الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان النّفزي
«1» من أهل غرناطة، يكنى أبا حيان، ويلقب من الألقاب المشرقية بأثير الدين.
حاله: كان «2» نسيج وحده في ثقوب الذهن، وصحّة الإدراك والحفظ «3» ، والاضطلاع بعلم العربية، والتفسير وطريق الرواية، إمام النّحاة في زمانه غير مدافع، نشأ ببلده «4» غرناطة، مشارا إليه في التبريز بميدان الإدراك، وتغيير السوابق في مضمار التّحصيل. ونالته نبوة «5» لحق بسببها بالمشرق، واستقرّ بمصر، فنال ما شاء من عزّ وشهرة، وتأثّل وبرّ «6» وحظوة، وأضحى لمن حلّ بساحته من المغاربة ملجأ وعدّة.
وكان شديد البسط، مهيبا، جهوريا، مع الدّعابة والغزل، وطرح السّمت «7» ، شاعرا مكثرا، مليح الحديث، لا يملّ وإن أطال، وأسنّ جدّا، وانتفع «8» به. قال بعض أصحابنا: دخلت عليه، وهو يتوضّأ، وقد استقرّ على إحدى رجليه لغسل الأخرى، كما تفعل البرك والإوزّ، فقال «9» : لو كنت اليوم جار شلير «10» ، ما تركني لهذا العمل في هذا السّن «11» .
مشيخته: قرأ ببلده على الأستاذ حائز الرياسة أبي جعفر بن الزّبير ولازمه، وانتسب إليه، وانتفع به، وشاد له بالمشرق ذكرا كبيرا. ويقال إنه نادى في الناس عندما بلغه نعيه، وصلّى عليه بالقاهرة، وله إليه مخاطبات أدبية اختصرتها، وعلى الأستاذ الخطيب أبي جعفر علي بن محمد الرّعيني الطبّاع، والخطيب الصالح وليّ الله أبي الحسن فضل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن فضيلة المعافري. وروى عن القاضي المحدّث أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص الفهري،
والمكتّب أبي سهل اليسر بن عبد الله بن محمد بن خلف بن اليسر القشيري، والأستاذ أبي الحسن بن الصايغ، والأديب الكاتب أبي محمد عبد الله بن هارون الطائي بتونس، وعلى المسند صفي الدين أبي محمد عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن مظفر بن الفرات الحسني بالإسكندرية، والمسند الأصولي وجيه الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمران الأنصاري بالثغر، والمحدّث نجيب الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيّد الهمداني بالقاهرة، وغيرهم ممن يشقّ إحصارهم، كالإمام بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النّحاس الشافعي. قرأ عليه جميع كتاب سيبويه في سنة ثمان وثمانين وستمائة، وقال له عند ختمه: لم يقرأه على أحد غيره.
تواليفه: وتواليفه كثيرة، منها شرحه كتاب «تسهيل الفوائد لابن مالك» . وهو بديع، وقد وقفت على بعضه بغرناطة في عام سبعة وخمسين وسبعمائة. وكتابه في تفسير الكتاب العزيز، وهو المسمّى ب «البحر المحيط» تسمية، زعموا، موافقة للغرض.
وألف كتابا في نحو اللّسان التّركي، حدّثنا «1» عنه الجملة الكثيرة من أصحابنا، كالحاجّ أبي يزيد خالد بن عيسى، والمقري الخطيب أبي جعفر الشّقوري، والشّريف أبي عبد الله بن راجح، وشيخنا الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق. وقال «2» : حدّثنا شيخنا أثير الدّين «3» في الجملة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالمدرسة الصالحية بين القصرين بمنزلة منها «4» . قال «5» : حدّثنا الأستاذ العلّامة المتفنن «6» أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزّبير، سماعا من لفظه، وكتبا «7» من خطّه بغرناطة، عن الكاتب أبي إسحاق بن عامر الهمداني الطّوسي بفتح الطاء، حدّثنا أبو عبد الله بن محمد العنسي القرطبي، وهو آخر من حدّث عنه، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الحافظ الجيّاني، أنبأنا «8» حكم بن محمد، أنبأنا «9» أبو بكر بن المهندس، أنبأنا «10» عبد الله بن محمد، أنبأنا «11» طالوت بن عياد «12» بن بصّال بن جعفر، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: اكفلوا لي بستّ أكفل «13» لكم في
الجنة «1» ، إذا حدّث أحدكم بلا كذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف.
غضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم، واحفظوا فروجكم «2» .
