الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستيقظت وقصصتها عليه، فاستغفر الله، وقال: يا بنيّ، حقا ما رأيت. ثم رفع إلى ثاني يوم تعريفه رقعة فيها مكتوب:[المتقارب]
لئن ظنّ قوم من أهل الدّنا
…
بأنّ لهم قوّة أو غنا
لقد غلطوا جمع «1» مالهم
…
فتاهوا عقولا، عموا «2» أعينا
فلا تحسبوني أرى رأيهم
…
فإنّي ضعيف فقير أنا
وليس افتقاري وفقري معا
…
إلى الخلق ما «3» عند خلق غنى
ولكن إلى خالقي وحده
…
وفي ذاك عزّ ونيل المنى
فمن ذلّ للحقّ يرقى العلا
…
ومن ذلّ للخلق يلق العنا
وفاته: ببلده مالقة، رضي الله عنه، ونفع به، في خامس ذي القعدة من عام خمسة وسبعمائة. وكان الحفل في جنازته عظيما، وحفّ الناس بنعشه، وحمله الطّلبة وأهل العلم على رؤوسهم. سكن غرناطة وأقرأ بها.
ومن الكتّاب والشعراء في هذا الحرف
عبد الحق بن محمد بن عطية بن يحيى بن عبد الله بن طلحة ابن أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي
«4»
صاحبنا الكاتب للدولة الغادرة.
حاله: كان «5» هذا الرجل في حال الدّعة التي استصحبها، وقبل أن تبعته أيدي الفضول، بعفاف وطهارة، إلى خصل خطّ، نشط البنان، جلد على العمل. ونظمه وسط، ونثره جمهوري عامي، مبين عن الأغراض. وولّي ببلده الخطابة والقضاء
…
«6» في الحداثة. ثم انتقل إلى غرناطة، فجأجأت «7» به الكتابة السلطانية
باختياري، مستظهرة منه ببطل كفاية، وباذل حمل كلفة، فانتقل «1» رئيسا في غرض إعانتي وانتشالي من الكلفة «2» ، على الضّعف وإلمام المرض، والتّرفّع عن الابتذال، والأنفة من الاستخدام، فرفع الكلّ، ولطف من الدولة محلّه. ثم لمّا حال الأمر، وحتم التّمحيص، وتسوّرت القلعة، وانتثر النّظم، واستأثر به الاصطناع، كشفت الخبرة منه عن سوءة لا توارى، وعورة لا يرتاب في أشنوعتها ولا يتمارى، فسبحان من علّم النفس فجورها وتقواها، إذ لصق بالدّائل «3» الفاسق، فكان آلة انتقامه، وجارحة صيده، وأحبولة كيده، فسفك الدّماء، وهتك الأستار، ومزّق الأسباب، وبدّل الأرض غير الأرض، وهو يزقّه في أذنه، فيؤمّ «4» النّصيحة، وينحله «5» لقب الهداية، ويبلغ في شدّ أزره إلى الغاية:«عنوان عقل الفتى اختياره، يجري في جميل «6» دعوته» ، طوالا، أخرق، يسيء السمع، وينسى «7» الإجابة، بدويّا، قحّا، جهوريّا، ذاهلا عن عواقب الدنيا والآخرة، طرفا في سوء العهد، وقلّة الوفاء، مردودا في الحافزة «8» ، منسلخا من آية السّعادة، تشهد عليه بالجهل «9» يده، ويقيم عليه الحجج شرهه، وتبوّئه «10» هفوات الندم جهالته. ثم أسلم المحروم مصطنعه، أحوج ما كان إليه، وتبرّأ منه، ولحقته بعده مطالبة ماليّة، لقي لأجلها ضغطا. وهو الآن بحال خزي، واحتقاب تبعات، خلّصنا الله من ورطات الدّنيا والآخرة.
أوليته وشيوخه: وبسط كثير من مجمل حاله حسبما نقلت من خطه.
