)

في لسان العرب (مادة جمل) نقلا عن اللحياني أنه يقال: أجمل إن كنت جاملا، فإذا ذهبوا إلى الحال قالوا: إنه لجميل.

(3)

كذا وردت هذه الكلمة في الأصل، وفيها تحريف لم نقف علي وجه الصواب فيه.

(4)

يريد الشارح بهذا التفسير أن الشاعر أراد الصيف بتشديد الياء فقال: الصيف في بتخفيفها إذ الصيف بالتشديد هو مطر الصيف، ومثّل لذلك بميت وميت بالتشديد والتخفيف.

(1 - 2)

ص: 1

وليّن ولَيْن، يثقَّل هذا ويخفَّف. وقوله: إلا دِمَنَ المنزل. يقول: إلا أنّ الدِّمْنة بقيتْ. والدِّمْنة: آثار الناس وما سَوَّدوا (1) بالرَّماد وغيرِ ذلك، فيقول: بقى آثارُ البول والبعر، وهي الدِّمَن؛ يقول: قد عفَت الريحُ آثارَ الناس وبقيتْ دِمَن المنزل.

فانْهَلَّ بالدمع شؤونى كأنّ

الدمع يَسْتبدر من مُنْخُل

يقال: إنّ معظم الدمع يجري من شؤون الرأس حتى يسيل من العينين، وهو (2) التلاؤم الذي بين العظام. وانهلّ: سال وانصبّ. ويَستبدر: يخرج من مُنخُل من سرعته.

أو شَنّةٍ يَنفَح من قَعرِها

عَطٌّ بكفَّي عَجِلٍ مُنْهِلِ

شَنّة: قِرْبة انشقّت. يَنفَح، يَنفَح الماءُ، والنَّفْح ليس بسَيَلان، ولكنّه مِثل نفحة السيف. ومنه قولهم: طعنةٌ نَفوح، تَدفع بالدم دَفعا، يَخرج كأنه ضَرْب خفيف؛ ويقال للشاة إذا مشت فخرج اللّبن من ضَرْعها: نَفوح. وإذا أخلق الجِلدُ قيل: صار شَنّة. وعَطٌّ: شَقٌّ. من قعرها، يقول: من أسفلها.

ومُنهِل: مُعطِش، أي إبِله عِطاش، أو يبادِر قوما عِطاشا.

تَعنُو بمَخْروتٍ له ناضحٌ (3)

ذو رَيِّقٍ يَغذو وذو شَلشَلِ

(1) في ب "وما سوّد".

(2)

وهو أي الشأن.

(3)

في رواية "له قاطر" مكان قوله: "له ناضح". وفي رواية "ذو رونق"، مكان قوله:"ذو رّيق" اللسان (مادة عنا).

ص: 2

تعنو بمخروت، أي تُخرِج به. والمخروت والمشقوق واحد. والخَرْت: الخَرْق.

ويَغذو: يسيل. قال: وإذا قيل كذا وكذا كأنه يهتر (1)، فهو يغذو؛ قال الشاعر:

أُبْذِى إذا بُوذيتُ من كلبٍ ذَكَر

أعقدَ (2) يغْذو بولهُ على الشجرْ

تعنو، يقول: عنتْ به، أي تسيل به وتُخرِج به. قال أبو سعيد: ومِثلُه قول ذي الرمّة:

ولم يَبقَ بالخَلْصاء ممّا عنت به

من الرّطب (3). . . . . . . .

والرَّيِّق: ناحية المطر وليس بمعظمه، فهذه المزادة يَخرج منها الماء قليلا قليلا مشلشَلا، متفرقا، وهو قوله: ذو شَلشَل، وتَخرج من ثُقْب آخر متصلا ممتدّا يهتر (1)، فَضَرب هذا الذي يَخرج من هذه المزادة مَثَلا لما يخرج من عينه من الدمع، كما قال الراجز (4):

* ما بال عيني كالشَّعيب (5) العَيِّن *

ويروى أيضا:

* ما بال عيني كالشَّعيب العيَّنِ *

ذلك ما دِينُك إذ جُنِّبتْ

أحمالهُا كالبُكُر المُبتِل

(1) كذا في الأصل. ولم نجد من معانيه ما يناسب السياق؛ ولعله يهتن بالنون في كلا الموضعين اللذين تحت هذا الرقم.

(2)

الأعقد من الكلاب: الملتوى الذنب.

(3)

في الأصل: "من اليبس" وهو خطأ من الناسخ صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة عنا) وديوان ذي الرمة المطبوع في أوربا، وبقية البيت: إلا يبسها وهجيرها. والخلصاء: بلد بالدهناء. وعنت الأرض بالنبات تعنو وتعنى: إذا أظهرته.

(4)

هو رؤبة بن العجاج.

(5)

الشعيب هي المزادة المشعوبة. والعين بتشديد الباء مكسورة ومفتوحة: السقاء الذي يسيل ماؤه.

ص: 3

دِينك، أي دأبك. إذ جُنِّبت أحمالُها: أخذتْ أحدَ الجانبين. والبُكُر: ما بَكَّر من النخل، والواحدة بَكور. والمُبتِل: الذي قد بان من أمّهاته (1)، والواحدة مُبتِلة.

يقول: كأنّ أظعان هذه المرأة نخلٌ قد بان منه فَسِيلُه (2). ومِثلُه قول الآخَر:

كأن أظعانَ مَيٍّ إذ رُفِعن لنا

بَواسقُ النخل مِن يَبرينَ أو هَجَرا

عِيُرٌ عليهنّ كِنانيّةٌ

جاريةٌ كالرَّشَإِ الأكحَل

الرشأ: الظبي الصغير. يقول: هي مثل الرشإ الأكحل في حسنه.

كالأَيم ذي الطُّرّة أو ناشيء الـ

ـبَرديِّ تحت الحَفَإِ (3) المُغْيِلِ

ناشيء البَرْدِيّ: صِغاره. والأَيْم: الحيّة الّتي لها مِثلُ الخُوصتين (4) في جنبها، يقال لها: ذو الطُّفْيتَين. والمُغْيِل: الذي في الغَيْل، وهو الماء السَّحُّ. والغِيل: الشجر أيضا، ففي أيّهما كان جاز. والغَيْل: الماء الّذى يجري بين ظَهرَي الشجر.

(1) كذا ورد هذا التفسير في كلتا النسختين للمبتل، وهو خطأ، فإنه يفيد أن المبتل هي الفسيلة. وليس كذلك، إذ المبتل أمها. قال في اللسان: المبتل هي النخلة يكون لها فسيلة قد انفردت واستغنت عن أمها، فيقال لتلك الفسيلة البتول. وقال ابن سيدة: البتول والبتيل والبتيلة من النخل. الفسيلة المنقطعة عن أمها المستغنية عنها، والمبتلة أمها، يستوى فيه الواحد والجمع؛ وأنشد بيت المتنخل هذا.

(2)

كذا في "ب" والذى في "أ""قد بان منه نخل فسيله" وفيه اضطراب ظاهر.

(3)

لم يذكر الشارح في شرح هذا البيت تفسير الحفأ، وهو البردي الأخضر ما دام في منبته، قاله في اللسان (مادة حفأ).

(4)

في كلتا النسختين: "الخصيتين"، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة طفى) فقد ورد فيه في تفسير ذي الطفيتين ما نصه: ذو الطفيتين حية لها خطان أسودان يشبّهان بالخوصتين.

وفي الحديث "اقتلوا الجان ذا الطفيتين والأبتر". قال الأصمعي: أراه. شبه الخطين اللذين على ظهره بخوصتين من خوص المقل.

ص: 4

تَنكَلُّ عن متِّسقٍ ظَلْمُه

في ثغرِه الإثمِدُ لم يُفلَلِ

تنكّل: تَضحك. ويقال: انكلّ انكِلالا، إذا تبسّم. عن متّسق، أي مستوٍ. والظَّلمْ: ماء الأسنان، يقال: ظَلمُه مطّرد بعضه في بعض، جميعٌ ليس فيه شيء دون شيء. في ثغره الإثمد، يقول: في أصوله سواد كالإثمد. لم يُفلَل: لم ينكسر ولم يَكْبَر، وهي أسنان من أسنان شباب لم يَطُل الأكلُ عليها ولم يكسرها حدّ الزمان.

قال: وتُغرَز اللِّثةُ بإبرة ثم تُسَفّ بالإثمِد فيها، وهو النَّؤور.

غُرِّ الثَّنايا كالأَقاحي إذا

نَوّر صُبحَ المطرِ المُنجَلِي

المنجلي: المنكشِف. يقول: قد انجلى المطرُ عنه وطلعتْ عليه الشمس وانقشع عنه الغَيْم. فيقول: كأنّ أسنان هذه المرأةِ أُقحُوان صبَّحه المطر. يقول: بعد ما قد غسل عنه المطرُ الترابَ. ومثله للذبيانيّ:

كالأُقحوان غداةَ غِبِّ سمائه

جَفّت أعاليه وأسفلُه ندِى

ومثله أيضا:

إذا أخذَتْ مِسواكَها صقَلتْ به

ثنايَا كنَوْر الأُقْحوُان المهطَّلِ

المهطّل: الذي مسّه الهَطْل، وهو الخفيف من المطر. ومثله:

ذُرا أُقْحُوانٍ راحَهُ الليلُ وارتقَى

إليه الندى من رامةَ المتروِّحُ (1)

(1) هذا البيت والبيتان الآتيان بعده لذي الرمة. وقوله ذرا أقحوان مفعول لقوله: "تجلو" في البيت السابق قبله وهو:

وتجلو بفرع من أراك كأنه

من العنبر الهندي والمسك يصبح

وفي الأصلين: "واجه الليل" وما أثبتناه عن ديوان ذي الرمة ص 83 طبع كمبريج.

ص: 5

ومثله أيضا.

تَبسَّمُ عن أحوَى اللِّثاتِ كأنّه

ذُرا أُقْحُوان مِن أَقاحي السَّوائفِ (1)

ومثله أيضا:

تَبسَّمَ لمحُ البَرْق عن متوضِّحٍ

كَلوْنِ الأَقاحِي شافَ ألوانَها القَطْرُ

شافَ، أي جلا.