وقال: أنشدنا الخطيب أبو جعفر الطبّاع، قال: أنشدنا ابن خلفون، قال: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن سعيد، قال: أنشدنا أبو عمران موسى بن أبي تليد لنفسه:
[المنسرح]
حالي مع الدهر في تقلّبه
…
كطائر ضمّ رجله الشّرك
فهمّه في خلاص مهجته
…
يروم تخليصها فيشتبك
ومن ملحه: قال: قدم علينا الشيخ المحدث أبو العلاء محمد بن أبي بكر البخاري الفرضي بالقاهرة في طلب الحديث، وكان رجلا حسنا طيّب الأخلاق، لطيف المزاج، فكنّا نسايره في طلب الحديث، فإذا رأى صورة حسنة قال: هذا حديث على شرط البخاري، فنظمت هذه الأبيات «3» :[الطويل]
بدا كهلال العيد «4» وقت طلوعه
…
وماس «5» كغصن الخيزران المنعّم
غزال رخيم الدّلّ وافى مواصلا
…
موافقة منه على رغم لوّم
مليح غريب الحسن أصبح معلما
…
بحمرة «6» خدّ بالمحاسن معلم
وقالوا: على شرط البخاريّ قد أتى
…
فقلنا «7» : على شرط البخاريّ ومسلم
فقال البخاري: فمن هو مسلم «8» ؟
…
فقلت له: أنت البخاري ومسلم «9»
محنته: حملته «10» حدّة الشيبة على التّعريض «11» للأستاذ أبي جعفر الطّبّاع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه ابن الزّبير الوحشة فنال منه، وتصدّى للتأليف في الرّد عليه، وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى «12» السلطان، فامتعض له، ونفّذ الأمر بتنكيله، فاختفى، ثم أجاز البحر مختفيا، ولحق بالمشرق يلتفت خلفه.
شعره: وشعره كثير بحيث يتّصف بالإجادة وضدّها. فمن مطوّلاته، رحمه الله، قوله «1» :[البسيط]
لا تعذلاه فما ذو الحبّ معذول
…
العقل مختبل والقلب متبول
هزّت له أسمرا من خوط قامتها
…
فما انثنى الصّبّ «2» إلّا وهو مقتول
جميلة فصّل الحسن البديع لها
…
فكم لها جمل منه وتفصيل
فالنّحر مرمرة والنّشر عنبرة
…
والثّغر جوهرة والرّيق معسول «3»
والطّرف ذو غنج والعرف ذو أرج
…
والخصر مختطف، والعنق «4» مجدول
هيفاء ينبس «5» في الخصر الوشاح لها
…
درماء «6» تخرس في الساق الخلاخيل
من اللواتي غذاهنّ النّعيم فما
…
يشقين، آباؤها الصّيد البهاليل»
نزر الكلام غميّات الجواب إذا
…
يسلن بعد الصحا حصر مكاسيل
من حليها وسناها مونس وهدى
…
فليس يلحقها ذعر وتضليل
حلّت بمنعقد الزّوراء زارة
…
شوسا غيارى فعقد الصّبر محلول
فصدّ عن ذكر ليلى إنّ ذكراها «8»
…
على التّنائي لتعذيب وتعليل
أتاك منك نذير فأنذرن به
…
وبادر التّوب إنّ التّوب مقبول
وآمل العفو واسلك مهمها قدفا
…
إلى رضى الله إنّ العفو مأمول
إن الجهاد وحجّ البيت مختتما
…
بزورة المصطفى للعفو تأميل
فشقّ حيزوم هذا الليل ممتطيا
…
أخا خرام به قد يبلغ السّول
أقبّ أعوج يعزى للوجيه له
…
وجه أغرّ وفي الرجلين تحجيل
جفر حوافره، معر قوائمه
…
ضمر أياطله، وللذيل عثكول «9»
إذا توجّه أصغى وهو ملتفت
…
مساعر «1» أعتقا فيهنّ تأليل
وإن تعارض به هوجاء «2» هاج له
…
جري «3» يرى البرق عنه وهو مخذول
يحمي به «4» حوزة الإسلام ملتقيا
…
كتائبا غصّ منها العرض والطّول
كتائبا قد عموا عن كل واضحة
…
من الكتاب وغرّتهم أباطيل
في ماقط «5» ضرب الموت الزؤام «6» به
…
سرادقا فعليهم منه تخييل
هيجاء «7» يشرف فيها المشرفيّ «8» على
…
هام العدوّ ويصحى «9» النّقع تضليل
تدير كأس شعوب «10» في شعوبهم
…
فكلّهم منهل بالموت معلول
وإذ «11» قضيت غزاة فالتفت عملا
…
للحجّ فالحجّ للإسلام تكميل
واصل بسرّ معدّ «12» يا ابن أندلس
…
والطّرف أدهم بالأشطان مغلول
يلاطم الريح منه أبيض نفق
