الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله: كان فقيها جليلا، أديبا، كاملا. دخل الأندلس، وقرأ على ابن بشكوال كتاب الصّلة، وولي قضاء غرناطة. قال ابن الزّبير: وقفت على جزء ألّفه في شيء من أخبار أبيه، وحاله في أخذه وعلمه، وما يرجع إلى هذا، أوقفني عليه حفدته بمالقة.
وفاته: توفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن سعيد ابن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام بن مروان ابن عبد السلام بن جبير الكناني
«1»
الواصل إلى الأندلس.
أوّليّته: دخل جدّه عبد السلام بن جبير في طالعة بلج بن بشر بن عياض القشيري في محرم ثلاث وعشرين ومائة. وكان نزوله بكورة شدونة. وهو من ولد ضمرة بن كنانة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. بلنسي الأصل، ثم غرناطي الاستيطان. شرّق، وغرّب، وعاد إلى غرناطة.
حاله: كان «2» أديبا بارعا، شاعرا مجيدا، سنيّا فاضلا، نزيه المهمة، سريّ النفس، كريم الأخلاق، أنيق الطريقة في الخط. كتب بسبتة «3» عن أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن، وبغرناطة عن غيره من ذوي قرابته، وله فيهم أمداح كثيرة.
ثم نزع عن ذلك، وتوجّه إلى المشرق. وجرت بينه وبين طائفة من أدباء عصره، مخاطبات ظهرت فيها براعته وإجادته. ونظمه فائق، ونثره بديع. وكلامه المرسل، سهل حسن، وأغراضه جليلة، ومحاسنه ضخمة، وذكره شهير، ورحلته نسيجة وحدها، طارت كل مطار، رحمه الله.
رحلته: قال من عني بخبره «4» : رحل ثلاثا من الأندلس إلى المشرق، وحجّ في كل واحدة منها. فصل عن غرناطة أول ساعة من يوم الخميس لثمان خلون من شوال، ثمان وسبعين وخمسمائة، صحبة أبي جعفر بن حسان، ثم عاد إلى وطنه
غرناطة لثمان بقين من محرم واحد وثمانين، ولقي بها أعلاما يأتي التعريف بهم في مشيخته، وصنّف الرحلة المشهورة، وذكر مناقله فيها وما شاهده من عجايب البلدان، وغرايب المشاهد، وبدايع الصّنايع، وهو كتاب مؤنس ممتع، مثير سواكن النفوس إلى الرّفادة على تلك المعالم المكرمة والمشاهد العظيمة.
ولما «1» شاع الخبر المبهج بفتح بيت المقدس على يد السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي «2» ، قوي عزمه على عمل الرحلة الثانية، فتحرك إليها من غرناطة، يوم الخميس لتسع خلون من ربيع الأول من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ثم آب إلى غرناطة يوم الخميس لثلاث عشرة «3» خلت من شعبان سبع وثمانين. وسكن غرناطة، ثم مالقة، ثم سبتة، ثم فاس «4» ، منقطعا إلى إسماع الحديث والتصوّف، وتروية ما عنده. وفضله بديع، وورعه يتحقق، وأعماله الصالحة تزكو. ثم رحل الثالثة من سبتة، بعد موت زوجته عاتكة أم المجد بنت الوزير أبي جعفر الوقّشي «5» ، وكان كلفا بها، فعظم وجده عليها. فوصل مكة، وجاور بها طويلا، ثم بيت المقدس، ثم تجوّل بمصر والإسكندرية، فأقام «6» يحدّث، ويؤخذ عنه إلى أن لحق بربه.
مشيخته: روى بالأندلس عن أبيه، وأبي الحسن بن محمد بن أبي العيش، وأبي عبد الله بن أحمد بن عروس، وابن الأصيلي. وأخذ العربية عن أبي الحجاج بن يسعون. وبسبتة عن أبي عبد الله بن عيسى التميمي السّبتي. وأجاز له أبو الوليد بن سبكة، وإبراهيم بن إسحاق بن عبد الله الغسّاني التونسي، وأبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميّانجي، نزيلا مكة، وأبو جعفر أحمد بن علي القرطبي الفنكي، وأبو الحجاج يوسف بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد البغدادي، وصدر الدين أبو محمد عبد اللطيف الحجري رئيس الشّافعية بأصبهان.