قال يخاطبني بما نصّه «11» : [البسيط]
يا سيّدا، فاق في مجد وفي شرف
…
وفات سبقا بفضل الذات والسّلف
وفاضلا عن سبيل الذّمّ منحرفا
…
وعن سبيل المعالي غير منحرف
وتحفة الزمن الآتي به «1» فلقد
…
أربى «2» بما حازه منها على التّحف
ومعدنا لنفيس الدّرّ فهو لما
…
حواه منه لدى التّشبيه كالصّدف
وبحر علم «3» جميع الناس مغترف
…
منه، ونيل المعالي حظّ مغترف «4»
وسابقا بذّ أهل العصر قاطبة
…
فالكلّ في ذاك منهم غير مختلف
من ذا يخالف في نار على علم
…
أو يجحد الشمس نورا وهو غير خفي؟
ما أنت إلّا وحيد العصر في شيم
…
وفي ذكاء وفي علم وفي ظرف
لله من منتم للمجد منتسب
…
بالفضل متّسم، بالعلم متّصف
لله من حسب عد ومن كرم
…
قد شاده السّلف الأخيار للخلف
إيه أيا من به تبأى «5» الوزارة إذ
…
كنت الأحقّ بها في الذّات والشرف
يا صاحب القلم الأعلى الذي جمعت
…
فيه المعالي ببعض «6» البعض لم أصف
يا من يقصّر وصفي في علاه ولو
…
أنسى مديح حبيب «7» في أبي دلف
شرّفتني عندما استدعيت من قبلي «1»
…
نظما تدوّنه في أبدع الصّحف
وربما راق ثغر في مباسمه «2»
…
حتى إذا ناله إلمام مرتشف
أجلّ قدرك أن ترضى لمنتجع
…
بسوء كيلته حظّا مع الحشف
هذا، ولو أنني فيما أتيت به
…
نافحت في الطّيب زهر الرّوضة الأنف «3»
لكنت أفضي إلى التّقصير من خجل
…
أخليت «4» بالبعض ممّا تستحقّ أفي
فحسبي العجز عمّا قد أشرت به
…
والعجز «5» حتما قصارى كلّ معترف
لكن أجبت إلى المطلوب ممتثلا
…
وإن غدوت بمرمى «6» القوم كالهدف
فانظر إليها بعين الصّفح عن زلل
…
واجعل تصفّحها من جملة الكلف
بقيت للدهر تطويه وتنشره
…
تسمو من العزّ باسم غير منصرف
جئتك «7» ، أعزّك الله، ببضاعة مزجاة، وأعلقت رجائي من قبولك بأمنية مرتجاة، وما مثلك يعامل بسقط المتاع، ولا يرضى له بالحشف مع بخس المدّ والصّاع. لكن فضلك يغضي عن التّقصير ويسمح، ويتجاوز عن الخطإ ويصفح، وأنت في كل حال إلى الأدنى من الله أجنح. ولولا أنّ إشارتك واجبة الامتثال، والمسارعة إليها مقدّمة على سائر الأعمال، لما أتيت بها تمشي على استحياء، ولا عرّضت نفسي أن أقف
موقف حشمة وحياء، فما مثلي فيما أعرضه عليك، أو أقدّمه من هذا الهذر بين يديك، إلّا مثل من أهدى الخرز لجالب الدّرّ، أو عارض للوشل موج البحر، أو كاثر بالحصى عدد الأنجم الزّهر، على أني لو نظمت الشّعرى شعرا، وجئتك بالسّحر الحلال نظما ونثرا، ونافحتك بمثل تلك الرّوضة الأدبية التي تعبق أزاهرها نثرا، لما وصفتك ببعض البعض من نفائس حلاك، ولا وفّيت ما يجب من نشر مآثر علاك.