…
له من السحب المزبد إكليل
يعلو حضارين «13» منه شامخ جلل
…
سام طفا وهو بالنّكباء محمول
كأنّما هو في طخياء «14» لجّته
…
أيم «15» يعرو أديم السّيل شمليل
ما زالت الموج تعليه وتخفضه
…
حتّى بدا من منار الثّغر قنديل
وكبّر الناس أعلاه الرنيم «16»
…
وكلّهم طرفه بالشهد مكحول
وصافحوا البيد بعد اليمّ وابتدروا
…
سبلا بها لجناب الله توصيل
على نجائب تتلوه أجنابها «1»
…
خيل بها الخير معقود ومعقول
في موكب تزحف الأرض الفضاء به
…
أضحت وموحشها بالناس مأمول
يطارد الوحش منه فيلق لجب
…
حتى لقد ذعرت في بيدها الغول
سيوفهم طرب نحو الحجاز فهم
…
ذوو ارتياح على أكوارها ميل
شعث رؤوسهم، يبس شفاههم
…
خوص عيونهم، غرب مهازيل
حتى إذا لاح من بيت الإله لهم
…
نور إذا هم على الغبرا أراحيل
يعفّرون وجوها طالما سمّت
…
باكين حتى أديم الأرض مبلول
حفّوا بكعبة مولاهم فكعبهم
…
عال بها لهم طوف وتقبيل
وبالصّفا وقتهم صاف بسعيهم
…
وفي منى لمناهم كان تنويل
تعرّفوا عرفات واقفين بها
…
لهم إلى الله تكبير وتهليل
لمّا قضينا من الغرّاء منكسنا
…
ثرنا وكلّ بنار الشوق مشمول
شدنا إلى الشّدقميات التي سكنت
…
أبدانهنّ وأفناهنّ تنقيل
إلى الرسول تزجّى كلّ تعلمة
…
أجلّ من نجوة تزجي المراسيل
من أنزلت فيه آيات مطهّرة
…
وأورثت فيه توراة «2» وإنجيل
وعطّرت من شذاه كلّ ناحية
…
كأنّما المسك في الأرجاء محلول
سرّ من العالم العلويّ ضمّنه
…
جسم من الجوهر الأرضي محمول
نور تمثّل في أبصارنا بشرا
…
على الملائك من سيماه تمثيل
لقد تسامى وجبريل مصاميه
…
إلى مقام رخيّ «3» فيه جبريل
أوحى إليه الذي أوحاه من كثب
…
فالقلب واع بسرّ الله مشغول
يتلو كتابا من الرحمن جاء به
…
مطهّرا طاهر منه وتأويل
جار على منهج الأعراب أعجزهم
…
باق مع الدّهر لا يأتيه تبديل
بلاغة عندها كعّ البليغ فلم
…
ينطق وفي هديه صاحت أضاليل
ومنها:
وطولبوا أن يجيبوا حين رابهم
…
بسورة مثله فاستعجز القيل
لا ذوا بذوبان خطّيّ «1» وبتر ظبى
…
يوم الوغى واعتراهم منه تنكيل
فمونف في جبال الوهد منحدر
…
وموثق في حبال الغد مكبول
ما زال بالعضب هتّاكا سوابغهم
…
حتى انثنى العصب منهم وهو مفلول
وقد تحطّم في نحر العدا قصد
…
صمّ الوشيج «2» وخانتها العواميل
من لا يعدّله القران كان له
…
من الصّفاد وبيض البتر تعديل
وكم له معجزا غير القران «3» أتى
…
فيه من الحقّ منقول ومعقول
فللرسول انشقاق البدر نشهده
…
كما لموسى انفلاق البحر منقول
ونبع ماء فرات من أنامله
…
كالعين ثرّت فجا الهتّان ما «4» النيل
روّوا الخميس وهم زهاء سبع مي
…
مع الرّكاب فمشروب ومحمول
وميّ عين بكفّ جاء يحملها
…
قتادة وله شكوى وتعويل
فكان «5» أحسن عينيه ولا عجب
…
مسّت أناميل فيها اليمن مجعول
والجذع حنّ إليه حين فارقه
…
حنين ولهى لها للرّوم مثكول
وأشبع الكثر من قلّ الطعام ولم
…
يكن ليعوزه بالكثر تقليل
وفي جراب ولا «6» هنّ عجائب كم
…
يمتار منه فمبذول ومأكول
وفي ارتواء إلى ذرء «7» بزمزم ما
…
يكفي تبدّن منه وهو مهزول
والعنكبوت بباب الغار قد نسجت
…
حتى كأنّ رداء منه مسدول
وفرّخت في حماه الورق ساجعة
…
تبكي وما دمعها في الخدّ مطلول
هذا وكم معجزات للرسول أتت
…
لها من الله أمداد وتأصيل
غدت من الكثر أعداد النجوم فما
…
يحصي لها عددا كتب ولا قيل
قد انقضت معجزات الرّسل منذ قضوا
…
نحبا وأعجم منها ذلك الجيل
ومعجزات رسول الله باقية
…
محفوظة ما لها في الدّهر تحويل
.
