الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر ابن قيس الخزرجي الأنصاري
«1»
من ولد سعد بن عبادة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن سليمان بن حارثة بن خليفة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمر بن يعرب بن يشجب بن قحطان بن هميسع بن يمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم صلّى الله عليه وعلى محمد الكريم. أمير المسلمين بالأندلس ودايلها خدمة النّصريين بها. يكنى أبا عبد الله، ويلقب بالغالب بالله.
أوّليّته: وقد اشتهر عند كثير ممن عني بالأخبار أن هذا البيت النّصري من ذرّية سعد بن عبادة سيد الخزرج، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصنّف الناس في اتصال نسبهم بقيس بن سعد بن عبادة غير ما تصنيف. وأقوى ما ذكر قول الرّازي: دخل الأندلس من ذرّية سعد بن عبادة رجلان، نزل أحدهما أرض تاكرونّا، ونزل الآخر قرية من قرى سقر سطونة، تعرف بقرية الخزرج، ونشأ بأحواز أرجونة من كنبانيّة «2» قرطبة، أطيب البلاد مدرة، وأوفرها غلّة، وهو بلده، وبلد جدّه، في ظل نعمة، وعلاج فلاحة، وبين يدي نجدة وشهرة، بحيث اقتضى ذلك، أن يفيض شريان الرياسة، وانطوت أفكاره على نيل الإمارة، ورآه مرتادو أكفاء الدول أهلا، فقد حوا رغبته، وأثاروا طمعه.
حدّث شيخنا الكاتب الشاعر، محمد بن محمد بن عبد الله اللّوشي اليحصبي، وقد أخبرني أنه كان يوجد بمدينة جيّان رجل من أهل الماليّة، وكان له فرس أنثى من عتاق الخيل، على عادة أولي المالية، وكان له من أهل الثغور، من ارتباط الخيل، والتنافس في إعداد القوة. وشهرت هذه الفرس في تلك الناحية، وبعث الطّاغية ملك الروم في ابتياعها، فعلقت بها كفّ هذا الرجل، وآثر بها نفسه، وازداد غبطة بها لديه، ورأى في النوم قائلا يقول له: سر إلى أرجونة، بفرسك، وابحث عن رجل اسمه كذا، وصفته كذا، فأعطه إياها، فإنه سيملك جيّانا وسواها، ينتفع بها عقبك. وأرجىء الأمر، فعرض عليه ثانية، وحثّ في ذلك في الثّالثة، فسأل ثقة له خبيرا بتلك الناحية وأهلها، فقال له المخبر، وكان يعرف بابن يعيش، فوصفه له، فتوجه الفقيه إلى
أرجونة، ونزل بها، وتسومع به، وأقبل السلطان وأظهاره، وتكلموا في شأنه، فذكر غرضه فيه، وأظهر العجز عن الثّمن، وسأل منه تأخير بعضه، فأسعفه، واشترى منه الفرس بمال له خطر. فلما كمل له القصد، طلب منه الخلوة به في المسجد من الحصن، وخرج له عن الأمر، وأعطاه بيعته، وصرف عليه الثّمن، واستكتمه السلطان خيفة على نفسه، وانصرف إلى بلده.
قال: وفي العام بعده، دعا إلى نفسه بأرجونة، وتملّك مدينة جيّان، واختلف في السبب الذي دعاه إلى ذلك، فقيل: إن بعض العمال أساء معاملته في حقّ مخزني، وقيل غير ذلك.
حاله: هذا الرجل كان آية من آيات الله في السّذاجة والسلامة والجمهورية، جنديّا، ثغريّا شهما، أيّدا، عظيم التّجلّد، رافضا للدّعة والرّاحة، مؤثرا للتقشف، والاجتراء باليسير، متبلغا بالقليل، بعيدا عن التّصنّع، جافي السلاح، شديد العزم، مرهوب الإقدام، عظيم التّشمير، مقريا لضيفه، مصطنعا لأهل بيته، فظّا في طلب حظّه، محميا لقرابته وأقرانه وجيرانه، مباشرا للحروب بنفسه، تتغالى الحكاة في سلاحه، وزينة دبوره. يخصف النعل، ويلبس الخشن، ويؤثر البداوة، ويستشعر الجدّ في أموره. سعد بيوم الجمعة، وكان فيه تملّكه جيّان؛ ثم حضرة الملك غرناطة، وقيل: يوم قيامه شرع فيه الصّدقة الجارية على ضعفاء الحضرة، ومنائهم إلى اليوم.
