المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التلمساني - الإحاطة في أخبار غرناطة - جـ ٢

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثانى]

- ‌[تتمة قسم الثانى]

- ‌محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج ابن يوسف بن نصر الخزرجي

- ‌شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره:

- ‌الأحداث في أيامه:

- ‌الحادثة التي جرت عليه:

- ‌ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور:

- ‌ظرف السلطان وحسن توقيعه:

- ‌ومن ملوك النصارى:

- ‌بعض مناقب الدولة لهذا العهد:

- ‌الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة:

- ‌الغزاة إلى حصن أشر

- ‌الغزاة المعملة إلى أطريرة

- ‌الغزاة إلى فتح جيّان:

- ‌الغزاة إلى مدينة أبدة:

- ‌محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر ابن قيس الخزرجي الأنصاري

- ‌الملوك على عهده:

- ‌محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر ابن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، المنصور بن أبي عامر

- ‌غزواته وظهوره على أعدائه:

- ‌محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف ابن نعيم، لخمي النسب

- ‌توقيعه ونثره في البديهة:

- ‌محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي

- ‌ما نقم عليه ووصم به:

- ‌بعض الأحداث في أيامه، ونبذ من أخباره:

- ‌محمد بن يوسف بن هود الجذامي

- ‌بعض الأحداث في أيامه

- ‌محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد بن زيد بن الحسن ابن أيوب بن حامد بن زيد بن منخل الغافقي

- ‌حاله ونباهته ومحنته ووفاته:

- ‌خبر في وفاته ومعرجه:

- ‌محمد بن أحمد بن محمد الأشعري

- ‌محمد بن فتح بن علي الأنصاري

- ‌محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي ابن الزيات الكلاعي

- ‌محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج

- ‌محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن أرقم النّميري

- ‌محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار ابن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير بن عيّاش

- ‌محمد بن عبد الله بن منظور القيسي

- ‌محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني

- ‌محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد ابن أبي بكر بن سعد الأشعري المالقي

- ‌محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد ابن ناصر بن حيّون بن القاسم بن الحسن بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه

- ‌محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى ابن عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي بن داود القرشي المقري

- ‌محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي

- ‌محمد بن عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى ابن عياض اليحصبي

- ‌محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن سعيد ابن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام بن مروان ابن عبد السلام بن جبير الكناني

- ‌محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن شبرين

- ‌محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن يحيى بن محمد بن الحكيم اللخمي

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي ابن محمد اللّوشي اليحصبي

- ‌محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى ابن الحكيم اللخمي

- ‌محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري

- ‌محمد بن مالك المرّي الطّغنري

- ‌محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي

- ‌محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي

- ‌محمد بن علي بن العابد الأنصاري

- ‌محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي

- ‌محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم ابن علي الغسّاني البرجي الغرناطي

- ‌محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف ابن محمد الصّريحي

- ‌محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبّائي

- ‌محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجّي الحميري

- ‌محمد بن أحمد بن علي الهوّاري

- ‌محمد بن أحمد بن الحدّاد الوادي آشي

- ‌محمد بن إبراهيم بن خيرة

- ‌محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي

- ‌محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري

- ‌محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم

- ‌شعره ودخوله غرناطة

- ‌محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي

- ‌محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي

- ‌محمد بن محمد بن حزب الله

- ‌محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل

- ‌محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي

- ‌محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي

- ‌محمد بن محمد بن الشّديد

- ‌محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد ابن أبي الخصال الغافقي

- ‌محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي

- ‌محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي

- ‌محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي

- ‌محمد بن عبد الله بن الحاج البضيعة

- ‌محمد بن عبد الله بن فطيس

- ‌محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن فتوح بن محمد بن أيوب بن محمد بن الحكيم اللخمي ذو الوزارتين

- ‌محمد بن عبد الرحمن العقيلي الجراوي

- ‌محمد بن عبد الرحمن المتأهل

- ‌محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي

- ‌حظوته ودخوله غرناطة:

- ‌محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عيّاش التّجيبي البرشاني

- ‌بعض أخباره مع المنصور ومحاورته الدّالة على جلالة قدره:

- ‌محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني

- ‌محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد ابن خاتمة الأنصاري

- ‌محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزّهري

- ‌محمد بن غالب الرّصافي

- ‌محمد بن قاسم بن أبي بكر القرشي المالقي

- ‌محمد بن سليمان بن القصيرة

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني

- ‌محمد بن حسن العمراني الشريف

- ‌محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي ابن العشاب

- ‌محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي

- ‌محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التّلمساني

- ‌محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي

- ‌محمد بن علي بن الحسن بن راجح الحسني

- ‌محمد بن علي بن عمر العبدري

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التلمساني

واعرف له الفضل وعرّف به «1»

حيث أحلّ النّفس من قصده

ومما خاطبني به قوله «2» : [الوافر]

وليت ولاية أحسنت فيها

ليعلم أنها شرفت بقدرك

وكم وال أساء فقيل فيه

دنيّ القدر ليس لها بمدرك

وأنشدني في ذلك أيضا رحمة الله عليه «3» : [الوافر]

وليت فقيل أحسن «4» خير وال

ففاق «5» مدى مداركها بفضله

وكم وال أساء فقيل فيه «6»

دنا فمحا محاسنها بفعله

وممّا خاطب به السلطان يستعديه على من مطله من العمال، وعذّر عليه واجبه من الطعام والمال:[مخلع البسيط]

مولاي نصرا «7» ، فكم يضام

من ما له غيرك اعتصام

أمرت لي بالخلاص فامرر «8»

لي عنده المال والطعام

فقال ما اعتاده جوابا

وحسبي الله والإمام

هذا مقام ولا فعال

بغير مولاي والسلام

وفاته: فقد في وقيعة على المسلمين من جيش مالقة بأحواز إستبّة «9» في ذي قعدة من عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة.

‌محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التّلمساني

يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن خميس «10» .

ص: 376

حاله: من عائد الصلة «1» : كان، رحمه الله، نسيج وحده زهدا وانقباضا، وأدبا وهمّة، حسن الشّيبة، جميل الهيئة، سليم الصّدر، قليل التّصنّع، بعيدا عن الرّياء والهوادة «2» عاملا على السياحة والعزلة، عالما «3» بالمعارف القديمة، مضطلعا بتفاريق النّحل، قائما على صناعة «4» العربية والأصلين، طبقة الوقت في الشعر، وفحل الأوان في النظم «5»

المطوّل، أقدر الناس على اجتلاب الغريب، ومزج «6» الجزالة بالسّلاسة، ووضع الألفاظ البيانيّة مواضعها، شديد الانتقاء والإرجاء، خامد نار الرّوية، منافسا في الطريقة منافسة كبيرة. كتب بتلمسان عن ملوكها من بني زيّان، ثم فرّ عنهم، وقد أوجس منهم خيفة، لبعض ما يجري بأبواب الملوك. وبعد ذلك بمدة، قدم غرناطة، فاهتزّ الوزير ابن الحكيم لتلقّيه، ومتّ إليه بالوسيلة العلمية، واجتذبه بخطبة التلميذ، واستفزّه بتأنيسه وبرّه، وأقعده للإقراء بجواره. وكان يروم الرّحلة، وينوي السفر، والقضاء يثبّطه. حدّثني شيخنا الرئيس أبو الحسن بن الجياب، قال: بلغ الوزير أبا عبد الله «7» الحكيم أنه يروم السفر، فشقّ ذلك عليه، وكلّفنا «8» تحريك الحديث بحضرته. وجرى ذلك، فقال الشيخ: أنا كالدّم بطبعي، أتحرّك في كل ربيع.

