الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف البقاء «1» وقد بانت قبابهم
…
وقد خلت منهم وا أسفي الدّار؟
حداة تمسهم بالقلب قد رحلوا
…
يا ليتهم حملوا الجثمان إذ ساروا «2»
جار الزمان علينا في فراقهم
…
من قبل أن تنقضي للصّبّ أوطار
ساروا فخيّمت الأشواق بعدهم
…
ما لي عليها سوى الآماق أنصار
تراك يا ربعهم ترجو رجوعهم؟
…
يا ليت لو ساعدت في ذاك أقدار
ودّعت منهم شموسا ما مطالعها
…
إلّا من الوشي أطواق وأزرار
أستودع الله من فاز الفراق بهم
…
وخلّفونا «3» ودمع العين مدرار
قلت: ولا خفاء بتخلّف هذا النمط عن الإجادة، والله يقبض ويبسط، وشافعنا عرض الإكثار.
وفاته: توفي في آخر أربعة وستين وسبعمائة.
محمد بن محمد بن حزب الله
«4»
من أهل وادي آش، يكنى أبا عبد الله، ويعرف باسم جدّه.
حاله: دمث، متخلق، سهل الجانب، كثير الدّعابة، خفيف الروح، له خطّ حسن، ووراقة بديعة، وإحكام لبعض العملية، واقتدار على النظم. اتصل بباب السلطان ملك المغرب، وارتسم كاتبا مع الجملة، فارتاش، وحسنت حاله.
وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصّه: راقم «5» واشي، رقيق الجوانب والحواشي، تزهى بخطّه المهارق والطروس، وتتجلّى في حلل بدائعه كما تتجلّى العروس، إلى خلق كثير التجمل، ونفس عظيمة التحمّل. ودود سهل الجانب، عذب المذانب. لمّا قضيت الوقيعة بطريف «6» ، أقال الله عثارها، وعجّل ثارها، قذف به موج ذلك البحر، وتفلّت إفلات الهدي المقرب إلى النحر، ورمى به إلى رندة القرار، وقد عرى من أثوابه كما عرى الغرار، فتعرّف للحين بأديبها المفلق، وبارقها المتألق
أبي الحجاج المنتشافري، فراقه ببشر لقائه، ونهل على الظمأ في سقائه، وكانت بينهما مخاطبات، أنشدنيها بعد إيابه، وأخبرني بما كان من ذهاب زاده وسلب ثيابه.
وخاطبني من شرح حاله في ارتحاله بما نصّه: ولما دخلت رندة الأنيقة البطاح، المحتوية على الأدب والسّماح، والعلم والصلاح، أبرز القدر أن لقيت بها شيخنا المعمّر رئيس الأدباء، وقدوة الفقهاء، أبا الحجاج المنتشافري، وكنت لم أشاهده قبل هذا العيان، ولا سمح لي بلقائه صرف الزمان، ولم أزل أكلف بمقطوعاته العجيبة، وأولع بضرائبه الغريبة، وتأتي منه مخاطبات تزري بالعقود بهجة، وتطير لها العقود لهجة. نظم كما تنفّس الصبح عن تسيمه، ونثر كما تأسس الدّر بتنظيمه، فأحلّني منه محلّ الروح من الجسد، وشهد لي أني أعزّ من عليه ورد، ورآني قد ظهرت على مضاضة الاكتئاب، لكوني قريب عهد بالإياب، مهزوما انهزام الأحزاب، خالي الوطاب «1» ، نزر الثياب، فقال: فيم الجزع، ذهب بحول الله الخوف وأمن الفزع، فأجبته عجلا، وقلت أخاطبه مرتجلا:[الكامل]
لا تجزعي، نفسي، لفقد معاشري
…
وذهاب مالي في سبيل القادر
يا رندة «2» ، ها أنت خير بلاده
…
وبها أبو حجاج المنتشافري
سيريك حسن فرائد من نظمه
…
فتزيل كل كآبة في الخاطر
فأجابني مرتجلا: [الكامل]
سرّاي، يا قلبي المشوق، وناظري،
…
بمزار ذي الشّرف السّنيّ الطاهر
روض المعارف زهرها الزّاهي
…
أوصافه «3» أعيت ثناء «4» الشاكر
ولواد آش من «5» فخار لم يزل
…
من كابن حزب الله نور النّاظر
وافى يشرّف رندة بقدومه
…
فغدت به أفقا لبدر زاهر
من روضة الأدباء أبدى زهرة
…
قد أينعت عن فكر حبر ماهر
جمع المآثر بالسّناء «6» وبالسّنا
…
أعظم به من صانع لمآثر
ما زلت أسمع من ثناه مآثرا
…
كانت لسامعها معا والذّاكر
حتى رأى بصري حقائق وصفه
…
فتنعّمت كالأقمار نواظري «1»
لا زال محبوّا بكل مسرّة
…
تجري له بالحظّ حكم مغادر
ثم خاطبه القاضي المنتشاقري بعد انصرافه إلى وطنه بقوله: [المتقارب]
أبى الدّمع بعدك إلّا انفجارا
…
لدهر ببعدك في الحكم جارا
أذاق اللقاء الحلو لو لم يصل «2»
…
به للنّوى جرعات مرارا
رعى الله لمح ذاك اللقاء
…
وإن يك أشواقنا قد أثارا
قصاراي شكواي طول النوى
…
وفقدي أناة وصل قصارا
سقتني القداح ومن بعده
…
فؤادي «3» القريح قد اذكت أوارا
ألا يا صبا، هبّ من أربعي
…
إلى وادي آشي «4» تحي الدّيارا
ألا خصّ من ربعها منزلا
…
بأربابه الأكرمين استنارا
وهم إلى حزب الإله الألى «5»
…
تساموا فخارا وطابوا نجارا
فأجابه بأبيات منها «6» :
تألّق برق العلا واستنارا
…
فأجّج إذ لاح في القلب نارا
وذكّرني وقت «7» أنس مضى
…
برندة حيث الجلال استشارا «8»
وكانت لنفسي سنا «9» في حماها
…
طوالا فأصبحت «10» لديها قصارا
فأجريت دمع العيون اشتياقا
…
ففاضت لأجل فراقي بحارا
وقالت لي النّفس من لم يجد
…
نصيرا سوى الدّمع قلّ انتصارا
قطعت المنى عندها لمحة
…
وودّعتها وامتطيت القفارا
وضيّعت تلك المنى غفلة
…
ووافيت أبغي المنى «11» ديارا «12»
ومنها:
أرقت لذاك السّنا ليلة
…
وما نومها ذقت إلّا غرارا