هل هاجك الليلَ كليلٌ على

أسماءَ من ذي صُبُرٍ مُخْيِلِ

كليل: برق ضعيف لأنه يجيء من مكان بعيد. علي أسماء أي من نَحْو دار أسماء. مُخْيل، أي مُخِيل للمطر. مِن ذي صُبُر أي من سحابٍ ذي صُبُر، والصُبُر جمع صَبِير، والصَّبِير: الغيم الأبيض. والصَّبير جمعه صُبُر، مثل كثيف وكُثُف، وقضِيب وقُضُب. وقوله: مُخْيِل، أي سحاب ذو مُخِيلة للمطر.

أنشأَ في العَيقةِ يَرمي له

جُوفُ رَبابٍ وَرِهٍ مُثقَلِ

العَيْقة: ساحة من ساحات البر والبحر. والجُوف: العظام الكثيرة الأخذ، ويقال رجل أجوَف أي عظيم البطن. والوَرِه: المتساقِط، كأنّ به هَوَجا مِثلَ الإنسان، بقال: رجل أوْرَه وامرأة وَرْهاء. يقول: فهذا غَيْم هكذا يمضي متساقطا. وأنشأ: بدأ. ورَباب: سحاب.

فالتَطَّ بالبُرْقة، شُؤبوبُه

والرّعدُ حتى بُرْقة الأجوَل

(1) السوائف: رمال مستطيلة مشرفة. انظر ديوان ذي الرمة ص 379 طبع كمبريج.

ص: 6

يقول: التَّطَّ سُتِر. يقول: أَخذ السماءَ كلَّها ببرق وبرعد، حتي التَطَّ هذا السحابُ حتي لا ترى من السحاب (1) شيئا إلا كلّما برَقت بَرْقة، أي كأنه ستَر السماءَ بارقا وراعدا. وشُؤْبُوبُه، مَطْرةٌ ودَفْعة شديدة ليست بعريضة. وبُرْقة الأَجْوَل: موضع.

أسدَفُ منشَقٌّ عُراهُ فذو الـ

إِدماثِ ما كان كذي المَوْئلِ

الأَسَدف: الأسوَد. وقوله منشَقّ عُراه، يقول: كأنّ عُرا هذا السحابِ قد انشقّتْ من كثرة مائه؛ وعُراه: نواحيه. يقول: نواحي هذا السحاب انبعجتْ بالماء. وهذا مَثَل ضرَبَه من غُزره، وهو مِثل قول الشاعر:

* وَهتْ أعجازُ رَيِّقِه فحارا *

يقول: وهت بالماء. ويقال: غَزُر السحابُ الأسوَد. وهذا مثل قول امريء القيس بن حُجْر:

* أَلَّح عليها كلُّ أسودَ هَطّالِ *

قال أبو سعيد: وسمعتُ أعرابيّا يقول: إذا رأيتَ السحابةَ كأنّها بطنُ أَتانٍ قَمراءَ (2) فهي أغزر ما تكون. وقوله: فذو الإدماث ما كان كذي الموئل، الموئل: المَلجأ من هذا المطر. يقول: من كان بدَمِثٍ من الأرض ومن كان بنَجْوةٍ فهما سواء لا يُحرِزهما من هذا المطر شيء، قد علا هذا السيلُ على كلّ شيء. يقول: الذي صار في مَعقِل قد غشيه، وهذا مِثلُ قول أَوْس بن حَجَر:

(1) كذا في كلا الأصلين. ولعله "من السماء".

(2)

القمرة: بياض فيه كدرة. قاله في اللسان؛ ثم نقل بعد ذلك عن ابن قتيبة ما نصه: الأقمر الأبيض الشديد البياض، والأنثى قمراء. ويقال للسحاب الذي يشتدّ ضوءه لكثرة مائه: سحاب أقمر الخ.

ص: 7

فمَن بنجوَتِه كمن بمَجْفِله

والمستكِنّ كمن يمشي بِقرْواحِ (1)

والدَّمِث: المكان السهل الذي ليس بمرتفِع. والموئل: المَلجأ من هذا الغيث، وهو المرتفِع. يقول: صارا سواءً. يقول: ما كان من شيء حمار أو سَبعُ فهو كذي الموئل؛ يقول: إن الذي وَأَلَ واعتصَمَ بشيء من المطر مثل الذي في الدمث لا يُحرِز هذا مكانُه ولا يغني عنه شيء.

حارَ وعَقّت مُزْنَه الرِّيحُ وانـ

ـقارَ به العَرضُ ولم يُشمَلِ

حار: يريد تحيَّرَ وتَردّد. وعَقّت: شَقّت الريحُ سحابَه. وانقارَ، يقول: انقطعت منه قِطعةٌ من عَرضه، وهي لغةٌ لهم؛ ومنه قولهم: قَوَّر الأديمَ إذا قطعه. وقوله: ولم يُشمَل، أي لم تُصِبه شَمال فيذهبَ كلُّه. يقول: هو يُمطِر على حاله.

مستبدِرا يَزْعَب قُدّامَه

يَرمى بعُمِّ السَّمُر الأطوَل

قوله: يزعب، أي يمضي يتدافع؛ يقول: يمضي متدافعا. قدّامه أي أمامه.

ويزعب أيضا يَملأ. ويروى يَرْعَب. وواد مَرْعوب أي مملوء. والعُمّ: الطوال.

والعُمّ: مثل العميم (2). والسَّمُر: شجر طوال وله شوك صغار، يعني أن السيل قلَع الشجرَ ومضى به قُدُما، ومثله:

* يَكُبُّ علي الأذقان دَوْحَ الكَنَهبُلِ (3) *

(1) القرواح من الأرض: الفضاء البارز الذي لا يستره من السماء شيء.

(2)

يستفاد من كتب اللغة أن عما جمع عميم، وأصله عمم بضم العين والميم فخفف.

(3)

هذا الشطر لامريء القيس من معلّقته اللامية المشهورة. والكنهبل: شجر من الطلح قصير الشوك.

ص: 8

ظاهَرَ نَجْدا فتَرامَى به

منه تَوالِى ليلةٍ مُطفِل

ظاهَرَ نجدا، أي علا نجدا. وتَوالى ليلةٍ: مآخيرُ ليلة. ومطفِل، يقول: فيها نشأ الغيمُ وأَمطَر، أي هي حديثة عهد بماءٍ مِثلُ الحديثة العهد بالولد؛ ويقال: شاة مُطفِل إذا كانت حديثةَ العهد بالولادة.

للقُمْر من كلّ فَلًا نالَه

غَمغمةٌ يَقزَعن كالحنظلِ

القُمْر: الحمير. غَمغَمة: صوت. يَقْزَعْن: يمررن في السير مرا سريعا. والحنظلة إذا يبستْ طَفَت فوق الماء فمرّت في السيل مرّا سريعا. ويقال: مرَّ يقزَع ويَمصَع ويَهَزع ويَمزَع إذا مرّ مرّا سريعا. ويروى: "من كلّ فلًا نالَه". "ومن كلّ مَلًا" والملأ: المكان المستوى؛ فشبّه الحميرَ في كل مكان أصابه هذا المطر بالحنظل اليابس إذا مرّ فوق الماء يتدحرج. قال: ويقال فلاة وفلًا وفلَوات وفُلِي. والقَزْع والمَصْع والهَزْع والمَزْع: المرّ السريع، يقال للفرس: هو ممزَع إذا كان من عادته أن يمرّ مرا سريعا؛ قال الشاعر (1): "سَفْواء (2) مِمْزَع".

فأصبَح العِينُ رُكودا على الأَ

وْشازِ أن يَرسخن في المَوْحِلِ

(1) الشاعر هو طفيل الغنويّ كما في اللسان (مادة مزع).

(2)

كذا وردت هذه الكلمة في كلا الأصلين. والسفواء من الخيل: الخفيفة شعر الناصية، وليس بمحمود فيها، وهو مما تمدح به البغال. وصواب الرواية "جرداء" مكان "سفواء" فقد ورد هذا البيت في اللسان (مادة مزع) وهو:

وكل طموح الطرف شقاء شطبة

مقربة كبداء جرداء ممزع

ص: 9

العِين: البقر. ركودا أي قياما. والأوشاز والأنشاز: الأمكنة المرتفعة.

وقوله: أن يرسخن في الموحِل، أي يدخلن. يقول: أصبحن قد اعتصمن بتلك الأوشاز أن يَغرَقن في الموحِل. يروى: مَوْحَل ومَوْحِل.

كالسُّحُلِ البِيضِ جلا لونَها

سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ

السُّحُل: ثياب بيض، واحدها سَحْل. جلا لونها، يقول: جلا لونَ هذه الحمير (1) سحابةٌ، وكلّ سوداءَ من السحاب تسمَّى حَمَلا (2). والأسوَل: المسترخِي أسفل البطن، والاسم السَّوَل؛ وإنما هذا مَثَل. والنِّجاء مكسور الأوّل، وهو السحاب؛ (3) يقول: الحُمُر كالثياب البيض.

أَرْوَى بجِنّ العهدِ سَلمَى ولا

يُنصِبْكَ عهدُ المَلِقِ الحُوَّلِ

قال: دعا لها بالسُقيا أي سقاها الله هذا المطر (4) أوّلَ عهده (5)، تقول: فعل ذلك بجِنّ العهد أي بحِدْثانه. ويقال: خذ هذا الأمر بجِنّه وإبّانِه، أي خذه بأوّله. قوله:

(1) صوابه البقر مكان الحمير هنا. والحمر فيما يأتي بعد بذكره البقر قبل هذا البيت.

(2)

فسر في اللسان (مادّة حمل) الحمل بهذا المعنى الذي ذكره الشارح هنا، كما حكى في تفسيره أيضا أنه السحاب الكثير الماء؛ وقيل: إنه المطر الذي يكون بنوء الحمل.

(3)

ذكر في اللسان (مادة حمل) في تفسير النجاء بكسر النون أنه السحاب الذي نشأ في نوء الحمل. وقيل: النجاء السحاب الذي هراق ماءه، واحده نجو.