فما عسى أن أقول في تلك المآثر العلمية، والذّات الموسومة باسم التعريف والعلميّة، أو أعبّر عنه في وصف تلك المحاسن الأدبية، والمفاخر الحسبيّة. إن وصفت ما لك من شرف الذات، ملت إلى الاختصار وقلت: آية من الآيات، وإن ذهبت إلى ذكر مفاخرك الباهرة الآيات، بلغت في مدى الفخر والحسب إلى أبعد الغايات، وإن حلّيتك ببعض الحلى والصّفات، سلبت محاسن الرّوض الأريج النّفحات. فكم لك من التّصانيف الرائقة، والبدائع الفائقة، والآداب البارعة، والمحاسن الجامعة. فما شئت من حدائق ذات بهجة كأنما جادتها سحب نيسان، وجنّات ثمراتها صنوان وغير صنوان، تزري ببدائع بديع الزّمان، وتخجل الروض كما يخجل الورد ابتسام الأقحوان. نظم كما انتثر الدّرّ، ونثر تتمنّى الجوزاء أن تتقلّده والأنجم الزّهر، ومعان أرقّ منّ نسيم الأسحار، تهبّ على صفحات الأزهار. فأهلا بك يا روضة الآداب، وربّ البلاغة التي شمس آياتها لا تتوارى بالحجاب، فما أنت إلّا حسنة الزّمان، ومالك أزمّة البيان، وسبّاق غايات الحسن والإحسان. وقد وجدت مكان القول ذا سعة في أوصافك، وما في تحلّيك بالفضائل واتّصافك. لكنّي رأيت أني لو مددت في ذلك باع الإطناب، وأتيت فيه بالعجب العجاب، فليس لي إلّا تقصير عن المطاولة وإمساك، والعجز عن درك الإدراك إدراك. إيه أيها السّيّد الأعلى، والفاضل الذي له في قداح الفخر القدح المعلّى، فإنك أمرت أن أعرض عليك لتعريف بنفسي ومولدي، وذكر أشياخي الذين بأنوارهم أقتدي، فعلمت أن هذا إنما هو تهمّم منك بشاني، وجري على معتاد الفضل الذي يقصر عنه لساني، وفضل جميل لا أزال أجري في الثناء عليه ملء عناني. وإلّا فمن أنا في الناس حتى أنسب، أو من يذهب إلّا أنت هذا المذهب؟
أما التّعريف بنفسي، فأبدأ فيه باسم أبي: هو أبو القاسم محمد بن عطية بن يحيى بن عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي. وجدّي عطية هو الدّاخل إلى الأندلس عام الفتح، نزل بإلبيرة، وبها تفرّع من تفرّع من عقبه، إلى أن انتقلوا إلى غرناطة، فتأثّل بها حالهم، واستمرّ بها
استيطانهم، إلى حدود المائة السابعة، فتسبّب في الانتقال من بقي منهم، وهو جدّي الأقرب الأنساب، وقضى ارتحاله إلى مدينة وادي آش، ولكل أجل كتاب، وذلك أنه استقضي بنظر ما في دولة أمير المسلمين الغالب بالله «1» ، أول ملوك هذه الدولة النصرية، نصر الله خلفها، ورحم سلفها، فاتخذ فيها صهرا ونسبا، وكان ذلك لاستيطانه بها سببا، واستمرّ مقامه بها إلى أن ارتحل إلى المشرق لأداء الفريضة فكان إلى أشرف الحالات مرتحله، وقضى في إيابه من الحج أمله. واستمرّت به الاستيطان، وتعذّرت بعوده إلى غرناطة بعدما نبت فيها الأوطان. على أنه لم يعدم من الله السّتر الجميل، ولا حظّ من عنايته بإيصال النّعمة كفيل، فإنه سبحانه حفظ من سلف فيمن خلف، وجعلهم في حال الاغتراب فيمن اشتهر بنباهة الحال واتّصف، وقيّض لمصاهرتهم من خيار المجد والشرف، وبذلك حفظ الله بيتهم، وشمل باتصال النّعمة حيّهم وميتهم. فالحمد لله، بجميع محامده، على جميل عوائده. وتخلّف بوادي آش أبي وأعمامي، تغمّدهم الله وإياي برحمته، وجمع شملنا في جنّته.
