الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثنتين «1» وأربعين سنة. ولما بلغت المعزّ وفاته، تأسّف عليه وقال: هذا رجل كنا نطمع أن نفاخر به أهل المشرق.
محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم ابن علي الغسّاني البرجي الغرناطي
«2»
يكنى أبا القاسم، من أهل غرناطة.
حاله: فاضل «3» مجمع على فضله، صالح الأبوّة، طاهر النشأة، بادي الصّيانة والعفّة، طرف في الخير والحشمة، صدر في الأدب، جمّ المشاركة، ثاقب الذهن «4» ، جميل العشرة، ممتع المجالسة، حسن الخطّ «5» والشعر والكتابة، فذّ في الانطباع، صنيع «6» اليدين، يحكم على «7» الكثير من الآلات العلمية، ويجيد تفسير الكتاب «8» .
رحل إلى العدوة «9» ، وتوسّل إلى ملكها، مجدّد الرسم، ومقام «10» الجلّة، وعلم دست الشعر والكتابة، أمير المسلمين أبي عنان فارس «11» ، فاشتمل عليه، ونوّه به، وملأ بالخير يده، فاقتنى جدة وحظوة وشهرة وذكرا «12» ، وانقبض مع استرسال الملك «13» ، وآثر الراحة، وجهد في التماس الرّحلة الحجازية، ونبذ الكلّ، وسلا الخطّة، فأسعفه سلطانه بغرضه، وجعل حبله «14» على غاربه، وأصحبه رسالة إلى النبيّ الكريم من إنشائه، متصلة بقصيدة من نظمه، وكلاهما تعلن «15» في الخلفاء بعد شأوه، ورسوخ قدم علمه، وعراقة البلاغة، في نسب خصله، حسبما تضمّنه الكتاب
المسمى ب «مساجلة البيان» . ولما هلك وولّي ابنه، قدّمه قاضيا بمدينة ملكه، وضاعف التّنويه به، فأجرى الخطّة، على سبيل من السّداد والنزاهة. ثم لمّا ولّي السلطان أبو سالم عمّه، أجراه على الرسم المذكور، وهو الآن بحاله الموصوفة، مفخر من مفاخر ذلك الباب السلطاني على تعدّد مفاخره، يحظى بكل اعتبار.
شعره: ثبتّ «1» في كتاب «نفاضة الجراب» من تأليفنا، عند ذكر المدعى الكبير بباب ملك المغرب، ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر من أنشد ليلتئذ من الشّعراء ما نصّه:
وتلاه الفقيه الكاتب الحاج القاضي، جملة «2» السّذاجة، وكرم الخلق، وطيب النفس، وخدن العافية، وابن الصّلاح والعبادة، ونشأة القرآن، المتحيّز إلى حزب السلامة، المنقبض عن الغمار، العزوف عن فضول القول والعمل، جامع المحاسن، من عقل رصين، وطلب ممتع، وأدب نقّادة «3» ، ويد صناع، أبو القاسم بن أبي زكريا البرجي، فأنشدت له على الرسم المذكور هذه القصيدة الفريدة «4» :[البسيط]
أصغى إلى الوجد لمّا جدّ عاتبه
…
صبّ له شغل عمّن يعاتبه
لم يعط للصبر من بعد الفراق يدا
…
فضلّ من ظلّ إرشادا يخاطبه
لولا النّوى لم يبت حرّان «5» مكتئبا
…
يغالب الوجد كتما وهو غالبه
يستودع «6» الليل أسرار الغرام وما
…
تمليه أشجانه فالدّمع كاتبه
لله عصر بشرقيّ الحمى سمحت
…
بالوصل أوقاته لو عاد ذاهبه
يا جيرة أودعوا إذ ودّعوا حرقا
…
يصلى بها من صميم القلب ذائبه «7»
يا هل ترى تجمع «8» الأيّام فرقتنا
…
كعهدنا أو يردّ القلب ساكبه؟
ويا أهيل ودادي، والنّوى قذف
…
والقرب قد أبهمت دوني مذاهبه
هل ناقض العهد بعد البعد حافظه
…
وصادع الشّمل يوم الشّعب شاعبه؟
ويا ربوع الحمى لا زلت ناعمة
…
يبكي عهودك مضنى الجسم شاحبه
