الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عيّاش التّجيبي البرشاني
«1»
من أهل حصن برشانة المحسوب في هذه العمالة، يكنى أبا عبد الله، كاتب الخلافة.
حاله: قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك «2» : كان كاتبا بارعا، فصيحا، مشرفا على علوم اللسان، حافظا للّغات والآداب، جزلا، سريّ الهمّة، كبير المقدار، حسن الخلق، كريم الطباع «3» ، نفّاعا بجاهه وماله، كثير الاعتناء «4» بطلبة العلم والسعي الجميل لهم، وإفاضة المعروف على قصّاده، مستعينا على ذلك بما نال من الثروة والحظوة والجاه عند الأمراء من بني عبد المؤمن، إذ كان صاحب القلم الأعلى «5» على عهد المنصور وابنه، رفيع المنزلة والمكانة لديهم، قاصدا «6» الإعراب في كلامه، لا يخاطب أحدا «7» في كلامه من الناس، على تفاريق أحوالهم، إلّا بكلام معرب، وربما استعمله «8» في مخاطبة خدمته «9» وأمته، من حوشيّ الألفاظ، ما لا يكاد يستعمله «10» ، ولا يفهمه إلّا حفّاظ اللغة من أهل العلم، عادة ألفها واستمرّت حاله عليها.
مشيخته: روى «11» عن أبي عبد الله بن حميد، وابن أبي القاسم السّهيلي، وابن حبيش، وروى عنه بنوه أبو جعفر، وأبو القاسم «12» عبد الرحمن، وأبو جعفر بن عثمان، وأبو القاسم البلوي.
تواليفه: له «1» اختصار حسن في إصلاح المنطق، ورسائل مشهورة، تناقلها الناس، وشعر يحسن في بعضه.
جاهه: حدّث الشيخ أبو القاسم البلوي، قال «2» : كنت أخفّ إليه «3» ، وأشفع عنده في كبار المسائل، فيسرع في قضائها. ولقد عرضت لبعض أصحابي من أهل بلاد الأندلس حاجة مهمّة كبيرة، وجب عليّ السعي فيها، والتماس قضائها وفاء لربّها، ولم يكن لها إلّا ما قدرته من حسن نظره فيها، ورجوته من جميل أثره في تيسير أمرها، وكان قد أصابه حينئذ التياث لزم من أجله داره، ودخلت «4» عليه عائدا، فأطال السؤال عن حالي، وتبسّط معي في الكلام، مبالغة في تأنيسي، فأجّلت ذكر الحاجة «5» ، ورغبت منه في الشّفاعة عند السلطان في شأنها، وكان مضطجعا، فاستوى جالسا، وقال لي: جهل الناس قدري، وكرّرها ثلاثا، في «6» مثل هذا أشفع إلى أمير المؤمنين؟ هات الدّواة والقرطاس، فناولته إياهما، فكتب برغبتي، ورفعه إلى السلطان، فصرف في الحين معلّما، فاستدعاني، ودفعه إليّ، وقال: يا أبا القاسم، لا أرضى منك أن تحجم عني في التماس قضاء حاجة تعرّضت لك خاصة، وإن كانت لأحد من معارفك عامة، كبرت أو صغرت، فألتزم قضاءها، وعليّ الوفاء، فإن لكل مكسب «7» زكاة، وزكاة الجاه بذله.
وحدّثني شيخي أبو الحسن بن الجيّاب، عمن حدّثه من أشياخه، قال: عرض أبو عبد الله بن عيّاش والكاتب ابن القالمي على المنصور كتابين، وهو في بعض الغزوات، في كلب البرد، وبين يديه كانون جمر. وكان ابن عياش بارع الخطّ، وابن القالمي ركيكه، ويفضله في البلاغة، أو بالعكس الشكّ مني. وقال المنصور: أي كتب لو كان بهذا الخط؟ وأي خطّ لو كان بهذا الكتب؟ فرضي ابن القالمي، وسخط ابن عياش. فانتزع الكتاب من يد المنصور، وطرحه في النار وانصرف. قال: فتغيّر وجه المنصور، وابتدر أحد الأشياخ، فقال: يا أمير المؤمنين، طعنتم له في الوسيلة التي عرّفته ببابكم، فعظمت غيرته لمعرفته بقدر السبب الموصل إليكم. فسرّي عن المنصور، وقال لأحد خدّامه: اذهب إلى السّبي، فاختر أجمل نساء الأبكار؛ وأت بابن عياش؛ فقل له: هذه تطفىء من خلقك. قال ابن عياش يخاطب ولده، وقد حدّث الحديث: هي أمّك، يا محمد، أو فلان.