الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن شعره، كتب إليّ بما نصّه:[الكامل]
احسب وحدّه يوم رأسك ربما
…
تعطي السّلامة في الصراع سلّما
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي
أخو الفقيه أبي بكر بن القاسم بن محمد المذكور.
حاله: شاب حسن فاضل، دمث، متخلّق، جميل الصورة، حسن الشكل، أحمر الوجنتين. حفظ كتبا من المبادىء النحوية، وكتب خطّا حسنا، وارتسم في ديوان الجند مثل والده، وهو الآن بحاله الموصوفة.
شعره: قيّد أخوه لي من الشعر الذي زعم أنه من نظمه، قوله:[المتقارب]
حلفت بمن ذاد عنّي الكرى
…
وأسهر جفني ليلا طويلا
وألبس جسمي ثياب النّحول
…
وعذّب بالهجر قلبي العليلا
ما حلت عن ودّه ساعة
…
ولا اعتضت منه سواه بديلا
محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي
«1»
من أهل غرناطة وأعيانها، يكنى أبا عبد الله.
أوّليّته: تنظر في اسم أبيه في ترجمة المقرئين والعلماء.
حاله: من أعلام الشّهرة على الفتاوة، وانتشار الذكر على الحداثة، تبريزا في الأدب، واضطلاعا بمعاناة الشعر، وإتقان الخطّ، وإيضاحا للأحاجي والملغزات. نشأ بغرناطة في كنف والده، رحمه الله، مقصور التّدريب عليه، مشارا إليه في ثقوب الذهن، وسعة الحفظ، ينطوي على نبل لا يظهر أثره على التفاتة، وإدراك، تغطّي شعلته مخيّلة غير صادقة، من تغافله. ثم جاش طبعه، وفهق حوضه، وتفجّرت ينابيعه، وتوقّد إحسانه.
ولمّا فقد والده، رحمه الله، ارتسم في الكتابة، فبذّ جلّة الشعراء، إكثارا واقتدارا، ووفور مادة، مجيدا في الأمداح، عجيبا في الأوضاع، صدّيقا في النّسيب، مطبوعا في المقطوعات، معتدلا في الكتابة، نشيط البنان، جلدا على العمل، سيّال
المجاز، جموح عنان الدّعابة، غزلا، مؤثرا للفكاهة. انتقل إلى المغرب لشفوف خصله، على ما قد قسّم الحظوظ. سبحانه من رزقه بهذه البلاد، فاستقرّ بباب ملكه، مرعيّ الجناح، أثير الرتبة، مطلق الجراية، مقرّر السّهام، معتبا وطنه، راضيا عن جيرته، ديدن من يستند إلى قديم، ويتحيّز إلى أصالة.
تواليفه: أخبرني عند لقائه إياي بمدينة فاس في غرض الرسالة؛ عام خمسة «1» وخمسين وسبعمائة، أنه شرع في تأليف تاريخ غرناطة، ذاهبا هذا المذهب الذي انتدبت إليه، ووقفت على أجزاء منه تشهد باضطلاعه، وقيّد بخطّه من الأجزاء الحديثة والفوائد والأشعار ما يفوت الوصف، ويفوق الحدّ. وجرى ذكره في «التاج» بما نصه «2» :
«شمس في سماء «3» البلاغة بازغة، وحجّة على بقاء الفطرة الغريزية «4» في هذه البلاد المغربية بالغة، وفريدة وقت أصاب من فيها نادرة أو نابغة، من جذع «5» بن علي القادح، وجرى «6» من المعرفة كل بارح، لو تعلّقت الغوامض بالثريّا لنالها، وقال أنا لها. وربما غلبت الغفلة على ظاهره، وتنطبق «7» أكمامها على أزاهره، حتى إذا قدح في الأدب زنده، تقدّم المواكب بنده، إلى خطّ بارع، يعنو طوال الطويل منه إلى سرّ وبراعة، كما ترضى المسك والكافور عن طرس وحبر.