يا من لقلب مع الأهواء منعطف
…
في كل أوب له شوق يجاذبه
يسمو إلى طلب الباقي بهمّته
…
والنفس بالميل للفاني تطالبه
وفتنة المرء بالمألوف معضلة
…
والأنس بالإلف نحو الإلف جاذبه
أبكي لعهد الصّبا والشّيب يضحك بي «1»
…
يا للرّجال سبت جدّي ملاعبه
ولن ترى كالهوى أشجاه سالفه
…
ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه
وهمّة المرء تغليه وترخصه
…
من عزّ نفسا لقد عزّت مطالبه
ما هان كسب المعالي أو تناولها
…
بل هان في ذاك ما يلقاه طالبه
لولا سرى الفلك السّامي لما ظهرت
…
آثاره ولما لاحت كواكبه
في ذمّة الله ركب للعلا ركبوا
…
ظهر السّرى فأجابتهم نجائبه
يرمون عرض الفلا بالسّير عن عرض «2»
…
طيّ السّجلّ إذا ما جدّ كاتبه
كأنهم في فؤاد «3» الليل سرّ هوى
…
لولا الضّرام لما خفّت جوانبه
شدّوا على لهب الرّمضاء وطأتهم
…
فغاص في لجّة الظّلماء راسبه
وكلّفوا الليل من طول السّرى شططا
…
فخلّفوه وقد شابت ذوائبه
حتى إذا أبصروا الأعلام ماثلة «4»
…
بجانب الحرم المحميّ جانبه
بحيث يأمن من مولاه خائفه
…
من ذنبه وينال القصد راغبه
فيها وفي طيبة الغرّاء لي أمل
…
يصاحب القلب منه ما يصاحبه
لم «5» أنس لا أنس أياما بظلّهما
…
سقى ثراه عميم الغيث ساكبه
شوقي إليها وإن شطّ المزار بها
…
شوق المقيم وقد سارت حبائبه
إن ردّها الدهر يوما بعد ما عبثت
…
في الشّمل منّا يداه لا نعاتبه «6»
معاهد شرفت بالمصطفى فلها
…
من فضله «7» شرف تعلو مراتبه
محمد المجتبى الهادي الشّفيع إلى
…
ربّ العباد أمين الوحي عاقبه
أوفى الورى ذمما، أسماهم همما
…
أعلاهم كرما، جلّت مناقبه
هو المكمّل في خلق وفي خلق
…
زكت حلاه «8» كما طابت مناسبه
عناية قبل بدء الخلق سابقة
…
من أجلها «1» كان آتيه وذاهبه
جاءت تبشّرنا الرّسل الكرام به
…
كالصّبح تبدو تباشيرا كواكبه «2»
أخباره سرّ علم الأوّلين وسل
…
بدير تيماء ما أبداه راهبه
تطابق الكون في البشرى بمولده
…
وطبّق الأرض أعلاما تجاوبه
فالجنّ تهتف إعلانا هواتفه
…
والجنّ تقذف إحراقا ثواقبه
ولم تزل عصمة التأييد تكنفه
…
حتى انجلى الحقّ وانزاحت شوائبه
سرى وجنح ظلام الليل منسدل
…
والنّجم لا يهتدي في الأفق ساربه
يسمو لكلّ سماء منه منفرد
…
عن الأنام وجبرائيل صاحبه
لمنتهى وقف الرّوح الأمين به
…
وامتاز قربا فلا خلق يقاربه
لقاب «3» قوسين أو أدنى فما علمت
…
نفس بمقدار ما أولاه واهبه
أراه أسرار ما قد كان أودعه
…
في الخلق والأمر باديه وغائبه
وآب والبدر في بحر الدّجى غرق
…
والصّبح لمّا يؤب للشرق آيبه
فأشرقت بسناه الأرض واتّبعت
…
سبل النجاة بما أبدت مذاهبه
وأقبل الرّشد والتاحت زواهره
…
وأدبر الغيّ فانجابت «4» غياهبه
وجاء بالذكر آيات مفصّلة
…
يهدى بها من صراط الله لا حبه
نور من الحكم لا تخبو سواطعه
…
بحر من العلم لا تفنى عجائبه
له مقام الرّضا المحمود شاهده
…
في موقف الحشر إذ نابت نوائبه
والرّسل تحت لواء الحمد يقدمها
…
محمد أحمد السامي مراتبه
له الشّفاعات مقبولا وسائلها
…
إذا دهى الأمر واشتدّت مصاعبه
والحوض يروي الصّدى من عذب مورده
…
لا يشتكي غلّة الظمآن شاربه
محامد المصطفى لا ينتهي أبدا