شعره: وشعره بديع، فمن ذلك قوله يمدح أبا سعيد بن عامر، ويذكر الوحشة الواقعة بينه وبين أبي بكر بن خطّاب «9» :[الوافر]

مشوق زار ربعك يا إماما

محا آثار دمنتها التثاما «10»

تتبّع ريقة الطّلّ ارتشافا

فما «11» نفعت ولا نقعت أواما

وقبّل خدّ وردتها جهارا

وما راعى لضرّتها ذماما

وما لحريم بيتك أن يدانى

ولا لعليّ «12» قدرك أن يساما

ص: 377

ولكن عاش في رسم لمغنى «1»

تجشّمه سلاما واستلاما

تنفّس روضة المطلول وهنا

فحنّ وشمّ «2» ريّاه فهاما

تلقى طيب ب

ته «3» حديثا

روت مسندا عنه النّعاما

فيا نفس الصّبا إن جئت ساحا

ولم تعرف لساكنها مقاما

وأخطأت الطريق إلى حماها

فردّتك العرادة والخزاما

فلا تبصر بسرحتها قضيبا

ولا تذعر بمسرحها سواما

وعانق قربانتها ارتباطا

وصافح كفّ سوسنها التزاما

ونافح عرف زهرتها كبا

تعاطك ماء ريقتها مداما

ويا برقا أضاء على أوال

يمانيّا متى جئت الشّآما

أثغر إمامة أنت ابتساما

أم الدّرّ الأوامى انتظاما؟

خفقت ببطن واديها لوا

ولحت على ثنيّتها حساما

أمشبه قلبي المضني احتداما

على م ذدت عن عيني المناما؟

ولم أسهرتني وطردت عني

خيالا كان يأتيني لماما؟

وأبلغ منه تأريقا لجفني

كلام أثخن الأحشا كلاما

تعرّض لي فأيقظت القوافي

ولو ترك القطا يوما لناما

وقيل وما أرى يومي كأمسي

جدعت رواطبا وقلبت هاما

وجرّعت العدوّ سمّا زعافا

فكان لحسد موتا زواما

دعوت زعيمهم ذاك ابتياسا

ورعت خميسهم ذاك اللّماما

نزعت شواه كبشهم نطاحا

ولم أترك لقرمهم سناما

أضام وفي يدي قلبي لماذا

أضام أبا سعيد أو علاما؟

به وبما أذلق من لساني

أفل الصارم العضب انهزاما

وغرام الوزير أبي سعيد

أصرفه إذا شئت انتقاما

به وبنجله البرّ انتصاري

لما أكلوه من لحمي حراما

أعثمن بن عامر لا تكلني

لدهر علّم الشحّ الغماما

وردت فلم أرد إلّا سرابا

وشمت فلم أشم إلّا جهاما

ص: 378

قطعت الأرض طولا ثم عرضا

أزور بني ممالكها الكراما

وجاجاني على كرم نداهم

وأعجلت الخوافي والقداما

وذلّلت المطامع من إبائي

وقبّلت البراجم والسّلاما

ومن أدبي نصبت لهم حبالا

أصيد بها النّعام ولا النّعامى

فلم أر مثل ربعي دار أنس

ولم أر مثل عثمن إماما

ولا كأبيه أو كنى أبيه

أبيّ يحيي غيوثا أو رهاما

كفاني بابن عامر خفض عيش

ورفع مكاتبي إلّا أضاما

وإني من ولائك في يفاع

أقابل منهم بدرهم التّماما

ومن شعره، رحمه الله، قوله «1» :[الطويل]

تراجع من دنياك ما أنت تارك

وتسألها «2» العتبى وها هي فارك «3»

تؤمّل بعد التّرك رجع ودادها

وشرّ وداد ما تودّ التّرائك

حلا لك منها ما خلا «4» لك في الصّبا

فأنت على حلوائه متهالك

تظاهر بالسّلوان عنها تجمّلا

فقلبك محزون وثغرك ضاحك

تنزّهت عنها نخوة لا زهادة

وشعر عذاري أسود اللون حالك

ليالي تغري بي وإن هي أعرضت

زنانب من ضوّاتها وعواتك

غصون قدود في حقاف روادف

تمايل من ثقل بين الأرائك

تطاعنني منهن في كل ملعب

ثديّ كأسنان الرماح فواتك

وكم كلّة فيها هتكت ودونها

صدور العوالي والسّيوف البواتك

ولا خدن إلّا ما أعدت ردينه

لطالبها أو ما تحيّر هالك

تضلّ فواد المرء عن قصد رشده

فواتر ألحاظ للظّبا الفواتك

وفي كل سنّ لابن آدم وإن تطل

سنوه طباع جمّة وعوائك

وإلّا فما لي بعد ما شاب مفرقي

وأعجز رأيي عجزهنّ «5» الرّكارك

ص: 379

أجوب إليها كلّ بيداء مملق

ترافقني فيها الرجال الحواتك «1»

وأسترشد الشّهب الشوابك جار

إذا اشتبهت فيها عليّ المسالك

نهازز أمثال الجياد تؤودة

اغوارب أمثال الهضاب توامك

ظماء وما غير السّماوة مورد

وينحى وما دون الصآة مبارك

ذواهل عن عضّ الرجال ظهورها

إذا ما اشتكت عضّ السروج الموارك

إذا ما نبا عن سنبك الأرض سنبك

هلعن فلانت تحتهنّ السّنابك

تقدّ بنا في كل قاع وفدفد

بوائكها والمنغيات الدّراهك

فأمامها ريّ كالسحاب موالع

وأمامها ركّا كالرّياح بواشك

قلاص بأطواف الجديل بوالع

وجرد لأوساط الشّكيم عوالك

ترامى بها نياقها كلّ مرتمى

فهنّ نواح للرّدى أو هوالك

وكم منزل خلّيته لطلابها

تعفّيه تعدي السّافيات السّواهك

يمرّ به زوّاره وعفاته

وما إن به إلّا لصوق حبائك

وآثارتنا تقادم عهدهم

وهنّ عليه جاثيات بوارك

لوارب أفراس ونؤى حذاة

ثلاث أثاف كالحمام سوادك

تمرّ عليه نسمة الفجر مثلما

تمرّ على طيب العروس المداوك

وأركب كالشّهد ينفح برده

لمجهول حسيّ ما له للدّهر مبانك

ويطلبها منّي غريم مماحك

ويمطلني منها عديم مماعك «2»

أحاول منها ما تعذّر في الصّبا

ومن دونه وقع الحمام المواشك

يسلّي الفتى منها وإن راق حسنها

حسائف لا تحصى هنا ومبارك

فمنها ملال دائم لا تملّه

تزوّر إفك عن رضى الحق آفك

تهاون بالإفك الرجال جهالة

وما أهلك الأحياء إلّا الأفايك

تزن طول تسهادي وقدري تململي

طوال الليالي والنجوم النّوابك

تغير على الدهر منه جحافل

كأن مدوّم الرّجم فيها نيازك

فليت الذي سوّدت فيها معوّض

بما بيّضت مني دجاها الحوالك

ألا لا تذكّرني تلمسان والهوى

وما دهكت منّا الخطوب الدّواهك

فإنّ ادّكار ما مضى من زمانها

لجسمي وللصّبر الجميل لناهك

ص: 380

ولا تصفن أمواهها لي فإنها

لنيران أشواقي إليها محارك

ومن حال عن عهد أو اخفر ذمّة

فإني على تلك العهود لرامك

سقى منزلي فيها وإن محّ رسمه

عهاد الغوادي والدّموع السّوافك

وجادت ثرى قبر بمسجد صالح

رواعدها والمدخمات الحواشك

ولا أقلعت عن دار يونس مزنة

يروّي صداه قطرها المتدارك

إلى أن يروق النّاظرين رواؤها

ويرضي الرّعاوى نبتها المتلاحك

ويصبح من حول الحيا في عراصها

زراق تحاكي بسطها ودرانك «1»

ولا برحت منه ملائكة الرّضى

تصلّي على ذاك الصّدى وتبارك

وطوبى لمن روى منازله الحيا

وبشرى لمن صلّت عليه الملائك

ألا ليت شعري هل تقضّى لبانتي

إذا ما انقضت عشر عليها دكادك

وهل مكّن الطّيف المغبّ زيارة

فيرقب أو تلقى إليه الرّوامك

وهل تغفل الأيام عنها بقدر ما

تؤدي إليها بالعتاب الحالك

ويا ليت شعري أي أرض تقلّني

إذا كلّ عن رحلي الجلال اللكالك

وأي غرار من صفاها يحثني

إذا فقدتني مسّها والدّكادك

إذا جهل الناس الزمان فإنني

بدونهم دون الأنام لحاتك

تثبّت إذا ما قمت تعمل خطوة

فإن بقاع الأرض طرّا شوائك

ولا تبذلن «2» وجها لصاحب نعمة

فما مثل بذل الوجه للسّتر هاتك

تجشّم إن «3» استطعت واحذر أذاهم

ولا تلقهم إلّا وهرّك شانك

فكلّ على ما أنعم الله حاسد

وكلّ إذا لم يعصم الله حاسك

ولا تأس «4» ريبة الزمان فإنه

بمن فات منّا لا محالة فاتك

تمنّى مصاب بربر وأعاره

وترضى ذكامي فارس والهنادك

وبدّرت ليل الجون حوض لجاجها «5»