وأمّا التعريف بهم، فأنت أبقاك الله، بمن سلف قديما منهم أعلم، وسبيلك في معرفتهم أجدى وأقوم، بما وهبكم الله من عوارف المعارف، وجعل لكم من الإحاطة بالتالد منها والطّارف. وأمّا من لم يقع به تعريف، ممن بعدهم، فمن اقتفى رسمهم في الطريقة العلمية، ولم يتجاوز جدّهم، وهو جدّي أبو بكر عبد الله بن طلحة ورابع أجدادي. كان، رحمه الله، ممن جرى على سنن آبائه، وقام بالعلم أحسن قيام ونهض بأعبائه. ألّف كتابا في «الرقائق» ، ففات في شأوه سبق السابق، وتصدّر ببلده للفتيا، وانتفع به الناس، وكان شيخهم المقدّم. ولم أقف على تاريخ مولده ولا وفاته، غير أنه توفي في حدود المائة الخامسة، رحمه الله. وأمّا من بيني وبينه من الآباء، كجدّي الأقرب وأبيه ومن خلفه من بنيه، فما منهم من بلغ رتبة السّابق، ولا قصر أيضا عن درجة اللّاحق، وإنما أخذ في الطلب بنصيب، ورمى فيه بسهم مصيب.
وأما مولدي «2» ، فبوادي آش، في أواخر عام تسعة وسبعمائة. وفي عام ثلاثة وعشرين، ابتدأت القراءة على الأستاذ أبي عبد الله الطّرسوني وغيره ممن يأتي ذكره.
ثم كتبت بعد ستة أعوام على من وليها من القضاة، أولي العدالة والسّير المرتضاة،
ولم يطل العهد حتى تقدّمت في جامعها الأعظم خطيبا وإماما، وارتسمت في هذه الخطّة التي ما زالت على من أحسن تماما، وذلك في أواخر عام ثمانية وثلاثين. ثم ولّيت القضاء بها، وبما يرجع إليها من النّظر، في شهر ربيع الأول من عام ثلاثة وأربعين، واستمرّت الولاية إلى حين انتقالي للحضرة، آخر رجب من عام ستة وخمسين، أسأل الله الإقالة والصّفح عما اقترفت من خطإ أو زلل، أو ارتكبته من عمد وسهو، في قول أو عمل، بمنّه.
وأمّا أشياخي، فإني قرأت بالحضرة على الأستاذ الخطيب أبي الحسن القيجاطي، والأستاذ الخطيب أبي القاسم بن جزي. وبمالقة على الأستاذ القاضي أبي عمرو بن منظور. وبألمريّة على الأستاذ القاضي أبي الحسن بن أبي العيش، وسيّدي القاضي أبي البركات ابن الحاج، والأستاذ أبي عثمان بن ليون، وبوادي آش على الأستاذ القاضي أبي عبد الله بن غالب، والأستاذ أبي عامر بن عبد العظيم. على كل هؤلاء قرأت قراءة تفقّه، وعرضت على أكثرهم جملة كتب في النحو والفقه والأدب، أكبرها كتاب المقامات للحريري، وأمّا من لقيته من المشايخ واستفدت، منهم أبو الحسن بن الجيّاب بالحضرة، وبمالقة القاضي أبو عبد الله بن بكر، والقاضي أبو عبد الله بن عيّاش، والأستاذ أبو عبد الله بن حفيد الأمين. ومن لقيته لقاء بترك، سيدي أبو جعفر بن الزيات ببلّش. وبمالقة الخطيب أبو عبد الله السّاحلي، والصّوفي أبو الطاهر بن صفوان، والمقرئ أبو القاسم بن درهم. وبألمرية الخطيب أبو القاسم بن شعيب، والخطيب ابن فرحون. ولقيت أيضا القاضي أبا جعفر بن فركون القرشي، والقاضي الخطيب أبا محمد بن الصايغ. وممن رأيته بوادي آش، وأنا إذ ذاك في المكتب، وأخذت بحظّ من التبرّك به، سيدي أبو عبد الله الطّنجالي نفع الله به. والحمد لله ربّ العالمين.