شعره: فمن غرامياته وما في معناها قوله «8» : [الطويل]
متى يتلاقى شائق ومشوق
…
ويصبح عاني «9» الحبّ وهو طليق
أما أنها أمنيّة عزّ نيلها
…
ومرمى لعمري في الرّجاء «10» سحيق
ولكنني «11» خدعت «12» قلبي تعلّة
…
أخاف انصداع القلب فهو رقيق
وقد يرزق الإنسان من بعد يأسه
…
وروض الرّبى بعد الذبول يروق
تباعدت لما زادني القرب لوعة
…
لعلّ فؤادي من جواه يفيق
ورمت شفاء الداء بالداء مثله
…
وإني «1» بألّا أشتفي لحقيق
وتالله ما للصّبّ في الحبّ راحة
…
على كلّ حال إنه لمشوق
ويا «2» ربّ قد ضاقت عليّ مسالكي «3»
…
فها أنا في بحر الغرام غريق
ولا سلوة ترجى ولا صبر «4» ممكن
…
وليس إلى وصل الحبيب طريق
ولا الحبّ عن تعذيب قلبي ينثني
…
ولا القلب للتّعذيب منه يطيق
شجون يضيق الصّدر عن زفراتها
…
وشوق نطاق الصبر عنه يضيق
نثرت عقود الدّمع ثم نظمتها
…
قريضا فذا درّ وذاك عقيق
بكيت أسى حتى بكى حاسدي معي
…
كأنّ عذولي عاد وهو صديق «5»
ولو أنّ عند الناس بعض محبّتي
…
لما كان يلفى «6» في الأنام مفيق
أيا عين كفّي الدمع ما بقي الكرى
…
إذا منعوك النّوم «7» سوف تذوق
ويا نائما «8» عن ناظريّ أما ترى «9»
…
لشمسك من بعد الغروب شروق؟
رويدك رفقا بالفؤاد فإنه
…
عليك وإن عاديته «10» لشفيق
نقضت عهودي ظالما بعد عقدها
…
ألا إنّ عهدي كيف كنت وثيق
كتمتك حبّي «11» يعلم الله مدّة
…
وبين ضلوعي من هواك حريق
فما زلت بي حتى فضحت «12» فإن أكن
…
صبرت «13» فبعد «14» اليوم لست أطيق
وقال «15» : [الكامل]
ومورّد الوجنات معسول اللّمى
…
فتّاك لحظ «16» العين في عشّاقه
الخمر بين لثاته والزّهر في
…
وجناته والسّحر في أحداقه
ميّاد» غصن البان في أثوابه
…
ويلوح بدر التّمّ في أطواقه
من للهلال «2» بثغره أو خدّه «3»
…
هب أنه يحكيه في إشراقه
ولقد تشبّهت الظّباء «4» بشبهة
…
من خلقه وعجزن عن أخلاقه
نادمته وسنا محيّا الشمس قد
…
ألقى على الآفاق فضل رواقه
في روضة ضحكت ثغور أقاحها
…
وأسال «5» فيها المزن من آماقه
أسقيه كأس سلافة كالمسك في
…
نفحاته والشهد عند مذاقه
صفراء لم يدر الفتى أكواسها
…
إلّا تداعى همّه لفراقه
ولقد تلين الصّخر «6» من سطواته
…
فيعود للمعهود من إشفاقه
وأظلّ أرشف من سلافة «7» ثغره
…
خمرا تداوي القلب من إحراقه
ولربما عطفته عندي «8» نشوة
…
تشفي «9» الخبال بضمّه وعناقه
أرجو نداه «10» إذا تبسّم ضاحكا
…
وأخاف منه العتب في إطراقه
أشكو القساوة من هواي «11» وقلبه
…
والضّعف من جلدي ومن ميثاقه
يا هل لعهد قد مضى من عودة
…
أم لا سبيل بحالة للحاقه
يا ليت «12» لو كانت لذلك حيلة
…
أو كان يعطى المرء باستحقاقه
فلقد يروق الغصن بعد ذبوله
…
ويتمّ «13» بدر التّمّ بعد محاقه
ومما اشتهر عنه في هذا الغرض «1» : [الكامل]
ذهبت حشاشة قلبي المصدوع «2»
…
بين السّلام ووقفة التوديع
ما أنصف الأحباب يوم وداعهم
…
صبّا «3» يحدّث نفسه برجوع
أنجد بغيثك «4» يا غمام فإنني
…
لم أرض يوم البين فعل «5» دموع
من كان يبكي الظاغنين بأدمع
…
فأنا الذي أبكيهم بنجيع