وببغداد العالم الحافظ المتبحر نادرة الفلك أبو الفرج، وكناه أبو الفضل ابن الجوزي.
وحضر بعض مجالسه الوعظية وقال فيه: «فشاهدنا رجلا ليس بعمرو ولا زيد، وفي جوف الفرا كلّ الصّيد» ، وبدمشق أبو الحسن أحمد بن حمزة بن علي بن عبد الله بن عباس السّلمي الجواري، وأبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، وأبو الطاهر
بركات الخشوعي، وسمع عليه، وعماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني من أئمة الكتاب، وأخذ عنه بعض كلامه، وغيره، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الأخضر بن علي بن عساكر، وسمع عليه، وأبو الوليد إسماعيل بن علي بن إبراهيم والحسين بن هبة الله بن محفوظ بن نصر الرّبعي، وعبد الرحمن بن إسماعيل بن أبي سعيد الصّوفي، وأجازوا له، وبحرّان الصّوفي العارف أبو البركات حيّان بن عبد العزيز، وابنه الحاذي حذوه.
من أخذ عنه: قال ابن عبد الملك «1» : أخذ «2» عنه أبو إسحاق بن مهيب، وابن الواعظ، وأبو تمام بن إسماعيل، وأبو الحسن بن «3» نصر بن فاتح بن عبد الله البجّائي، وأبو الحسن بن علي الشّادي «4» ، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو زكريا، وأبو بكر يحيى بن محمد بن أبي الغصن «5» ، وأبو عبد الله بن حسن بن مجبر «6» ، وأبو العباس بن عبد المؤمن البنّاني «7» ، وأبو «8» محمد بن حسن اللّواتي، وابن «9» تامتيت، وابن محمد الموروري، وأبو عمر بن سالم، وعثمان بن سفيان بن أشقر التّميمي التونسي.
وممّن أخذ عنه «10» بالإسكندرية، رشيد الدين أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله، وبمصر رشيد الدين بن العطّار، وفخر القضاة ابن الجيّاب، وابنه جمال القضاة.
تصانيفه: منها نظمه. قال ابن عبد الملك «11» : «وقفت منه على مجلد متوسط يكون على «12» قدر ديوان أبي تمام حبيب بن أوس. ومنه جزء سماه «نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح» في مراثي زوجه أم المجد. ومنه جزء سماه «نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان» . «وله ترسيل بديع، وحكم مستجادة» ، وكتاب رحلته. «وكان أبو الحسن الشّادي يقول: إنها ليست من تصانيفه، وإنما قيّد معاني ما
تضمنته، فتولى ترتيبها، وتنضيد معانيها بعض الآخذين عنه، على ما تلقاه منه» . والله أعلم.