(4)

ورد هذا البيت في اللسان (مادة جن) أروى بفتح الهمزة والواو مبينا للمعلوم، وفسره فقال ما نصه: يريد الغيث الذي ذكره قبل هذا البيت. يقول: سقى هذا الغيث سلمى بحدثان نزوله من السحاب قبل تغيره؛ ثم نهى نفسه أن ينصبه حب من هو ملق. يقول: من كان ملقا ذا تحوّل فصرمك فلا ينصبك صرمه. اهـ

(5)

في كلتا النسختين "عهدها" بتأنيث الضمير؛ وسياق الكلام يقتضي ما أثبتنا.

ص: 10

بجِنّ العهد أي بحِدْثانه. يقول: سقاها الله بهذا لأنها تَثبت وتدوم. وقوله: لا يُنصِبْك، دعاء له. يقول لا تَعبَأنّ به ولا تحزن به. والحُوَّل: الكثير التحوّل.

ويُروَى المَذِق. والحُوَّل والمَذِق: الّذي في كلامه مَذَق وليس بخالص.

دَعْ عنك ذا الألْسِ ذميما إذا

أعرَضَ واستبدَلَ فاستبدِلِ

الأَلْس: الخيانة. وقد ألَس يألِس أَلْسا. وهي المؤالسة. ويقال في الكلام: ولا مؤالسَة ولا مدالَسة، فالمدالسة أن يجيء بالشيء مظلِما. والمؤالَسة: الخيانة وقال الشاعر (1):

* هم السمنُ بالسَّنُّوت (2) لَا ألْس فيهمُ *

يقول: لا خيانة. وذميم، أي مذموم. إذا أعرض، يقول: إذا أعرض عن الودّ.

واسل عن الحبّ بمضلوعةٍ

تابَعَها البارِى ولم يَعجَلِ

بمضلوعة، أي بقوس ضليعة، وهي الشديدة (3). وقوله: تابعها، أي تتَبَّع ما فيها.

وباريها هو الذي جعلها مطرورةً متتابعةَ العمل. ولم يعجل فيها، قام عليها قياما حسنا.

ويروى "بمبضوعة" أي بمقطوعة من شجرتها؛ وهذه الرواية أجوَد عند أبي العباس.

كالوقفِ لا وَقْرٌ (4) بها هَزْمُها

بالشِّرْع كالخَشْرَم ذي الأزْمَلِ

(1) الشاعر هو الحصين بن القعقاع، كما في اللسان (مادّة سنت).

(2)

السنوت: العسل. وفي رواية "بينهم" مكان "فيهم".

(3)

فسر في اللسان

(مادة ضلع) القوس المضلوعة بأنها التي في عودها عطف وتقويم وقد شاكل سائرها كبدها؛ وأنشد بيت المنتخل هذا.

(4)

الوقر: الصدع والثلم.

ص: 11

الَوقْف: الخَلخال والسِّوار. وهَزْمُها: صوتها. والشِّرْعة: الوَتَر، والجماع الشِّرَع.

والخَشرَم: النحل، أي الزنابير الكبار، ويسمَّى الدَّبْرَ أيضا. والأزمَل: الصوت.

من قَلبِ نَبْعٍ وبمنحوضةٍ

بيضٍ ولَيْنٍ ذَكَر مِقصَلٍ

من قلبِ نبع، أي من خالصِ نبع. وبمنحوضة، أي نَبل قد أُرهفتْ نِصالُها.

وليْن: لين. يقول: ليس بكَزّ.

منتخَب (1) اللُّبّ له ضربةٌ

خَدْباءُ كالعَطِّ من الِخذْعِلِ

منتخَب، أي منخوب اللُّب. يقول: ذهب عقلُه. يقول: كأنه ليس له عقل مِن مَرِّه لا يتماسك. والخدب: الاسترخاء (2)، وركوبٌ من الرجل (3) لرأسه، وهو مِثلُ الهوَج. والعَطّ: الشقّ. والخِذْعِل: المرأة الحمقاء. ويقال: رجل فيه خَدَب إذا كان يركب رأسَه. ويقال: هذه الحمقاءُ لا تداوِي الشَّق، تدعه كما هو.

أفلَطَها اللّيلُ بِعيرٍ فتسـ

ـعى ثوبُها مجتنِبُ المَعْدِل

أفلطها: فاجأها بِعير تَحمل بعضَ ما تحبّ هذه المرأة الرَّعْناء. وقوله: مجتنب المعدل، أي اجتنبت الطريقَ فمرّ ثوبُها بشجرة فشقّقتْه.

أبيضُ كالرَّجْعِ رَسوبٌ إذا

ما ثاخَ في محتفَل يَختلِى

(1) ضبط في اللسان (مادة خذعل) منتخب بكسر الخاء ولم يفسره؛ فلعل معناه أن هذا السيف ينتخب بضربته.

(2)

لعله: "الاستجراء".

(3)

في اللسان أنه يقال ضربة خدباء وطعنة خدباء، أي تهجم على الجوف؛ وقيل: واسعة.

ص: 12

الرجع: الغدير فيه ماء المطر. والمحتفَل: معظم الشيء. ومحتفَل الوادي: معظمه.

وثاخ وساخ واحد، أي غاب. يختلى: يَقطع. والرَّسوب: الّذي إذا وقع غَمُض مكانُه لسرعة قَطْعِه.

ذلك بَزِّي وسَليهمْ إذا

ما كَفتَ الحَيشُ عن الأرجُلِ

كَفَتَ: شَّمَر. والكَفْت: الرفع. ويقال: اِكفِتْ ثوبَك إليك أي ارفعه إليك. والحَيْش: الفزع نفسُه. ويقال: وقع في الناس كَفْت إذا وقع فيهم موت وقبض. ويقال: انكفِتْ في حاجتك، أي انقبِض فيها. ويقال: رجل كفيتُ الشدّ إذا كان سريعا. ويسمى بقيع الغَرْقَد كَفْتة، لأن الناس يُدفَنون فيه.

هل أُلحِقُ الطعنةَ بالضربة الـ

ـخَدْباءِ بالمطّرِد الِمقْصَلِ

الخدباء: أخَذَها من الأخدَب، وهو الأهوَج (1) المتساقط. والمقصل: القاطع.

ومن رَوَى (مِخْصَل) أي يقطع الخُصْلة من اللحم.

مما أقضِّي ومحَارُ الفتى

للضُّبْع والشَّيبة والمَقتَل

مَحارُ الفتى: مصيرُه ومرجعه. للضُّبع، إذا مات نبشتْه الضَّبعُ. يقول: فهو للموت أو للهَرَم أو للقتل. والضُبْع: جمع ضِباع.

إن يُمسِ نَشوانَ بمصروفةٍ

منها بِرِيٍّ وعلى مِرْجَلِ

بمصروفة، يعني بخمر شربَها صِرْفا علي لحم. قوله: بِرِيٍّ أي بِرِيٍّ من هذه الخمر.

وعلى مِرْجَل أي على لحم في قِدْر.

(1) قد سبق في الحاشية رقم 3 من صفحة 12 نقلا عن اللسان تفسير آخر للضربة الخدباء، فانظره.

ص: 13

لا تَقهِ الموتَ وقيّاتُه

خُطَّ له ذلك في المَحْبَلِ

ويُروى المَحبِل بالكسر، قال أبو سعيد: إن أراد حين حملتْ به أمّه فهو في وقت الحبل في المحبَل مفتوحة، وإن كان يريد الموتَ قال: المَحبِل بالكسر (1). قال: وهو الكتاب حيث تَحبِله المنيّة؛ والرواية بالفتح.

ليس لميْتٍ بوَصيلٍ وقد

علِّق فيه طَرَفُ المَوْصِل

يقول: ليس (2) الحيُّ بمتّصل بالميّت؛ يقول: الميّت قد انقطع، فذهبتْ منه مُواصَلتُه. وقد عُلِّق فيه السبب الّذي يصير به إلى ما صار الميّت؛ يقول: قد عُلِّق فيه الأجل، فهو يستوصِله إليه أي إلى الموت. يقول: هو اليوم حيّ. يريد أن يصيِّره إلى الموت، فكأنه متعلِّق به وإن كان قد فارقه. والوَصِيل: الذي بينه وبين صاحبه متّصَل. قال: والوَصول الّذي يصل وليس بينه وبين صاحبه صِلة، وأنشد أبو سعيد:

(1) في اللسان (مادة حبل) أن المحبل بالكسر موضع الحبل من الرحم، ثم ذكر بيت المتنخل هذا ورواه بكسر الباء في المحبل شاهدا على المعنى. ثم قال نقلا عن أبي منصور: أراد معنى حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما نطفة، ثم علقة كذلك، ثم مضغة كذلك، ثم يبعث الله الملك فيقول له: اُكتب رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد، فيختم له على ذلك" الخ.

(2)

ذكر في اللسان (مادة وصل) بعد أن أورد هذا البيت عدّة أقوال في تفسيره، فذكر عن ابن السكيت أنه دعاء لرجل، أي لا وصل هذا الحي بهذا الميت أي لا مات معه ولا وصل بالميت؛ ثم قال: وقد علق فيه طرف من الموت، أي سيموت ويتصل به. قال ابن سيده: والمعنى فيه عندي على غير الدعاء، إنما يريد ليسَ هو ما دام حيا بوصيل للميت، على أنه قد علق فيه طرف الموصل، أي أنه سيموت لا محالة فيتصل به وإن كان الآن حيا. وقال الباهلي: يقول بأن الميت فلا يواصله الحي، وقد علق في الحي السبب الذي بوصله إلى ما وصل إليه الميت.

ص: 14

* وليس لمَيْتٍ هالكٍ بوَصِيلِ (1) *

يدعو له بالبقاء أي لا جُعلتَ بمتّصِلٍ إلى الموتى.

أَوْدَى إذا انبتّتْ قُواه فلمْ

يَرْكَب إذا ساروا ولم ينَزِل

أودى: مات. إذا انبتّت قُواه، إذا انقطعتْ أسبابه.