إيه وبين الصّدر مني والحشا
…
شجن طويت على شجاه ضلوعي «6»
هات الحديث عن «7» الذين تحمّلوا
…
واقدح «8» بزند الذّكر نار ولوعي
عندي شجون في التي جنت النّوى «9»
…
أشكو الغداة «10» وهنّ في توديع «11»
من وصلي الموقوف أو من سهدي «12» ال
…
موصول أو من نومي المقطوع «13»
ليت الذي بيني وبين صبابتي
…
بعد «14» الذي بيني وبين هجوعي
يا قلب «15» لا تجزع لما فعل النّوى «16»
…
فالحرّ ليس لحادث بجزوع
أفبعد «17» ما غودرت في أشراكه
…
تبغي النّزوع؟ ولات حين نزوع
ومهفهف مهما هبت ريح الصّبا
…
أبدت له عطفاه عطف مطيع
جمع المحاسن وهو منفرد بها
…
فاعجب لحسن مفرد مجموع
والشمس لولا إذنه ما آذنت
…
خجلا وإجلالا له بطلوع «18»
ما زلت أسقي خدّه من أدمعي
…
حتى تفتّح عن رياض ربيع
إن كان يرنو عن نواظر شادن
…
فلربّ ضرغام بهنّ صريع
عجبا لذاك الشعر زاد بفرقه
…
حسنا كحسن الشّعر بالتّصريع
منع الكرى ظلما وقد منع الضّنا
…
فشقيت «1» بالممنوح والممنوع
جرّدت ثوب العزّ عني طائعا
…
أتراه يعطفه عليّ خضوعي؟
لم أنتفع» لبسا من الملبوس في
…
حبّي ولا بعذاري المخلوع
بجماله استشفعت في إجماله
…
ليحوز أجر منعّم وشفيع
يا خادعي عن سلوتي وتصبّري «3»
…
لولا الهوى ما كنت بالمخدوع
أوسعتني بعد «4» الوصال تفرّقا
…
وأثبتني سوءا لحسن صنيعي
أسرعت فيما ترتضي فجزيتني «5»
…
بطويل هجران إليّ سريع «6»
أشرعت رمحا من قوامك ذابلا «7»
…
فمنعت من «8» ماء الرّضاب شروعي
خذ من حديث تولّعي وتولّهي
…
خبرا صحيحا ليس بالمصنوع «9»
يرويه خدّي مسندا عن أدمعي
…
عن مقلتي عن قلبي المصدوع «10»
كم من ليال في هواك قطعتها
…
وأنا «11» لذكراهنّ في تقطيع
لا والذي طبع الكرام على الهوى
…
ويعزّ سلوان «12» الهوى المطبوع
ما غيّرتني الحادثات ولم أكن
…
بمذيع سرّ للعهود مضيع
لا خير في الدنيا وساكنها «13» معا
…
إن كان قلبي منك غير جميع
وقال في غير ذلك في غرض يظهر من الأبيات: [الطويل]
وقالوا عداك البخت والحزم عندما
…
غدوت غريب الدّار منزلك الفنت
ألم يعلموا أنّ اغترابي حرامة
…
وأن ارتحالي عن دارهم هو البخت؟
نعم لست أرضى عن زماني أو أرى
…
تهادي السفن المواخر والبخت
لقد سئمت نفسي المقام ببلدة
…
بها العيشة النّكراء والمكسب السّحت
يذلّ بها الحرّ الشريف لعبده
…
ويجفوه بين السّمت من سنة ستّ
إذا اصطافها المرء اشتكى من سمومها
…
أذى ويرى فيه أدّا يبتّ
ولست كقوم في تعصبّهم عتوا
…
يقولون بغداد لغرناطة أخت
رغبت بنفسي أن أساكن معشرا
…
مقالهم زور وودّهم مقت
يدسّون في لين الكلام دواهيا
…
هي السّمّ بالآل المشود لها لتّ
فلا درّ درّ القوم إلّا عصيبة
…
إليّ بإخلاص المودّة قد متّوا
وآثرت أقواما حمدت جوارهم
…
مقالهم صدق وودّهم بحت
لهم عن عيان الفاحشات إذا بدت
…
تعام وعن ما ليس يعينهم صمت
فما ألفوا لهوا ولا عرفوا خنى
…
ولا علموا أنّ الكروم لها بنت
به كل مرتاح إلى الضّيف والوغى
…
إذا ما أتاه منهما النبأ البغت
وأشعث ذي طمرين أغناه زهده
…
فلم يتشوّف للذي ضمّه التّخت
