الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لله الذي أقرّ الحقّ في نصابه، واسترجعه من أيدي غصّابه، حمدا يجمع شمل النّعم، ويلقحها كما تلقح الرياح الدّيم، فشنّفوا الأسماع بهذه البشائر، واملئوا الصّدور بما يرويه لكم من أحاديثها كل وارد وصادر، فهو الفتح الذي تفتّحت له أبواب السماء، وعمّ الخير واليمن به بسيطي الشّرق والماء؛ فشكر الله عليه، فرض، في كل قطر من أقطار الأرض.
دخل غرناطة، مرتادا، ومتعلما، ومجتازا.
مولده: ببرشانة بلده، عام خمسين وخمسمائة.
وفاته: توفي بمراكش في شهر رجب «1» الفرد من عام ثمانية عشرة وستمائة، رحمه الله.
محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني
من أهل وادي آش، يكنى أبا القاسم ويعرف بابن البرّاق «2» .
حاله: قال ابن عبد الملك «3» : كان محدّثا حافظا، راوية مكثرا، ثقة ضابطا «4» ، شهر بحفظ كتب كثيرة من الحديث وغيره، ذا نظر صالح في الطّبّ «5» ، أديبا بارعا، كاتبا بليغا، مكثرا لجيّده «6» ، سريع البديهة في النظم والنثر، والأدب أغلب عليه. قال أبو القاسم ابن المواعيني: ما رأيت في عباد الله أسرع ارتجالا منه.
مشيخته: روى «7» عن أبي بحر يوسف بن أحمد بن أبي عيشون، وأبي بكر بن زرقون، وابن قيد «8» ، وابن إبراهيم بن المل، وابن النّعمة وصحبه «9» ، ولقيه بمرّاكش، ووليد بن موفق، وأبي عبد الله بن يوسف بن سعادة، ولازمه أزيد من ست سنين وأكثر عنه، وابن العمرسي، وأبي العباس بن إدريس، والخرّوبي، وتلا عليه بالسّبع،
وأكثر عنه، وعرض عليه من حفظه كثيرا، وابن مضاء، وأبي علي بن عرب «1» ، وأبي القاسم بن حبيش، وابن عبد الجبار، وأبي محمد بن سهل الضرير، وعاشر وقاسم بن دحمان، وأبي يوسف بن طلحة. وأجاز له أبو بكر بن العربي، وابن خير، وابن مندلة «2» ، وابن تمارة «3» ، وأبو الحسن شريح، وابن هذيل، ويونس بن مغيث، وأبو الجليل «4» مفرج بن سلمة، وأبو عبد الله حفيد مكي، وأبو عبد الرحمن بن مساعد، وأبو عامر محمد بن أحمد السالمي، وأبو القاسم ابن بشكوال، وأبو محمد بن عبيد الله، وأبو مروان البيّاضي، وابن قزمان، وأبو الوليد بن حجاج.
من روى عنه: روى «5» عنه ابنه أبو القاسم، وأبو الحسن بن محمد بن بقي الغسّاني، وأبو عبد الله محمد «6» بن يحيى السّكري، وأبو العباس النّباتي، وأبو عمرو بن عيّاد، وهو أسنّ منه، وأبو الكرم جودي.
تواليفه: صنّف «7» في الأدب «8» مصنّفات منها «بهجة الأفكار، وفرجة «9» التّذكار، في مختار الأشعار» ، و «مباشرة ليلة السّفح» «10» ، ومقالة في الإخوان، خرّجها من شواهد الحكم، ومصنّف في أخبار معاوية، و «الدّر المنظم في الاختيار «11» المعظّم» ، و «مجموع في الألغاز» «12» ، و «روضة الحدائق، في تأليف الكلام الرائق» ، مجموع نظمه ونثره، وملقى «13» السبل في فضل رمضان، وقصيدته في ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وخطرات الواجد في رثاء الواحد، ورجوع «14» الإنذار بهجوم العذار، إلى غير ذلك.
محنته: غرّبه الأمير ابن سعد «15» من وطنه، وألزمه سكنى مرسية، ثم بلنسية.
ولما مات ابن سعد آخر يوم من رجب سبع وستين وخمسمائة، عاد إلى وطنه واستقرّ به يفيده الدّية، إلى آخر عمره.
شعره: وشعره كثير. فمن ذلك القصيدة الشهيرة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر صحابته «1» :[الكامل]
بالهضب هضب زرود أو تلعاتها
…
شاقتك «2» هاتفة على نغماتها
مصدورة تفتنّ في ترجيعها «3»
…
فيبين نفث السّحر في نفثاتها
إن راقها «4» رأد الضحى أو راعها
…
جنح الدّجى سيّان في ذكراتها
هذا يمتّعها وذاك يشوقها
…
والموت «5» في يقظاتها وسناتها
ولو «6» التّعلل بالكرى ينتابها
…
نضحت فزور «7» الطّيف برح شكاتها
لكنّ بين جفونها ومنامها «8»
…
حربا «9» تثير النهب في كرّاتها
ولئن نطقت لها به فتقوّل
…
من للرّياح «10» بملتقى هبّاتها؟
مطلولة الفرعين تلحفها الرّبى
…
كنفا «11» وتلثمها لمى زهراتها
ويسيغها «12» ماء النّخيلة جرعة
…
لغياضها «13» من مجتنى نخلاتها
منها:
يا من تبلّج نوره عن صادع
…
بالواضحات الغرّ من آياتها
يا شارعا في أمّة جعلت به
…
وسطا نالت «14» مستدام حياتها
في دار خلد لا يشيب وليدها
…
حيث الشّباب يرفّ في جنّاتها
وتسنّم «1» الرّضوان في أكنافها
…
وتنسّم «2» الرّيحان من جنباتها
يا مصطفاها يا «3» مرفّع قدرها
…
يا كهفها يا منتهى غاياتها «4»
يا منتقاها من أرومة هاشم
…
يا هاشم الصّلبان في نزاوتها
يا خاضدا للشّرك شوكة حزبه
…
يا يافعا «5» للعرب في جمراتها
قلت: نقل الشيخ «6» أزيد من ذلك أو ضعفه أو نحوه. إلى أن قال: وهي طويلة، قلت: وثقيلة الرّوح. ولقد صدق في قوله.
ومن شعره: [السريع]
يا بدر تمّ طالعا في الحشا
…
برّح بي منك أوان المغيب
حظّك من قلبي تعذيبه
…
وحظّه منك الأسى والوجيب
فمن يكن يزهى بلبس المنى
…
فإن زهوي بلحاس النّحيب
في ساعة قصر أنيابها
…
غيبته لي وحضور الرقيب
لعلّ من باعد ما بيننا
…
يفرّج الكربة عمّا قريب
وقال: [الكامل]
رشّوا «7» القباب بأدمع مفضوضة
…
ذوى للفراق وأكبد تتصرّم
فللنّفس في تلك الرّبوع حبيبة
…
والقلب في إثر الوداع مقسّم
هل لي بهاتيك الظّبا إلماعة؟
…
أم هل لذاك السّرب شمل ينظم؟
حقّا فقدت الذّات عند فراقهم
…
فالشّخص يوجد والحقيقة تعدم
وفاته: توفي ببلده لثلاث بقين من رمضان ست وتسعين وخمسمائة «8» . قال أبو القاسم المواعيني: عثر في مشيه فسقط، فكان سبب منيّته، ودخل غرناطة في غير ما وجهة منها، راويا عن أبي القاسم بن الفرس، ومع ذلك فهو من أحوازها وبنيّاتها.