المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي - الإحاطة في أخبار غرناطة - جـ ٢

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثانى]

- ‌[تتمة قسم الثانى]

- ‌محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج ابن يوسف بن نصر الخزرجي

- ‌شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره:

- ‌الأحداث في أيامه:

- ‌الحادثة التي جرت عليه:

- ‌ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور:

- ‌ظرف السلطان وحسن توقيعه:

- ‌ومن ملوك النصارى:

- ‌بعض مناقب الدولة لهذا العهد:

- ‌الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة:

- ‌الغزاة إلى حصن أشر

- ‌الغزاة المعملة إلى أطريرة

- ‌الغزاة إلى فتح جيّان:

- ‌الغزاة إلى مدينة أبدة:

- ‌محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر ابن قيس الخزرجي الأنصاري

- ‌الملوك على عهده:

- ‌محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر ابن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، المنصور بن أبي عامر

- ‌غزواته وظهوره على أعدائه:

- ‌محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف ابن نعيم، لخمي النسب

- ‌توقيعه ونثره في البديهة:

- ‌محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي

- ‌ما نقم عليه ووصم به:

- ‌بعض الأحداث في أيامه، ونبذ من أخباره:

- ‌محمد بن يوسف بن هود الجذامي

- ‌بعض الأحداث في أيامه

- ‌محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد بن زيد بن الحسن ابن أيوب بن حامد بن زيد بن منخل الغافقي

- ‌حاله ونباهته ومحنته ووفاته:

- ‌خبر في وفاته ومعرجه:

- ‌محمد بن أحمد بن محمد الأشعري

- ‌محمد بن فتح بن علي الأنصاري

- ‌محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي ابن الزيات الكلاعي

- ‌محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج

- ‌محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن أرقم النّميري

- ‌محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار ابن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير بن عيّاش

- ‌محمد بن عبد الله بن منظور القيسي

- ‌محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني

- ‌محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد ابن أبي بكر بن سعد الأشعري المالقي

- ‌محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد ابن ناصر بن حيّون بن القاسم بن الحسن بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه

- ‌محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى ابن عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي بن داود القرشي المقري

- ‌محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي

- ‌محمد بن عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى ابن عياض اليحصبي

- ‌محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن سعيد ابن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام بن مروان ابن عبد السلام بن جبير الكناني

- ‌محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن شبرين

- ‌محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن يحيى بن محمد بن الحكيم اللخمي

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي ابن محمد اللّوشي اليحصبي

- ‌محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى ابن الحكيم اللخمي

- ‌محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري

- ‌محمد بن مالك المرّي الطّغنري

- ‌محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي

- ‌محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي

- ‌محمد بن علي بن العابد الأنصاري

- ‌محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي

- ‌محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم ابن علي الغسّاني البرجي الغرناطي

- ‌محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف ابن محمد الصّريحي

- ‌محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبّائي

- ‌محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجّي الحميري

- ‌محمد بن أحمد بن علي الهوّاري

- ‌محمد بن أحمد بن الحدّاد الوادي آشي

- ‌محمد بن إبراهيم بن خيرة

- ‌محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي

- ‌محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري

- ‌محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم

- ‌شعره ودخوله غرناطة

- ‌محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري

- ‌محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي

- ‌محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي

- ‌محمد بن محمد بن حزب الله

- ‌محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري

- ‌محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل

- ‌محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي

- ‌محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي

- ‌محمد بن محمد بن الشّديد

- ‌محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد ابن أبي الخصال الغافقي

- ‌محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي

- ‌محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي

- ‌محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي

- ‌محمد بن عبد الله بن الحاج البضيعة

- ‌محمد بن عبد الله بن فطيس

- ‌محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن فتوح بن محمد بن أيوب بن محمد بن الحكيم اللخمي ذو الوزارتين

- ‌محمد بن عبد الرحمن العقيلي الجراوي

- ‌محمد بن عبد الرحمن المتأهل

- ‌محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي

- ‌حظوته ودخوله غرناطة:

- ‌محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عيّاش التّجيبي البرشاني