صبور على الإيذاء بغيض على العدا
…
معين على ما يتّقي جأشه الشّتّ «1»
ولي صاحب مثلي يمان جعلته
…
جليسي نهارا أو ضجيعي إذا بتّ
وأجرد جرّار الأعنّة فارح
…
كميت وخير الخيل قدّاحها الكمت
تسامت به الأعراق في آل أعوج
…
ولا عوج في الخلق منه ولا أمت
وحسبي لعضّات النوائب منجدا
…
عليها الكميت الهند والصّارم الصّلت
قطعت زماني خبرة وبلوته
…
فبالغدر والتّخفيف عندي له نعت
ومارست أبناء الزمان مباحثا
…
فأصبح حبلي منهم وهو منبتّ
وذي صلف يمشي الهوينا ترفّقا
…
على نفسه كيلا يزايلها السّمت
إذا غبت فهو المروة القوم عندهم
…
له الصّدر من ناديهم وله الدّست
وإن ضمّني يوما وإياه مشهد
…
هو المعجم السّكيت والعمّة الشّخت
فحسبي عداتي أن طويت مآربي
…
على عزمهم حتى صفا لهم الوقت
وقلت لدنياهم إذا شئت فاغربي
…
وكنت متى أعزم فقلبي هو البتّ
وأغضيت عن زلّاتهم غير عاجز
…
فماذا الذي يبغونه لهم الكبت؟
وقال «1» : [الكامل]
لا تعد ضيفك إن ذهبت لصاحب
…
تعتدّه لكن تخيّر وانتق
أو ما ترى الأشجار مهما ركّبت
…
إن خولفت أصنافها لم تغلق «2»
ومنه في المقطوعات: [السريع]
وشادن تيّمني حبّه
…
حظّي منه الدّهر هجرانه
مورّد الخدين حلو اللّمى
…
أحمر مضني الطّرف وسنانه
لم تنطو الأغصان في الروض بل
…
ضلّت له تسجد أغصانه
يا أيها الظّبي الذي قلبه
…
تضرّم في القلب نيرانه
هل عطفة ترجى لصبّ شبح
…
ليس يرجى عنك سلوانه؟
يودّ أن لو زرته في الكرى
…
لو متّعت بالنوم أجفانه
قد رام أن يكتب ما نابه
…
والحبّ لا يمكن كتمانه
فأفضيت أسراره واستوى
…
إسراره الآن وإعلانه
وقال «3» : [مخلع البسيط]
نهار وجه وليل شعر
…
بينهما الشّوق يستثار
قد طلبا بالهوى فؤادي
…
فأين «4» لي عنهما الفرار؟
وكيف يبغي النجاة شيء
…
يطلبه الليل والنهار؟
وقال في الدّوبيت:
زارت ليلا وأطلعت فجرها
…
صبحا فجمعت بين صبح وظلام
لما بصرت بالشمس قالت يا فتى
…
جمع الإنسان بين الأختين حرام
وقال في غرض التّورية «5» : [الطويل]
أبح لي يا روض «6» المحاسن نظرة
…
إلى ورد ذاك الخدّ أروي به الصّدى «7»
وبالله لا تبخل عليّ بعطفة «8»
…
فإني رأيت «9» الرّوض يوصف بالنّدى
وقال «1» : [السريع]
وعاشق صلّى ومحرابه
…
وجه غزال ظلّ يهواه
قالوا تعبّدت «2» ؟ فقلت نعم
…
تعبّدا يفهم معناه
وقال وهو مليح جدّا «3» : [الخفيف]
وصديق شكا بما «4» حمّلوه
…
من قضاء يقضي بطول «5» العناء
قلت فاردد ما حمّلوك عليهم
…
قال من يستطيع «6» ردّ القضاء؟
وقال «7» : [المتقارب]
لسانان هاجا «8» من خاصماه
…
لسان الفتى ولسان القضا
إذا لم تحز واحدا منهما
…
فلست أرى لك أن تنطقا
وقال «9» : [الكامل]
تلك الذّؤابة «10» ذبت من شوقي لها
…
واللّحظ يحميها بأيّ سلاح
يا قلب فانجح 1» لا إخالك ناجيا
…
من فتنة الجعديّ والسفّاح «12»
وإحسانه كثير. ويدل بعض الشيء على كلّه، ويحجر طلّ الغيث على وبله.
وفاته: اتصل بنا خبر وفاته بفاس مبطونا في أوائل ثمانية وخمسين وسبعمائة.
ثم تحقّقت أن ذلك في آخر شوال من العام قبله «13» .