الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي يوم الخميس الثالث لشعبان عام خمسة وستين وسبعمائة، وقد ناهز السبعين سنة، ودفن بروضتنا بباب إلبيرة، وأعفي شارب الشّعر من نابي «1» مقصّه.
وغير هذه الدعوى قرارها تجاوز القضية.
محمد بن علي بن عمر العبدري
«2»
من أهل تونس، شاطبي الأصل، يكنى أبا عبد الله، صاحبنا.
حاله: كان فاضلا من أبناء النّعم، وأخلاف العافية، ولّي أبوه الحجابة بتونس عن سلطانها برهة، ثم عدا عليه الدهر، واضطر ولده هذا إلى اللحاق بالمشرق، فاتصل به سكناه وحجّ، وآب إلى هذه البلاد ظريف النّزعة، حلو الضّريبة، كثير الانطباع، يكتب ويشعر، ويكلف بالأدب، ثم انصرف إلى وطنه. وخاطبني إلى هذا العهد، يعرّفني بتقلّده خطة العلّامة، والحمد لله.
وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصّه «3» : غذيّ نعمة هامية، وقريع رتبة سامية، صرفت إلى سلفه الوجوه، ولم يبق بإفريقية «4» إلّا من يخافه ويرجوه، وبلغ هو مدة ذلك الشرف، الغاية من التّرف. ثم قلب الدهر له ظهر المجنّ، واشتدّ به الخمار «5» عند فراغ الدّنّ، ولحق صاحبنا هذا بالمشرق بعد خطوب مبيرة «6» وشدّة كبيرة، فامتزج بسكانه وقطّانه، ونال من اللّذّات ما لم ينله في أوطانه؛ واكتسب الشمائل العذاب، وكان كابن الجهم «7» بعث إلى الرّصافة ليرقّ فذاب، ثم حوّم على وطنه تحويم الطّائر، وألمّ بهذه المدينة «8» إلمام الخيال الزائر، فاغتنمت صفقة ودّه لحين وروده، وخطبت موالاته على انقباضه وشروده، فحصلت منه على درّة تقتنى، وحديقة طيّبة الجنى.
شعره: أنشدني في أصحاب له بمصر قاموا ببرّه «9» : [الطويل]
لكلّ أناس مذهب وسجيّة
…
ومذهب أولاد النظام المكارم
إذا كنت فيهم ثاويا كنت سيّدا
…
وإن غبت عنهم لم تنلك المظالم
أولئك صحبي، لا عدمت حياتهم
…
ولا عدموا السّعد الذي هو دائم!
أغنّي بذكراهم وطيب حديثهم
…
كما غرّدت فوق الغصون الحمائم
ومن شعره يتشوّق إلى تلك الديار، ويتعلل بالتذكار، قوله «1» :[الوافر]
أحبّتنا بمصر لو رأيتم
…
بكائي عند أطراف النهار
لكنتم تشفقون لفرط وجدي
…
وما ألقاه من بعد المزار «2»
ومن شعره: [الطويل]
تغنّى حمام الأيك يوما بذكرهم
…
فأطرب حتى كدت من ذكرهم أفنى
فقلت: حمام الأيك لا تبك جيرة
…
نأوا «3» وانقضت أيام «4» وصلهم عنّا
فقال ولم يردد جوابا لسائل
…
ألا ليتنا كنا جميعا بذا حقنا «5»
ومن جيد شعره الذي أجهد فيه قريحته، قوله يمدح السلطان المعظم أبا الحسن في ميلاد عام سبعة وأربعين وسبعمائة:[الطويل]
تقرّ ملوك الأرض أنّك مولاها
…
وأنّ الدّنا وقف عليك قضاياها
ومنها:
طلعت بأفق الأرض شمسا منيرة
…
أنار على كل البلاد محيّاها
حكيت لنا الفاروق «6» حتى كأننا
…
مضينا «7» بعين لا نكذّب رؤياها
وسرت على آثاره خير سيرة
…
قطعنا بأنّ الله ربّك يرضاها
إذا ذكرت سير الملوك بمحفل
…
ونادى بها النّادي وحسّن دنياها
فجودك روّاها وملكك زانها
…
وعدلك زانها «8» وذكرك حلّاها
وأنت لها كهف حصين ومعقل
…
تلوذ بها أولى الأمور وأخراها
ومنها بعد كثير:
ومنكم ذوو التّيجان والهمم التي
…
أناف على أعلى السّماكين أدناها
إذا غاب منهم مالك قام مالك
…
فجدّد «1» للبيت المقدّس علياها
بناها على التقوى وأسّس بيتها
…
أبو يوسف الزّاكي وسيّر مبناها
وأورثها عثمن خير خليفة
…
وأحلم من ساس الأنام وأنداها
وقام عليّ بعده خير مالك
…
وخير إمام في الورى راقب الله
علي بن عمر بن يعقوب ذو العلا
…
مذيق الأعادي حيثما سار بلواها
أدام الله وأعطى الخلافة وقتها
…
ونوّر أحلاك الخطوب وجلّاها
ووصلني كتاب منه مؤرخ في التاسع عشر من شهر شعبان المكرم من عام أربعة وستين وسبعمائة، جدّد عهدي من شعره بما نصّه:[الطويل]
رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرّبوا
…
ففاضت لروعات الفراق عيون
فيا أدمعي منهلّة إثر بينهم
…
كأنّ جفوني بالدموع عيون
فيا معهدا قد بنت عنه مكلّفا
…
بديلي منه أنّة وحنين
سقتك غوادي المزن كرّ عشيّة
…
ودادك محلول النطاق هتون
فإن تكن الأيام لم تقض بيننا
…
بوصل فما يقضى فسوف يكون
يعزّ علينا أن نفارق ربعكم
…
وأنّا على أيدي الخطوب نهون
ولو بلّغتني العير عنكم رسالة
…
وساعد دهر باللّقاء ضنين
لكنّا على ما تعلمون من الهوى
…
ولكن لأحداث الزمان فنون