وتعرف إقدامي عليها المهالك

فما أذعنت إلّا إليّ عشار

ولا أصفقت إلّا عليّ الشكاشك

ولا قصدت إلا فنائي وقودها

ولن أملت إلّا قتامي الضرارك

به شرفت أذواؤها وملوكها

كما شرفت بالنّويهار البرامك

ص: 381

فلا تدعون غيري لدفع ملمّة

إذا ما دهى من حادث الدهر داهك «1»

فما إن لذاك الصوت غيري سامع

وما إن لبيت المجد بعدي سامك «2»

يغصّ ويشجى نهشل ومجاشع

بما أورثتني حمير والسكاسك «3»

تفارقني روحي «4» التي لست غيرها

وطيب ثنائي «5» لاصق بي صائك «6»

وماذا عسى ترجو لداتي وأرتجي

وقد شمطت منا «7» اللّحا والأفانك «8»

يعود لنا شرخ الشّباب الذي مضى

إذا عاد للدّنيا عقيل ومالك

ومن شعره أيضا قوله: [الكامل]

سحّت بساحك يا محلّ الأدمع

وتصرّمت سقّا عليك الأضلع

ولطالما جادت ثرى الآمال من

جاوي مؤمّلك الغيوث الهمّع

لله أيام بها قضّيتها

قد كنت أعلم أنها لا ترجع

فلقد رشفت بها رضاب مدامة

بنسيم أنفاس البديع تشعشع

في روضة يرضيك منها أنها

مرعى لأفكار النّدام ومشرع

تجري بها فقر سكنت رهانها

أجدى بميدان الكلام وأسرع

فقر كريعان الشباب وعهدنا

بجنابها وهو الجناب الأمنع

نفّاثة الأنواء في عقد الثّرى

والنّفث في عقد الثّرى لا يمنع

حتى إذا حاك الربيع برودها

وكسا رباها وشيه المتنوّع

بدأت كمائم زهرها تبدي بها

بدعا تفرّق تارة وتجمّع

قد صمّ منها ما تجمّع مغلق

إذ بتّ منها ما تفرّق مصقع

وكلاهما مهما أردت مسالم

ومحارب ومؤمّن ومروّع

كلّ له شرع البيان محلّل

ومنكر «9» في مثل هذا مدفع

حيث ازدهت أنوار كلّ حديقة

أدبا ينظّم تارة ويسجّع

ص: 382

فمرجّل من رقمها ومهلّل

ومسمّط من نظمها ومصرّع

أبدى البديع بها بدائع صنعه

فمجنّس ومبدّل ومرصّع

وموشّح ومرشّح ومصدّر

ومكرّر ومفرّع ومتبّع

كلّ يروق بها بحسن روائه

وإذا تزين به كلامك تبرع

ولقد غدوت بها وفي وكناتها

طير لها فوق الغصون ترجّع

بمطهّم الفكر الذي ما إن له

إلّا بمستنّ الأدلّة مرتع

قيد المطالب لا نزال «1» نحبّه

بين الجياد لعتقه أو يوضع

أرمى به الأمد البعيد وإنه

حمل يضلّ به الدليل الأصمع

من بعد ما عفت السّواري سبله

ومحت معالمه الرّياح الأربع

لكنني جدّدت داثر رسمه

فطريقه من بعد ذلك مهيع

أوضحت فهم حدوده وضروبه

والكلّ في كلّ المسالك ينفع

حتى وردت من السماع مواردا

فيها لظمآن المباحث مكرع

مع كل مصقول الذكاء فحدسه

لذكاء أسرار الطبائع مطلع

يرتاد من نجع العناصر نجعة

فيها مصيف للعقول ومربع

لا شيء أبدع من تجاورها وما

يبدى «2» بها ذاك التجاور أبدع

فإذا تشعشع مزجها أورى بها

نار الحباحب مرجها المتشعشع

فمكين سرّ حياته بحبابها

من بعد قدح زنادها مستودع

وهنا تفاض عليه صورته التي

لبهائها شمّ الطبائع تخضع

من واهب الصّور التي قد خصّها

ببديع حكمته الحكيم المبدع

ربّ له في كل شيء حكمة

يقضي بها البدعيّ والمتشرّع

وحللت من أرض الرياضة أربعا

نفسي الفداء لها وهذي الأربع

قامت زواياها فما أوتادها

إلّا تقوّم ما تقيم الأضلع

وتناسب أقدارها نسبا لها

لو كنت تبصرها فروع فرّع

فأجلّ ما قد سمته بحلولها

من بارق لجناب رشدي يلمع

لا شك أنّ وراءه مطرا له

في كل ضرب من قياسي موقع

بحر رويّ مترع ملّاحه

من فيضه هذا الرّويّ المترع

ص: 383

لم لا أضيع بها عهاد مدامعي

إني إذا لعهودها «1» لمضيّع

خلّيّ، لو لم تسعداني في البكا

لقطعت من حبليكما ما يقطع

أرأيتما نفسا تفارق جسمها

وبه تنعّمها ولا تتوجّع؟

عظمت رزيّتها وأيّ رزيّة

ظلّت لها أكبادنا تتصدّع

هذي حمامك، يا عليّ، سواجع

وأخالها أسفا عليها تسجع

إن طارحتني ورقها فبأضلعي

شوق يطارحه ادّكار موجع

آه على جسمي الذي فارقته

لا كنت ممّن جسمه لا يرجع

ومن العجاب رجوع ما أودى به

دهر بتشتيت «2» الأحبّة مولع

الجور منه إذا استمرّ طبيعة

والعدل منه إذا استقام تطبّع

هذي عقوبة زلّة سلفت بها

من أكل طعمته التي لا تشبع

قد كنت أمنع رسخ نفسي قبلها

واليوم أوجب أنّه لا يمنح

لم لا وقد أصبحت بعد محلّة

فيها السحائب بالرغائب تهمع؟

دار يدرّ الرزق من أخلاقها

ولكم دعا داع بها من يوضع

وكأنّ مجلسها البهيّ بصدرها

ملك بأعلى دسته متربّع

وكأنّ مجمر عنبر بفنائها

يذكي وما «3» قد سيف منه يسطع

وكأنها المتوكلية بهجة

وعليّ بن الجهم فيها يبدع

في حجر ضبّ خافض بجواره

من كان قبل له العوامل ترفع

يا نفثة المصدور كم لك قبلها

من زفرة بين الجوانح تسفع

وعساك تنقع غلّة بك إنها

بجحيم ما أسبلته لا تنقع

لله أنت مذاعة أودعتها

من كل سرّ بالضمائر يودع

بدويّة في لفظها ونظامها

حضرية فيما به يترجّع

لم لا تشفع في الذي أشكو بها

ومثالها في مثله يتشفّع؟

كملت وما افترعت فأيّ خريدة

لو كان يفرعها همام أروع

بارت عليّ فأصبحت لحيائها

مني بضافي مرطها تتلفّع

ص: 384

ومن شعره قوله يمدح ذا الوزارتين أبا عبد الله بن الحكيم، وهي من مشاهير أمداحه «1» :[الطويل]

سل الرّيح إن لم تسعد السّفن أنواء

فعند صباها من تلمسان أنباء

وفي خفقان البرق منها إشارة

إليك بما تنمي إليها «2» وإيماء

تمرّ الليالي ليلة بعد ليلة

وللأذن إصغاء وللعين إكلاء «3»

وإني لأصبو للصّبا كلّما سرت

وللنّجم مهما كان للنّجم إصباء «4»

وأهدي إليها كلّ حين «5» تحيّة

وفي ردّ إهداء التحية إهداء

وأستجلب النوم الغرار ومضجعي

قتاد كما شاءت نواها وسلّاء «6»

لعلّ خيالا من لدنها يمرّ بي

ففي مرّه بي من جوى الشوق إبراء

وكيف خلوص الطّيف منها وحولها «7»

عيون لها في كلّ طالعة راء

وإني لمشتاق إليها ومنبئ

ببعض اشتياقي لو تمكّن إنباء

وكم قائل تفنى غراما بحبّها

وقد أخلقت منها ملاء وأملاء «8»