- ‌بعض أخباره مع المنصور ومحاورته الدّالة على جلالة قدره:

- ‌محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني

- ‌محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد ابن خاتمة الأنصاري

- ‌محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزّهري

- ‌محمد بن غالب الرّصافي

- ‌محمد بن قاسم بن أبي بكر القرشي المالقي

- ‌محمد بن سليمان بن القصيرة

- ‌محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني

- ‌محمد بن حسن العمراني الشريف

- ‌محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي ابن العشاب

- ‌محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي

- ‌محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التّلمساني

- ‌محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي

- ‌محمد بن علي بن الحسن بن راجح الحسني

- ‌محمد بن علي بن عمر العبدري

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي

‌محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي

«1»

يكنى أبا عبد الله.

حاله: كان فاضلا، متخلقا، أديبا، شاعرا، صوفيا، جميل العشرة، حسن الخلق، كريم العهد، طيّب النفس. كتب عن الأمراء بإفريقية، ونال حظوة، ثم شرّق وحجّ، ولقي جلّة، ووصل الأندلس عام ثمانية عشر وسبعمائة، فلقي بغرناطة حفاية، وانسحبت بها عليه جراية، ثم انصرف إلى وطنه، وناله به اعتقال، ثم تخلّص من النّكبة، وأقام به، يزجى وقته إلى آخر عمره.

وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» «2» : كاتب الخلافة، ومشعشع الأدب المزري «3» بالسّلافة، كان، يرحمه الله، بطل مجال، وربّ رويّة وارتجال، قدم على هذه البلاد وقد نبا به وطنه، وضاق ببعض الحوادث عطنه، فتلوّم بها تلوّم النسيم بين الخمائل، وحلّ بها «4» محل الطّيف من الوشاح الجائل، ولبث مدة إقامته تحت جراية واسعة، وميرة «5» يانعة. ثم آثر قطره، فولّى وجهه شطره، واستقبله دهره بالإنابة، وقلّده خطّة الكتابة، فاستقامت «6» حاله، وحطّت رحاله. وله شعر أنيق، وتصوّف وتحقيق، ورحلته «7» إلى الحجاز سببها «8» في الخبر وثيق، ونسبتها «9» في الصالحات عريق.

شعره: نقلت من خطّ الوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين، مما قيّد عنه، وكان خبيرا بحاله «10» :[الطويل]

رضى نلت ما ترضين «11» من كلّ ما يهوى

فلا توقفيني «12» موقف الذلّ والشّكوى

وصفحا عن الجاني المسيء لنفسه

كفاه الذي يلقاه من شدّة البلوى

ص: 405

بما بيننا من خلوة معنوية

أرقّ من النجوى وأحلى من السّلوى

قفي أتشكّى لوعة البين ساعة

ولا يك هذا آخر العهد بالنّجوى

قفي ساعة في عرصة الدار وانظري

إلى عاشق لا يستفيق من البلوى

وكم قد سألت الريح شوقا إليكم

فما حنّ مسراها إليّ «1» ولا ألوى

فيا ريح، حتى أنت ممّن يغار بي

ويا نجد، حتى أنت تهوى الذي أهوى

خلقت ولي قلب جليد على النّوى

ولكن على فقد الأحبّة لا يقوى

وحدّث «2» بعض من عني بأخباره، أيّام مقامه بمالقة واستقراره، أنه لقي ليلة «3» بباب الملعب من «4» أبوابها ظبية من ظبيات الإنس، وفتنة من فتن «5» هذا الجنس، فخطب وصالها، واتّقى بفؤاده نصالها، حتى همّت بالانقياد، وانعطفت انعطاف الغصن الميّاد، فأبقى على نفسه وأمسك، وأنف من خلع العذار بعد ما تنسّك، وقال «6» :

[الكامل]

لم أنس وقفتنا بباب الملعب

بين الرّجا واليأس من متجنّب

وعدت فكنت مراقبا لحديثها

يا ذلّ وقفة خائف مترقّب

وتدلّلت «7» فذللت بعد تعزّز

يأتي الغرام بكلّ أمر معجب

بدويّة أبدى الجمال بوجهها

ما شئت من خدّ شريق «8» مذهب

تدنو وتبعد نفرة وتجنّيا «9»

