الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للأشراف، مستميلا للقلوب، مطبقا المفاصل، مزيحا للعلل، مستبصرا في الاستبداد، خاطبا جميل الذكر، عظيم الصبر، رحيب الذّرع، طموح الطرف، جشع السيف، مهادي جياد العقاب والمثوبة، مهيبا، جزلا، منكسف اللون، مصفر الكفّ، آية الله، جل جلاله، في النّصر على الأعداء ومصاحبة الظّفر، وتوالي الصّنع.
نباهته: قال المؤرخ «1» : سلك سبيل القضاء «2» في أوّليّته، مقتفيا آثار عمومته وخؤولته، يطلب «3» الحديث في حداثته. وكتب منه كثيرا، ولقي الجلّة من رجاله، ثم صحب الخليفة الحكم «4» متحزّبا في زمرته، وولي له الأعمال من القضاء والإمامة، ثم استكفاه، فعدل عن سبيله، وصار في أهل الخدمة. ثم اختصّه بخدمة أمّ ولده هشام، فزاد بخاصّته لولي العهد، عزّا ومكانة من الدولة، فاحتاج الناس إليه، وغشوا بابه، وبلغ الغاية من أصحاب السلطان معه، إسعاف، وكرم لقاء، وسهولة حجاب، وحسن أخلاق، فاستطار ذكره، وعمّر بابه، وساعده الجدّ. ولمّا صار أمر المسلمين إليه، بلغ «5» التي لا فوقها عزّا وشهرة.
الثناء عليه: قال: وفي الدولة العامرية، وأعين محمد على أمره، مع قوة سعده، بخصال مؤلفة لم تجتمع لمن قبله، منها الجود، والوقار، والجدّ والهيبة، والعدل والأمن، وحبّ العمارة، وتأمير المال، والضبط للرعية، وأخذهم بترك الجدل والخلاف والتّشغّب، من غير وهن في دينه، وصحّة الباطن، وشرح كل فضل، وجلب كلّ ما يوجب عن المنصور فيه.
غزواته وظهوره على أعدائه:
واصل، رحمه الله، الغزو بنفسه، فيما يناهز خمسين غزوة، وفتح فيها البلاد، وخضد شوكة الكفر، وأذلّ الطواغيت وفضّ مصاف الكفّار، وبلغ الأعماق، وضرب على العدو الضرائب، إلى أن تلقّاه عظيم الروم بنفسه وأتحفه بابنته في سبيل الرغبة في صهره، فكانت أحظى عقائله، وأبرّت في الدين والفضل على سائر أزواجه، وعقد اثني عشر بروزا إلى تلقي ملوك الروم القادمين عليه مصطهرين بإلحاح سيفه، منكبّين على لثم سريره.
شعره: ومما يؤثر من شعره «1» : [الطويل]
رميت بنفسي هول كلّ عظيمة «2»
…
وخاطرت والحرّ الكريم يخاطر «3»
وما صاحبي إلّا جنان مشيّع
…
وأسمر خطّيّ وأبيض باتر «4»
ومن شيمتي «5» أني على كلّ «6» طالب
…
أجود بمال لا تقيه المعاذر
وإني لزجّاء الجيوش إلى الوغى
…
أسود تلاقيها أسود خوادر
فسدت «7» بنفسي أهل كلّ سيادة
…
وكاثرت «8» حتى لم أجد من أكاثر
وما شدت بنيانا «9» ولكن زيادة
…
على ما بنى عبد المليك وعامر
رفعنا العوالي «10» بالعوالي سياسة «11»
…
وأورثناها في القديم معافر «12»
وبلغ في ملكه أقطار المغرب، إلى حدود القبلة «13» ، وبمدينة فاس، إثر ولده المقلّد فتح تلك الأقطار، ونهد أولئك الملوك الكبار.
دخوله غرناطة: قال صاحب الديوان في الدولة العامرية، وقد مرّ ذكر المنصور، قومس الفرنجة بمدينة برشلونة: وهذه الأمة أكثر النصرانية جمعا، وأوسعها، وأوفرها من الاستعداد، وما أوطىء من الممالك والبلاد، وفتح من القواعد، وهزم من الجيوش. وقفل المنصور عنها، وهو أطمع الناس في استئصالها؛ ثم خصّهم بصائفة سنة خمس وسبعين، وهي الثالثة عشرة «14» لغزواته؛
وقد احتفل لذلك، واستبلغ في النّفير، واستوفى أتمّ الأبّهة، وأكمل العدّة، فجعل طريقه على شرقي الأندلس؛ لاستكمال ما هنالك من الأطعمة، فسلك طريق إلبيرة، إلى بسطة، إلى تدمير؛ وعزم في هذه الغزوات بريل ملك فرنجة ونازل مدينة برجلونة؛ فدخلها عنوة يوم الاثنين النصف من صفر، سنة أربع وسبعين أو خمس بعدها.
قلت: وفي دخول المنصور بجيشه بلد إلبيرة؛ ما يحقق دعوى من ادّعى دخول المعتمدين من أهل الأندلس لذلك العهد؛ إذ كان يصحب المنصور في هذه الغزوة، من الشعراء المرتزقين بديوانه من يذكر؛ فضلا عن سائر الأصناف على ندارة هذا الصنف من الخدام؛ بالنسبة للبحر الزاخر من غيرهم.
والذي صحّ أنه حضر ذلك، أبو عبد الله محمد بن حسين الطّبني، أبو القاسم حسين بن الوليد، المعروف بابن العريف، أبو الوضّاح بن شهيد، عبد الرحمن بن أحمد، أبو العلا صاعد بن الحسن اللغوي، أبو بكر زيادة الله بن علي بن حسن اليمني، عمر بن المنجم البغدادي، أبو الحسن علي بن محمد القرشي العباسي، عبد العزيز بن الخطيب المحرود، أبو عمر يوسف بن هارون الزيّادي، موسى بن أبي طالب، مروان بن عبد الحكم بن عبد الرحمن، يحيى بن هذيل بن عبد الملك بن هذيل المكفوف، سعد بن محمد القاضي، ابن عمرون القرشي المرواني، علي النقاش البغدادي، أبو بكر يحيى بن أمية بن وهب، محمد بن إسماعيل الزبيدي، صاحب المختصر في اللغة، أحمد بن درّاح القسطليّ، متنبيّ الأندلس، أبو الفرج منيل بن منيل الأشجعي، محمد بن عبد البصير، الوزير أحمد بن عبد الملك بن شهيد، محمد بن عبد الملك بن جهور، محمد بن الحسن القرشي، من أهل المشرق، أبو عبيدة حسان بن مالك بن هاني، طاهر بن محمد المعروف بالمهنّد، محمد بن مطرّف بن شخيص، سعيد بن عبد الله الشّنتريني، وليد بن مسلمة المرادي، أغلب بن سعيد، أبو الفضل أحمد بن عبد الوهاب، أحمد بن أبي غالب الرّصافي، محمد بن مسعود البلخي، عبادة بن محمد بن ماء السماء، عبد الرحمن بن أبي الفهد الإلبيري، أبو الحسن بن المضيء البجلي الكاتب، عبد الملك بن سهل، الوزير عبد الملك بن إدريس الجزيري، قاسم بن محمد الجيّاني.
قال المؤرخ: هؤلاء من حفظته منهم، وهم أكثر من أن يحصوا، فعلى هذا يتبنى القياس في ضخامة هذا الملك، وانفساح هذا العزّ.