الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو خِراش
واسمه خُوَيلِد بنُ مُرُّة أحدُ بني قِرد بنِ عمرو بنِ معاوية ابن تميم بن سعد بن هُذَيل، ومات في زمن عمر بنِ الخطاب -رضي الله تعالى عنه- نهشته حيّة -وهو صحابيّ
"قال أبو حِراش- يرثى أخاه عمرو (1) بنَ مُرّة وإخوَتَه فَرَطوا أمامَه". وأبو خاش وإخوتُه بنو لُبْنَى:
لَعَمْرِى لقد راعت أُمَيْمةَ طَلْعنى
…
وإنّ ثَوائي عندها لَقليلُ
ثَوائى: مُكْثى. والثَّواء: المُقام. يقول: راعَتْها رُؤْيتي.
تقول أَراه بعد عُرْوةَ لاهِيًا
…
وذلك رُزْءٌ لو عَلمتِ جليلُ
لاهيًا: لاعبا، من اللهو. جليل: عظيم.
ولا تحسَبي أنِّي تناسَيتُ عهدَه
…
ولكنّ صبرى يا أُمَيْمَ جميلُ
ألم تعلمي أن قد تَفرَّقَ قبلَنا
…
خليلَا صَفاءٍ مالكٌ وعَقيلُ
(1) كذا في كلتا النسختين الشنقيطية والأوربية. ويلاحظ أن هذه القصيدة قالها في رثاء أخيه عروة بن مرة وحده دون بقية إخوته، كما يتبين ذلك من القصِيدة، وكما يدل على ذلك ما ورد في الأغاني ج 21 ص 65 طبع أورابا فقد ورد فيه ما نصه: دخلت أميمة امرأة عروة بن مرة على أبى خراش وهو يلاعب ابنه، فقالت له: يا أبا خراش، تناسيت عروة وتركت الطلب بثأره ولهوت مع ابنك، أما والله لو كنت المقتول ما غفل عنك، ولطلب قاتلك حتى يقتله. فبكى أبو خراش وأنشأ يقول:"لعمرى لقد راعت" القصيدة. وأما التي في رثاء عمرو بن مرة وإخوته فهي القصيدة التي تلى هذه.
قال أبو سعيد: هما رجلان (1) كانا في غابر الأُمَم.
أَبَى الصبرَ أنِّي لا يزال يَهيجُنى
…
مَبيتٌ لنا -فيما خَلَا- ومَقِيلُ
وأنِّي إذا ما الصُّبح آنستُ ضَوءَه
…
يعاوِدني قِطعٌ علىَّ ثقيلُ
آنستُ: ضوءَه. يقول: كأن قد قَرُب الصبحُ منّى في ظنّي. وقِطْع أي قِطْع من اللّيل أي بقيّة.
أَرَى الدهرَ لا يَبقَى على حَدَثانهِ
…
أَقَبُّ تُبارِيه جَدائدُ حُولُ
أقبّ: حمارٌ خَميص البطن. جَدائد: جمع جَدود وهي الّتى لا لبن لها وحُول: جمع حائل، وهي الّتى لم تَحمل من عامها.
أَبَنَّ عقاقًا (2) ثم يَرْمَحْن ظَلْمَه
…
إباءً وفيه صَولةٌ وذَميلُ
قال أبو سعيد: الإبانة: استبانةُ الحَمل؛ يقول: أطهرن حَملَهنّ. وقوله: "ظَلمه" قال: هو طَلبُه منهنّ السِّفادَ في غير موضعه، فمن أراد المَصدَر قال:"ظَلْمَه"، ومن أراد عَمَلَه قال:"ظُلْمَه"؛ وإنما يُنشَد "ظَلْمَه"، ومثله دهنتُه دَهْنا إذا أراد العَمَل، وإن أراد الاسم قال: دهنتُه بدُهْنٍ طيّب، قال: وهذا مِثلُ قول
(1) مالك وعقيل: هما نديما جذيمة الأبرش، وإليهما يشير متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك بقوله:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
…
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وبهما يضرب المثل في الاجتماع وعدم التفرق.
(2)
في الأصل: "عفافا" بفاءين؛ وهو تصحيف؛ والعقاق كسحاب وكتاب الحمل بعينه، كما ورد أيضاً أن العقاق بكسر العين أيضاً جمع عقق بضمتين، وهو جمع عقوق كصبور، وهي الحامل. ويلاحظ أن بين معنى هذا البيت وبين قوله في البيت الذي قبله "حول" وهي الأتن اللواتي لم تحمل تناقضًا ظاهرًا.
الرجل: والله لأدفعنَّ ظَلْمَك عن ظُلْمِه. قال: يقول هنّ لَقِحْن، فوَضْع السِّفادِ في غير موضعه؛ ويقال: أعقَّت الأَتانُ، إذا عَظُم بطنُها؛ ويقال: قد ظَلَم الرجلُ سِقاءَه وهو أن يَمْخَضَه ويضعَ يدَه فيه قبل أن يَرُوب؛ وأنشَدَنا عيسى بنُ عمر:
وصاحبِ صِدقٍ لم تَنَلْني (1) شَكاتُه
…
ظَلمَتُ وفي ظَلمِي له عامِدًا أَجْرُ (2)
يعني سقاه ما في سِقائه قبل أن يُدرِك. وقوله: وفيه صَولة وذَمِيل، يقول: وله عليهنّ أيضاً صِيالٌ وذَميل (3).
يَظَلّ على البَرْز اليَفاعِ كأنّه
…
من الغارِ (4) والخوفِ المُحِمِّ وَبِيلُ
البَرْز: ما يَبرُز للضِّحِّ (5). واليَفاع: ما ارتَفَع من الأرض. والوَبِيل: العصا الغليظةُ الشديدة. والإبّالة: حُزْمة من حَطَب؛ وأنشَدَنا لطَرَفة بن العَبْد:
(1) في اللسان (مادة ظلم)، "لم تربني" بكسر الراء وسكون الباء.
(2)
ورد في اللسان (مادة ظلم) في تفسير هذا البيت ما نصه: هذا سقاء سقى منه قبل أن يخرج زبده.
(3)
الذميل كأمير: سير لين مع سرعة؛ وقيل: هو فوق العنق بالتحريك.
(4)
قال في اللسان (مادة غور) الغار: شجر عظام له ورق طوال أطول من ورق الخلاف وحمل أصغر من البندق أسود له لب يقع في الدواء؛ وله دهن يقال له دهن الغار. فيريد الشاعر أن هذا الحمار يخاف أن يكون في هذا الشجر صائد مستتر، أو أنه يحسب أن هذا الشجر شخوض فهو مذعور منه؛ وقد سبق مثل هذا المعنى في شعر ساعدة، قال في وصف حمار وحش:
موكل بشدوف الصوم يرقبها
…
من المناظر مخطوف الحشا زرم
والصوم: شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جدا الخ ما ذكرناه في التعريف بهذا الشجر فانظره ثم في ج 1 ص 194 حاشية 5 من هذا الديوان. أو لعله يريد بالغار هنا الجماعة من الناس.
(5)
الضح: الشمس؛ وقيل: ضوءها.
فمرّت كَهاةٌ (1) ذاتُ خَيْفٍ جُلالةٌ
…
عَقيلةُ شيخٍ كالوَبيلِ يَلَنْدَدِ
أَلَنْدَد ويلَنْدد: الغليظ الشديد. وقوله: الغار [والخوف](2) المُحِمّ، هو الذى يأخذ (3) معه هَمٌّ وحديثُ نفس. ويقال: حاجة مُحِمّة. وإنما يريد أنه ضَمَر حتّى صار مِثلَ العصا؛ وأنشَدَنا خَلَف الأحمر:
لا يَلتَوى من الوَبيِل القِسْبارْ (4)
…
وإن تَهَرّاه بها العبدُ الهارْ
تَهرّاه، يعني ضرَبَه بالهِراوة.