فتكاد تحسبها مهاة الرّبرب «10»

ورنت بلحظ فاتر لك فاتن «11»

أنضى وأمضى من حسام المضرب

وأرتك بابل سحرها بجفونها

فسبت، وحقّ لمثلها أن تستبي «12»

وتضاحكت فحكت بنيّر ثغرها

لمعان «13» نور ضياء برق خلّب «14»

بمنظّم في عقد سمطي جوهر

عن شبه نور الأقحوان الأشنب

ص: 406

وتمايلت كالغصن أخضله النّدى «1»

ريّان من ماء الشبيبة مخصب

تثنيه أرياح «2» الصّبابة والصّبا

فتراه بين مشرّق ومغرّب

أبت الرّوادف أن تميل بميله

فرست وجال كأنه في لولب

متتوّجا بهلال وجه لاح في

خلل السجوف «3» لحاجب ومحجّب

يا من رأى فيها محبّا مغرما

لم ينقلب إلّا بقلب قلّب

ما زال مذ ولّى يحاول حيلة

تدنيه من نيل المنى والمطلب

فأجال نار الفكر حتى أوقدت

في القلب نار تشوّق وتلهّب

فتلاقت الأرواح قبل جسومها

وكذا البسيط يكون قبل مركّب

ومن مقطوعاته البديعة، مما سمع منه بغرناطة، حرسها الله، أيام مقامه بها قوله «4» :[الطويل]

أرى لك يا قلبي بقلبي محبّة

بعثت بها سرّي إليك رسولا

فقابله بالبشرى «5» وأقبل عشيّة

فقد هبّ مسك «6» للنسيم عليلا

ولا تعتذر بالقطر أو بلل الندى

فأحسن ما يأتي النسيم بليلا

ونقلت من خط الفقيه القاضي أبي جعفر الرّعيني، مما أملاه عليّ بمنزله بغرناطة، قال: وحضرت في عام ثلاثة عشر وسبعمائة، يوم إحرام الكعبة العليّة، وذلك في شهر ذي القعدة على اصطلاحهم في ذلك، وصفته أن يتزيّن سدنة البيت من شيبة بأحسن زي، ويعمدوا إلى كرسي يصل فيه صاعده إلى ثلث الكسوة، ويقطعها من هنالك، ويبقى الثلثان إلى الموسم، وهو يوم مشهود عند سكان الحرم، يحتفل له، ويقوم المنشدون أدراج الكعبة ينشدون. فقلت في ذلك:[الطويل]

ألم ترها قد شمّرت تطلب الجدّا

وتخبر أنّ الأمر قد بلغ الحدّا؟

فجدّ كما جدت إليها وشمّر

عن السّاعد الأقوى تنل عندها سعدا

طوت بردها طيّ السّجلّ كناية

لأمر خفيّ سرّه طوت البردا

وأندت محيّاها فحيّي «7» جماله

وقبّل على صوت المقى «8» ذلك الخدّا

ص: 407

فكم سترت سود البرود جمالها

وغطّته لكن عن سنها الرمدا «1»

وكم خال ذاك الخال عما مقصّر

عن العلم بالأنساب لا يعرف الحدّا

لقد سفرت عن وجهها الكعبة التي

لها الحجر «2» المسنيّ في حسنها المبدا

وقالت ألا أين مكلّلي، قصدوا إلى «3»