شعره: من مطولاته قوله: ومن خطّه نقلت «1» : [الطويل]
ألا أيّها اللّيل البطيء الكواكب
…
متى ينجلي صبح بنيل المآرب؟
وحتى متى أرعى النجوم مراقبا
…
فمن طالع منها على إثر غارب «2»
أحدّث نفسي أن أرى الرّكب سائرا
…
وذنبي يقصيني بأقصى المغارب
فلا فزت من نيل الأماني بطائل
…
ولا قمت في «1» حقّ الحبيب بواجب
وكم «2» حدّثتني النفس أن أبلغ المنى
…
وكم علّلتني بالأماني الكواذب
وما قصّرت بي عن زيارة قبره
…
معاهد أنس من وصال الكواعب
ولا حبّ أوطان نبت بي ربوعها
…
ولا ذكر خلّ حلّ «3» فيها وصاحب
ولكن ذنوب أثقلتني فها أنا
…
من الوجد قد ضاقت عليّ مذاهبي
إليك، رسول الله، شوقي مجدّدا»
…
فيا ليتني يمّمت صدر الركائب
وأعملت «5» في تلك الأباطح والرّبى
…
سراي مجدّا بين تلك السباسب «6»
وقضيت من لثم البقيع لبانتي
…
وجبت الفلا ما بين ماش وراكب
وروّيت من ماء زمزم «7» غلّتي
…
فلله ما أشهاه يوما لشارب!
حبيبي شفيعي منتهى غايتي التي
…
أرجّي ومن يرجوه ليس بخائب
محمد المختار والحاشر الذي
…
بأحمد حاز الحمد «8» من كل جانب
رؤوف رحيم خصّه «9» الله باسمه
…
وأعظم لاج «10» في الثّناء وعاقب
رسول كريم رفّع الله قدره
…
وأعلى له قدرا رفيع الجوانب
وشرّفه أصلا وفرعا ومحتدا
…
يزاحم آفاق السّهى بالمناكب «11»
سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا
…
وخير الورى الهادي الكريم المناسب
هو المصطفى المختار من آل هاشم
…
وذو الحسب العدل «12» الرفيع المناصب
هو الأمد الأقصى هو الملجأ الذي
…
ينال به مرغوبه كلّ راغب
إمام النّبيّين الكرام، وإنه
…
لكالبدر فيهم بين تلك المواكب
بشير «13» نذير مفضل متطوّل
…
سراج منير بذّ نور الكواكب
شريف منيف باهر الفضل كامل
…
نفيس المعالي والحلى والمناقب
عظيم المزايا ما له من تماثل «1»
…
كريم السّجايا ما له من مناسب
ملاذ منيع ملجأ عاصم لمن
…
يلوذ به من بين آت وذاهب
حليم «2» جميل الخلق والخلق ما له
…
نظير، ووصف الله حجّة غالب
وناهيك من فرع نمته أصوله
…
إلى خير مجد من لؤيّ بن غالب
أولي الحسب العدّ الرفيع جنابه
…
بدور الدّياجي أو بدور «3» الركائب
له معجزات ما لها من معارض
…
وآيات صدق ما لها من مغالب
تحدّى «4» بهنّ الخلق شرقا ومغربا
…
وما ذاك عمّن حاد عنها بغائب «5»
فدونكها كالأنجم الزّهر «6» عدّة
…
ونور سنا لا يختفي «7» للمراقب
فإحصارها «8» مهما تتبّعت معوز
…
وهل بعد نور الشمس نور لطالب؟
لقد شرّف الله الوجود بمرسل
…
له في مقام الرّسل أعلى المراتب
وشرّف شهرا فيه مولده الذي
…
جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب
فشهر ربيع في الشهور مقدّم
…
فلا غرو أنّ الفخر «9» ضربة لازب «10»
فلله منه ليلة قد تلألأت
…
بنور شهاب نيّر «11» الأفق ثاقب «12»
ليهن أمير المسلمين بها المنى
…
وأن نال من مولاه أسنى الرّغائب
على حين أحياها بذكر حبيبه
…
وذكر الكرام الطاهرين الأطايب
وألّف شملا للمحبّين فيهم
…
فسار على نهج من الرشد لاحب «13»
فسوف يجازى عن كريم صنيعه
…
بتخليد سلطان وحسن عواقب
وسوف يريه الله في لهم «14» دينه
…
غرائب صنع فوق كلّ الغرائب