وَظلَّ لها يومٌ كأنّ أُوارَه
…
ذَكا النارِ من فَيْحِ الفُروغِ طَويلُ
الأُوار: الوَهَج. وقوله: ذَكا النار، هو اشتعالها من وَهَج طَبْخِ السَّموم.
وقوله: مِن فَيْح الفُروغ، يقول: يَفيح (5) من فُرُوغهِ أي من مَجْراه الّذى يَجرِى منه كمِثْل فَرْغِ الدَّلْو. طويل: لا يكاد ينقضى مِن طُولِه وشِدّته.
فلما رأين الشمسَ صارت كأنّها
…
فُوَيْقَ البَضِيعِ في الشُّعاع خَمِيلُ
البَضيع: الجزيرة في البحر. يقول: صارت الشمس حين دنتْ للغروب كأنّها قطيفةٌ لها خَمْلٌ لشُعاعِها. يقول: تراها كأنّ لها هُدْبا. وكلّ جزيرة في البحرِ بَضِيع.
فَهيَّجَها وانشامَ نَقْعا كأنّه
…
إذا لَفَّها ثم استمَرّ سَحيلُ
(1) الكهاة: الناقة الضخمة التى كادت تدخل في السن؛ أو هي العظيمة السنام الكريمة على أهلها. ويريد بالشيخ أباه.
(2)
لم ترد هذه الكلمة التي بين مربعين في الأصل؛ والسياق يقتضى إثباتها.
(3)
حذف مفعول "يأخذ" للعلم به، أي يأخذك معه همّ أو يأخذ المرء معه الخ.
(4)
القسبار والقشبار: من أسماء العصا.
(5)
يفيح، أي يفور ويسطع ويهتاج.
اِنْشامَ (1) نَقْعا: دخل فيه، أي دخل فى نَقْع كأنّه هذا النَّسيجُ قبل أن يُنْسَج. والنَّقْع: الغُبار. والسَّحِيل: خَيْطٌ لم يُبرَم، شبّه به الحمار (2).
مُنيبًا وقد أَمسَى تَقدَّمَ وِرْدَها
…
أُقَيْدِرُ مَحْموزُ القِطاعِ نَذيلُ
مُنيبا أي راجعا. مَحْموز القِطاع، يقال: رجل محموز الفؤاد أي شديد الفؤاد. ويقال: كلّمته بكلمةٍ حَمَزتْ فؤادَه، وإنما يريد أنه محموز السّهام. والأقَيْدِر: القصير العُنُق؛ ويقال: نذِيل ونَذْل وسَمِيح وسَمْح، وإنما جَعَله نَذِيلا لقشَفِه ورَثاثةِ حالِه. والقِطْع: النَّصْل العريض القصير. والقِطاع للجميع. فيقول: "هي مَباعجُ (3) منكرة"، يعنى سِهامَه.
فلما دَنَتْ بعد استماعٍ رَهَفْنَه
…
بنَقْب الحجاب وَقْعُهنّ رَجيلُ
قوله: بعد استماع، أي بعد ما استَمَعتْ هل تَسمَع صوتا أم تَرَى أحدا. وقوله: بنَقْب الحجاب، أي بطريقه، وكلُّ طريقٍ فى غِلَظٍ نَقْبٌ. والحِجاب: مرتَفعٌ يكون فى الحَرّة (4) عند اعتداله انقطاعها (5). فيقول: ليست بمنبسِطة. والنَّقْب: الطريق فيها، وهو مرتفع. وقولُه: رَجِيل، يقال: دابّة ذات رُجْلة أي قويّة على
(1) فى الأصل: "انسام" بالسين المهملة؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة شام) فقد ورد فيه: "والانشيام فى الشئ: الدخول فيه".
(2)
صوابه "الغبار" مكان قوله "الحمار" إذ المعقول هو تشبيه الغبار بهذه الخيوط التي لم تبرم؛ لا تشبيه الحمار بذلك.
(3)
المباعج: المشقوقة، يريد أنها مفتوقة الأغرة، أي الحدود، أي أنها عريضة النصال.
(4)
الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنما أحرقت بالنار.
(5)
عبارة اللسان: "الحجاب منقطع الحرة".
السَّيْر. ويقال: رجُل رَجِيل: إذا كان قويًا على المشى صَبورا. ويقال: حَرّة رَجْلاء، أي غليظة مُنكرة.
يُفَجِّينَ بالأَيْدِى على ظَهْرِ آجِنٍ
…
له عَرْمَضٌ (1) مستأسِدٌ ونَجِيلُ
يفجِّين بالأَيْدى أي يَفْتَحْن ما بين أيديهنّ. وقوله: مستأسِدٌ، إذا طال النَّبتُ يقال: قد استأسَدَ النَّبْت. والنَّجِيل: ضَرْبٌ من الحَمْض.
فلمّا رأى أن لا نَجاءَ وضَمَّه
…
إلى الموت لِصْبٌ حافظٌ وقَفِيلُ
اللِّصْب: الشّق فى الجبل. والقَفِيل: المكانْ اليابس. حافِظ، يقول: هو يَحفَظه أن يأخذ يمينا وشِمالا فيمرَّ على غير طريق الرامى.
وكان هو الأدنى فَخلَّ (2) فؤادَه
…
من النَّبْل مفتوقُ الغِرار بَجِيلُ
يقول: كان هذا الحمارُ أقربَهنّ من الرامى. وقوله: مفتوق الغِرار أي عريض النَّصْل. والغِرار: الحدّ. قال: والغِراران الحدّان. والبَجِيل: الضَّخْم؛ ويقال: رجل بَجِيل وبجَال، إذا كان ضَخْما، يوصَف به الرجل، وإنما هو ها هنا السَّهْم.
كأنّ النَّضِىَّ بعد ما طاش مارِقا
…
وراءَ يديْه بالخَلاء طَمِيلُ
النَّضِىّ: القِدْح من غير حديدةٍ ولا رِيش. قال: هذا أصلُه، ثم كثر حتي صار السهمُ نفسُه يقال له النَّضِىّ. والطَّمِيل: المَطْلِىّ؛ يقال: طمَلَه بالدَّمِ وطَلاه سواء.
ولا أَمْعَرُ (3) السّاقَيْن ظَلَّ كأَنَّه
…
على مُحْزَئلّات الإكامِ نَصيلُ
(1) العرمض والعرماض: الطحلب. قال اللحيانى وهو الأخضر مثل الخطمى يكون على وجه الماء اللسان (مادة عرمض).
(2)
خل، أي ثقب، يقال: خل الشئ إذا ثقبه.
(3)
ولا أمعر الساقين: عطف على قوله فى البيت السابع من هذه القصيدة: "أقب" الخ.
أَمعَرُ الساقين (1): يريد صَقْرا من الصُّقور. والنَّصيل: حَجَر يُجعَل فى البئر (2). والمُحْزئلّ: المُشِرف، والمجتمِع، ومِثلهُ قولهُ:
وأَقبَلتِ اليَمامةُ وَاحزألّت
…
كأسيافٍ بأَيْدِى مُصْلِتينا (3)
رأى أَرْنَبا مِن دونها غَوْلُ أَشرُجٍ
…
بَعيدٌ عليهنّ السَّرابُ يزولُ
غَوْل، أي ذاتُ بُعْد. أَشرُج: شقوق تكون فى الحَرّة بعيدةٌ طوال. ويقال: شَرْج، وشُرُوج للجِماع. يزول: يتحرّك علينّ السراب.
فضَّمَّ جَناحَيه ومِن دون ما يَرَى (4)
…
بلادٌ وُحوشٌ أَمْرُعُ ومُحولُ
بلادٌ وُحوش، أي بلاد واسعة تسكنها الوحوش. وقد نَفَضَ هذه البلادَ الواسعة (5)، ومثلُه: الدار من أهلها وُحوش، أي خاليةٌ إلَاّ من الوَحْش.