جمالي فقد أبدى الحجاب الذي أبدا

فلبّت لها العشّاق من كل جانب

يؤمّونها يستقربون لها البعدا

فمن ندف أشفى على تلف ومن

محبّ على قرب يهيم بها وجدا

ومن ساهر على النجوم ولم يذق

بعينيه طعم النور أو يبلغ القصدا

يسائل عن بدر وبدر تجاهه

كذاك «4» اشتراك اللفظ قد ينغص الخدا

ومن مستهام لا يقرّ قراره

كأنّ به من حرّ أشواقه وقدا

يقلّب قلبا بين جنبيه موريا

أوار الأسى فيه فتحسبه زندا

إذا ما حدا حادي الرّكاب ركابه

كأنّ قلوب الراكبين له نجدا

أحاد بها إن أنت جئت بها منى

ونلت المنى والأمن فانزل ورد وردا

ولا خوف هذا الخيف «5» والتربة التي

سرت بهما «6» قد عيّن المصطفى عدّا

وفي عرفات فاعترف وانصرف إلى

مشاعر «7» فيها يرحم المالك العبدا

وإن كنت من أوفى العبيد جرائما

فحسّن نبيل العقد من ربّك العقدا

لئن صدقت فيك الوعيد جرائم

فعفوا جميل «8» الصفح يصدقك الوعدا

وعد مفضيا للبيت طف واستلم وقم

بها للمقام الرحب واسجد وكن عبدا

ورد في الثنا والحمد والشكر واجتهد

فمن عرف الإحسان زادته حمدا

وعج نحو فرض الحب واقض حقوقه

وزر قبر من أولاك من هديه رشدا

قال: وكنت في زمن الحداثة، أفضّل الأصيل على السّحر، وأقول فيه رقّة المودّع ورقّة المعتذر. فلمّا كان أوان الأسفار، واتصلت ليالي السير إلى أوقات

ص: 408

الأسحار، رأيت أفق الشرق، ووجدت القائل بفضل السّحر أصدق، فابتدأت راكبا، فلمّا جئت لذكر الجناب العليّ النبوي، أتممت ماشيا، وأنا في رملة بين مصر وعقبة إيله، وقلت:[البسيط]

ما أحسن الأفق الشرقيّ إسفارا

فكم هذا في دجى الإدلاج أسفارا

إذا بدا سارت الأظعان هادية

له وصارت به الظلماء أنوارا

يجلو غياهب ليل طالما سدلت

على المحبين في الظلماء أستارا

ونمّ منه نسيم ثم ذا بعد

على أحاديث كانت ثمّ أسرارا

سرت سحيرا فبرّت سرّ ذي سحر

أهدت له ريح من يهواه معطارا

سرت ببانات أكناف اللّوى فغدت

كأنّ دارين قد أصبحت دارا

طابت بطيبة أرواح معطرة

بها فأصبح أفق الشوق عطّارا

كأنما فلق الإصباح حين بدا

خدّ وبهجة «1» حسن الشمس قد وارى

حقي بدت وتبدّت حسن صورتها

فعمّت «2» الأرض أنجادا وأغوارا

كأنه دعوة المختار حين بدت

دانت لها الخلق إعلانا وإصرارا

من نوره كل نور أنت تبصره

ونوره زاد للأبصار «3» إبصارا

هدا به الله أقواما به سعدا «4»

لولاه كانوا مع الكفر كفّارا

هو الشّفيع الذي قالت شفاعته

للموبقين ألا لا تدخلوا النّارا

هو العفوّ «5» عن الجاني وإن عظمت

من المسيء ذنوب كان غفّارا

هو الكريم الذي ما ردّ سائله

يوما ولو كرّر التّسآل تكرارا

هو الحبيب الذي ألقى محبته

في كل قلب فقلبي نحوه طارا

أحبّه كلّ مخلوق وهام به

حتى الجمادات أحجارا وأشجارا

وانشقّ بدر الدّجى من نور غرّته

وانهلّت السّحب من كفّيه أنهارا

ومن مقطوعاته، قال: ومما نظمته في ليل السّرى، وتخيل طيف الكرى، مبدأ قصيد قصدته، أي معنى أردته، أشغل عنه ما بي منه:[الخفيف]

منع الهجر من سليمى هجوعا

فانثنى طبعها يريد الرّجوعا

ص: 409

بعثته ليلا يعلّل قلبا

مستهاما بها محبّا ولوعا

لم يجد غير طرف جفن قريح

شاخصا نحوها يذرّ الدّموعا

وكتب إلى صديقه شيخنا أبي بكر بن شبرين من بجاية، وهو معتقل بقصبتها، وقد امتحنه بذلك أبو عبد الله بن سيد الناس:[الخفيف]

شرح حالي لمن يريد سؤالي

إنني في اعتقال مولى الموالي «1»

مطلق الحمد والثناء عليه

وهو للعطف والجميل موال

لا أرى للولاة فيّ احتكاما

ووليّ مال على كل وال

أرتجي بالمصاب تكفير ذنبي

حسبما جاء في الصّحاح العوالي «2»