فيحمي حمى الإسلام عمّن يرومه
…
بسمر العوالي أو ببيض القواضب «15»
ويعتزّ دين الله شرقا ومغربا
…
بما سوف يبقى ذكره في العجائب
إلهي، ما لي بعد رحماك مطلب
…
أراه بعين الرّشد أسنى المطالب
سوى زورة القبر الشريف وإنها «1»
…
لموهبة فاتت «2» جميع المواهب
عليه سلام الله ما لاح كوكب
…
وما فارق «3» الأظعان حادي الرّكائب
وقال في غرض المدح والتّهنئة بعرض الجيش، وتضمّن ذلك وصف حاله في انتقاله إلى الحضرة:[البسيط]
يا قاطع البيد يطوي السّهل والجبلا
…
ومنضيا في الفيافي الخيل والإبلا
يبكي بآفاق «4» أرض لا يؤانسه «5»
…
إلّا تذكّر عهد للحبيب خلا
أو ظبية أذكرت عهد التواصل تح
…
كي للّحاظ «6» التي عاهدت والمقلا
أستغفر الله في تلك اللّحاظ فقد
…
أربى بها الحسن عن ضرب المها مثلا
أو هادل فوق غصن البان تحسبه
…
صبا لفقد حبيب بان قد ثكلا
أو لامع البرق إذ تحكي إنارته
…
كفّا خضيبا مشيرا بالذي عذلا
ماذا عسى أن تقضّي من زمانك في
…
قطع المهامه ترجو أن تنال علا؟
وكم معالم أرض أو مجاهلها
…
قطعتها لا تملّ الرّيث والعجلا
إن كنت تأمل عزّا لا نظير له
…
وتبتغي السّؤل فيما شئت والأملا
فالعزّ مرسى بعيد لا ينال سوى
…
بعزم من شدّ عزم البين وارتحلا
والدّرّ في صدف قلّت نفاسته
…
ولم يبن فخره إلّا إذا انتقلا
فاربأ بنفسك عن أهل وعن وطن
…
................
…
«7»
وانس الدّيار التي منها نأى وطني
…
وعهد أنس به قلب المحبّ سلا
وعدّ عن ذكر محبوب شغفت به
…
ولا تلمّ» به مدحا ولا غزلا
واقصد إلى الحضرة العليا وحطّ بها
…
رحلا ولا تبغ عن أرجائها حولا
غرناطة لا عفا رسم بها أبدا
…
ولا سلا قلب من يبغي بها بدلا
فهي التي شرّف الله الأنام بمن
…
في مقعد الملك من حمرائها نزلا
خليفة الله مولانا وموئلنا
…
وخير من أمّن الأرجاء والسّبلا
محمد بن أبي الحجاج أفضل من
…
قد قام فينا بحقّ الله إذ عدلا
من آل نصر أولى الملك الذي بهرت
…
علاه كالشمس لمّا حلّت الحملا
هو الذي شرّف الله البلاد ومن
…
فيها بدولته إذ فاقت الدّولا
أقام عدلا ورفقا في رعيّته
…
وكان أرحم من آوى ومن كفلا
فهو المجار به من لا مجير له
…
لم يخش إحن الليالي فادحا جللا
إنّ المدائح طرّا لا تفي أبدا
…
ببعض ما قد تحلّا من نفيس علا
بالحزم والفهم والإقدام شيمته
…
والجود ممّا على أوصافه اشتملا
إن قال أجمل في قول وأبدعه
…
والفعل أجمل منه كلّما فعلا
يولي الجميل ويعطي عزّ نائله
…
من قد رجاه ولا استجدى ولا سألا
من سائلي عن بني نصر فما أحد
…
منهم بأبلغ منهم كلّما سئلا
هم الذين إذا ما استمنحوا منحوا
…
أسنى العطاء «1» وأبدوا بعده الخجلا
هم الألى مهّدوا أرجاء أندلس
…
إذ حكّموا في الأعادي البيض والأملا
فإن تسل عنهم يوم الرّهان فلم
…
يعدل بأحدثهم في سنّه بطلا
من ذا يجاريهم في كل مكرمة
…
أيشبه البحر في تمثيله الوشلا؟
مولاي، يا خير من للنّصر قد رفعت
…
راياته ولواء الفخر قد حملا
لله عيني لمّا أبصرتك وقد
…
أعددت بين يديك الخيل والخولا
وأنت في قبّة يسمو بها عمد
…
أقام منّا لأمر «2» الدّين فاعتدلا
والجيش يعشى عيون الخلق منظره
…
لما اكتسى منك نور الحقّ مكتملا