تُوائِلُ منه بالضَّراءِ كأنّهما
…
سَفاةٌ لها فوق التراب زَليلُ
تُوائِل: يريد لتنجوَ منه. والضَّراء: ما واراك من الشجر، وهو ما يواءَل فيه. زليل أي تَمُرّ. يقول: من خِفّتها كأنّها سَفاةُ بُهْمَى (6) تَزِلّ فُوَيْق الأرض؛ ومِثلهُ قول لَبيد بنِ ربيعة: "تَزِلُّ عن الثَّرى أزلامُها (7) " أي من خِفّتها. والسَّفاة: شَوْكَةُ.
(1) أمعر الساقين: لا ريش عليهما.
(2)
فى اللسان: النصيل حجر طويل مد ملك قدر شبر أو ذراع.
(3)
البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته، وروى أيضا "فأعرضت اليمامة واشمخرّت".
(4)
فى كلا الأصلين "ترى" بالتاء، وهو تحريف.
(5)
يقال: نفض المكان إذا نظر جميع ما فيه حتى يعرفه.
(6)
البهمى: نبت تجد به الغنم وجدا شديدا ما دام أخضر، فإذا يبس هر شوكه وامتنع، وهو يرتفع قدر الشبر، وهو ألطف من نبات البر. وقال أبو حنيفة: هي خير أحرار البقول رطبا ويابسا، وحين تخرج من الأرض تنبت كما ينبت الحب ثم يبلغ بها النبت إلى أن تصير مثل الحب، ويخرج لها إذا يبست شوك يشبه شوك السنبل اللسان (مادة بهم).
(7)
يصف الشاعر ناقة، والبيت بتمامه:
حتى إذا حسر الظلام وأسفرت
…
بكرت تزل عن الثرى أزلامها
أسفرت: دخلت فى وقت الإسفار. أزلامها، يريد قوائمها التى تشبه الأزلام أي قداح الميسر.
يقرِّبه النَّهْضُ النَّجيحُ لمِا يَرَى
…
ومنه بُدُوٌّ مَرّةً ومُثولُ
يقول يبدو مرّةً فيَظهر ويتبيّن، ويَمثُل أحيانا فيغيبِ مُثولَ ذَهابٍ، تقول: رأيث شخصا فى جوف اللّيل ثم مَثَل عنّى فلم أرَه أي غاب.
فأَهوَى لها فى الجوِّ فاختَلَّ قَلْبَها
…
صَيُودٌ لحَبّات القلوب قَتولُ
فأَهوَى لها، يقول: أَهوَى بِيَدِه ليَخْطَفَها. فاختَلَّ أي انتظم. صَيُود، يقول: هو صَيُود لحَبّات القلوب، يعنى الأفئدة.
* * *
وقال أيضًا
فَقدتُ بنى لُبْنَى فلمّا فَقَدْتُهمْ
…
صبرتُ ولم أَقطَعْ عليهمْ أَباجِلى
قال أبو سعيد: بنو لُبنَى إخوته، وضرَبَهم مَثَلا. قال: يقول لم أَجْزع كجَزَع غيرى. والأَبْجَل: عِرْق فى الرجل (1)، يقول: صبرتُ فلم أَقطعْ نفسِى فى آثارِهم؛ وأَقطعْ عُروقى عليهم.
حسانُ الوجُوهِ طيّبٌ حُجُزاتُهُمْ
…
كريمٌ نَثاهمْ غيرُ لُفٍّ مَعازِلِ
قوله: طيّب. حُجُزاتُهمْ، أي هم أعفّاء، يقال: فلان طيّب الحُجْزة (2)، إذا كان عفيفا؛ وقال النابغة الذُّبيانىّ:
حِسانُ الوُجوه طيّب حُجُزاتُهمْ
…
يُحيَّوْنَ بالرَّيحْان يومَ السَّباسِبِ (3)
(1) زاد فى اللسان "غليظ".
(2)
الحجزة فى الأصل: معقد السراويل والإزار.
(3)
يوم السباسب: عيد للنصارى قاله فى اللسان مادة (سبسب) واستشهد ببيت النابغة هذا إلا أنه ذكر فى أوله "رقاق النعال" بدل "حسان الوجوه".
وقوله: كريمٌ نَثاهمْ، يقال: نَثَا عليه ذلك الأمرَ إذا بحث عنه (1) واستخرجه.
والأَلَفّ: الثقيل؛ ويقال: فى لسانه لَفَف، إذا كان فيه ثِقَل. والأعزَل: الّذى لا سِلاح معه (2).
رِماحٌ من الخَطِّىَّ زُرْقٌ نِصالهُا
…
حِدادٌ أعاليها شِدادُ الأسافلِ
زُرْق: بِيض، وتقول: نُطْفة زَرْقاء، إذا كانت بيضاء، تريد الماءَ، وعَنى بالنِّصال الأسنَّةَ.
قتلتَ قتيلا لا يُحالِفُ غَدْرةً
…
ولا سُبّةً لا زلتَ أسفلَ سافلِ
لا يحالِف غَدْرْةً أي لا يلازم الشرِّ والغَدر. لا زِلْتَ أسفلَ سافِل، لا زِلتَ فى سَفالٍ ما عِشتَ.
وقد أَمِنونِى واطمأنّت نفوسُهمْ
…
ولم يَعلَوا كلَّ الّذى هو داخلى
داخلى، أي ما فى جوفي من الوجد والحُزْن.
فمن كان يرجو الصّلحَ منهمْ فإِنّه
…
كأحمرِ عادٍ أو كُلَيبٍ لِوائلِ
يقول: هذا القتيلُ كأحمرِ عاد، وإنما يريد كأحمرِ ثمودَ الذي عقر الناقة. يقول: هذا القتيلُ فى شؤمِ ذاك وفي شؤمِ كُلَيبٍ لوائل.
(1) ورد فى الأصل بعد قوله: "عنه" قوله: "منه شيئا"، وهي زيادة من الناسخ لا مقتضى لها هنا؛ وفى كتب اللغة أنه يقال: ثنا عليه قولًا إذا أشاعه وأظهره؛ يصفهم بأن كرمهم متحدث عنه.
(2)
يلاحظ أن الشارح قد فسر الأعزل ولم يبين واحد المعازل المذكور فى البيت. ويستفاد من كتب اللغة أن أصل معازل معازيل، واحده معزال، وهو بمعنى الأعزل.
أُصيبتْ هُذَيْلٌ بابن لُبْنَى وجُدِّعتْ
…
أُنوفُهمُ باللَّوْذَعىِّ الحُلاحِلِ
اللَّوْذعىّ: الحديدُ اللّسان ذو القلب الذّكىّ. والحُلاحِل: الرَّكين الرَّزين وأَنشد لامرئ القيس:
القاتلِين المَلِكَ الحُلاحِلا
…
خيرَ مَعَدٍّ حَسَبا ونائلا
رأيتُ بنى العَلّات لمّا تَضافَروا
…
يَحُوزون سَهْمى دونهمْ بالشَّمائلِ
تَضافَروا: تَعاوَنوا. والتّضافُر: التعاوُن. وقولُه: فى الشّمائل (1)، أي يجعلوننى فى الشمائل؛ وهذا مِثلُ قولهم: عندى فلانٌ باليمين، أي بالمنزلة العُلْيا.
فلَهْفِى على عَمرِو بنِ مُرّةَ لَهْفةً
…
ولَهْفِى على مَيْتٍ بقَوْسَى المَعاقِلِ
قَوْسَى المَعاقل: موضع من بلاد هُذَيل أو بناحيتهم (2).
* * *
(وقال أيضًا)
لقد علمتْ أُمُّ الأُدَيْبِرِ أنّنى
…
أقول لها هَدِّى ولا تَذْخَرى لحَمْى
قوله: هَدِّى، أي اقسِمى هدّيتَكِ وما عندَكِ ولا تَذْخَرى.
فإِنّ غدًا إن لا نجِد بعضَ زادنا
…
نُفِئْ لكِ زادا أو نُعَدِّكِ بالأَزْمِ
(1)"فى الشمائل" بالفاء مكان الباء، هذه رواية أخرى وردت فى اللسان أيضا (مادة شمل). وفسر قوله "فى الشمائل" فقال: أي ينزلوننى بالمنزلة الخسيسة.