(وقال أيضا)

لا دَرَّ دَرِّيَ إن أَطعمتُ نازِلَكُمْ

قِرْفَ الحَتِيِّ وعندى البُرُّ مكنوزُ

يقول: لا رُزقتُ الدَّرَّ، كأنه قال ذلك لنفسه كالهازئ. وقِرْف كلِّ شيء ما قُرِف يعني قِشَره. والذي يُقلعَ عنه يؤكل. والحَتيُّ: المُقْل (2)، وهو الدَّوْم.

لو أنه جاءني جَوْعانُ مهتلكٌ

من بُؤَّس الناسِ عنه الخيرُ محجوزُ

ويروى: "عنه الخيرُ تعجيز" قوله: مهتلِك أي يهتلك على الشيء لا يتمالك دونَه (3)؛ وتعجيز: تقصير. ومحجوز: حُجِز عنه، وسمعتُ "مِن جُوَّع الناسِ"، حِيل بينه وبينه فلا يَقدِر عليه. والرواية محجوز.

أَعيَا وقَصَّر لمّا فاته نِعَمٌ

يبادر الليلَ بالعَلياء مَحْفوزُ

(1) هذا عجز بيت للغنوي، وصدره:

* كملقى عقال أو كمهلك سالم *

ويروى "ولست" مكان قوله: "وليس" كما يروى "وليس لحي هالك" الخ.

(2)

فسر في اللسان الحتي بأنه سويق المقل؛ وقيل رديئه؛ وقيل يابسة.

(3)

فسر في اللسان (مادة هلك) المهتلك بأنه الذي لا هم له إلا أن يتضيفه الناس؛ يظل نهاره، فإذا جاء الليل أسرع إلى من يكفله خوف الهلاك لا يتمالك دونه.

ص: 15

قال: يقول: كان مع نِعَم ففاتتْه وأَعيا عنها. ويُحفَز: يُدْفَع من خَلْفِه؛ وكل مكان مرتفِع عَلْياء.

حتّى يجئَ وجِنُّ (1) الليل يوغِلُه

والشَّوْكُ في وَضَحِ الرِّجْلين مَرْكوزُ

يُوغله: يُدخله ويُقْدِمه إلى الناس. يقول: يُوغِله إليهم؛ ويقال: أَوْغَل في الأرض إذا أَبعَد. وجِنُّ الليل وجِنّانُه: ما أَلبَسَك (2) منه، وهو معظمه. ووَضَح الرجلين: بياضهما من أسفلهما.

قَد حال دون دَرِيسَيه (3) مؤوِّبةٌ

نِسْعٌ لها بعِضاه الأرضِ تهزيزُ

مؤوِّبة: ريح جاءت مع الليل. ونِسْع ومِسْع: اسم من أسماء الشِّمال.

والعِضاه: كلّ شجر له شوك.

كأنّما بين لحَييه ولَبَّتِه

مِن جُلْبة الجوع جيّارٌ وإِرزِيزُ

قال: يقال أصاب الناسَ جُلْبة أي أزمة. والجُلْبة: السنة الجَدِيبة. والجيّار: حَرٌّ يَخرج من الجوف. قال أبو سعيد: وأراد بجيّار جائرا، ولكنّه حوّل الهمزة؛ ويقال: إن للسّم جائرا أي حرارة في الجوف؛ وأنشد لوَعْلة الجَرْميّ:

* ينازِعني من ثُغْرة النحرِ جائرُ *

وهو حَرّ ووَهَج في صدره من الجوع والجَهد. والإرزيز: الشيء يغمِزه (4).

(1) في رواية: "وجنح الليل" انظر اللسان (مادة جنن).

(2)

الذي في اللسان (مادة جن) في تفسير جن الليل أنه شدّة ظلامه وادلهمامه.

(3)

الدريس: الثوب الخلق. انظر اللسان (مادة درس).

(4)

ذكر في اللسان (مادة رزز) في تفسير الإرزيز أنه الرعدة، وأنشد بيت المتنخل هذا. وذكر في (مادة جلب) أن الإرزيز في هذا البيت معناه الطعنة. كما نقل عن ابن برى في هذه المادة أيضا أنه الرعدة.

ص: 16

لَباتَ أُسوةَ حَجّاجٍ وإخوتِه

في جَهدنا أو له شِفٌّ وتمزيزُ

يقول: بات أُسوةً أي لو كان ضيفا (1)؛ ويقال كذا وكذا أَمَرُّ مِن كذا وكذا أي أفضل. والشَّفّ: الفَضْل؛ وبعضهم يجعل الشَّفّ النقصان، وهو ها هنا الفضل. وتمزِيز، أي له مِزّ فوق ذلك وفضل وقِرًى أفضل مما لغيره، كما تقول: فلان أمزّ مِن فلان، أي أقوى مِنه وأشد:

يا ليته كان حظّى مِن طعامكما

أَنِّي أَجَنَّ سوادِى عنكما الجِيز

الجِيز: شِقّ الوادي الذي أنت في غيره (2)؛ ويقال: نحن بهذه الجِيزة وفلان بالجِيزة الأخرى. قال أبو سعيد: وأهل الطائف يسمّون الشِّقّ الذي ليس فيه المسجد جِيزا.

إنّ الهوان فلا يَكذِبكما أحدٌ

كأنه في بياض الِجلد تحزِيز

يقال (3): إذا أهين الرجل فكأنما جِلدُه يُحَزّ، أي يجد وجعَه كما يجد وجعَ حزٍّ في جسدِه.

يا ليت شِعرى وهَمُّ المرءِ يُنصِبه

والمرء ليس له في العيش تحرِيز

يقول. ليس له حِرز من الموت. يُنصِبُه: يُشخصُه (4).

هل أجزِينّكما يوما بقَرضِكما

والقَرْض بالقرض مَجزِيٌّ ومَجْلوزُ

(1) يشير إلى أن قوله "لبات" جواب لقوله السابق "لو أنه جاءني جوعان" الخ.

(2)

هذا أحد تفسيرين فسر بهما الجيز في هذا البيت. وفسر أيضا بأنه القبر قاله ثعلب اللسان (مادة جيز).

(3)

صوابه "يقول".

(4)

الصواب تفسير "ينصبه" في هذا البيت بمعنى يتعبه، من النصب بالتحريك، وهو التعب.

ص: 17

يقول: هو مَجْلُوز به، أي مربوط به حتى يُجزَى (1) به ويقال: جَلَزَ على صَدْعِ قوسِه عَقَبةً، وجَلَزَ عِلْباءَ أعلى الرمح؛ وأنشد للشّمّاخ:

* وصفراءَ من نَبْعٍ عليها الجَلائزُ (2) *

وقال أيضا

عَرفتُ بأجدُثٍ فنِعافِ عرْقٍ

علاماتٍ كتَحْبير النِّماطِ

أَجْدُث ونِعاف عِرق، قال أبو سعيد: هي مواضعُ. والنِّماط جمع نَمَط كتحبير: كتنقيش.

كوَشْم المعْصَم المُغْتالِ عُلَّتْ

نَواشِرُه بوَشْمٍ مُستشاطِ

الوَشْم: أن يوشَم الذراع واللِّثة بالإبرة ثم يُحْشى نَؤُورا. فيقول: كأن آثارَ هذه الديار وَشْمٌ في مِعْصَمٍ مُغْتال، كما قال زهير:

ودارٍ لها بالرَّقْمَتَين كأنّها

مَراجِعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعْصَمِ

والمِعصَم: موضع السِّوار من الذراع. والمُغْتال: الممتلئ. ويقال: مِعْصَم غَيْلٌ ومُغال (3) ومُغْتال إذا كان رَيّانَ ممتلئا حَسَنا. ونَواشِرُه: عَصَبُه، وهو العصب الذي في باطن الذراع. عُلَّت، يقول: وُشِم مرّة بعد مرّة أخرى، وهذا مَثَل.

(1) قال في اللسان (مادة جلز) قرض مجلوز يجزى به مرة ولا يجزى به أخرى، وأنشد هذا البيت شاهدا على هذا المعنى.

(2)

هذا عجز بيت، وصدره:"مدل بزرق لا يداوى رميّها". وجلائز القوس: عقب تلوى عليها في مواضع؛ ولا تكون الجلائز إلا عن غير عيب في القوس.

(3)

لم نجد في كتب اللغة المغال بالمعنى الذي ذكره، وهو الساعد الريان الممتليء.

ص: 18

والنَّهَل: الشربة الأولى، والعَلَل: الشربة الثانية، فيقول: هذا المِعصَم لم يُوشَم وَشْما مُخْمَلا. ومستشاط: اُستُشِيط، أي صار في النواشر رفسا (1) كأنه غَضِبَ وحَمِيَ وهذا مَثَل، أي حُمِل على أن يستشيط، ويقال: ناقة مستشاطة إذا كانت سريعةَ السِّمَن.

وما أنت الغداةَ وذكرُ سَلْمَى

وأضحى الرأسُ منك إلى اشمِطاط

كأنّ على مَفارِقِه نَسِيلًا

مِن الكتّان يُنزَع بالمشاط

من الكتّان، يقول: مِثلَ ما يُسرَّح من الكتّان. يَنسِل منه أي يَخرج، وإنما أراد بياضا إلى صُفْرة.

فإِما تُعرِضينَ أُمَيْمَ عَنّي

ويَنزِعُكِ الوُشاةُ أُولو النِّباطِ

يَنْزِعُك: يَوَدُّونَكِ ويُقَرِّضُونِك (2). والنِّباط (3): الّذين يسَتنبِطون الأخبار ويستخرِجونها.

فحُورٍ قد لهوتُ بهنّ وَحْدِي

نَواعمَ في المُروطِ وفي الرِّياطِ

ويروى "لَهَوْتُ بهِنّ عينٍ" الحُورُ: الشديدة بياض الحَدَقة الشديدةُ سوادِها. والعِين: البقر الضخام (4). قال: وإنّما شَبَّه البقر (5) بالنساء.

(1) كذا ورد هذا اللفظ في كلا الأصلين؛ ولعله تصحيف صوابه "رقشا".

(2)

يقرّضونك، أي يمدحونك.