لعشرة أعوام عليها تجرّمت

إذا مضى قيظ بها جاء إهراء «9»

يطنّب فيها عائثون وخرّب «10»

ويرحل عنها قاطنون وأحياء «11»

كأنّ رماح الذاهبين «12» لملكها

قداح، وأموال المنازل أبداء «13»

فلا تبغين فيها مناخا لراكب

فقد قلّصت منها ظلال وأفياء

ومن عجبي «14» أن طال سقمي ونزعها

وقسّم إضناء علينا وإطناء «15»

وكم أرجفوا غيظا بها ثم أرجأوا

فيكذب إرجاف ويصدق إرجاء

ص: 385

يردّدها عيّابها «1» الدّهر مثلما

يردّد حرف الفاء في النطق فأفاء

فيا منزلا نال الردى منه ما اشتهى

ترى وهل لعمر الأنس بعدك إنساء «2» ؟

وهل للظى الحرب التي فيك تلتظي

إذا ما انقضت أيام بوسك إطفاء؟

وهل لي زمان أرتجي فيه عودة

إليك ووجه البشر أزهر وضّاء؟

فواسيئي حالي «3» إن هلكت ولم أقل

لصحبي بها الغرّ الكرام ألا هاؤا

ولم أطرق الدّير «4» الذي كنت طارقا

كعادى «5» وبدر الأفق أسلع مشناء «6»

أطيف به حتى تهرّ كلابه

وقد نام عسّاس وهوّم سبّاء

ولا صاحب إلّا حسام «7» ولهذم

وطرف لخدّ الليل مذ كان وطّاء

وأسحم قاريّ كشعري حلكة

تلألأ فيه من سنى الصبح أضواء

فما لشرابي في سواك مرارة «8»

ولا لطعامي دون بابك «9» إمراء

ويا داري الأولى بدرب حلاوة «10»

وقد جدّ عيث في بلاها وإرداء

أما آن أن يحمى حماك كعهده

وتجتاز أحماش «11» عليك وأحماء؟

أما آن أن يعشو لنارك طارق

جنيب له رفع إليك ودأداء؟ «12»

يرجّي نوالا أو يؤمّل دعوة

فما زال قار في ذراك وقرّاء

أحنّ لها ما أطّت النّيب حولها

وما عاقها عن مورد الماء أظماء «13»

فما فاتها مني نزاع على النّوى

ولا فاتني منها على القرب إجشاء «14»

ص: 386

كذلك جدّي في صحابي وأسرتي

ومن لي به من «1» أهل ودّي إن فاؤوا «2»

ولولا جوار ابن الحكيم محمد

لما فات نفسي من بني الدهر إقماء «3»

حماني فلم تنتب محلّي نوائب

بسوء ولم ترزأ فؤادي أرزاء

وأكفاء «4» بيتي في كفالة جاهه

فصاروا عبيدا لي وهم لي أكفاء

يؤمّون قصدي طاعة ومحبة

فما عفته عافوا وما شئته شاءوا «5»

دعاني إلى المجد لذي كنت آملا

فلم يك لي عن دعوة المجد إبطاء

وبوّأني من هضبة العزّ تلعة

يناجي السّها منه «6» صعود وطأطاء «7»

يشيّعني منها «8» إذا سرت حافظ

ويكلأني منها إذا نمت كلّاء «9»

ولا مثل نومي في كفالة غيره

وللذّئب إلمام وللصّلّ إلماء

بغيضة ليث أن بمرقب خالب

تندّ «10» كسا فيه وتقطع أكساء

إذا كان لي من نائب الملك كافل

ففي حيثما هوّمت كنّ وإدفاء

وإخوان صدق من صنايع جاهه

يبادرني منهم قيام وإيلاء

سراع لما يرجى من الخير عندهم

ومن كلّ ما يخشى من الشّرّ أبراء «11»

إليك أبا عبد الإله صنعتها

لزوميّة فيها لوجدي إفشاء

مبرّاة مما يعيب لزومها

إذا عاب إكفاء سواها وإيطاء «12»

أذعت بها السّرّ الذي كان قبلها

عليه لأحناء الجوانح إضناء

وإن لم يكن كلّ الذي كنت آملا

وأعوز إكلاء فما عاز إكماء «13»

ومن يتكلّف مفحما شكر منّة

فما لي إلى ذاك التكلّف إلجاء

إذا منشد لم يكن عنك ومنشئ

فلا كان إنشاد ولا كان إنشاء

ص: 387

ومن شعره قوله: [المتقارب]

أطار فؤادي برق ألاحا

وقد ضمّ بعد لوكر جناحا

كأنّ تألّقه في الدّجى

حسام جبان يهاب الكفاحا

أضاء وللعين إغفاءة

تلذّ إذا ما سنا الفجر لاحا

كمعنى خفيّ بدا بعضه

وزيد بيانا فزاد اتّضاحا

كأن النجوم وقد غربت

نواهل ماء صدرن قماحا

لواغب باتت تجدّ السّرى

فأدركها الصبح روحي طلاحا

وقد لبس الليل أسماله

فمحّت عليه بلا وانصياحا

وأيقظ روض الرّبا زهره

فحيّا نسيم صباه الصّباحا

كأنّ النهار وقد غالها

مبيت مال حواه اجتياحا

أتى يستفيض دموعي امتياحا

ويلهب نار ضلوعي اقتداحا

فلم يلق دجن انتحابي شحيحا

ولم يلف زند اشتياقي شحاحا

ولولا توقّد نار الحشا

لأنفدت ماء جفوني امتياحا

وممّا يشرّد عني الكرى

هديل حمام إذا نمت صاحا

ينوح عليّ وأبكي له

فأقطع ليلي بكا أو نياحا

أعين، أريحي أطلت الأسى

عليك وما زدت إلّا انتزاحا

دعيني أرد ماء دمعي فلم

أرد بعد مائك ماء قراحا

أحنّ إليك إذا سفت ريحا

وأبكي عليك إذا ذقت راحا

وأفنى التياحا إليك وكم

أشحت بوجهي عنك اتّشاحا

ولولا سخائم قوم أبوا

إيابي ركبت إليك الرّياحا

أباحوا حماي وكم مرة

حميت حمى عرضهم أن يباحا

ودافعت عنهم بشعري انتصارا

فكان الجزاء جلائي المتاحا

أباعوا ودادي بخسا فسل

أكان سماحهم بي رباحا؟

وأغروا بنفسي طلابها

سرارا فجاءوا لقتلي صراحا

وآلوا يمينا على أنّ ما

توهّمت لم يك إلّا مزاحا

فشاورت نفسي في ذا فما

رأت لي بغير الفلاة فلاحا

فبتّ أناغي نجوم الدّجى

نجاء فلم ألق إلّا نجاحا

ص: 388

أجوب الدياجير وحدي ولا

مؤانس إلّا القطا والسّراحا «1»

وإلّا الثعالب تحتس في

مبيتي فتملأ سمعي ضباحا «2»

أجوز الأفاحيص فيحا قفارا

وأعرو الأداحيّ غبرا فساحا «3»

فأعيي شوارد هذي عداء

وأعلو لواغي تلك صياحا

وجوّاب بدو إذا استنبحوا

أجابوا عواء وأمّوا النّباحا

يرون قتالي في الحجر حلّا

وإذهاب نفسي فيه مباحا

قصدت هناهم فلم أخطهم

أعاجم شوس العيون قباحا

فسل كيف كان خلاصي من

أسارهم أسرى أم سراحا؟

ولا مثل بيت تيمّمته

فلم ألف إلّا الغنا والسّماحا

عيابا ملاء ونيبا سمانا

وغيدا خدالا وعودا أقاحا «4»

وإلّا أعاريب شمّ الأنوف

كرام الجدود فصاحا صباحا

وإلّا يعافير سود العيون

يرين فساد المحبّ صلاحا

يردّدن فينا لحاظا مراضا

يمرّضن منّا القلوب الصّحاحا

وتحت الوجاح طلا ربرب «5»