(2)
ذكر ياقوت أن قوسى بلد بالسراة، كما ذكر أيضا أن فيه قتل عروة بن مرة أخو أبى خراش ونجا ابنه خراش. وعروة هذا هو الذي يريده الشاعر فى هذا البيت بقوله "ولهفى على ميت" الخ.
نُفِئ لكِ زادا، أي نُفِىْ عليكِ فَيْئا، ونُعَدِّك: نَصْرِفُكِ بإمساك الفم، أي نَصْرِفُكِ بأَزْمِه لا تأكلين. وحدّثنا الأصمعىّ قال: حدّثنا سُفْيان بنُ عُيَينة قال: قال عمرُ بنُ الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - للحارث بن كَلَدة: يا حارِ، ما الطِّبّ؟ قال: الأَزْم، يعني إمساكَ الفم عن الطعام.
إذا هي حَنّتْ للهوى حَنَّ جَوْفُها
…
كجَوْف البعير قَلبُها غيرُ ذى عَزْمِ
يقول: إذا حَنّث إلى أهلها وبلدِها فَتحتْ فمهَا، تحنّ كما يحنّ البعير. قَلْبُها غيرُ ذى عَزْم، أي هي غير ساكنة، وذلك أن العازم يَسكُن.
فلا وأبيكِ الخير لا تَجِدينَه
…
جَميلَ الغِنَى ولا (1) صبورا على العُدْمِ
يقول: لا تَجِدِينه جميلَ الأمر إذا استغنى ولا تَجِدينه صَبورا اذا افتَقَر.
ولا بَطَلا إذا الكُماةُ تَزيَّنْوا
…
لَدَى غَمَرات الموتِ بالحالك الفَدْمِ
الفَدْم: الثقيل من الدم، وهو ها هنا الخاثر، وكذلك صِبْغٌ مُفْدَم. قال أبو سعيد: وزْينتهُمْ فى الحرب أن يتضمّخوا بالدم؛ وهذا مَثَل. والفَدْم: الشديد الحُمْرة. وثوبٌ مُفْدَم: إذا كان مشبَعَ الصِّبغْ، وأراد هو بالحالك الفَدْم أىَّ دم شديدِ السّواد؛ يقول: إذا كان هذا زينتهم.
أبَعْدَ بلائى ضَلّتِ البيتَ مِن عَمًى
…
تُحِبُّ فِراقى أو يَحِلُّ لهما شَتْمِى
(1) فى النسختين الشنقيطية والأوربية "إلا صبورا"؛ وهو تحريف إذ لا يتفق هذا مع قوله بعد: "ولا بطلا". والصواب ما أثبتنا نقلا عن خزانة الأدب ج 2 ص 365. وقال البغدادى فى تفسير هذا البيت: يقول: إن تزوجت زوجا لا تجدينه متعففا ولا يصبر على العدم أي الفقر. اهـ
يقول: لا أَبصرتْ، دعاءٌ عليها. ضَلّت كما يَضلّ الأعمى، يدعو عليها يقول: أَعمَى الله بصَرها حتى لا تهتدى إلى البيت.
وإنّى لأُثْوِى الجُوعَ حتى يَملَّنى
…
فيَذهبَ لَم يَدْنَسْ ثيابى ولا جِرْمى (1)
لَأُثوِى الجوعَ، يقول: أطيلُ حبسَه عندي حتى يَمَلنَّى. يقول: أَصبِر صَبْرا شديدا. والجِرْم: الجسد. يقول: لَم يَلحقْنى عار.
وأَغتَبِق الماءَ القَراحَ فأنتهِى (2)
…
إذا الزاد أَمسَى للمزلجَّ (3) ذا طَعْم
يقول: أَغتبِق الماءَ القَراح تكّرما فتنتهى نفسى، وأنشَدَ لحسّانَ بنِ ثابت:
وأُكثِرُ أهلى من عِيالٍ سواهمُ
…
وأَطوِى على الماءِ القَراحِ المبرَّدِ
وأنشد لعنترة:
ولقد أَبِيتُ على الطَّوَى وأَظَلُّه
…
حتّى أَنالَ به كريم المأكَلِ
والمزلَّج: الّذى ليس بالمَتين، وهو الأمر الخفيفُ الّذى ليس بكثيف وكذلك هو أيضا من الرجال الّذي ليس بالتامّ (4). وَعَيْشٌ مُزَلجَّ: إذا كان فيه بعض
(1) ذكر صاحب الأغانى فى ترجمة أبى خراش ج 21 ص 60 طبع بولاق أن أبا خراش أقفر من الزاد أياما، ثم مر بامرأة من هذيل جزلة شريفة، فأمرت له بشاة فذبحت وشويت، فلما وجد بطنه ريح الطعام قرقر، فضرب بيده على بطنه وقال: إنك لتقرقر لرائحة الطعام، والله لا طعمت منه شيئًا. ثم قال: يا ربة البيت؛ هل عندك شيء من صبر أو مر؟ قالت: تصنع به ماذا؟ قال: أريده، فأتته منه بشئ فاقتمحه ثم أهوى إلى بعيره فركبه، فناشدته المرأة فأبي، فقالت له: يا هذا، هل رأيت بأسا أو أنكرت شيئا؟ قال: لا والله، ثم مضى وأنشأ يقول:"وإنى لأثوى الجوع"(الأبيات) إلى قوله * فللموت خير من حياة على رغم *
(2)
روى فى الأغانى "فأكتفى" مكان قوله: "فأنتهى".
(3)
ضبط المزلج فى الأصل بكسر اللام المشددة، والصواب فتحها كما فى كتب اللغة.
(4)
ورد فى كتب اللغة التي بين أيدينا للمزلج بفتح اللام مشددة عدة معان، وهى أنه البخيل، والدون من كل شيء، والذى ليس بتامّ الحزم، والناقص الضعيف، والناقص الخلق بفتح الخاء، والملزق بالقوم وليس منهم؛ ولم يرد فيها أنه الأمر الخفيف الذى ليس بكثيف.
النقص. وقوله: ذا طَعْم، أي ذا شهوة اذا اشتهاه وكان طيبّا عنده وطاب فى فمه.
فأنْتهَى: فأكُفُّ عنه.
أَرُدُّ شجاعَ البَطْنِ قد تَعلَمينَه
…
وأُوثِرُ غيرى من عِيالِكِ بالطُّعْم
هذا مَثَل، يقول: الجوع يتلظّى فى جوفى كما يتلظّى الشُّجاع (1). والطُّعْم: الطعام.
مخافةَ أن أحيا برَغْمٍ وذِلّةٍ
…
وللَموتُ خيرٌ من حَياةٍ على رَغمِ
ويُروَى رُغْم. قال أبو سعيد: رَغْم ورُغْم سواء، يقول: أَطوِى ولا آكُل أحَبُّ إلىّ من أن أَغشَى وَليمةً أعيَّرُ بها. ورَغْم: هَوانٌ ومَذَلّة.
رأت رجلًا قد لوّحتْه مَخامِضُ
…
وطافت برَنّان المَعَدَّيْنِ ذى شَحْمِ
يقول: رأتْنى هذه المرأةُ وقد غيّرتنْى هذه المخَامِص وأضمرَتنْى، وطافت بشاب مِرنانِ المَعَدَّيْن، إذا ضرب مَعَدَّيْه أَرَناَّ من صفائهما وصلابتِهما، فسمعتَ لهما صوتا. والمَعَدّ: ما تحت العَضُد (2)، وهو موضع رِجْل الفارس من الفَرَس؛ فيقول: أنا متشنِّج المَعَدَّيْن، وقد استرخَى مَعَدّاىَ واضطرَبا وماجَا.