لا غرو أنّ شعاع الشمس يشمل ما
…
أضحى عليه إذا ما لاح منسدلا
وراية النصر والتأييد خافقة
…
قد أسبل الله منها النّصر فانسدلا
والخيل قد كسيت أثواب زينتها
…
فمن براقعها قد ألبست حللا
ترى الحماة عليها يوم عرضهم
…
يمشون من فرط زهو مشية الخيلا
فمن رماة قسيّ العرب عدّتها
…
تحكي الأهلّة مهما نورها اكتملا
ومن كماة شداد البأس شأنهم
…
أن يعملوا البيض والخطّيّة الذّبلا
بسعدك انتظمت تلك الجيوش لأن
…
أسهمت في نظمها أسلافك الأولا
وخلّد الله ملكا أنت ناصره
…
ما عاقبت بكر من دهرنا الأصلا
لا زلت تزداد بي «1» نعمى مضاعفة
…
لتملأ الأرض منها السّهل والجبلا
ومن ذلك قوله: [البسيط]
يا عاذلي في الهوى، أقصر عن العذل
…
وعن حديثي مع المحبوب لا تسل
فكيف أصغي إلى عذل العذول وقد
…
تقلّص القلب مني صائد المقل؟
تملّكته كما شاءت بنظرتها
…
فتّانة الطّرف والألحاظ تنهدل
معبرة عن نفيس الدّرّ فاضحة
…
بقدّها الغضّ الميّاس «2» في الميل
من نور غرّتها شمس تروق سنى
…
تحتلّ منها محلّ الشمس في الحمل
يا حبّذا عهدنا والشّمل منتظم
…
بجانب الغور في أيّامنا الأول
أيام أعين هذا الدهر نائمة
…
عنّا وأحداثه منّا على وجل
وحبّذا أربع قد طال ما نظمت
…
عقد التّواصل في عيش بها خضل
قضيت منها أماني النّفس في دعة
…
من الزمان موفّى الأنس والجذل
سطا الغمام رباها كلّ منهمر
…
وكم سطتها دموعي كلّ منهمل
وجادها من سماء الجود صوب حيا
…
بالعارض الهطل ابن العارض الهطل
خليفة الله والماحي بسيرته
…
رسم الضّلال ومحيي واضح السّبل
محمد بن أبي الحجاج أفضل من
…
سارت أحاديث علياه سرى المثل
والباعث الجيش في سهل وفي جبل
…
حتى تغصّ نواحي السّهل والجبل
من آل نصر أولي الفخر الذين لهم
…
مزيّة أورثت من خاتم الرسل
مهما أردت غناء في الأمور به
…
شاهدت منه جميع الخلق في رجل
لن يستظلّ بعلياه أخو أمل
…
إلّا غدا تحت ظلّ منه منسدل
ولا استجار به من لا مجير له
…
إلّا كفاه انتياب الحادث الجلل
ينمى إلى معشر شاد الإله لهم
…
ملكا على سالف الأعصار لم يزل
بملكهم قد تحلّى الدهر فهو به
…
والله واليه لا يخشى من العطل
هم الألى نصروا أرجاء أندلس
…
بالمشرفيّات والخطيّة الذّبل
هم الألى مهّدوا دين الهدى فسمت
…
في الخلق ملّته العليا على الملل
من أمّهم صادي الآمال نال بهم
…
جودا كفيلا له بالمعل والنّهل
أو أمّهم ضاحيا أضحى يجرّر من
…
فضل النّوال ذيول الوشي والحلل
إنّ الفضائل أضحت لاسمه تبعا
…
كالنّعت والعطف «1» والتأكيد والبدل
مولاي، خذها تروق السّامعين لها
…
بما أجادته من مدح ومن غزل
لكنني باعتبار عظم ملكك لم
…
أجد لعمري في مدحي ولم أطل
فإن خبرت كذاك الخلق أجمعهم
…
سيّان محتفل أو غير محتفل
لا زلت فخر ملوك الأرض كلّهم
…
تسمو بك الدولة العلياء «2» على الدول
ودمت للدهر تطويه وتنشره
…
مبلّغا كلّما تبغي من الأمل
ومن ذلك ما نظمه لينقش في بعض المباني التي أنشأتها «3» : [الطويل]
أنا مصنع قد فاق كل المصانع
…
فما منزل يزهى «4» بمثل بدائعي
فرسمي، إذا حقّقته واعتبرته «5»
…
لكل المعاني، جامع أيّ جامع
فقد جمع الله المحاسن كلّها
…
لديّ، فيا لله إبداع صانع «6» !