لو أنّ «6» القيان رفعن الوجاحا

أراني محاسن منه فلم

أطق عن حماه بقلبي براحا

محيّا وسيما وفرعا أثيثا

وقدّا قويما وردفا رداحا

وأبدى لعيني بدائع لم

يدع لي عقلا بها حين راحا

إذا لم يرد غير سفك دمي

فحلّ وبلّ «7» له ما استباحا

وما زلت سمحا بنفسي كذا

متى ما رأيت الوجوه الملاحا

وبابن رشيد تعوّذت من

هواه فقد زدت فيه افتضاحا

وقد ضاق صدري عن كتمه

وأودعته جفن عيني فباحا

ص: 389

وبابن رشيد تعوّذت من

خطوب أجلن عليّ القداحا

ألحّ الزمان بأحداثه

فألقيت طوعا إليه السّلاحا

أعاد شبابي مشيبا كما

سمعت وصيّر نسكي طلاحا «1»

وفرّق بيني وبين الأهيل

ولم ير ذا عليه جناحا

أخي وسمييّ، أصخ مسعدا

لشجو حزين إليك استراحا

فقد جبّ ظهري على ضعفه

كداما وأدهى شواتي نطاحا «2»

وطوّح بي عن تلمسان ما

ظننت فراقي لها أن يتاحا

وأعجل سيري عنه ولم

يدعني أودّع تلك البطاحا

نأى بصديقك عن ربعه

فكان له النّأي موتا صراحا «3»

وكان عزيزا على قومه

إذا هاج خاضوا إليه الرّماحا

فها هو إن قال لم يلتفت

إليه امتهانا له واطّراحا

عجبت لدهري هذا وما

ألاقي مساء به وصباحا

لقد هدّ منّي ركنا شديدا

وذلّل منّي حياء لقاحا

وقيت الرّدى من أخ مخلص

لو اسطعت «4» طرت إليه ارتياحا

وإني على فيح ما بيننا

لأتبع ذاك الشّذا حيث فاحا

أحنّ إليه حنين الفحول

ونوح الحمام إذا هو ناحا

وأسأل عنه هبوب النّسيم

وخفق الوميض إذا ما ألاحا

وإن شئت عرفان حالي وما

يعانيه جسمي ضنى أو صحاحا

فقلب يذوب إليك اشتياقا

وصدر يفاح إليك انشراحا

وغرس وداد أصاب فضاء

نديّا وصادف أرضا براحا

كراسخ مجد تأثّلته

فلم تخش بعد عليه امتصاحا

وعلياء بوّئتها لو بغى

سموّا إليها السّماك لطاحا

مكارم جمّعت أفذاذها

فكانت لعطف علاك وشاحا

ودرس علوم تهيم بها

عمرت الغدوّ به والرّواحا

ص: 390

نشأت عن الخير واعتدته

فلم تدر إلّا التّقى والصّلاحا

وقمت لها أيّما رحلة

كسحت المعارف فيها اكتساحا

بهرت رجال الحديث اقتداء

وفتّ رجال الكمال اقتراحا

فما إن جليس إذا قلت قال

أو أنّ «1» الخطيب إذا لحت لاحا

ولو لم تحجّ بها مكة

لحجّ الملائك عنك صراحا

وأما أنا بعد نهي النّهى

فما زادني الطّبع إلّا جماحا

أدير كؤوس هواي اغتباقا

وأشرب ماء دموعي اصطباحا

فبرّد جواي بردّ جواب

توبّخ فيه مشي الوقاحا

وهنّ بنيّات فكري وقد

أتيتك فاخفض لهنّ الجناحا

ومن شعره، رحمه الله، وله يمدح ذا الوزارتين المتقدم ذكره، ويذكر غفارة وجّهها له مع هدية:[الكامل]

كبت العدى، إنعامك البغت

فلي الهناء «2» وللعدى الكبت

يا من إلى جدوى أنامله

يزجى السّفين وتزجر البخت «3»

لولاك لم يوصل بناحية

وخد ولم يقطع بها دشت «4»

لولاك لم يطلع بها نشر

منه ولم يهبط بها خبت

خوّلتني ما لم تسعه يدي

فأصابني من كثره غمت «5»

شتّى أياد كلما عظمت

عندي تلكّأ خاطري الهتّ «6»

يعيا لساني عن إذاعتها

ويضيق عن شكري لها الوقت

وطّأت لي الدنيا فلا عوج

فيما أرى منها ولا أمت

أمكنتني منها فما ليدي

ردء ولا لمقالتي عتّ

بالغت في برّي ولا نسب

أدلي إليك به ولا حسب

ص: 391

لكنّ حسبي إن متتّ به

يوما إليك ودادي البحت

بوركت من رجل برؤيته

يوسى الضّنى ويعالج الغتّ «1»

لو سار في بهماء مقفرة

في حيث لا ماء ولا نبت

لتفجّر الماء النّمير بها

ولأعشبت أرجاؤها المرت

لا تحسبنّ البخت نيل غنى

نيل الرضا منه هو البخت

آلت جلالته وحقّ لها

أن لا يحيط بكنهها نعت

أظهرت دين الله في زمن

ما زال يغلب حقّه البهت

شيّدته وهددت ممتعضا

لضياعه ما شيّد الجبت «2»

أمّنت أرض المسلمين فلا

ذئب يخاف بها ولا لصت «3»

وحفظتها من كل نائبة

تخشى فأنت حفيظها الثّبت

ونهجت سبل «4» المكرمات فما

لمؤمّل عن غايه ألت «5»

لم تبق غفلا من متالعها

إلّا وفيه لحائر برت «6»

هادن طغاة الكفر ما هدأت

حتى يجيء نهارها المحت «7»

دعها تودّع في معاقلها

ما لم تعدّ جفاتها العفت «8»

كم ذدتها عنّا وقد هبرت

لهراشنا أشداقها الهرت «9»

بوقوف طرفك عند شدّته

يبأى ويفخر ملكها الرّتّ «10»

والشّكر «11» ما أظهرت من كرم

في ذاك تفصح عجمها المرت

لك من ممالكها وإن رغمت

ما جال فيه جوادك الحتّ «12»

ولكلّ أصيد من بطارقها

في كلّ أري له دعت «13»

ص: 392

لولا لباك البيض ما أرقت

للقائها أفراسنا الكمت

عندي «1» لمن ينتابه مقة

ولمن ينيب لغيره مقت

ولو أنّ «2» بيضك لم تسل لمّا

ذلّت أنوف طغاتها السّلت

يا ابن الحكيم أمنت صرف ردى

أبدا له في أثلتي نحت «3»

وبيمنه أنّست من أملي

ما لم يكن يوما له عرت «4»

مثنى الوزارة موئلي وله

ما دمت أملك قدرتي أقت «5»

وببأسه أطفي شرارة من

يعثو وأقدح أنف من يعتو «6»

عمّ الورى جودا وفضل غنى

حتى تساوى العدّ والغلت «7»

وهمي على عال ومنخفض

لم يبق فوق لا ولا تحت

ظلّ إذا نصطاف معتدل

عطر الشّذا وحيا إذا نشتو «8»

يتضاءل الصبح المنير إذا

لاقى سناه جبينك الصّلت

حتى كأن شمس الضحى قمر

وكأنّ ضوء شعاعها فخت «9»

وغريبة في لطف صنعتها

يمضي الزمان وما لها أخت

ينأى النّدى بها إذا لبست

ويتيه إن طويت بها التّخت

زنجيّة لكن لمحتدها

في الرّوم يعنو القسّ والشّنت «10»

مثل العروس على منصّتها

من شأنها التّزيين والزّتّ «11»

لأكون أنحل ما أكون هدى

فيها فيعبل جسمي الشّخت

وبمثل شيبي فوق حلكتها

يبدو الوقار ويحفظ السّمت

تظهرنني «12» بلباسها وبه

عندي لها الإيثار ما عشت

ص: 393

لا زلت تؤثرني بها أبدا

ولا تف من يشقى بذا السّلت

وبقيت تدرك ما تريد وما

تهوى بقاء ما له فتّ

ومن شعره أيضا في المدح قوله، رحمه الله، من قصيدة ثبتت في ديوان مجموع من أمداحه منها قوله:[الكامل]