غذِىِّ لِقاحٍ لا يزال كأنّه
…
حَمِيتٌ بدَبْغٍ عَظْمُه غيرُ ذى حَجْم
الحَمِيت: النِّحْى يُرَبّ، فإذا رُبَّ فهو حَمِيت. بدَبْغ أي جديد لم يُستعمَل؛ عَظْمُه غيرُ ذى حَجْم، يقول: عَظْمُه ليس له حَجْم من السِّمَن.
(1) قال فى اللسان فى معنى شجاع البطن: إن العرب تزعم أن الرجل إذا طال جوعه تعرضت له فى بطنه حية يسمونها الشجاع والصفر (بالتحريك). وقال الأصمعى: شجاع البطن شدة الجوع.
(2)
عبارة بعض اللغويين أن معدّى الإنسان جنباه.
تقول فلولا أنتَ أُنكِحْتُ سَيّدا
…
أُزَفُّ إليه أو حُمِلْتُ على قَرْم
تقول له هذه المرأة: أولا أنّى ابتُليتُ بك وأُنكِحْتُك لأنكِحتُ رجلا سيّدا سِواك. والَقرْم: الفَحْل الّذى يربَّى ولم يُستعمَل. تقول: وحُمِلتُ أيضًا على قَرْم.
لعَمْرِى لقد مُلِّكْتِ أمرَكِ حِقْبةً
…
زمانا فهلّا مِسْتِ فى العَقْم والرَّقْمِ
يقول: قد كنتِ تملكِين أمرَكِ زمانا فهلّا تزوّجتِ رجلا غيرى يكسوكِ العَقْمَ والرَّقْم. والعَقْم: ما وُشِّىَ ثم أُدخِل خَيْطُه ثم أُخرِجَ فوُشِّى (1). والرَّقْم: ما رُقِم. والعَقْم والرَّقْم: ضَرْبانِ من الوَشْى.
فجاءت كخاصِى العَيْرِ لم تَحْلَ جاجةً
…
ولا عاجةً منها تَلوحُ على وَشْمِ
كخاصِى العَيْر، جاءت منكسِرة، وخاصِى العَيْر يَستحيى ممّا صنع، والمرأة إذا خَصَت العَيْرَ لم يبَقَ شيء من البُذاء إلَاّ أتته. يقول: فعلَتْ مثلَ هذا ثم لم تَحْلَ بشئ؛ قال حُمَيد فيُ ثَوْر:
جُلُبّانةٌ وَرْهاءُ تَخصِى حِمارَها
…
بِفى مَن بَغَىَ خيرا لديها (2) الجَلامِدُ
وقوله: لمَ تَحْلَ، أي لم تفعل، من الحَلْى. جاجةً، قال: الجاجة خَرَزة من رديء الخَرَز. والعاجة: ذَبْلة. وقولهُ: على وَشْم، يقول: ليست بموشومة
(1) عبارة اللسان (مادة عقم) إنما قيل للوشى عقمة لأن الصانع كان يعمل، فاذا أراد أن يشى بغير ذلك اللون لواه فأغمضه وأظهر ما يريد علمه. وهى أوضح فى المعنى.
(2)
فى اللسان (مادة جلب)"إليها" مكان قوله "لديها". والجلبانة: المصوّتة الصخابة الكثيرة الكلام. وقال فى قوله: "تخصى حمارها": إذا بلغت المرأة من البذلة والحنكة إلى خصاء عيرها فناهيك بها فى التجربة والدربة؛ وهذا وفق الصخب والضجر؛ لأنه ضدّ الحياء والخفر.
ولا مزيَّنة. قال: وكانت أيديهن تُوشَم بالنَّؤور. يقول: فلم تكن هذه تَلبَس سوارَ ذَبْل (1) على وَشْمٍ فى اليد.
أفاطِمَ إنِّى أَسبِق الحَتْفَ مُقبِلًا
…
وأَتركُ قِرْنى فىَ المَزاحِف يَستدمِى
أَسبِق الحَتْف، يقول: أَرَى القومَ العَدُوَّ مقبِلين يريدوننى فأنجُوَ منهم وأسبِقَهم عَدْوا، وقوله: مُقبِلا أي مُقدِما، وواحد المَزاحف مَزْحَف، وهو موضع القِتال.
وليلةِ دَجْنٍ من جُمادَى سَرَيْتُها
…
إذا ما استَهَلِّت وهى ساجيةٌ تَهْمِى
الدَّجْن: إلباسُ الغَيْم [الأرضَ](2). وقوله: "تَهمِى" أي تسيل.
وشَوْطٍ فِضاحٍ قد شَهِدتُ مُشايِحًا
…
لأُدْرِكَ ذَحْلا أو أُشِيفَ على غُنْمِ
شَوْطٍ فِضاح، يقول: إنْ سُبِق فيه رجل افتَضَح. والمشُايِح: الجادّ الحامل فى كلامَ هُذَيل. وقوله: أُشِيف على غُنمْ أي أُشِرف على غنيمة.
إذا اْبتَلّت الأقدامُ وَالْتَفَّ تَحتَها
…
غُثاءٌ كأَجواز المُقرَّنةِ الدُّهْمِ
يقول: إذا اْبتلّت الأقدامُ من نَدَى اللَّيل. قال أبو سعيد: وتِهامة كثيرة النَّدَى. يقول: إذا جلسوا ابتَلّت أقدامُهم، يَعنِي أنّهم كانوا يَعْدُون على أرجلهم فيكسِرون الشجرَ بأرجلهم. وقوله: كأجواز، أي كأوساط الدُّهْمِ من الإبل.
(1) الذبل: شيء كالعاج يتخذ منه السوار؛ وقيل: هو ظهر السلحفاة البحرية.
(2)
هذه الكلمة التي بين مربعين ساقطة من الأصل؛ والصواب إثباتها نقلا عن اللسان (مادة دجن).
والمقرَّنة: التى تُقرَن بأخرى؛ لأنّها صعاب، فلذلك تُقرَن، وجَعلَ الغُثاءَ كاجواز المقرَّنة لأنّه أراد كثرتَه وكَثافتَه.
ونَعْلٍ كأَشْلاءِ السُّمانَى نَبَذْتُها
…
خلافَ نَدًى من آخِر اللّيلِ أورِهْم
نَعْل كأشْلاء السُّمانى، أي نعل قد تقطّعتْ، فشبَّهها بسُمانىَ قد أُكِلتْ، وإنما أراد شِلْوَ السُّمانَى المأكولة فبقىَ جَناحاها وجلدُها، فشَبَّهَ بذلك. والرِّهمْ (1): المطر الضعيف الساكن الليّن، والواحد رِهْمة، والجماع رِهام ورُهام (2) ورِهَم.
إذا لم ينازِعْ جاهلُ القومِ ذا النُّهَى
…
وبَلَّدَت الأعلامُ باللَّيَلِ كالأُكْمِ (3)
يقول: استَسْلَم القومُ للأَدِلّاء. وبَلَّدَت، أي لَزِقتْ بالأرض فَتَرى الجبلَ كأنّه أَكَمة فى جوف الليل يَصغُر فى عَيْنِك. والأعلام: الجبال، والواحد عَلَم
تراها صِغارا يَحْسِر الطَّرْفُ دونَها
…
ولو كان طَوْدا فوقَه فِرَقُ العُصْمِ
يقول: تراها باللّيل قِصارا وإن كان طَوْدا أي جَبَلا، فوقه فِرَق الأَرْوَى ويَحسِر الطرْف: يَكِلّ الطَّرْف.
وإنِّى لأَهدِى القومَ فى ليلة الدُّجّى
…
وأَرمِى إذا ما قيل: هل مِن فَتًى يَرمِى
الدُّجى: الظُّلْمة. والدُّجى: ما أَلْبَسَ من الغيم الدنيا.
(1) فى الأصل: "والرهمة"؛ والتاء زيادة من الناسخ كما يدل عليه قوله بعد: "والواحد".
(2)
كذا ورد هذا اللفظ مضبوط الراء بالضم فى الأصل؛ ولم نجد هذا الجمع بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة.
(3)
الأكم بضمتين: جمع إكام بكسر الهمزة؛ وسكن الكاف للضرورة.