لا تدوم الدّنا ولا الخير فيها

وكذا الشّرّ ذا وذا للزوال

فاغتنم ساعة الوصال وكم من

محنة وهي منحة من نوال

فإذا غبت عنك فاحضر تجدها

للجواب المفيد عن السؤال «3»

فهي نور النهار «4» والنور منها

وهي الأنس في الليالي الطوال

فاستدمها تدم ولا تضج منها

وأدرها على اليمين ووال

فإنّ الكأس مجراها على اليمين، ومسراها لفي الصبح المبين، تغني عن الإصباح والمصباح، وتدني لهم معنى النور المشرق في الوجوه الصّباح، وتجري في الأشباح، فتسري في الأرواح. وهذه الرسالة طويلة، فيها كل بديع من نظم ونثر.

فأجابه رحمه الله: [الخفيف]

أرغمن هذه القيود الثّقال

ربّ ودّ مصيره للتّغالي «5»

طال صبري على الجديدين حتى

كدت مما لقيت أن يشفقا لي «6»

إنّ بعض الرضا لديه فسيح

أيّ مدّ «7» به وأيّ ابتقال

حاش لله أن أكون لشيء

شاده الصانع القديم بغال

إن عندي من الثناء عليه

لأماني لم يملهنّ القالي «8»

يا إمامي الذي بودّي لو أم

كن نصلي «9» إليه أوّار قال

ص: 410

ارج دنياك وارج مولاك واعلم

أنّ راجي سواه غير مقال

وابتغاء الثواب من ربّك اعمل

فهو يجزي الأعمال بالمثقال

واغتنم غيبة الرّقيب ففيها

لقلوب الرجال أيّ صقال

وأحل في الوجود فكر غنيّ

عن ضروب الإنعام والأحقال

وإذا الوقت ضاق وسّعه بالصّب

ر ولا تنس من شهير المقال

ربما تكره النفوس من الأم

ر له فرحة كحلّ العقال

لا غرو أن وقع توان، أو تلوّم دهر ذو ألوان، فالأمر بين الكاف والنون، ومن صبر لم يبوء بصفقة المغبون، وللسعداء تخصيص، ومع التقريب تمحيص، وما عن القضاء محيص، والمتصرف في ماله غير معتوب، وقديم الحقيقة إلى الحيف ليس بمنسوب. وقد ورد خطاب عمادي أطاب الله محضره، وسدّد إلى المرامي العليّة نظره، ناطقا بلسان التفويض، سارحا من الرّضا في الفضاء العريض، لائذا بالانقياد والتسليم، قائما على أسكفّة «1» باب الأدب لمثابة حكم الحكيم.

ومنها: والوقائع عافاكم الله وعّاظ، ونحن هجود وفي الحيّ أيقاظ، وما كل المعاني تؤديها الألفاظ. وهذا الفنا الذي نشأ عن الوقت، هو إن شاء الله عين البقيا.

وإذا أحبّ الله عبدا حماه الدنيا، وما هي إلّا فنون، وجنون فنون، وحديث كله مجون. وقد يجمع الله الشتيتين، ولن يغلب عسر يسرين ولا باس، ويا خطب لا مساس، وأبعد الله الياس، وإنما يوفي الأجر الصابرون، ولا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون. وهي طويلة بديعة.

أسمع بحضرة غرناطة لما قدم عليها وارتسم في جملة الكتاب بها، وحدّث عن رضي الدين أبي أحمد إبراهيم الطهري، بسماعه من الشريف يونس بن يحيى الهاشمي، بسماعه من أبي الوقت طرّاد. وعن الإمام سراج الدين أبي حفص عمر بن طراد المعري القاضي بالحرم الشريف، وعن شرف الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد الهمداني، وعن الإمام بهاء الدين الخميري عن أبي الطاهر السّلفي، وعن جماعة غيرهم، وكان وروده على الأندلس في أوائل عام خمسة عشر وسبعمائة، وحضر بها غزوات، ولقي من كان بها من الأعلام. ثم انصرف عنها في أوائل عام ثمانية عشر، وأحلّ بسبتة، فأكرم رئيسها أبو عمر يحيى بن أبي طالب العزفي قدومه، وأنزله بدار جليلة كان بها علو مطلّ على البحر، لم يتمكن من مفتاحه، لأمر اقتضى

ص: 411