طرقتك وهنا أخت آل علاج

والرّكب بين دكادك وحراج

في ليلة ليلاء لم ينبح بها

كلب ولم يصرخ أذين دجاج

أنّى اهتدت لمضللين توهّنوا

منها لهتك دياجر ودياج

متسربلي برد الظّلام كأنهم

فيه قداح في رماية ساج

وثقوا بمحمود السّرى وتسلّموا

لمخارم مجهولة وفجاج

ومنازل درس الرسوم بلاقع

أخوين من هيج ومن هجهاج

محّت معالمهنّ غير مثلّم

كسوار تاج أو كدملج عاج

ومواثل مثل الحمام جواثم

ورق وأسمج دائم التّشحاج

ومشجّج ما زال منهل الحيا

يبكي صداه بدمعه الثّجّاج

حتى أعاد لعوده أوراقه

خضر الظّلال ذكيّة الآراج

وكسا عراة عراصه من وشيه

حللا تبوّر صنعة الديباج

لا مثل ليلات مضين سريعة

بردت حرارة قلبي المهتاج

أدركت منها في صباي مطالبي

وقضيت منها في شبابي حاجي «1»

كم ليلة مرّت ولم يشعر بها

غيري وغير منادمي وسراجي «2»

بتنا ندير إلى انبلاج صباحها

كأس الهوى صرفا بغير مزاج

وتدير أعيننا حديث غرامنا

بمرامز من فضّها وأحاج

بمآرج النّفحات من دارين أو

بمدارج النّسمات من درّاج

وخلوص ودّ في نقاء سريرة

كسلاف راح في صفاء زجاج

أمحضته حظّي من الزمن الذي

أعيا مرامي أهله وعلاجي «3»

واخترت قرب جواره لخلوصه

وتركت كلّ مماذق «4» مرّاج

ما في زمانك غيره فاخلص له

غيبا وداهن من أردت وداج

لا تحفلنّ بغيره واستعفين

بوقاره عن كل غمر ماج

ص: 394

اترك بني الدنيا وأعرض عنهم

فعساك تطعم لذّة الإثلاج

نزّهت نفسي عنهم بنواله

وحفظتها من جاهه بسياج

أصبحت من آلائه وولائه

في عزّة ضحيا وعزّ داج

ولو انني «1» عجت الركاب ميمّما

أحدا سواه ما حمدت معاجي «2»

طلق إذا احتلك الزمان أنار في

ظلمائه كالكوكب الوهّاج

طود الرّصانة والرّزانة والحجا

بحر النّدى المتلاطم الأمواج

وغمامه الهامي على آماله

من غير إرعاد ولا إرعاج

وهزبر آجام القنا الضّاري إذا

سقطت عواتمها على الأزجاج

ضمن الإله له على أعدائه

ما شاء من ظفر ومن إفلاج

أبقى أبو عبد الإله محمد

ما شاد والده أبو الحجّاج «3»

وبنى أبو إسحاق قبل وصنوه

ركنا الضعيف ومعدنا المحتاج

وجرى على آثار أسلاف لهم

درجوا وكلّهم على منهاج

ما منهم إلّا أعزّ مبارك

مصباح ليل أو صباح عجاج

بيت بنوه من سراوة حمير

في الذّروة العلياء من صنهاج

كم كان في الماضين من أسلافهم

من ربّ إكليل وصاحب تاج

أساس كل رئاسة ورؤوس كل

ل سياسة وليوث كل هياج

أعيت نجوم الليل من سهر وما

أعيا أبو موسى من الإدلاج

حتى أصارته لرحمة ربّه

يوم العقاب وقيعة الأعلاج

وأقيم نجل أخيه بعد مقامه

فيهم يطاعن مثله ويواج

فردا يلفّ كتائبا بكتائب

ويكبّ أفواجا على أفواج

حتى تجلّى دجن كلّ عجاجة

عنهم وأمسك رعد كل ضجاج

من مثل يوسف في قراع كتائب

ولقاء أعداء وخوض لجاج؟

أو من يشقّ من الأنام غباره

في ردّ آراء ونقض حجاج

ص: 395

إن خاض يوما في بيان حقيقة

أنهى عن الثّوري والحلّاج «1»

وإذا تكلّم في الغريب وضبطه

لم يعبأ بالعتبيّ والزّجّاج «2»

أنست قصائد جرول أشعاره

وأراجز العجليّ والعجّاج «3»

جمع الفصاحة والصبّاحة والتقى

والجود في وجد وفي إحراج

تخشاه أسد الغاب في أجماتها

والرّوم في الأسوار والأبراج

إنّا بني قحطان لم نخلق لغي

ر غياث ملهوف ومنعة لاج

نبري طلى الأعراب في الهيجا وفي الل

أواء سوف نماري الأعراجي «4»

بسيوفنا البيض اليمانية التي

طبعت لحزّ غلاصم ووداج

تأبى لنا الإحجام عن أعدائنا

يوم اللّقاء طهارة الأمشاج

أنصار خير العالمين وحزبه

وحماته في الجحفل الرّجراج

وفداته بنفوسهم ونفيسهم

من غدر مغتال وسبّة هاج

هم صفوة الخلق التي اختيرت له

وسواهم همج من الأهماج

إلّا الألى سبقوا بباهر فضلهم

من سائر الأصحاب والأزواج

وكفى بحكمتنا إقامة حجّة

وبركننا من كعبة الحجّاج

ولنا مفاخر في القديم شهيرة

كالصّبح في وضح وفي إبلاج

منّا التّبابعة الذين ببابهم

كانت تنيخ جباة كلّ خراج

ولأمرهم كانت تدين ممالك ال

دّنيا بلا قهر ولا إحراج

من يقتدح زندا فإنّ زنادهم

في الجود وارية بلا إخراج

ص: 396

أبوابهم مفتوحة لضيوفهم

أبدا بلا قفل ولا مزلاج

ومما اشتهر من شعره قوله «1» : [السريع]

أرّق عيني بارق من أثال

كأنّه في جنح ليلي ذبال

أثار شوقا في «2» ضمير الحشا

وعبرتي في صحن خدّي أسال

حكى فؤادي قلقا واشتعال

وجفن عيني أرقا وانهمال

جوانح تلفح نيرانها

وأدمع تنهلّ مثل العزال «3»

قولوا وشاة الحبّ ما شئتم

ما لذّة الحبّ سوى أن يقال

عذرا للوّامي «4» ولا عذر لي

فزلّة العالم ما إن تقال

قم نطرد الهمّ بمشمولة

تقصّر الليل إذا الليل طال

وعاطها صفراء ذمّيّة

تمنعها الذّمّة من أن تنال

كالمسك ريحا واللّمى مطعما

والتّبر لونا والهوى في اعتدال

عتّقها في الدّنّ خمّارها

والبكر لا تعرف غير الحجال

لا تثقب المصباح «5» لا واسقني

على سنى البرق وضوء الهلال

فالعيش نوم والرّدى يقظة

والمرء ما بينهما كالخيال

خذها على تنغيم مسطارها «6»

بين خوابيها وبين الدّوال

في روضة باكر وسميّها

أخمل دارين وأنسى أوال «7»

كأنّ فأر المسك مغبوقة «8»

فيها إذا هبّت صبا أو شمال

من كلّ «9» ساجي الطّرف ألحاظه

مفوّقات أبدا للنضال

من عاذري والكلّ لي عاذل «10»

من حسن الوجه قبيح الفعال

من خلّبيّ الوعد كذّابه

ليّان لا يعرف غير المطال

ص: 397

كأنه الدهر وأيّ امرئ

يبقى على حال «1» إذا الدهر حال

أما تراني آخذا ناقضا

عليه ما سوّغني من محال؟

ولم أكن قطّ له عائبا

كمثل ما عابته قبلي رجال

يأبى ثراء المال علمي، وهل

يجتمع الضّدّان: علم ومال؟

وتأنف الأرض مقامي بها

حتى تهاداني ظهور الرجال «2»

لولا بنو زيّان ما لذّ لي ال

عيش ولا هانت عليّ اللّيال

هم خوّفوا الدهر وهم خفّفوا

على بني الدهر «3» خطاه الثّقال

ورثت «4» من عامرهم سيّدا

غمر رداء الحمد عمر «5» النّوال

وكعبة للجود منصوبة

يسعى إليها الناس من كل حال «6»

خذها أبا زيّان من شاعر

مستملح النّزعة عذب المقال

يلتفظ الألفاظ لفظ النّوى

وينظم الآلاء نظم اللآل

مجاريا مهيار «7» في قوله

(ما كنت لولا طمعي في الخيال)

ومما قال أيضا، واشتمل ذلك على شيء من نظمه ونثره، وهذا الرجل مغرب النزعة، في شفوف نظمه على نثره «8» :[الكامل]