وعاديَةٍ تُلقِى الثيابَ وَزَعْتُها
…
كرِجْلِ الجَراد يَنْتَحى شَرَفَ الحَزْم
العادية: الحاملة. تُلْقِى الثياب، مِن شِدّة عَدْوِهم تَقَع عَمائهُم ومَعاطِفُهم وهي أردِيَتُهم، والواحد مِعْطَف. وزَعْتُها: كفَفْتُها. يَنتحِى: يَقصد له. شَرَف الحَزْم، وهو المكانَ الغليظ. والحَزْنُ مِثْلُه.
* * *
وقال أيضا (1)
عَدَوْنا عَدْوةً لا شكَّ فيها
…
وخِلْناهمْ ذُؤَيبْةَ أو حَبيبا
قال أبو سعيد. يقول: حَمَلْنا حَمْلةً لا شكّ فيها. والعَدْوة: الحَمْلة. وذُؤَيبْة وحبيب: حَيّان من عجز هَوازِن. قال: يقول: حَمَلْنا حَمْلَةً لا يُشَكّ فيها.
فنُغرِى الثائرِين بهمْ وقُلْنا
…
شِفاءُ النفسِ أن بَعَثوا الحُروبا
أَغْرَيْنا الثائرِين، قلنا: خُذْ يا فلان، خُذْ يا فلان. قال الأصمعىّ: وسمعتُ ابنَ أبى طَرَفةَ يقول: "شِفاء النفس إن" كَسرَ إنْ، ومِثلُه:
* عِيَر (2) على أنْ عَجَّل المَنايا *
(1) سبب هذه القصيدة كما فى الأغانى ج 21 ص 59 طبع أوربا أن أبا خراش أقبل هو وأخوه عروة وصهيب القردى فى بضعة عشر رجالا من بنى قرد يطلبون الصيد، فبيناهم بالمجمعة من نخلة لم يرعهم إلا قوم قريب من عدّتهم، فظنهم القرديون قوما من بنى ذؤيبة أحد بنى سعد بن بكر بن هوازن، أو من بنى حبيب أحد بنى نصر، فعدا الهذليون إليهم يطلبونهم، وطمعوا فيهم حتى خالطوهم وأسروهم جميعا، وإذا هم قوم من بنى ليث بن بكر فيهم ابنا شعوب أسرها صهيب القردى، فهم بقتلهما، وعرفهم أبو خراش فاستنقذهم جميعا من أصحابه وأطلقهم، فقال أبو خراش هذه القصيدة يمنّ على ابنى شعوب أحد بنى شجع ابن عامر بن ليث فعله بهما.
(2)
عير أي عير بضم العين وتشديد الياء مكسورة.
كأنّى إذ عَدَوْا ضَمَّنتُ بَزِّى
…
من العِقْبان خائتةً طَلوبا
يقول: كأنّى أَلبستُ بَزِّى عُقابا. يقول: لما حملوا علينا كأنى أَلبستُ بَزِّى وهو سِلاحُه من سرعتى عُقابا. خائتةً، أي منقضّة. طَلوبا: تَطلُب الصَّيْد.
جريمةَ ناهِضٍ فى رأس نِيقٍ
…
تَرَى لعِظامِ ما جَمعت صَليبا
جَريمةَ ناهِض، أي كاسِبَةَ فَرْخٍ، وهو الناهض. والنِّيق: الشِّمْراخ من شمَاريخ الجَبَل. والصَّليب: الوَدَك، وأَنشَدَ لعَلْقَمةَ بن عَبْدة:
بها جِيَفُ الحَسْرَى فأمّا عِظامُها
…
فبِيضٌ وأمّا جِلْدُها فصَليبُ (1) يَعنِى الوَدَكَ.
رأت قَنَصا على فَوْتٍ فضَمّتْ
…
إلى حَيْزُومِها رِيشًا رَطيبا
قَنَصا أي صَيْدا. على فَوْتٍ أي سَبْق. والرَّطيب: الناعم الّذى ليس مُتَحاتًّا. والحَيزْوم: الصَّدْر وما احتَزَم عليه، ويقال للرجل: اُشدُدْ حَيازِيمَك لهذا الأمر، أي تَشَدَّدْ عليه واعزِمْ، وأَنشَدَنا:
* وشَدِّى حَيازِيمَ المَطِيّةِ بالرَّحْلِ *
(1) البيت من قصيدة يمدح الشاعر بها الحارث بن جبلة بن أبى شمر الغسانى، وكان قد أسر أخا علقمة شأسا، فرحل علقمة يطلب فكه، وأوّل القصيدة:
طحا بك قلب فى الحسان طروب
…
بعيد شباب عصر حان مشيب
والضمير فى قوله: "بها جيف الحسرى" يعود على المنان فى البيت الذى قبله، وهو:
هدانى إليك الفرقدان ولا حب
…
له فوق أصواء المتان علوب
والمتان جمع متن، وهو المكان الصلب الملتوى. والعلوب: الآثار. والحسرى أي المعيبة، وجعل عظامها بيضا لقدم عهدها، أو لأن السباع والطير أَكلت ما عليها من اللحم فبدا وضحها. والصليب: الودك الذى يخرج من الجلد. وقيل: الصليب اليابس الذى لم يدبغ. وكان وجه الكلام أن يقول "جلودها" فلم يمكنه، فاجترأ الواحد عن الجمع لأنه لا يشكل. اهـ. شرح الأعلم الشنتمرى لديوان علقمة ص 27 طبع الجزائر.
فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَرازٍ
…
فصادَمَ بين عَيْنَيْها الجَبُوبا
البَلْقَعة: المستوِى من الأرض ليس فيه شيء. والبَرا: الفَضاء البارز ليس حولَه شيء يَسَتُره. فصادَمَ بين عَيْنَيْها الجَبوبا، يقول: حين مرّت تريد الغزالَ أخطأَتْه فصَكّت الجَبوبَ برأسها. وبَلْقَعة: جَمْعُه بَلاقِع، ومنه الحديث:"اليمين الغَموسُ الفاجرُة تَدَع الديارَ بلاقِع". والجَبوب: الأرض. قال أبو سعيد: يقول أهلُ الحِجاز: أَخَذَ جَبُوبةً (1) من الأرض.
مَنَعْنا من عَدِىِّ بنى حُنَيْفٍ
…
صِحابَ مضرِّسٍ وابنَى شَعُوبا
اِبنَا شَعوب: قوم من بنى لَيْث، وهم حُلَفاء العباس. والعَدىّ: الحاملة.
وبنو حُنَيف: بعضُ من كان يقاتل الهُذَلِيّين.
فأَثْنوا يا بَنِى شِجْعٍ علينا
…
وحَقُّ ابنَىْ شَعوبٍ أن يُثيبا
شِجْع: ابن لَيث (2)، يقول: اثْنوا علينا ببلائنا عندكم.
فسائلْ سَبْرةَ الشِّجْعىَّ عنّا
…
غَداةَ تَخالُنا نَجْوًا جَنِيبا
تَخالُنا: تَحسَبنا. والنَّجْو: السحاب. والجَنيب: الّذى قد أصابته الجَنوب وهو أَدَرُّ له، وإذا شُمِل يُقْشَع، يقول: وَقْعُنا بهم مثل وَقْع سَحابةٍ تمُطِر، ومثلهُ:
(1) الجبوبة: المدرة.
(2)
فى التاج أنه شجع بن عامر بن ليث، وهو بطن من كنانة، وهو جدّ الحارث بن عوف الصحابي.
كأنهمْ تحت صَيْفىٍّ له نَحَمٌ
…
مصرِّحٍ طَحَرتْ أَسناؤه القَرِدا (1)
[وأنشد لعلقمة بنِ عبْدة].