(3)

صوابه "وأولو النباط الذين" الخ إذ النباط جمع نبط بالتحريك وهو أوّل ما يظهر من ماء البئر.

(4)

كذا ورد هذا التفسير في الأصل. وفي كتب اللغة أن العين جمع عيناء وأعين، وهو من العين بالتحريك، وهو ضخامة العين وسعتها. ومنه قيل لبقر الوحش عين صفة غالبة.

(5)

يلاحظ أن في هذه العبارة تقديما وتأخيرا؛ والصواب "وإنما شبه النساء بالبقر".

ص: 19

لَهَوْتُ بهنّ إذ مَلَقِى مَليحٌ

وإذ أنا في المَخيلة والشَّطاطِ

مَلَقِى: لِين كلامي، وهو التملّق. وشَطاطُه: طوله قبل أن يَكبَر فيتقبَّضَ جلْدُه ويَحْدَوْدِبَ ظهرُه، ويدنوَ بعضُه من بعض. والشَّطاط: حُسن القوام. والمَخيلة: الخُيَلاء.

أَبِيتُ على مَعارىَ فاخِراتٍ

بهنّ مُلوَّبٌ كدَم العِباطِ

يقول: أَبِيتُ أتعلَّل بمَعارِيها، والواحدُ مَعْرَى (1)، وهو مِثلُ قولك: بتّ ليلتِي في اللهو، تريد على اللهو. والملوَّب. . . . . المَلاب (2). والعِباط: جماعةُ العَبيط، والعَبِيط: ما ذُبح أو نُحِر من غير مَرَض فدُمه صافٍ، وأنشد لأبي ذؤيب:

فتَخالَسَا نَفْسَيْهِما بنوافِذٍ

كنوافِذِ العُبُطِ الّتي لا تُرقَعُ

وأنشد:

من لم يمت عَبْطًا يمتْ هَرَما

الموت كأسٌ والمرء ذائقُها

يقال لهنّ من كَرَمٍ وحُسْنٍ

ظباءُ تَبالةَ (3) الأُدْمُ العَواطِي

العَواطي: اللّواتي يتناولن أطرافَ الشّجر، والواحدة عاطية، ومِن هذا قولهم: هو يَتعاطى كذا وكذا أي يتناول.

(1) فسر في اللسان (مادة عرى) المعارى هنا بأنها الفرش، وقيل: أجزاء الجسم، وقيل: ما لا بدّ للمرأة من كشفه كاليدين والرجلين والوجه. وفي اللسان "واضحات" مكان قوله "فاخرات".

(2)

صوابه: "الملطخ بالملاب" ففي العبارة نقص. والملاب من ضروب الطيب كالخلوق.

(3)

تبالة: بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن.

ص: 20

يُمشِّي بينَنا حانوتُ خَمْرٍ

من الخُرْس الصَّراصرة القطاطِ

يقول: يُمشِّي بيننا صاحبُ حانوتٍ مِن خمر. وقوله: من الخُرْس الصَّراصِرة يريد أَعجَمَ من نَبط الشام يقال لهم الصَّراصرة. والقِطاط: الجِعاد، والواحد قَطَط وهو أشدّ الجُعودة.

رَكُودٍ في الإناء لها حُمَيَّا

تَلَذُّ بأخذها الأيدِي السَّواطِي

رَكودٍ في الإناء، أي صافية ساكنة. وحُمَيّاها: سَوْرَتُها. والسَّواطي: التي تسطو إليها (1)، وهي المتناوِلة، والواحدة ساطِية.

مشعشَعة كعين الدِّيك ليست

إذا ذِيقَتْ من الخلّ الخِماطِ

المشعشعة: الّتي قد أُرِقَّ مَزْجُها، والخَمْطة: التي قد أَخذتْ ريحا ولم تستحكِم، لم تَبلغ الحُموضةَ بعد؛ ويقال: لبن خَمِيط وسَقِيط، فالسَّقِيط: الذي قد حَمُض وفَسَد، والخَمِيط: الذي قد أَخذ رِيحا ولم يَفْسُد، وأنشد لأبي ذؤيب:

. . . . . . . . ليست بخَمْطةٍ

ولا خَلّةٍ يَكوِى الشُّروبَ (2) شِهابُها

فلا والله نادَى الحيُّ ضَيْفي

هُدوءا بالمسَاءةِ والعِلاطِ

يقول: لا واللهِ لا ينادِي الحيُّ ضَيْفي بعد هُدوءٍ بالمَساءة. والعِلاط، يقال: عَلَطه بشّر أي تَرَكَ عليه مِثلَ عِلاط البعير (3)، وأنشد:

(1) عدّى "تسطو""بإلى" لأنه بمعنى تعطو، أي تتناول.

(2)

في رواية "الوجوه" مكان "الشروب".

(3)

علاط البعير: الوسم فيه.

ص: 21

لأعلِطنّ حَرْزَما بعَلْط

بِلِيته عند بُذوحِ (1) الشَّرْطِ

حَرْزَم رجل.

سأبْدَؤهمْ بمَشْمَعةٍ وأَثْنِي

بجُهْدِي مِن طَعامٍ أو بِساطِ

بمَشْمَعة أي بِمزاح ولعِب ومُضاحَكة؛ ويقال: امرأة شَموع أي ضَحوك ولَعوب، وأَثْنِي بأن أبْسُط لهم بِساطي وأُطْعِمَهم طعامي؛ وإنما سمى المُزاح مُزاحا لأنه أُزِيحَ عن الجِدّ.

إذا ما الحَرْجَف النَّكْبَاءُ تَرمى

بُيوتَ الحيِّ باِلوَرَق السِّقاطِ

الحَرْجَف: الريح الشديدة تَرمِي بوَرَق الشجر بيوتَ الحيّ. يقول: تُسقِط ورقَ الشجر على البيوت من شدّتها.

وأُعطِي غيرَ مَنْزورٍ تِلادي

إذا التَطّت لَدَى بَخَل لَطاطِ (2)

التَطَّتْ: سَتَرتْ. ومَنْزُور: أن يُسأَل ويُكَدَّ فلا يَخرج منه شيء.

وأَحفَظُ مَنصِبي وأصونُ عِرْضي

وبعض القوم ليس بذي حِياطِ

وأكسو الحُلّةَ الشَّوْكاءَ خِدْني

وبعضُ الخيرِ في حُزَنٍ وراطِ

(1) في اللسان (مادة علط) أن حرزما اسم بعير. والبذوح: الشقوق.

(2)

لم يذكر الشارح تفسير لطاط في هذا البيت، وهي السنة السائرة عن العطاء الحاجبة عنه كما في القاموس وشرحه، وأنشد هذا البيت.

ص: 22

الشَّوكاء: الجديدة. قال: وبعض الخير لا يخرج سهلا وأنا يخرج ما عندي سهلا. والوَرْطة: الموضع الذي يقع فيه الرجل فلا يقدر أن يخرج منه، وبعض الخير يكون في موضع إن طلبته لم تقدر عليه (1).

فهذا ثَمّ قد عَلِموا مكانِي

إذا قال الرقيب ألا يَعاطِ

يقول: إذا خاف ألاّ يدركهم حتّى يغشاه القومُ صاح وعَطْعَط. ويَعاط، من العَطْعَطة أي صوّت (2).

ووجهٍ قد طَرقتُ أُمَيْمَ صافٍ

أَسيلٍ غيرِ جَهْمٍ ذي حَطاطِ

يريد صافي البَشَرة. أَسِيل: سهل لم يَكثُر لحمُه حتى يتبثّر. والحَطاط: البَثْر (3).

وعاديةٍ وَزَعْتُ لها حَفيفٌ

حَفيفَ مُزبِّدِ الأعرافِ غاطِي

عادية: حاملة، قوم يَحمِلون في الحرب. وزَعْتُ: كَفَفْتُ. لها حفيف مِثلُ صوت السَّيْل له زَبَد وأَعراف. وغاطِي: مرتفِع. والأعراف: السيل إذا أَزبَد يُرَى له مِثلُ العُرْف.

تَمُدُّ له حَوالبُ مُشْعَلاتٌ

يجلِّلهن أقمرُ ذو انعِطاط

(1) لم يفسر الشارح الحزن في هذا البيت، وهي الجبال الغلاظ، الواحد حزنة بضم فسكون قال في اللسان وأنشد هذا البيت كما هنا، ورواه في (مادة شوك) "وبعض القوم"؛ ورواه ابن برى:

وأكسو الحلة الشوكاء خدني

إذا ضنت يد اللحز اللطاط

(2)

في اللسان (مادة يعط) أن يعاط كلمة ينذر بها الرقيب أهله إذا رأى جيشا؛ وأنشد بيت المتنخل هذا.

(3)

البثر، يريد البثر الذي يقيح ولا يقرّح.

ص: 23

يقول: هنّ متفرّقات يجئن من كلّ حَرّة ومن كلّ مكان. أقمر: سحاب أبيض.

قال: وإذا رأيتَ للغيث (1) حوالبَ من أمكنةٍ كأنّه بطن أَتانٍ قَمْراء فذلك الجَوْد.

وقوله: تُمَدّ له حَوالب أي هذا السيل. حَوالب: دوافع. مشعَلات: متفرّقات.

ذو انعِطاط: ذو انشقاق، ينعطّ بالماء، أي ينشقّ.

لَفَقْتُهمُ بمثلِهمُ فآبوا

بهم شَيْنٌ من الضَّرْب الخِلاط

الشَّين: آثارٌ تَبقَى قبيحةً. والخِلاط: المخالطة، أي خالَطَ بعضُه بعضا.

بضربٍ في الجَماجم ذي فُروغٍ

وطَعْنٍ مثل تَعْطيطِ الرِّهاطِ

الرِّهاط: أُزُرُ تُشقَّق تُجعَل (2) للصبيان، واحدها رَهْط، ويقال (3): الرَّهْط والحَوْف والوَثْر تتّخذه المرأة إذا حاضت؛ وأنشد:

جاريةٌ ذاتُ حِرٍ كالنَّوفِ (4)

مُلَمْلَمٍ تَستُره بحَوْفِ

والفَرْغ: ما بين عَرْقُوَتَي الدَّلْو، فشَبَّه هذا الضربَ حين يسيل دمُه بفَرْغ الدلو إذا انصبّ.