كما «7» جمعت كلّ الفضائل في الذي
…
بسكناي قد وافاه أيمن طالع
وزير أمير المسلمين وحسبه
…
مزيّة فخر ما لها من مدافع
وذو القلم الأعلى الذي فعله لمن
…
يؤمّله مثل السّيوف القواطع
ومطلع آيات البيان لمبصر
…
كشمس الضّحى حلّت بأسنى المطالع
وإنسان عين الدهر قرّت لنا به
…
عيون وطابت منه ذكرى المسامع
هو ابن الخطيب السّيّد المنتمي إلى
…
كرام سموا ما بين كهل ويافع
لقد كنت لولا عطفة من حنانه «8»
…
أعدّ زمانا في الرّسوم البلاقع
فصيّرني مغنى كريما ومربعا «1»
…
لشمل بأنس من حبيبي جامع
فها أنا ذو «2» روض يروق نسيمه «3»
…
كما رقّ طبعا ما له من منازع
وقد جمعتنا نسبة الطّبع عندما
…
وقعت لمرآه بأسنى المواقع
فأشبه إزهاري بطيب ثنائه
…
وفضل هوائي «4» باعتدال الطبائع
فلا زلت معمورا به في مسرّة
…
معدّا لأفراح وسعد مطالع
ولا زال من قد حلّني أو يحلّني
…
موفّى الأماني من جميل الصّنائع
ودام لمولانا المؤيّد سعده
…
فمن نوره يبدو «5» لنا كلّ ساطع
وفي التهنئة بإبلال من مرض: [البسيط]
الآن قد قامت الدّنيا على قدم
…
لما استقلّ رئيس السيف والقلم
والآن قد عادت الدنيا لبهجتها
…
مذ أنست برءه من طارق الألم
والآن قد عمت البشرى براحته
…
فلم تزل للورى من أعظم النعم
لا سيّما عند مثلي ممن اتّضحت
…
منه دلائل صدق غير متهم
فكيف لي وأيادي فضله ملكت
…
رقّي بما أجزلت من وافر القسم
وصيّرتني في أهلي وفي وطني
…
وبين أهل النّهى نارا على علم
وأحسبت أملي الأقصى لغايته
…
إذ صرت من جاهه المأمول في حرم
ماذا «6» عسى أن أوفّي من ثنائي أو
…
أنهي إلى مجده من فاضل الشّيم
ولو ملكت زمام الفضل طوع يدي
…
قصّرت في ضمن منثور ومنتظم
يهنيك بشرى قد استبشرت مذ وردت
…
بها لعمرك وهو البرّ في الضّيم
ومذ دعت هذه «7» البشرى بتهنئة
…
فنحن أولى ومحض العهد والكرم
لا زلت للعزّة القعساء ممتطيا
…
مستصحبا لعلاء غير منصرم
ودمت بدر سنى تهدي إنارته
…
في حيث يعضل خطب أو يحار عم
ولا عدمت بفضل الله عافية
…
تستصحب النّعم المنهلّة الديم