كأنّهمُ صابت عليهِم سحابةٌ
…
صَواعِقُها لطيرهنّ دَبيب
بأن السابقَ القِرْدِىَّ أَلقَى
…
عليه الثوبَ إذ وَلَّى دَبِيبا
السابق: سبقَ القوَم فأَلقَى عليه رداءَه وأَجارَه. قال: وكان الرجل إذا أَلْقَىَ ثوبَه على الرجل فقد أجاره، وأنشد:
ولَم أَدْرِ مَن أَلْقَى عليه رداءَه
…
ولكنّه قد سُلَّ من ماجِدٍ مَحْضِ (2)
وقوله: إذ وَلَّى دَبِيبا، يقول: دَبَّ إليه دَبِيبا يُخْفِيه حتى ألَقَى عليه الثوبَ.
ولولا نحن أَرهَقَه صُهيبُ
…
حُسامَ الحدّ مَذْروبا خَشِيبا
أرهَقَه: أغشاه. والمَذْروب: الحديد. والخَشِيب: الصقيل.
والحُسام: الحادّ. والخَشيب: الحديث عهدٍ بالصِّقال. والخَشْب: الطَّبعْ الأوّل، ثم صار كلّ صقيلٍ خَشيبا. أرهَقَه: أغشاه صُهَيب.
به ندعُ الكَمِىَّ على يديه
…
يخِرّ تَخالُه نَسْرا قَشِيبا
قشِيب: مسموم. وإنما يراد أنه سُقى القِشب، وهو خَرْبَق تُقتَل
(1) قد سبق هذا البيت فى شعر عبد مناف بن ربع مع شرحه، فانظره.
(2)
البيت لأبي خراش وسيأتى بعد ضمن مقطوعة له.
به النُّسور، وهو أن تَجعَل للنسر لحما (1) فيأكلَه، وكلّ مخربَقٍ قَشِيب ومُقَشَّب، وأنشد لطُفَيل:
* إلى وَكْرِه وكلّ جونٍ (2) مقشّبِ (3) *
قال: وإنّما ذكر النسورَ بهذا لأنّ النسور هي الّتى يُجعَل لهما فى الِجيَف القِشْب لتُقتَل، وكلّ مسموم مقشَّب.
غداةَ دعا بنى شجْعٍ ووَلَّى
…
يؤمّ الخَطْم لا يدعو مجِيبا
لا يدعو مجيبا، أي لا يدعو أحدا يجيبه. والخَطْم: موضع (4) أو جبل.
وقال أيضا (5)
لعلّك نافعى يا عُرْوَ يومًا
…
إذا جاورتُ من تحت القبورِ
إذا راحوا سِواىَ وأَسلمونى
…
لخَشْناءِ الحجارةِ كالبعير
(1) أي لحما خلط بالسم.
(2)
الجون: المسنّ.
(3)
هذا عجز البيت، وصدره:
كسين ظهار الريش من كل ناهض
…
إلى وكره. . . . . . . . الخ
يصف نبلا، وقبله:
رمت عن قسىّ الماسخىّ رجالنا
…
بأجود ما يختار من نبل يثرب
والماسخىّ: القواس. وهى قصيدة طويلة كان سببها أن (غنىّ) قبيله طفيل أغارت على طئ
فدخلوا سلمى وأجأ، وهما جبلان لطئ فسبوا سبايا كثيرة، فقال طفيل هذه القصيدة، وهى فى أوّل ديوانه المطبوع فى لندن، وأوّلها:
بالعفر دار من جميلة هيجت
…
سوالف حب فى فؤادك منصب
(4)
قال ياقوت: الخطم موضع دون سدرة آل أسيد، وأنشد هذا البيت الذى نحن بصدده.
(5)
كان سبب هذه القصيدة فيما ذكره صاحب الأغانى ج 21 ص 60 طبع بولاق أن بنى فهم وقيل بل بنى كنانة أسرت عروة بن مرة أخا أبى خراش، فلما دخلت الأشهر الحرم مضى أبو خراش إليهم ومعه=
إذا راحوا سِواى "يقول: إذا ذهبوا إلى مكانى (1) " لخشناء الحِجارة، أي لحفرة. وقوله:"كالبعير"، يعني ظهر القبرِ كأنه بعير بارِك.
أخذتَ خفارتى (2) وضَربتَ وجهى (3)
…
فكيف تُثيبُ بالمَنّ الكثير
يقول: أخذتَ ما أخذتَ وخَفَرْت، أي أخذتَ مالا كثيرا خفرت أهلَه فكيف تثيبنى بمنيّ.
=ابنه خراشُ، فنزل بسيد من ساداتهم، ولم يعرّفه نفسه، ولكنه استضافه، فأنزله وأحسن قراه، فلما تحرم به انتسب له وأخبره خبر أخيه، وسأله معاونته حتى يشتريه، فوعده بذلك، وغدا على القوم مع ذلك الرجل فسألهم فى الأسير أن يهبوه له، فما فعلوا. فقال لهم: فبيعونيه، فقالوا: أما هذا فنعم، فلم يزل يساومهم حتى رضوا بما بذله لهم، فدفع أبو خراش إليهم ابنه خراشا رهينة، وأطلق أخاه عروة ومضيا حتى أخذ أبو خراش فكاك أخيه وعاد به إلى القوم حتى أعطاهم إياه وأخذ ابنه، فبينا أبو خراش ذات يوم فى بيته إذ جاءه عبد له فقال له: إن أخاك عروة جاءنى وأخذ شاة من غنمك فذبحها ولطمنى لما منعته منها. فقال له: دعه. فلما كان بعد أيام عاد فقال له: قد أخذ أخرى فذبحها. فقال: دعه. فلما أمسى قال له: إن أخاك اجتمع مع شرب من قومه، فلما انتشى جاء إلينا وأخذ ناقة من إبلك لينحرها لهم، فعالجته فوثب أبو خراش إليه فوجده قد أخذ الناقة لينحرها، فطردها أبو خراش، فوثب أخوه عروة إليه فلطم وجهه وأخذ الناقة فعقرها وانصرف أبو خراش، فلما كان من غد لامه قومه وقالوا له: بئست لعمر الله المكافأة كانت منك لأخيك، رهن ابنه فيك وفداك بماله ففعلت به ما فعلت، فجاء عروة يعتذر إليه، فقال أبو خراش هذه القصيدة.
(1)
كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين فى الأصل، وهى لا تؤدى المعنى الذى أراده الشاعر من قوله:"إذا راحوا سواى" كما هو ظاهر؛ والمعنى الذى أراده الشاعر من البيت واضح.
(2)
الحفرة والحفارة (بضم الخاء فيهما) والخفارة والخفارة بفتح الخاء فى الأولى وكسرها فى الثانية: الأمان والذمة.
(3)
فى الأغانى ج 21 ترجمة أبي خراش "ولطمت عينى" مكان "وضربت وجهى".
بما يمّمتُه (1) وتركتُ بِكْرِى
…
بما أَطعمتُ مِن لحِم الجَزورِ
هذا مثل؛ يقول: كان عندي طعام طيّب فأطعمتُه إيّاه وتركتُ ولدى، فآثرتُه على نفسى وولدى. وبِكْره: ابنه. ويمّمت: قصدتُ له.
ويوما قد صبرتُ عليك نفسى
…
مع الأشهاد مرتدِىَ الحَرورِ
قوله: صبرتُ عليك نفسى: فى السَّفَر والعَزْوِ. والأشهاد: من شهد الوقعة، وهم كانوا شهِدوا معه. مع الأشهاد، أي مع الشهود على ما أقول. والحَرور يصيبنى أيضًا. والحَرور: السَّموم.
وقال أيضًا
أَواقِدُ لم أغرركَ فى أَمْرِ (2) واقِدٍ
…
فهل تنتهى عنّي ولستَ بجاهلٍ
يقول: لم آتِ فيما بينى وبينك أمرا ترى أنّى محسن فيه وأنا مسيء، فقد غررتُك، فهل أنتَ منتهٍ عنّى وأنت عاقل ولستَ بجاهل. ولم يعرف الأصمعىّ واقدا هذا. يقول: فلم أحمِلْك على غِرّة.