عجبا لها أيذوق طعم وصالها

من ليس يطمع «9» أن يمرّ ببالها؟

وأنا الفقير إلى تعلّة ساعة

منها، وتمنعني زكاة جمالها

كم ذاد عن «10» عيني الكرى متأنف «11»

يبدو ويخفى في خفيّ مطالها

ص: 398

يسمو لها بدر الدّجى متضائلا

كتضاؤل الحسناء في أسمالها «1»

وابن السّبيل يجيء يقبس نارها

ليلا فتمنحه عقيلة مالها «2»

يعتادني في النوم طيف خيالها

فتصيبني ألحاظها بنبالها

كم ليلة جادت به فكأنّما

زفّت عليّ ذكاء «3» وقت زوالها

أسرى فعطّلها «4» وعطّل شهبها

بأبي شذا المعطار من معطالها

وسواد طرّته كجنح ظلامها

وبياض غرّته كضوء هلالها

دعني أشم بالوهم أدنى لمحة «5»

من ثغرها وأشمّ مسكة خالها

ما راد طرفي في حديقة خدّها

إلّا لفتنته بحسن دلالها

أنسيب شعري رقّ مثل نسيمها

فشمول راحك مثل ريح شمالها

وانقل أحاديث الهوى واشرح غري

ب لغاتها واذكر ثقات رجالها

وإذا مررت برامة فتوقّ من

أطلائها «6» وتمشّ في أطلالها

وانصب لمغزلها حبالة قانص

ودع الكرى شركا لصيد غزالها

وأسل جداولها بفيض دموعها

وانضح جوانحها بفضل سجالها

أنا من بقيّة معشر عركتهم

هذي النّوى عرك الرّحى بثفالها «7»

أكرم بها فئة أريق نجيعها

بغيا فراق العين حسن جمالها «8»

حلّت مدامة وصلها وحلت لهم

فإن انتشوا فبحلوها وحلالها

بلغت بهرمس غاية ما نالها

أحد وناء بها لبعد منالها

وعدت على سقراط صورة «9» كأسها

فهريق ما في الدّن من جريالها

ص: 399

وسرت إلى فاراب منها نفحة

قدسيّة جاءت بنخبة آلها «1»

ليصوغ من ألحانه في حانها

ما سوّغ القسيس من أرمالها

وتعلقت «2» في سهرورد «3» فأسهرت

عينا يؤرّقها طروق خيالها

فخبا شهاب الدّين لمّا أشرقت

وخبا «4» فلم يثبت لنور جلالها

ما جنّ مثل جنونه أحد ولا

سمحت يد بيضا بمثل نوالها

وبدت على الشّوذيّ «5» منها نفحة «6»

ما لاح منها غير لمعة آلها

بطلت حقيقته وحالت حاله

فيما يعبّر عن حقيقة «7» حالها

هذي صبابتهم ترقّ صبابة

فيروق شاربها صفاء زلالها

اعلم أبا الفضل بن يحيى أنني

من بعدها أجري على آسالها «8»

فإذا رأيت مولّها «9» مثلي فخذ

في عذله إن كنت من عذّالها

لا تعجبنّ لما ترى من شأنها

في حلّها إن كان أو ترحالها

فصلاحها بفسادها ونعيمها

بعذابها ورشادها بضلالها

ومن العجائب أن أقيم ببلدة

يوما وأسلم من أذى جهّالها

شغلوا بدنياهم أما شغلتهم

عنّي فكم ضيّعت من أشغالها

حجبوا بجهلهم فإن لاحت لهم

شمس الهدى عبثوا «10» بضوء ذبالها

وإن انتسبت فإنني من دوحة

تتقيّل «11» الأقيال برد ظلالها

من حمير من ذي رعين من ذرى «12»

حجر من العظماء من أقيالها

وإذا رجعت لطينتي معنى فما

سلسالهم «13» بأرقّ من صلصالها

ص: 400

لله درّك أيّ نجل كريمة

ولدته فاس منك بعد حبالها «1»

ولأنت لا عدمتك والد فخرها

وسماك سؤددها وبدر كمالها

اغلظ على من عاث من أنذالها

واخشع لمن تلقاه من أبدالها

والبس بما أوليتها من نعمة

حلل الثّناء وجرّ من أذيالها

خذها أبا الفضل بن يحيى تحفة

جاءتك لم ينسج على منوالها

ما جال في مضمارها شعر ولا

سمحت قريحة شاعر بمثالها

وأثل أبا البركات من بركاتها

وادفع محال شكوكه بمحالها «2»

هذه، أمتع الله ببقائك، وأسعد بلقائك، وأراها بما تؤمّله من شريف اعتنائك، وترجوه من جميل احتفائك، ما تعرف به من احتذائك، وتعترف له ببركة اعتفائك، كريمة الأحياء، وعقيلة الأموات والأحياء، بنت الأذواء والأقيال، ومقصورة الأسرّة والحجال، بل أسيرة الأساوير والأحجال، على أنها حليفة آلام وأوصأب، وأليفة أشجان وأطراب، صبابة أغراب من صيّابة أعراب، جاورت سيف بن ذي يزن في رأس غمدان، وجاوزت مسلمة بن مخلد يوم جابية الجولان، وذلقت لسان ابن أخته حسّان، فتضاءلت لرقة حدّه جسوم بني عبد المدان، وقرّبه وما شيم من غمده قيد ابن الإطنابة بين يدي النّعمان، قربت ببني جفنة مزار جلّق، وسعرت لبني تميم نار محلق، ومرّت على معتاد غالب فما أنست ناره، وطافت ببيت عبد الله بن دارم فلم ترض جواره، ولو حلّت بفنائه، واستحلّت ما أحلّ لها من مبذول حبائه، لاغتفر لها ما جنته ببطن أواره، ولحلّت لها حبوتا مجاشع وزراره، مزقت على مزيقيا حللا، وأذهبت يوم حليمة مثلا، وأركبت عنزا شرّ يومها يجدع جملا، وناطت بأذن مارية قرطها، وجرّت على أثر الكندي مرطها، وقفها بين الدّخول فحومل فوقفت، وأنفها يوم دارة جلجل فأنفت منه وما ألفت، عقر ناقته وانتهس عبيطها، ودخل خدر عنيزة وأمال غبيطها. أغرت أبا قابوس بزياد، وأسرجت للزبيدي فرس أبي داود ونافرت بحاتم طيّ كعب إياد، وساورت للمساور، بمثل جوده السّائر. ولئن بلت الجعفري لبيدا، فلقد استعبدت الأسدي عبيدا، وقطعت به في أثر سليماه الأسدية بيدا، أرته المنيّة على حربة هندها الملحوب، وما حال قريضه، دون جريضه، وأقفر من أهله ملحوب، وما زالت تخبط في شعاب الأنساب فترشد، وتنشد ضالتها اليمانية، فتنشد:

[الكامل]