شعره: من ذلك القصيدة الشهيرة التي نظمها، وقد شارف المدينة المكرّمة طيبة، على ساكنها من الله أفضل الصلوات، وأزكى التسليم «1» :[المتقارب]
أقول وآنست بالليل نارا
…
لعلّ سراج الهدى قد أنارا
وإلّا فما بال أفق الدّجى
…
كأنّ سنا البرق فيه استطارا
ونحن من الليل في حندس
…
فما باله قد تجلّى نهارا؟
وهذا النّسيم شذا المسك قد
…
أعير أم المسك منه استعارا؟
وكانت رواحلنا تشتكي
…
وجاها فقد سابقتنا ابتدارا
وكنّا شكونا عناء السّرى
…
فعدنا نباري سراع المهارى
أظنّ النفوس قد استشعرت
…
بلوغ هوى تخذته شعارا
بشائر صبح السّرى آذنت
…
بأنّ الحبيب تدانى مزارا
جرى ذكر طيبة ما بيننا
…
فلا قلب في الركب إلّا وطارا
حنينا إلى أحمد المصطفى
…
وشوقا يهيج الضلوع استعارا
ولاح لنا أحد مشرقا
…
بنور من الشّهداء استنارا «2»
فمن أجل ذلك ظلّ الدّجى
…
يحلّ عقود النجوم انتثارا
ومن طرب الرّكب حثّ الخطا
…
إليها ونادى البدار البدارا
ولمّا حللنا فناء الرسول
…
نزلنا بأكرم مجد «3» جوارا
وحين دنونا لفرض السلام
…
قصرنا الخطا ولزمنا الوقارا
فما نرسل اللّحظ إلّا اختلاسا
…
ولا نرجع «4» الطّرف إلّا انكسارا
ولا نظهر الوجد إلّا اكتتاما
…
ولا نلفظ القول إلّا سرارا
سوى أننا لم نطق أعينا
…
بأدمعها غلبتنا انفجارا
وقفنا بروضة دار السلام «5»
…
نعيد السلام عليها مرارا
ولولا مهابته في النفوس
…
لثمنا الثّرى والتزمنا الجدارا
قضينا بزورته «1» حجّنا
…
وبالعمرتين «2» ختمنا اعتمارا
إليك إليك نبيّ الهدى
…
ركبت البحار وجبت القفارا
وفارقت أهلي ولا منّة
…
وربّ كلام يجرّ اعتذارا
وكيف نمنّ على من به
…
نؤمّل للسيّئات اغتفارا
دعاني إليك هوى كامن
…
أثار من الشوق ما قد أثارا
فناديت «3» لبّيك داعي الهوى
…
وما كنت عنك أطيق اصطبارا
ووطّنت نفسي بحكم «4» الهوى
…
عليّ وقلت رضيت اختيارا
أخوض الدّجى وأروض السّرى
…
ولا أطعم النوم إلّا غرارا
ولو كنت لا أستطيع السبيل
…
لطرت ولو لم أصادف مطارا «5»
وأجدر من نال منك الرضى
…
محبّ ثراك «6» على البعد زارا
عسى لحظة منك لي في غد
…
تمهّد لي في الجنان القرارا
فما ضلّ من بمسراك «7» اهتدى
…
ولا ذلّ من بذراك استجارا
وفي غبطة من منّ الله عليه لحجّ بيته، وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يقول «8» :[المتقارب]
هنيئا لمن حجّ بيت الهدى
…
وحطّ عن النّفس أوزارها
وإنّ السعادة مضمونة
…
لمن حجّ «9» طيبة أوزارها
وفي مثل ذلك يقول «10» : [المتقارب]
إذا بلغ المرء «11» أرض الحجاز
…
فقد نال أفضل ما أمّ له «12»
وإن «1» زار قبر نبيّ الهدى
…
فقد أكمل الله ما أمّله «2»
وفي تفضيل المشرق «3» : [الكامل]
لا يستوى شرق البلاد وغربها
…
الشرق حاز الفضل باستحقاق «4»
انظر «5» جمال «6» الشمس عند طلوعها
…
زهراء تعجب «7» بهجة الإشراق
وانظر إليها عند الغروب كئيبة
…
صفراء تعقب ظلمة الآفاق
وكفى بيوم طلوعها من غربها
…
أن تؤذن الدنيا بعزم «8» فراق
وقال في الوصايا «9» : [الطويل]
عليك بكتمان المصائب واصطبر
…
عليها فما أبقى الزمان شفيقا
كفاك من الشكوى «10» إلى الناس أنها «11»
…
تسرّ عدوّا أو تسيء «12» صديقا
وقال «13» :
لصانع «14» المعروف فلتة عاقل
…
إن لم تضعها في محلّ عاقل «15»
كالنفس في شهواتها إن لم تكن
…
وقفا «16» لها عادت بضرّ عاجل
نثره: من حكمه قوله «17» : إن شرف الإنسان فشرف «18» وإحسان، وإن فاق فتفضّل وإرفاق «19» ، ينبغي أن يحفظ الإنسان لسانه، كما يحفظ الجفن إنسانه. فربّ كلمة تقال، تحدث عثرة لا تقال. كم كست فلتات الألسنة الحداد، من ورائها ملابس