الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميثاق عند خروجه إلى شذونة «1» ألّا يعرض إليه بمكروه، وأقسم له بالأيمان، لئن نال منه شيئا ليعاقبنّه بمثله، فلمّا قتله، عقد الوثائق عليه، وأخذ الشّهادات فيها بالظّلم والشّؤم خوفا من أبيه، وكتب إليه يعتذر له، ويحكّمه في نفسه.
مقتل المطرّف: قال «2» : وظهرت عليه فعال قبيحة، من أذى جيرانه بما أكّد غائلة أبيه عليه، وأعان عليه معاوية بن هشام، لما ذكروا أنّ المطرّف كان قد خلا به، فذكروا أنه نزل يوما عنده بمنزله، وأخذوا في حديث الأبناء، وكان المطرّف عقيما، فدعا معاوية بصبيّ يكلف به، فجات وبرأسه ذؤابتان، فلمّا نظر إليه المطرّف حسده، وقال: يا معاوية، أتتشبّه بأبناء الخلفاء في بنيهم؟ وتناول السّيف فحزّ به الذّؤابة، وكان معاوية حيّة قريش دهاء ومكرا، فأظهر الاستحسان لصنعه وانبسط معه في الأنس، وهو مضطغن، فلمّا خرج كتب إلى الخليفة يسأله اتّصاله إليه، فلما أوصله كاشفه في أمر المطرّف بما أزعجه، وأقام على ذلك ليلا أحكم أمره عند الخليفة بلطف حيلته، فأصاب مقتله سهم سعايته. قال ابن الفيّاض: بعث الأمير عبد الله إلى دار ولده المطرّف عسكرا للقبض عليه، مع ابن مضر، فقوتل في داره حتى أخذ، وجيء به إليه، فتشاور الوزراء في قتله، فأشار عليه بعضهم أن لا يقتله، وقال بعضهم: إن لم تقتله قتلك، فأمر ابن مضر بصرفه إلى داره، وقتله فيها، وأن يدفنه تحت الرّيحانة التي كان يشرب الخمر تحتها، وهو ابن سبع وعشرين وسنة، وذلك في يوم الأحد ضحى لعشر خلون من رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
منذر بن يحيى التّجيبي
«3»
أمير الثّغر، المنتزي بعد الجماعة بقاعدة سرقسطة، يكنى أبا الحكم، ويلقّب بالحاجب المنصور، وذي الرّياستين.
حاله: قال أبو مروان «4» : وكان أبو الحكم رجلا من عرض الجند، وترقّى إلى القيادة آخر دولة ابن أبي عامر، وتناهى أمره في الفتنة إلى
الإمارة «1» . وكان أبوه من الفرسان غير النّبهاء. فأمّا ابنه منذر، فكان فارسا نقيّ الفروسة «2» ، خارجا عن مدى الجهل، يتمسك بطرف من الكتابة السّاذجة. وكان على غدره، كريما، وهب قصّاده مالا عظيما، فوفدوا عليه، وعمرت لذلك حضرته سرقسطة، فحسنت أيامه، وهتف المدّاح بذكره.
وفيه يقول أبو عمرو بن درّاج القسطلّي قصيدته المشهورة، حين صرف إليه وجهه، وقدم عليه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة «3» :[الكامل]
بشراك من طول التّرحّل والسّرى
…
صبح بروح السّفر لاح فأسفرا
من حاجب الشمس الذي حجب الدّجى
…
فجرا بأنهار الذّرى «4» متفجّرا
نادى «5» بحيّ على الندى ثم اعتلى
…
سبل «6» العفاة مهلّلا ومكبّرا
لبّيك أسمعنا نداك ودوننا
…
نوء الكواكب مخويا أو ممطرا
من كلّ طارق ليل همّ «7» ينتحي
…
وجهي بوجه من لقائك أزهرا
سار ليعدل عن سمائك أنجمي
…
وقد ازدهاها عن سناك محيّرا
فكأنما أعدته «8» أسباب النّوى
…
قدرا لبعدي عن يديك مقدّرا «9»
أو غار من هممي فأنحى شأوها
…
فلك البروج مغرّبا ومغوّرا
حتى علقت النّيّرين فأعلقا
…
مثنى يدي ملك الملوك النّيّرا
فسريت في حرم الأهلّة مظلما
…
ورفلت في خلع السّموم مهجّرا
وشعبت أفلاذ الفؤاد ولم أكد
…
فحذوت من حذو الثّريّا منظرا
ستّ تسرّاها «10» الجلاء مغرّبا
…
وحدا بها حادي النّجاء «11» مشمّرا
لا يستفيق الصّبح منها ما بدا
…
فلقا ولا جدي الفراقد ما سرى
ظعن ألفن القفر في غول الدّجى
…
وتركن مألوف المعاهد مقفرا
يطلبن لجّ البحر حيث تقاذفت
…
أمواجه والبرّ حيث تنكّرا
هيم وما يبغين دونك موردا
…
أبدا ولا عن بحر جودك مصدرا
من كلّ نضو الآل محبوك المنى
…
يزجيه نحوك كلّ محبوك القرا «1»
بدن فدت منّا دماء نحورها
…
ببغائها «2» في كلّ أفق منحرا
نحرت بنا صدر الدّبور فأنبطت
…
فلق المضاجع تحت جوّ أكدرا
وصبت إلى نحو «3» الصّبا فاستخلصت
…
سكن الليالي والنّهار المبصرا
خوص نفخن بنا البرى حتى انثنت