…
تعدادها، هل يعدّ القطر حاسبه؟
فضل تكفّل بالدّارين يوسعها
…
نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه
حسبي التوسّل منها بالذي سمحت
…
به القوافي وجلّتها غرائبه
حيّاه من صلوات الله صوب حيا
…
تحدى إلى قبره الزّاكي نجائبه
وخلّد الله ملك المستعين به
…
مؤيّد الأمر منصورا كتائبه
إمام عدل بتقوى الله مشتمل
…
في الأمر والنهي يرضيه يراقبه
مسدّد الحكم ميمون نقيبته
…
مظفّر العزم صدق الرأي صائبه
مشمّر للتّقى أذيال مجتهد
…
جرّار أذيال سحب الجود ساحبه
قد أوسعت أمل الرّاجي مكارمه
…
وأحسبت «1» رغبة العافي رغائبه
وفاز بالأمن محبورا مسالمه «2»
…
وباء بالخزي مقهورا محاربه
كم وافد آمل معهود نائله
…
أثنى وأثنت بما أولى حقائبه
ومستجير بعزّ من مثابته
…
عزّت مراميه وانقادت مآربه
وجاءه الدهر يسترضيه معتذرا
…
مستغفرا من وقوع الذنب تائبه
لولا الخليفة إبراهيم لانبهمت
…
طرق المعالي ونال الملك غاصبه
سمت لنيل تراث المجد همّته
…
والملك ميراث مجد وهو عاصبه «3»
ينميه للعزّ والعليا أبو حسن
…
سمح الخلائق محمود ضرائبه
من آل يعقوب حسب الملك مفتخرا
…
بباب عزّهم السامي تعاقبه
أطواد حلم رسا بالأرض محتده
…
وزاحمت «4» منكب الجوزا مناكبه
تحفّها من مرين أبحر زخرت
…
أمواجها وغمام ثار صائبه
بكلّ نجم لدى الهيجاء ملتهب
…
ينقضّ وسط سماء النّقع ثاقبه
أكفّهم في دياجيها مطالعه
…
وفي نحور أعاديهم مغاربه
يا خير من خلصت لله نيّته
…
في الملك أو خطب العلياء خاطبه
جرّدت والفتنة الشّعواء ملبسة
…
سيفا من العزم لا تنبو مضاربه
وخضتها غير هيّاب ولا وكل
…
وقلّما أدرك المطلوب هائبه
صبرت نفسا لعقبى الصبر حامدة
…
والصبر مذ «5» كان محمود عواقبه
فليهن دين الهدى إذ كنت ناصره
…
أمن يواليه أو خوف يجانبه
لا زال ملكك والتأييد يخدمه
…
تقضي بخفض مناويه قواضبه «6»
ودمت في نعم تضفو «1» ملابسها
…
في ظلّ عزّ علا تصفو مشاربه
ثم الصلاة على خير البريّة ما
…
سارت إليه بمشتاق ركائبه
ومن شعره ما قيّده لي بخطه صاحب قلم الإنشاء بالحضرة «2» المرينية، الفقيه الرئيس الصدر المتفنن أبو زيد بن خلدون «3» :[الطويل]
صحا القلب عمّا تعلمين فأقلعا
…
وعطّل من تلك المعاهد أربعا «4»
وأصبح لا يلوي على حدّ منزل
…
ولا يتبع الطّرف الخليّ المودّعا
وأضحى من السّلوان في حرز معقل
…
بعيد على الأيام أن يتضعضعا
يرد الجفان النّجل عن شرفاته
…
وإن لحظت عن كل أجيد أتلعا
عزيز على داعي الغرام انقياده
…
وكان إذا ناداه للوجد أهطعا «5»
أهاب به للشّيب أنصح واعظ
…
أصاخ له قلبا منيبا ومسمعا
وسافر في أفق التفكّر والحجا
…
زواهره لا تبرح الدّهر طلّعا
لعمري لقد أنضيت عزمي تطلّبا
…
وقضّيت عمري رقية «6» وتطلّعا
وخضت عباب البحر أخضر مزبدا
…
ودست أديم الأرض أغبر أسفعا «7»
ومن شعره حسبما قيّده المذكور «8» : [المتقارب]
نهاه النّهى بعد طول التجارب
…
ولاح له منهج الرّشد لاحب «9»
وخاطبه دهره ناصحا
…
بألسنة الوعظ من كلّ جانب
فأضحى إلى نصحه واعيا
…
وألغى حديث الأماني الكواذب
وأصبح لا تستبيه «10» الغواني
…
ولا تزدريه حظوظ المناصب