وماءٍ قد وردتُ أُمَيْمَ طامٍ

على أرجائه زَجَلُ الغَطاطِ

(1) كذا ورد هذا الكلام في الأصل. والذي في اللسان (مادة قمر) ويقال إذا رأيت السحابة كأنها بطن أتان قمراء فذلك الجود. وقد سبق مثل ذلك في تفسير قول المتنخل: "للقمر من كل فلا" الخ.

(2)

في كتب اللغة أن الرهاط تكون من جلد، وقيل تكون من جلد ومن صوف وأنها تشق سيورا.

(3)

كان المناسب التعبير بقوله: "قال"، أي الشارح المنقول عنه هذا الكلام، وهو أبو سعيد.

(4)

النوف: السنام.

ص: 24

قلت: القَطا ثلاثة أنواع: جَوْن وكُدْرِيّ وغَطاط. الطامي: الذي قد تُرك حتى طَمَا وعَلَا. وأرجاؤه: نواحيه. والزَّجَل: الصوت. والغَطاط: طير (1).

قليلٍ ورْدُه إلَاّ سِباعا

يَخِطن المَشيَ كالنَّبْل الِمراط

الوَخْط: الزَّجّ، وهو ضرب من المشي يَخِطُ فيه يَزُجُّ بنفسه زَجّا. والمِراط التي تَمَرّطَ رِيشُها. وقوله: يَخِطْن المشيَ، يقول: كأنّهن يَنْدُسْن بأيديهن (2) إذا مَشَين كما يَمدّ (3) الخيّاط بإبرته إذا خاط.

فبتُّ أُنَهْنِهُ السِّرْحانَ عنّي

كلانا واردٌ حَرّانَ ساطِي

ساطٍ: ذو سطوة إذا حَمَل. أُنَهْنِه. أَزْجُر: يقول: ساطٍ على صاحبِه.

والسِّرْحان: الذئب.

كأنّ وَغَى الخَمُوشِ بجانبِيه

وَغَى رَكْبٍ أُمَيْمَ ذوِي هِياط

الخَموش: البعوض. والهِياط: الصِّياح والمجادَلة؛ ويقال: فعلتُه بعد الهِياط والمِياط، أي بعد الجَلَبة والصوت. والوَغَى والوَعَى واحد، وهو الصوت في الحرب.

كأنّ مَزاحِفَ الحيّاتِ فيه

قُبَيْلَ الصُّبحِ آثارُ السِّياطِ

هذا بيت القصيدة، ما أحسنَ ما وَصَف!!.

(1) في حياة الحيوان أن هذا النوع من القطا غير الظهور والبطون والأبدان، سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف، لا تجتمع أسرابا، وأكثر ما تكون ثلاثا أو اثنتين.

(2)

ندس الأرض برجله أي ضربها. ويقال: ندسه بالرمح إذا طعنه به. وعبارة القاموس: "الندس الطعن وقد يكون بالرجل".

(3)

لعله "كما يندس".

ص: 25

شربتُ بجَمِّه وصَدرتُ عنه

وأبيضَ صارمٍ ذَكَرٍ إِباطِي (1)

جَمُّه: ما اجتمع في البئر من الماء. والجَمّة: معظم الماء. قوله: إباطي يقول: قد تأبّط هذا السيفَ.

كلَوْن الملْح ضَرْبتُه هَبِيرٌ

يُتِرُّ العَظْمَ سَقّاطٌ سُراطِي

هَبِير، أي يَهبر اللّحمَ، أي يقطعه. والهَبْرة: القطعة من اللحم، والِجماع هِبَر، يقال: أتانا بِهبَر من اللَّحم أي بِقطَع. يُتِرّ العَظْم، أي يطيّره. سَقّاط، يقول: يقطع الضريبةَ حتّى يَسقُط خلفَها. وسُراطِي: يَستَرط ما ضَرب واحدا واحدا. والهَبْر: أن يضربه ضربة فيقطعَ منه قطعة. وسُراطِي (2): يَسترِط كلَّ شيء. وقوله: يُتِرّ العَظْم، يقال ضربه فأَتَرّ يدَه، إذا طيّرها؛ وترّت هي. ويقال: السيف يَخضِم الجَزور ويَخضِم وسطَ الجزور.

به أَحمِي المُضافَ إذا دعاني

ونفسي ساعةَ الفزَعِ الفِلاطِ

المُضاف: المُلْجَأ. والفِلاط: الذي يأتيك فجأة.

وصفراءَ البُرايةِ فرعَ نَبْعٍ

كوَقْف العاجِ عاتِكةِ اللِّياطِ

ويُروَى: وصفراء البُراية غير خِلْط. والعاتكة: التي قَدُمتْ فاحمرّت. واللِّياط: القِشر الأعلى، ومنه لِيطة القصبة، لِيُطها قِشُرها الأعلى، وأنشد أبو سعيد "عُذافِرة

(1) قال ابن السيرافي في قوله: "إباطي" أصله إباطيّ بتشديد الياء، فخفف ياء النسب؛ وعلى هذا يكون صفة لصارم، وهو منسوب إلى الإبط اللسان (مادة أبط).

(2)

سراطى بتخفيف الياء أي سراطىّ بتشديدها، وخفف ياء النسبة هنا لمكان القافية، وهو على لفظ النسب، وليس بنسب. ويسترط كل شيء أي يلتهمه.

ص: 26

حُرّةُ اللِّيط (1) ". وقوله: غير خِلْط، يقال للقضيب إذا نبت على عِوج هو خِلط والقوس التي تَنبُت على عِوَج فهي على خطر لأنّها تُغمَز فتسترخي، ثم ترجع إلى حالها الأولى؛ ويقال للرجل إذا كان في خُلُقه عِوَج: هو خِلط من القوم. والبُراية: النُّحاتة.

شَنَقْتُ بها مَعابِلَ مُرهَفاتٍ

مُسالاتِ الأغِرّة كالقِراطِ

ويُروَى "قَرنتُ بها". شنقت: جَعلتُ النَّبْل في الوَتَر فشنقتُها كما تُشنَق الناقة. ويقال: ما زال شانقا ناقته، أي رافعا رأسها. ومرهَفات: مرقَّقات. وهي النِّصال. ومُسالات: مسنونات من التحديد ليس من الصّبّ. والغِراران: جَنبا النَّصْل، وهما حدّاه. والأغرّة: جمع غِرار، والغِرار: الحدّ. وقوله: كالقِراط، والواحد قُرْط، يعني قُرْط الأذن (2). قال: يقال قُرْط وقِراط وقِرَطة وأقراط؛ وإنما أراد أنها تَبرُق كما يبرق القُرْط.

كأوْبِ الدَّبْر غامضةٍ وليست

بمرهَفة النِّصال ولا سِلاطِ

قوله: كأَوْب الدَّبْر، أوبُه رَجْعُه. والدبر: النحل. والسِّلاط: الطوال (3)؛ يقول: كرجوع الدبر في خِفّته. وقوله: ليست بمرهَفة النِّصال، أي ليست برقاق تتكسّر.

(1) لم نجد البيت المشتمل على هذه الألفاظ الثلاثة فيما راجعناه من الكتب.

(2)

فسر في اللسان مادتي (قرط وشنق) القراط هنا بأنه شعلة السراج.

(3)

ذكر في اللسان أن واحد السلاط سليط، وهو السهم الطويل؛ وبعد أن أنشد هذا البيت قال في تفسيره ما نصه: قوله كاوب الدبر يعني النصال.

ومعنى غامضة أي ألطف حدّها حتى غمض أي ليست بمرهفات الخلقة، بل هي مرهفات الحدّ.

ص: 27

خَواظٍ في الجَفِير مخوَّياتٍ

كُسِين ظُهارَ أصحرَ كالِخياط

لا يعرفه الزِّياديّ ولا الرِّياشيّ. قال أبو العباس: رواه أبو عمرو الشَّيبانيّ. الخِياط: زِقُّ زيت أي كأنّه وِعاءٌ للزيت (1)، فربّما شُقّ فَجُعل مِثلَ القَروِ (2)؛ وأنشدنا:

* وصاحب القَرْوِ من الخِياطِ *

ومَرْقَبةٍ نَمَيتُ إلي ذُراها

تُزِلّ دَوارجَ الحَجَل القَواطي

مرقبة: موضع يُرْبأ فيه ويُرقَب. نميتُ: علوتُ وارتفعتُ إلى أعاليها.

والقَواطِي: اللّواتي يقاربن الخَطو، يقال: قطا يقطو إذا قارب المشيَ.

وخَرْقٍ تَحسِر الرُّكْبانُ فيه

بعَيدِ الغَوْلِ أغبَر ذِي نِياط

خَرْق: فلاة بعيدة واسعة. والغَوْل: البُعد؛ يقال: هوّن الله عليك غَوْل الأرض، أي بُعدَها. تَحسِر، أي تَكِلّ رِكابُهم وتسَقط من الإعياء. قوله: ذي نِياط، أي بعيد، يقول: هو من بُعدِه كأنّه قد عُلِّق ببلد آخرَ أي وُصِل به. أغبر: عليه هَبْوَة:

كأنّ على صَحاصِحِه مُلاءً

منشَّرةً نُزِعنَ مِن الِخياط

(1) لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا الخياط بهذا المعنى الذي ذكره الشارح هنا. والذي وجدناه أن الخياط ما يخاط به، ولم يفسر الشارح بقية ألفاظ البيت. والخواظي: الغلاظ والصلاب. والظهار: الريش: وقيل: الظهار من ريش السهم ما جعل من ظهر عسيب الريشة، وهو الشق الأقصر، وهو أجود الريش، الواحد ظهر. والأصحر قريب من الأصهب. وقيل: هو الذي في لونه غبرة في حمرة خفيفة إلى بياض قليل. يريد ريش طائر أصحر. ولم نجد لقوله: "مخوّيات" معنى يناسب سياق البيت فيما راجعناه من كتب اللغة.

(2)

لم نجد من معاني القرو معنى يناسب السياق، فلعله الفرو بالفاء الموحدة.