إن كنت من سيف بن ذي يزن

فانزل بسيف البحر من عدن

ص: 401

وذر الشآم وما بناه به الر

روميّ من قصر ومن فدن

تعلف سيل العرم وتردغسان، وتمهد لها أهضام تبالة فتقول: مرعى ولا كالسّعدان «1» ، تساجل عن سميحة بابن خرام، وتناضل بسمير يوم خزام، وتنسى قاتل ستة آلاف، وكاسي بيت الله الحرام ثلاثة الأفواف، فلو ساجلت بنبعها أبا كرب، وأرته ضراعة خدّها التّرب، لساجلت به أخضر الجلدة في بيت العرب، ماجدا يملأ الدّلو إلى عقد الكرب، بل لو حطت بفناء بيتها الحجري رحلها، وساجلت بفناء جدّها ذي رعين لاستوفت سجلها. كم عاذت بسيفها اليزني، فأدركت ذحلها، ولاذت بركنها اليمني، فأجزل محلها، ولو استسقت بأوديتها لأذهبت محلها. كافحت عن دينها الحنيفيّ، فما كهم حسامها، ونافحت عن نبيّها الأمّيّ فأيّدت بروح القدس سهامها. سدّت باب الدرب دون بني الأصفر، وشدّت لموته ثوب موت أحمر، وما شغلها كسر تاج كسرى عن قرع هامة قيصر. ولقد حلّت من سنام نسبها اليعربي باسمك ذروة، وتعلّقت من ذمام نبيّها العربي بأوثق عروة. تفرّد صاحب تيماء بأبلقه الفرد فعزّ، وتمرّد ربّ دومة الجندل لما كان من مارد في حرز، فما ظنك، أعزك الله، بمن حلّ من قدسي عقله، بمعقل قدس، يطار إليه فلا يطار، وراد من فردوس أدبه في جنّة لا يضام رائدها ولا يضار. زها بمجاورة الملك، فازدهى رؤساء الممالك، وشغف بمجاورة الملك، فاشتغل عن مطالعة المسالك، أيشقّ غباره، وعلى جبين المرزم مثاره، أو ينتهك ذماره، وقلب الأسد بيته ودار أخيه أسامة زاره. ولما قضت من أنديتها العربية أوطارها، واستوفت على أشرف منازعها الأدبية أطوارها، وعطّرت بنوافح أنفاسها الذّكية آثارها، وأطلعت في ظلم أنفاسها الدّجوجية كواكبها النيّرة وأقمارها، عطفت على معقلتها الشاذلية فحلّت عقالها، وأمر لها فراق الوطن فلمّا استمرّ لها حلالها، استودعت بطنان تبالة آلها، وتركت أهضامها المخصبة وحلالها، أطلّت على دارات العرب فحيّت أطلالها، ودعت لزيارة أختها اليونانية أذواء حمير وأقيالها. أطمعتها بلمعيّة ألمعيّتها الأعجمية، ومثلها يطمع، وجاء بها من قدماء الحكماء كلّ أوحدي الأحوذية، فباتت تخبّ إليه وتوضع، باحثة عن مركز دارتهم الفيثاغورية، آخذة في إصلاح هيئتهم الإنكساغورية، مؤثرة لما تدلّ عليه دقائق حقائق بقايا علوم مقايسهم البرهانية، وتشير إليه رموز كنوز وصايا علماء نواميسهم الكلدانية، من مأثور تأثير لاهوتية قواهم

ص: 402

السّيماوية، راغبة فيما يفاض على مادتها الجسمانية، ويطرأ على عاقليّتها الهيولانية، من علويات آثار مواهبها الربّانية، موافقة لمثلهم المفارقة أفضل موافقة، موافقة لما وافق من شوارد آرائهم الموفّقة أحسن موافقة. وتحت هذه الأستار محذرات أسرار أضرّ بها الإسرار، وطالما نكر معارفها الإنكار، ونقلت من صدور أولئك الصّدور إلى بطون هذه الأوراق، في ظهور فوق دفاتر فلسفيات معاني علومهم الرّقاق. وفي تلك المغاني، أبكار معاني، سكن الجوانح والصدور، بدل الأرائك والخدور، ولحن في دياجي، ظلم هذه الأحاجي، كأقمار في أطمار بهرن وما ظهرن، وسطعن وما لمعن، فعشقن وما رمقن، واستملحن وما لمحن. أدرن خمور أجفانهن، على ماخوريات ألحانهن، فهيّجت البلابل، نغم هذه البلابل، واستفرغته الأكياس، مترعات تلك الأكواس. ما سحر بابل، كخمر بابل، ولا منتقى أغانيهن الأوائل، كحمائمكم الهوادل، إن وصلت هديلها بحفيف، وصلن ثقيلهن بخفيف. إيه أيها الشّمري المشمعل، دعنا من حديثك المضمحل، سر بنا أيها الفارس النّدس «1» ، من حظيرة النّفس، إلى حضرة القدس، صرّح بإطلاق الجمال، وجل من عالميّتك الملكوتية في أفسح مجال، تمش بين مقاصر قصورها، ومعاصر خمورها، رخيّ البال، مرخيّ السربال، فما ينسج لك على منوال، نادم عليها من شغف دنّ سقراط، إن استحسنت لها حسان فما يصلح لك صالح بن علاط، بت صريع محيّاها فقد أوصت بمعالجة عقير معاقرة عقارها بقراط، لا تخش صاحب شرطتها فلا شرط له عليك ولا اشتراط، ما لك غير مبديك الأول، من قال امتثل الأمر وما عليك من أمر وال. على رسلك ما هذا العجل، لا خطأ تتوقعه ولا خطل، أمكره أنت في هذه الكريهة، أم بطل. لو علم أنك ضبارية هذا الخميس، وخبعثة ذلك الخميس، لما عانى اليمّ رسيس، شوقا إليك محمد بن خميس، على أن لا غالب اليوم لأني غالب، ولا طالب يدرك شأو هذا الطالب، فقه بلا تفهق، وحذق في تحذلق. أقسم أبا الفضل بما لك على أبي البركات من الفضل، ذلك العراقي الأرومة، لا هذا الفارسي الجرثومة، وإن يك ذلك، إسرائيلي الأصل، وهذا إسماعيلي الجنس، علوي الفضل. فلتلك الذات، شرف تلك الأدوات. قدّم لي غالبنا المذكور، من بأسه الغرّ لأرفع وأسمى من مقعد رقوطيّهم المشهور، من إغرناطة الحمراء، ومن متبوّإ أبي أميّتهم المرحوم من جنّات جزيرتهم الخضراء، فيما لنت أبا الفضل من هذه العربجة، وألوك، أرأيت في عمرك مثل هذا الصعلوك؟ لا والله ما على ظهر هذه الغبرا، من يتظاهر بمثل هذه المعرفة في بني غبرا. فأي

ص: 403

شيء هذا المنزع؟ إيش، لا حال لنا معك ولا عيش، من يضحك على هذا الطيش. ما هذا الخبل، أخمار بك أم ثمل؟ ارجع إلى ما كنت بصدده وقيت الزّلل، خذ في الجدّ فما يليق بك الهزل، رقّ عن ذلك فحكّ لنا منه أرقّ غزل، ماذا أقول؟ وأي عقل يطاوعني على هذا المعقول؟ أفحمتني، والله، عن مكالمتكم هذه المحن، ومنعتني من طلب مسالمتكم ما لكم عليّ في دنياكم هذه من الإحن. إن تكلمت كلمت، وإذا استعجمت عجمت. أما لهذه العلة آس، أم على هذه الفيلة مواس؟ ما حيلتي في طبع بلدكم الجاسي؟ أما يلين لضعفي، أما يرقّ قلب زمانكم القاسي؟ ما هذه الدّمن، يا بني خضراوات الدمن، أظهرتم المحن، فقلب لكم ظهر المجنّ «1» . إن مرّ بكم الولي حمّقتموه، وإن زجركم العالم فجرتم عليه ففسّقتموه، وإذا نجم فيكم الحكيم غصصتم به، فكفّرتموه وزندقتموه. كونوا فوضى، فما لكم اليوم مسرى سواه واذهبوا من مراعيكم المستوبلة، حيث شئتم، فقد أهملكم الرعاة. ضيّعتم النص والشرائع، وأظهرتم في بدعكم العجائب والبدائع. نفّقتم النّفاق، وأقمتم سوق الفسوق على ساق. استصغرتم الكبائر، وأبحتم الصّغائر، أين غنيّكم الشاكر، يتفقد فقيركم الصابر؟ أين عالمكم الماهر، يرشد متعلّمكم الحائر. مات العلم بموت العلماء، وحكم الجهل بقطع دابر الحكماء. جرّد لنا شريعتك يا أفضل الشّارعين، أتمّ فيها موعظتك يا أفصح التابعين. لا، والله، ما يوقظكم من هذا الوسن، وعظ الحسن، ولا ينقذكم من فتن هذا الزمن، إلّا سيف معلّمه أبي الحسن، والسلام.

قدم غرناطة في أواخر عام ثلاثة وسبعمائة. وتوفي في يوم مقتل صاحبه الوزير أبي عبد الله بن الحكيم؛ فرّ من دهليز جاره فيمن كان بها من الأعلام، بعد أن نهبت ثيابه، حسبما جرى على غيره من الحاضرين، وهو يقول: هكذا تقوم الساعة بغتة.

ولقيه بعض قرابة السلطان، ممن كان الوزير قد وتره، فشرع الرّمح إليه، فتوسّل إليه برسول الله، فلم يقبل منه، وطعنه، فقتله يوم عيد الفطر عام ثمانية وسبعمائة، وآخر العهد به، مطّرحا بالعراء، خارج باب الفخّارين، لا يعلم قبره؛ لمكان الهرج في تلك الأيام، نسأل الله جميل ستره، وساء بأثر قتله إياه حال ذلك الرجل وفسد فكره، وشرد نومه وأصابته علّة رديّة، فكان يثب المرة بعد الأخرى، يقول: ابن خميس يقتلني، حتى مات لأيام من مقتل المذكور.

ص: 404