(1) ورد فى الأغانى ج 21 ص 61 قبل هذا البيت بيت آخر لم يرد فى هذه القصيدة، وهو:
إذا ما كان كس القوم روقا
…
وحالت مقلتا الرجل البصير
وفى اللسان (مادة كس)(إذا ما حال) وفسر الكس بأنه قصر الحنك الأعلى عن الأسفل. وفى عبارة أخرى أنه خروج الأسنان السفلى مع الحنك الأسفل، وتقاعس الحنك الأعلى، وهو كس وهي كساء، وأنشد صدر هذا البيت. وفى (مادة روق) فسر الروق بأنهم طوال الأسنان، والواحد روق، وأنشد صدر هذا البيت أيضًا.
(2)
فى النسخة الأوربية "أم" مكان "أمر"؛ وهو تحريف لا معنى له.
أواقِد لا آلوك إلاّ مهنَّدا
…
وجِلدَ أبِى عِجلٍ وثيق القبائلِ
قوله: لا آلوك أي لا أدَعُ جهدا فى أمرك ولا يكون جهدِى لك إلَاّ هذا المهنَّد، وهو السيف. وجِلد أبى عِجل، أي جِلد ثور قد عُمل منه تُرْس. وقوله: وثيق القبائل، وهى القِطع، والواحد قبيلة، يقول: عُمِل هذا االترسُ من قبيلتين أو ثلاتِ قبائل، وكذلك قبائل الرأس.
غَذاهُ من السِّرَّينِ (1) أو بطنِ حَلْيةٍ
…
فُروعُ الأَباءِ فى عَميمِ السوائلِ
الأباء: القصبِ. والعمِيم: ما اعتمّ من النبت فى سوائل المطر. والسوائل: الأماكن التى تسيل بالماء.
مِشَبّ إذا الثيران صَدّتْ طريقَه
…
تَصدَّ عن عنه دامِياتِ الشَّواكِلِ
المِشبّ: المَسِنّ، وهو الشَّبوب والشَّبَب. وقوله: صدّت طريقَه، أي ردّت طريقَه، وتصدّعن: تفرّقن. ويقال: تصدّع عنه القوم، إذا تفرقوا عنه. قال: والشاكلة: الطِفْطِفة التي بين بعض الجَنْب والوَرِك (2).
يَظَلّ على البَرْزِ اليَفاعِ كأنّه
…
طِرافٌ رستْ أوتادُه عند نازلِ
البَرْز: ما برز من الأرض. واليَفاع: ما ارتفع من الأرض. والطِّراف: بيتٌ من أَدَم. رست: ثَبتتْ.
(1) السرين: بليد قريب من مكة على ساحل البحر، بينه وبين مكة أربعة أيام أو خمسة. وفى حلية عدّة أقوال منها أنه واد بين أعيار وعليب يفرغ فى السرين؛ وقيل: إنه واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة؛ وقيل غير ذلك (ياقوت).
(2)
الطفطفة: كل لحم مضطرب، أو هي الرخص من مراق البطن. وقيل: هي أطراف الجنب المنضلة بالأضلاع.
وقال فى صديق له من آل صُوفة (1) خُدّام الكعبة فى الجاهليّة "كان حَذاهُ نعلين"
حَذانِى بعد ما خَذِمتْ نِعالى (2)
…
دُبَيّةُ إنّه نِعم الخليلُ
بمَوْرِكتيَنِ مِن صَلَوَىْ مِشَبٍّ
…
من الثّيران عَقْدُهماْ جميلُ
قال أبو سعيد: سمعتُ من يُنشِد.
بمَوْرِكتين شَدَّهمُا طُفَيْلٌ
…
بصَرّافَينِ عَقدُهما جَميلُ
يقول: بشِراكَين يَصْرفان (3)، ويروى مُقابَلتين، أي لهما زِمامان. وقوله:
بمَوْرِكَتين أي من الوَرِك
…
والصَّلَونِ: ما فوق الذَّنَب من الوَرِكين.
بِمثلِهما نروحُ نريد لهوًا
…
ويَقضِى حاجَه الرَّجل الرجيلُ
ويروى "ويَقضِى الهمَّ ذو الأَربِ الرَّجيلُ" والأَرب: الحاجة. والرَّجيل: القوىّ على المشى.
(1) صوفة: أبو حي من مضر وهو الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، سمى صوفة لأن أمه جعلت فى رأسه صوفة وجعلته ربيطا للكعبة يخدمها. قال الجوهرى: كانوا يخدمون الكعبة ويجيزون الحاج فى الجاهلية، أي يفيضون بهم من عرفات فيكونون أوّل من يدفع. وفى الأغانى ج 21 ص 57 طبع بولاق أن الذى حذا أبا خراش هاتين النعلين هو دبية السلمى وهو صاحب العزى، وأحد سدنتها، وكان قد نزل به أبو خراش فأحسن ضيافته، ورأى فى رجله نعلين قد أخلقنا فأعطاه نعلين من حذاء السيت، فقال أبو خراش هذه القصيدة يمدحه.
(2)
حذا الرجل نعلا: ألبسه إياها كأحذاء. وخذمت نعالى: تقطعت.
(3)
يصرفان، أي يصوّتان. وذكر فى اللسان (مادة صرف) أنه عنى شراكين لهما صريف.
فنِعمَ معرَّسُ الأضياف (1) تَذْحَى
…
رِحالهَم شآميَةٌ بَلِيلُ
تَذحَى: تسوق وتستخِفّ، ضربَه مَثَلا. ويقال: ذحا إذا ساق سَوْقا سريعا. وحدا (2) مِثلها، وهما لغتان، وأنشد أبو سعيد لرجل يرثى أبا عبيد:
وكأنمّا كانوا لمقتلِ ساعةٍ
…
بَرَدًا ذَحَتْه الرِّيحُ كلَّ مسِيلِ
ذحَتْه وحَدَتْه سواء. قال أبو سعيد: وفي هوازِن قبيلتان (3) دَحْوَة ودَحْيَة.
يُقاتِلُ جُوعَهم بمكلَّلاتٍ
…
من الفُرْنىِّ (4) يَرْعَبُهما الجَميلُ
يرعَبها، أي يملؤها. ويقال: رُعِبت الأودية مِن المطر. والجميل: الشحم المذاب. ويقال: رُعِب الوادى، وتركتُه مرعوبا، وأنشد لابن هرْمَة:
ما حازت العَرْبُ (5) من ثُعالةَ والرَّوْ
…
حاء منه (6) مرعوبةُ المُسُل
أي مملوءة منه.
(1) روى هذا البيت فى اللسان (مادة ذحا).
ونعم معرّس الأقوام تذحى
…
رحالهم. . . . . . . . الخ
وفسره فقال: أراد تذحى رواحلهم؛ وقيل: أراد أنهم ينزلون رحالهم فتأتى الريح فتستخفها فتقلعها فكأنها تسوقها وتطردها.
(2)
فى كلتا النسختين "حاذ" بالذال المعجمة؛ والألف زيادة من الناسخ؛ كما أننا نجد حذا بالمعجمة فيما راجعناه من كتب اللغة بالمعنى الذى ذكره، والذى وجدناه بهذا المعنى حدا ودحا بالدال المهملة فيهما.
(3)
ورد هذان الاسمان فى كلتا النسختين بالذال المعجمة؛ وقد أثبتناهما بالمهملة نقلا عن القاموس وشرحه مادتى (دحو ودحى).
(4)
الفرنىّ: خبز غليظ نسب إلى الفرن الذي يختبز فيه.
(5)
العرب بفتح العينُ وسكون الراء كما فى تاج العروس (مادة عرب) ناحية بالمدينة. وفى معجم البلدان بفتح العين وكسر الراء، وذكر أنها ناحية قرب المدينة، ولم يذكره معرّفا بالألف واللام.
(6)
منه أي من المطر. والمسل (بضمتين) نسايل الماء، وإنما جمعوا المسيل على مسل لتوهم أن الميم أصلية فيه؛ وقد ورد فى اللسان (مادة سيل) كلام كثير فى هذا الجمع فانظره ثم.