وتملك مدينة إشبيلية «1» في أخريات ربيع الأول من عام ظهوره، وهو عام تسعة وعشرين وستمائة نحوا من ثلاثين يوما. وملك قرطبة في العشر الأول لرجب من العام المذكور، وكلاهما عاد إلى ملك ابن هود.
ولما تمّ له القصد من تملّك البيضة، والحصول على العمّال، مباشرا للحسابات بنفسه، فتوفّر ماله، وغصّت بالصامت خزائنه، وعقد السّلم الكبير، وتهنّأ أمره، وأمكنه الاستعداد، فأنعم الأهواء، وملأ بطن الجبل المتصل بالقلعة حبوبا مختلفة، وخزائن درّة، ومالا وسلاحا وارية ظهرا، وكراعا، فوجد فائدة استعداده، ولجأ إلى ما ادّخره من عتاده.
سيرته: تظاهر لأول أمره بطاعة الملوك بالعدوة وإفريقية، يخطب لهم زمانا يسيرا، وتوصل بسبب ذلك إلى إمداد منهم وإعانة، ولقبل ما افتتح أمره بالدعاء للمستنصر العباسي ببغداد، حاذيا حذو سميّه ابن هود، للهج العامة في وقته، بتقلد تلك الدعوة، إلى أن نزع عن ذلك كله.
وكان يعقد للناس مجلسا عاما، يومين في كل أسبوع، فترتفع إليه الظلامات، ويشافه طالب الحاجات، وتنشده الشعراء، وتدخل إليه الوفود، ويشافه أرباب النصائح في مجلس اختصّ به أهل الحضرة، وقضاة الجماعة، وأولي الرتب النّبيهة في الخدمة، بقراءة أحاديث من الصّحيحين، ويختم بأعشار من القرآن. ثم ينتقل إلى مجلس خاص، ينظر فيه في أموره، فيصرف كل قصد إلى من يليق به ذلك، ويؤاكل بالعشيّات خاصته من القرابة؛ ومن يليهم من نبهاء القوّاد.
أولاده: أعقب ثلاثة من الذكور، محمدا وليّ عهده وأمير المسلمين على أثره؛ والأميرين أبا سعيد فرج، وأبا الحجاج يوسف؛ توفّيا على حياته؛ حسبما يتقرر بعد إن شاء الله.
وزراء دولته: وزر له جماعة؛ الوزير أبو مروان عبد الملك بن يوسف بن صناديد، زعيم قاعدة جيّان؛ وهو الذي مكّنه من ناصية جيّان المذكورة. واستوزر علي بن إبراهيم الشّيباني من وجوه حضرته، وذوي النّسب من الفضلاء أولي الدّماثة والوقار. واستوزر الرئيس أبا عبد الله ابن الرئيس أبي عبد الله الرّميمي. واستوزر الوزير أبا يحيى ابن الكاتب من أهل حضرته، وغيرهم ممن تبلغ به الشهرة مبلغا فيهم.
كتّابه: كتب له من الجلّة جماعة، كالكاتب المحدّث الشهير أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن سعيد اليحصبي اللّوشي، ولما توفي كتب عنه ولده أبو بكر بن محمد. هؤلاء مشاهير كتّابه، ومن المرؤوسين أعلام، كأبي بكر بن خطاب وغيره.
قضاته: ولي له قضاء الجماعة، القاضي العالم الشهير، أبو عامر يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري، من جلّة أهل الأندلس في كبر البيت، وجلالة المنصب، وغزارة العلم. ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الجليل بن غالب الأنصاري الخزرجي. ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد السلام التميمي، وهذا الرجل من أهل الدين والأصالة، وآخر قضاة العدل. ثم ولي بعده الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عياض بن موسى اليحصبي. ثم ولي بعده الفقيه القاضي الحسيب أبو عبد الله بن أضحى، وبيته شهير، ولم تطل مدته. وولي بعده آخر قضاته أبو بكر محمد بن فتح بن علي الإشبيلي، الملقب بالأشبرون.