ص: 28

الصَّحاصح: ما استوى من الأرض؛ يقال: مكان صَحصاح وصَحصَحان: إذا كان مستوِيا. مُلاء: مَلاحف. نُزِعن من الِخياط، أي من الخياطة. شبّه السّرابَ بالملاحف البِيض إذا جرى من شدة الحرّ.

أَجَزْتُ بفِتيةٍ بِيضٍ خِفافٍ

كأنّهمُ تَمَلُّهمُ سَباطِ

أجَزْتُ وجُزْتُ: واحد. وسَباط: الحمّى، وإنمّا سمّيت سَباطِ لأنّ الإنسان يُسبَط فيها، أي يتمدّد إذا أخذتْه ويسترخى.

وقال يرثي أباه عُوَيْمِرا

لَعَمْرُكَ ما إن أبو مالِكٍ

بِوانٍ ولا بضعيفٍ قُواهْ

ويُروَى "بواهٍ ولا بضعيف" وهو الأجوَد عند أبي العبّاس.

ولا بألدّ له نازِعٌ

يغارِي أخاه إذا ما نهَاهْ

ألدّ: شديد الخُصومة. له نازعٌ من نفسه، وكأنّه يقول: إذا كان له صديق فلا يُغارِيه ولا يشارُّه؛ يقول: ليس له خُلُق يَنزِعه، أي طبيعة سوء (1). يُغارِيه (2)

(1) عبارة خزانة الأدب ج 2 ص 336 نقلا عن السكري في تفسير قوله: "له نازع" أي خلق سوء ينزعه من نفسه، من نزعت الشيء من مكانه، قال: ويجوز أن يكون من قولهم: "لعل له عرقا نزع" أي مال بالشبه ثم قال: وهذا عندي أولى.

(2)

في الأصول "يغارّه"؛ بغير ياء. ولم نجده بالمعنى الذي ذكره فيما راجعناه من كتب اللغة وما أثبتناه عن اللسان (مادة غرا).

ص: 29

ويشارُّه ويُلاحيه. ويقال للرجل: هو يُغارِيه إذا جعل يماريه ويَعلِق به ولا يكاد يُفلِت منه. "قال: ومِثلُه قول الآخر:

ذَرِيني فلا أَعياَ بما حَلّ ساحتي

أَسودُ فأَكْفِي أو أُطيع المسوَّدا (1) "

ولكنّه هَيِّنٌ لَيِّنٌ

كعاليةِ الرُّمحِ عَرْدٌ نَساهْ

عَرْد نَساه، يقول: شديدة ساقُه.

إذا سُدْتَه سُدْتَ مِطواعةً

ومهما وَكَلْتَ إليه كَفاهْ

إذا سُدْتَه، يقول: إذا كنتَ فوقه أطاعك ولم يَحسُدك؛ وقال آخَرون: المُساوَدة: المُشارّة، ولا نراه كذا، وأنشد:

* وإنْ قومُكمْ سادوا فلا تَحسُدونهمْ *

ألا من ينادى أبا مالِكٍ

أفي أمرِنا أمرُه أم سِواهْ

يقول: يا ليت شعري من ينادي أبا مالك، وهل يسمعنّ أبو مالك بمنادٍ، وهذا على الجاري، كقولك: يا فلان أتدري ما نحن فيه. أفي أمرنا، يقول: تصير إلينا أم تذهب فتصير إلى سوانا. ألا من ينادي أبا مالك: ألا من يندب أبا مالك لنا.

أبو مالِكٍ قاصرٌ فَقْرَه

على نفسِه ومشِيعٌ غناهْ

(1) كذا ورد هذا البيت في كلا الأصلين في هذا الموضع. والصواب وضعه في شرح البيت الرابع من هذه القصيدة، إذ هو بمعناه.

ص: 30

وقال أيضا

لا يَنْسَإِ اللهُ منّا معشرا شَهدوا

يوم الأُمَيْلِحِ لا غابوا ولا جَرَحوا (1)

لا ينسأ، قال أبو سعيد: يريد لا يؤخِّر الله آجالَهم، عجّل الله موتَهم وفناءهم؛ ومثلُه قوله:"عَرَفَتْني نَسَأَها (2) الله أي أخّرها الله".

كانوا نَعائمَ حَفّانٍ منفَّرةً

مُعْطَ الحُلوقِ إذا ما أدرِكوا طَفَحوا

يقول: طاروا كما تطير التعائم. وطَفَحوا: عَلَوا وذهبوا في الأرض، أي عَدوْا؛ ويقال: طَفَح يطفَح طَفْحا إذا تباعد واتسع. ويقال: تركتُ النهر يَطفَح أي ممتلئا قد اتّسع في الأرض. وقال ابن أحمد: طَفّاحة الرِّجلين، أي واسعة الخَطْو. وقوله: كانوا نعائمَ حَفّان، وحَفّانه: صِغاره، أي صِغار النَّعام.

لا غَيَّبوا شِلْوَ حَجاّجٍ وشَهِدوا

جَمَّ القتالِ فلا تَساءَلْ بما افتَضَحوا

جَمّ القِتال وجَمّ كل شيء: معظمه. وشِلْو كلّ شيء: بقيتّه.

عَقُّوا بسهمٍ فلم يشعر به أحدٌ

ثم استفاءوا وقالوا حَبّذا الوَضَحُ

عَقُّوا بسهم أي رَموا به في السماء (3). وقالوا حَبّذا الوَضَح؛ حبّذا اللَّبَن نرَجِع اليه. واستفاءوا: رجعوا.

(1) في خزانة الأدب ج 2 ص 137 "لا عاشوا ولا مرحوا".

(2)

لم نجد هذه العبارة فيما راجعناه من الكتب.

(3)

في خزانة الأدب ج 2 ص 137 أن التعقية سهم الاعتذار وأصل هذا أن يقتل الرجل رجلا من قبيلته فيطلب الرجل بدمه، فتجتمع جماعة من الرؤساء إلى أولياء المقتول بدية مكملة، ويسألونهم العفو وقبول الدية، فإن كان أولياؤه ذوي قوى أبوا ذلك، وإلا قالو لهم: بيننا وبين خالقنا علامة للأمر والنهي، فيقول الآخرون: ما علامتكم؟ فيقولون: أن نأخذ سهما فترمى به نحو السماء، فإن رجع إلينا مضرجا بالدم فقد نهينا من أخذ الدية، وإن رجع كما صعد فقد أمرنا بأخذها وحينئذ مسحوا لحاهم وصالحوا على الدية، وكان مسح اللحية علامة على الصلح الخ ما ذكر.

ص: 31

لكن كبيرُ بنُ هِندٍ (1) يومَ ذلكِمُ

فُتْخُ الشّمائل في أَيمانِهمْ رَوَحُ

الفَتَح: لِينُ في المَفاصل. وقوله: رَوَح، يقول يَضِربون ضَرْبا يُميلون الكفّ (2). وُفُتْحُ الشَّمائل: تَبْسُطها للرّمى (3).

تعلو السيوفُ بأيديهم جَماجِمَهمْ

كما يفلَّق مَروُ الأَمْعَزِ الصَّرَحُ

الصَّرَح: الخالص. والأمعَز: المكان الكثير الحَصَى الغليظ. والمَعْزاء مثلهُ. ومن قال: مَعْزاء قال مُعْز؛ ومن قال: أَمعَز قال أَماعِز.

لا يُسلمِون قَريحًا كانْ وَسْطَهمُ

يوم اللِّقاء ولا يُشْوُونَ مَن قَرَحوا

قريحا، أي جريحا. كان وَسْطَهم يوم اللقاء ولا يُسْوُون من قَرَحوا، يقول: لا يَجْرَحونه جُرْحا لا يَقتل. يقال: أَشْواه إذا لم يُصِب مَقْتَلَه، وشَواه إذا أصاب (4) منه المَقتَل. والشَّوَى: القوائم. ويقال: كلّ شئ من الأمر شَوًى ما لم يكن كذا وكذا أي هيّن. والشَّوِىّ: الشاء.

كأنّهمْ بجُنُوبِ المَبْرَكَين ضُحًى

ضأْنٌ تجزَّر في آباطِها الوَذَحُ

ويروى تُجزَّز أي يَجُزّونه عنها بالجَلَم. والوَذَح: ما تَعلَّق بأذنابها شِبهَ أبْعار الإبل وأعظمَ من ذلك وأصغرَ من ذلك من أبوالِها وترابِ الأرض؛ يقول: كأن أعداءهم في أيديهم ضأنُ هذه صفتُها. والذي يَتعلّق في أذناب الإبل يقال له العَبَس.

(1) كبير بن هند: حيّ من هذيل، كما في اللسان (مادة روح).

(2)

ذكر في اللسان (مادة روح) أن الروح بالتحريك في هذا البيت: السعة لشدّة ضربها بالسف.

(3)

عبارة اللسان "يريد أن شمائلهم تنفتح لشدة النزع".

(4)

صوابه (إذا أخطأ) فقد ورد في اللسان (مادة شوى) أن الشوى إخطاء المقتل.

ص: 32

وقال يَرثى أُثَيْلةَ ابنَه

ما بالُ عينِك تبكى دمعُها خَضِلُ

كما وَهَى سَرِبُ الأَخراتِ منبزِلُ

ويُروَى الأخراب. السَّرِب: السائل يكون فيه وَهْيٌ فيَنسرب الماء منه. والأخرات، جع خَرْت: وهو الثُّقْب؛ ومن قال: الأخراب فأراد العُرَى واحدتها خُرْبة. "والُعروة خُرَزٌ حولها يقال لها الكُلْيَة (1) " والخُرْبة: العروة، ومن قال: الأخرات فكل خَرْت خَرْق: وهو مَثل. يقول: مبتلّة، تَبُلّ كلَّ شيء من كثرة دموعها.

لا تَفْتَأُ الدهرَ مِن سَحٍّ بأربعةٍ

كأنّ إنسانَها بالصاب مكتحِلُ

يقول: لا تنفكّ الدهرَ تبكى. والصاب: شجرة إذا ذُبحتْ يخرج منها لبن إذا أصاب شيئاً أحرقه، وإذا أَصاب العينَ سُلِقتْ وانَهمَلتْ.