…
أشلاؤهن كمثل أنصاف البرا
ندرت لنا أن لا تلاقي راحة
…
مما تلاقي أو تلاقي منذرا «4»
وتقاسمت أن لا تسيغ حياتها
…
دون ابن يحيى «5» أو تموت فتعذرا
لله أيّ أهلّة بلغت بنا
…
يمناك يا بدر السماء المقمرا
بل أيّ غصن في ذراك هصرته
…
فجرى «6» فأورق في يديك وأثمرا
فلئن صفا ماء الحياة لديك لي
…
فبما شرقت إليك بالماء الصّرى «7»
ولئن خلعت عليّ بردا أخضرا
…
فلقد لبست إليك عيشا أغبرا
ولئن مددت عليّ ظلّا باردا
…
فلكم صليت إليك جوّا «8» مسعرا
وكفى لمن «9» جعل الحياة بضاعة
…
ورأى رضاك بها رخيصا فاشترى
فمن المبلّغ عن غريب نازح
…
قلبا يكاد عليّ أن يتفطّرا
لهفان لا يرتدّ طرف جفونه «10»
…
إلّا تذكّر عبرتي فاستعبرا
أبنيّ، لا تذهب بنفسك حسرة
…
عن غول رحلي منجدا أو مغورا
فلئن تركت الليل فوقي داجيا
…
فلقد لقيت الصّبح بعدك أزهرا
ولقد وردت مياه مأرب حفّلا
…
وأسمت خيلي وسط جنّة عبقرا
ونظمت للغيد الحسان قلائدا
…
من تاج كسرى ذي البهاء وقيصرا
وحللت أرضا بدّلت حصباؤها
…
ذهبا يرفّ «1» لناظريّ وجوهرا
وليعلم «2» الأملاك أنّي بعدهم
…
ألفيت كلّ الصّيد في جوف الفرا «3»
ورمى عليّ رداءه من دونهم
…
ملك تخيّر للعلا فتخيّرا
ضربوا قداحهم عليّ ففاز بي
…
من كان بالقدح المعلّى أجدرا
من فكّ طرفي من تكاليف الفلا
…
وأجار طرفي من تباريح السّرى
وكفى عتابي من ألام معذّرا
…
وتذمّمي ممّن تجمّل «4» معذرا
ومسائل عنّي الرفاق وودّه
…
لو تنبذ الساحات «5» رحلي بالعرا
وبقيت في لجج الأسى متضلّلا
…
وعدلت عن سبل الهدى متحيّرا
كلّا وقد آنست من هود هدى
…
ولقيت يعرب في القيول وحميرا
وأصبت في سبإ مورّث ملكه
…
يسبي الملوك ولا يدبّ لها الضّرا
فكأنما تابعت تبّع رافعا
…
أعلامه ملكا يدين له الورى
والحارث الجفنيّ ممنوع الحمى
…
بالخيل والآساد مبذول القرى
وحططت رحلي بين ناري حاتم
…
أيام يقري موسرا أو معسرا
ولقيت زيد الخيل تحت عجاجة
…
تكسو «6» غلائلها الجياد الضّمّرا
وعقدت في يمن مواثق ذمّة
…
مشدودة الأسباب موثقة العرى
وأتيت بحدل «7» وهو يرفع منبرا
…
للدّين والدّنيا ويخفض منبرا
وحططت «8» بين جفانها وجفونها
…
حرما أبت حرماته أن تخفرا
تلك البحور «9» تتابعت وخلفتها
…
سعيا فكنت الجوهر المتخيّرا
ولقد نموك ولادة وسيادة
…
وكسوك عزّا وابتنوا لك مفخرا
فممرت بالآمال «1» أكرم أكرم
…
ملكا ورثت علاه أكبر أكبرا
وشمائل عبقت بها سبل الهدى
…
وذرت على الآفاق مسكا أذفرا
أهدى إلى شغف القلوب من الهوى
…
وألذّ في الأجفان من طعم الكرى
ومشاهد لك لم تكن أيّامها
…
ظنّا يريب ولا حديثا يفترى
لاقيت فيها الموت أسود أدهما
…
فذعرته بالسّيف أبيض أحمرا
ولو اجتلى في زيّ قرنك معلما
…
لتركته تحت العجاج معفّرا
يا من تكبّر بالتّكرّم «2» قدره
…
حتى تكرّم أن يرى متكبّرا
والمنذر الأعداء بالبشرى لنا
…
صدقت صفاتك منذرا ومبشّرا
ما صوّر الإيمان في قلب امرئ
…
حتى يراك الله فيه مصوّرا
فارفع لها علم الهدى فلمثلها
…
رفعتك أعلام السيادة في الذّرى
وانصر نصرت من السماء فإنما
…
ناسبت أنصار النبيّ لتنصرا
واسلم ولا وجدوا لجوّك منفسا
…
في النائبات ولا لبحرك معبرا
سيرته: قال «3» : وساس لأول ولايته عظيم الفرنحة «4» ، فحفظت أطرافه، وبلغ من استمالته طوائف النّصرانية، أن جرى على يديه بحضرته عقد مصاهرة بعضهم «5» ، فقرفته الألسنة لسعيه في نظام سلك النصارى. وعمر به الثّغر إلى أن ألوت به المنيّة.
وقد اعترف له الناس بالرّأي والسّياسة.
كتّابه: واستكتب عدّة كتّاب كابن مدوّر، وابن أزرق، وابن واجب، وغيرهم.
وصوله إلى غرناطة: وصل غرناطة صحبة الأمير المرتضى الآتي ذكره، وكان ممن انهزم بانهزامه. وذكروا أنه مرّ بسليمان بن هود، وهو مثبت للإفرنج الذين كانوا في المحلّة لا يريم موقفه «6» ، فصاح به النّجاة: يا ابن الفاعلة، فلست أقف عليك، فقال له سليمان: جئت والله بها صلعا، وفضحت أهل الأندلس، ثم انقلع وراءه.