تَبكيِ على رَجُل لم تَبْلَ جِدَّتُه

خَلَّى عليكَ فِحاجا بينها سُبُلُ

لم تَبْلَ جِدّته: لم يُستَمْتَع به، مات شابا، يقول: لم يُتَملَّ به. فجاجا بينها سُبُل. يقول: كان يسدّ عنك كل مَسَدّ من المكروه، فلما مات خلّى عليك فجاجا بينها سُبُل سُلِك عليها من الشرّ. قال: إذا أردتَ أن تَعبُرَ أتيتَ ذلك به. يقول: خَلَّى عليك طُرُقا لم تسدَّ ثُلَمُها.

فقد عجبتُ وما بالدهر من عَجَبٍ

أنَّى قُتِاتَ وأنت الحازمُ البَطَلُ

(1) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل. وهي مضطربة الألفاظ مستبهمة الغرض. والذي وجدناه في كتب اللغة في تفسير الكلية أنها مستديرة مشدودة العروة، قد خروت مع الأديم تحت عروة المزادة. وفي عبارة أخرى أنها الرقعة التي تحت عروة الإداوة.

ص: 33

يقول: وما بالموت من عجب أنَّى قُتِلّت. يقول: كيف قُتِلتَ وأنت شجاع بَطَل.

ويْلُمِّه رَجُلا تأبى به غَبَنًا (1)

إذا تجرّد لا خالٌ ولا بَخَلُ

ويْلُمِّه رجلا: كلمة يُتعجَّب بها، ولا يراد بها الدعاءُ عليه، لا خالٌ ولا بَخَلُ أي لا مَخيلة فيه، أي لاخُيَلاءَ فيه. ولا بَخَل أي لا بُخْل، يقال: بخيل بين البُخْل والبَخَل.

السالكُ الثُّغْرةَ اليَقْظَانَ كالِئُها

مَشْىَ الهَلوكِ عليها الخَيْعَلُ الفُضُلُ

الثُّغْرة والثَّغر، واحد، وهو موضع المخافة ومكان الخوف. والهَلُوك: التي تهالَكُ

وهي الغَنِجة المتكسِّرَة تَهالَكُ وتَغزَّل وتَساقَطُ. والخَيْعَل: دِرع يخاط أحدُ شِقّيه

ويُترَكَ الآخَر. والفُضُل: التي ليس في درعها إزار بمنزلة لِحاف. والخَيْعَل:

ثوب. والفُضُل: امرأة (2)، ولكنّه على الِجوار، على حدّ قولهم: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ.

والتاركُ القِرْنَ مصفرّا أنامِلهُ

كأنه من عُقارِ قهوةٍ ثِمَلُ

مصفرّا أناملُه، يقول: نُزِف دمُه، حتى ذهب دمه. واصفرّت أناملهُ وعاد كأنّه سَكْرانُ.

مُجدَّلا يَتلقّى جلِدُه دَمَه

كما يُقطَّر جِذعُ النخلة القُطُلُ

ويُروَى جذع الدَّوْمة. يقول: يسيل دمُه على جلده. والِجلْد: بشرته.

ويقطَّر: يُصَرع. ويقال: عُود قُطُل، أي مقطوع. يقول: فينجدل كما ينجدل الجِذع إذا قُطع. والدَّوْمة: نخلة المُقْل. قال: ويقال قطَلهَ يَقطِلةُ قَطْلا.

(1) الغبن بالتحريك: ضعف الرأي. وتأبى به غبنا أي تأبى أن تلحق به ضعفا في رأيه وتصفه به.

(2)

في كتب اللغة أن الفضل المرأة في ثوب واحد.

ص: 34

ليس بعَلٍّ كبيرٍ لا شَبابَ به

لكنْ أُثَيْلةُ صافى الوجهِ مُقْتَبَلُ

العَلّ: الصغير الجسم. الكبير: المُسنّ. ويقال للقُراد أيضًا: عَلّ. وأنشَدَنا:

* ولو ظَلَّ في أوصالِه العَلّ يَرتقِي * (1)

والعَلّ: القُراد ها هنا. مقتبَل: مستأنَف الشباب.

يجيبُ بعد الكَرَى لَبّيك داعيَه

مِجْذامةٌ لِهواه قُلْقلٌ وَقِل

ويُروَى وَقُل. ويُروَى عَجِل وعَجُل. يجيب بَعد الكَرى، يقول: إذا دعاه داع بعد نومه قال له: لَبَّيك. والمجذامة: الذي يقطع هواه. والجَذْم: القَطْع. يقول: يَقطع هواه إذا كان فيه غَيّ. والقُلْقُل: الخفيف. والوَقِل: الجيّد التوقُّل (2).

حُلْوٌ ومُرٌّ كعَطْفِ القِدحِ مرّتهُ

بكلّ إنْي حَذاه اللّيلُ ينَتعِلُ

كعَطْف القِدْح، يريد طُوِىَ كما يُطوَى القِدْح. ومرّته: فَتْلَتهُ. ويَنتعل: يسرى في كّل ساعة من الليل من هدايته، وإنْيٌ: واحد الآناء، وهي الساعات ومن ذلك:(ومِنْ آناءِ اللَّيلِ).

فاذهب فأيُّ فتًى في الناس أحرَزَه

من حَتْفه ظُلَمٌ دُعْجٌ ولا جَبَلُ

(1) ورد هذا الشطر في الأصل هكذا:

* ولو ظل العل يرتقى *

وفيه نقص ظاهر، وقد أثبتناه هكذا نقلا عما يأتي بعد في هذه النسخة؛ فقد ورد هذاالشطر في موضع آخر منها مكررا عند شرح بيت عبد مناف بن ربع * صابوا بستة أبيات وأربعة * الخ ص 40 س 9.

(2)

التوقّل: التصعيد في الجبل.

ص: 35

يقول: لا تُحرزه الظُّلَم ولا الجبل، لا تُحرِزه من (1) حَتْفِه.

ولا السِّما كان إن يَستَعْلِ بينهما

يَطرْ بخُطّةِ يومٍ شَرُّه أصِلُ

يقول: لا يُحرِزه السِّما كان أيضًا من حَتْفه. يقول: يصير حظُّ ذلك اليوم له. والأصِل: ذو الأَصْل. يقال: جَدَعه الله جَدْعا أَصِلا أي مستأصِلا. يقول: إن صار بين السِّماكين أتاه الموت. والأصل: الشديد الاستئصال. ويقال: طار فلان بخيْر ذلك الأمر، أي صار ذلك له.

ولا نَعامٌ بَجوٍّ يَسْتَرِيدُ به

ولا حِمارٌ ولا ظَبيٌ ولا وَعِلُ

قوله: يستريد به، أي يَرُودُ به يجيء ويَذهب، أي يجول فيه؛ ويستريد يسَتفعِل مِن يَرود. وجَوّ: واد. وكلّ بطن واد داخلَ الأرض فهو جَوّ.

أَوفَى يَبيتُ على أقذاف شاهِقةٍ

جَلْسٍ يَزِلّ بها الخُطّاف والحَجَلُ

الأقذاف: جمع قُذُف. والقُذُف: الناحية من الجبل. جَلْس: نَجْد.

وكل مُشِرف ومرتفِع جَلْس، وأنشَدَنا أبو سعيد:

إذا ما جلسْنا لا تَزال تزورنا

سُليمٌ لدى أبياتنا وهَوازنُ

أي أتينا نَجْدا.

فلوُ قُتِلتَ ورِجْلي غيرُ كارِهةِ الـ

إِدلاجِ فيها قَبِيضُ الشَّدّ والنَّسَلُ

يقال: عدوّ قَبيض، أي شديد. والنَّسَل: من نَسلان الذئب، وهو ضرب من المشي نحو الهَدَج، يقول لو قُتلتَ ورجْلي صحيحة فيها ما أنقبض به في حاجتي لفعلتُ.

(1) لم يفسر للشارح الدعج في هذا البيت، وهي الشديدة السواد.

ص: 36

إذًا لأَعملتُ نفسى في غَزاتِهِمُ

أو لَابتعثْتُ به نَوْحًا له زَجَلُ

الزَّجَل: شدّة الصوت. "له نَوْحا"(1) أي تَنُوح عليه. قاد: والنَّوْح الجماعة من النساء يقال لهنّ نَوْح.

أقول لمّا أتانِي النّاعِيانِ بهِ

لا يَبْعَدِ الرمح ذو النَّصلَين والرَّجُلُ

قوله: ذو النّصلين أي ذو الزُّجّ والنَّصْل، وهذا مَثَل معناه لا يبعَدْ فلانُ وسلاحُه.

رمْحٌ لنا كان لم يُفلَلْ نَنوءُ (2) به

تُوفَى به الحربُ والعَزّاءُ والجُلَلُ

قوله: تُوفَى به، رجَعَ إلى الرجل فقال: كان سلاحا لنا تُعلىَ به أي تُقهَر به الحرب إذا كان فيها؛ ويقال: أوفَى على الجبل إذا علا على الجبل؛ وأَوفَى على السطح إذا علا عليه. والعَزّاء: الشِّدْة. والجُلَل، والواحدة جُلّى، وهي العظيم من الأمر.

رَبّاءُ شَمّاءُ لا يأوِى لقُلّتِها

إلَاّ السحاب وإلّا الأَوْبُ والسَّبَلُ

ورَوَى أبو عمرو:

. . . . . . . . لا يدنو لقُلّتها

إلا العُقابُ وإلّا الأَوْبُ والسَّبَلُ

رَبّاء: يُرْبَأ فوقها، يقول: لا يدنو لقُلَّتها، أي لرأسها، أي لا يعلو هذه الهَضْبة من طولها إلَاّ السحاب. والأَوْب: رجوع النَّحْل. والسَّبَل: القَطْر حين يسيل.

(1) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في كلا الأصلين، ويلاحظ أن لفظ البيت "به" مكان "له". وهو مخالف لفظ الشارح.

(2)

تنوء به أي تنهض به.

ص: 37