تكفّل الله هذا الذّكر يحفظه
…
وهل يضيع الذي بالله مكفول؟
هذي المفاخر لا يحظى الملوك بها
…
للملك «1» منقطع والوحي موصول
ومن مطولاته في غرض يظهر منها: [الطويل]
هو العلم لا كالعلم شيء تراوده
…
لقد فاز باغيه وأنجح قاصده
وما فضّل الإنسان إلّا بعلمه
…
وما امتاز إلّا ثاقب الذّهن واقده
وقد قصرت أعمارنا وعلومنا
…
يطول علينا حصرها ونكابده
وفي كلّها خير ولكنّ أصلها
…
هو النّحو فاحذر من جهول يعانده
به يعرف القرآن والسّنّة التي
…
هما أصل دين الله ذو أنت عابده
وناهيك من علم عليّ مشيد
…
مبانيه أعزز بالذي هو شائده
لقد حاز في الدنيا فخارا وسؤددا
…
أبو الأسود الديلي «2» فللجرّ سانده
هو استنبط العلم الذي جلّ قدره
…
وطار به للعرب ذكر نعاوده
وساد عطا نجله وابن هرمز
…
ويحيى ونصر ثم ميمون ماهده
وعنبسة قد كان أبرع صحبه
…
فقد قلّدت جيد المعالي قلائده
وما زال هذا العلم تنميه سادة
…
جهابذة تبلى به وتعاضده
إلى أن أتى الدّهر العقيم بواحد
…
من الأزد تنميه إليه فرائده
إمام الورى ذاك الخليل بن أحمد
…
أقرّ له بالسبق في العلم حاسده
وبالبصرة الغرّاء «3» قد لاح فجره
…
فنارت أدانيه وضاءت أباعده
ذكيّ «4» الورى ذهنا وأصدق لهجة
…
إذا ظنّ أمرا قلت ما هو شاهده
وما أن يروّي بل جميع علومه
…
بدائه «5» أعيت كلّ حبر تجالده
هو الواضع الثاني الذي فاق أولا
…
ولا ثالث في الناس تصمى قواصده
فقد كان ربّانيّ أهل زمانه
…
صويم قويم «6» راكع الليل ساجده
يقيّم منه دهره في مثوبة
…
وثوقا بأنّ الله حقّا مواعده
فعام إلى حجّ وعام لغزوة
…
فيعرفه البيت العتيق ووافده
ولم يثنه يوما عن العلم والتّقى
…
كواعب حسن تنثني ونواهده
وأكثر سكناه بقفر بحيث لا
…
تناغيه إلّا عفره وأوابده
وما قوته إلّا شعير يسيغه
…
بماء قراح ليس تغشى موارده
عزوبا عن الدنيا وعن زهراتها
…
وشوقا إلى المولى وما هو واعده
ولمّا رأى من سيبويه نجابة
…
وأيقن أنّ الحين أدناه باعده
تخيّره إذ كان وارث علمه
…
ولاطفه حتّى كأن هو والده
وعلّمه شيئا فشيئا علومه
…
إلى أن بدت سيماه واشتدّ ساعده
فإذ ذاك وافاه من الله وعده
…
وراح وحيد العصر إذ جاء واحده
أتى سيبويه ناشرا لعلومه
…
فلولاه أضحى النحو «1» عطلا شواهده
وأبدى كتابا كان فخرا وجوده
…
لقحطان إذ كعب بن عمرو محاتده
وجمّع فيه ما تفرّق في الورى
…
فطارفه يعزى إليه وتالده
بعمرو بن عثمان بن قنبر الرّضا
…
أطاعت عواصيه وتابت شوارده
عليك قران «2» النحو نحو ابن قنبر
…
فآياته مشهودة وشواهده
كتاب أبي بشر «3» فلا تك قارئا
…
سواه فكلّ ذاهب الحسن فاقده
هم خلج بالعلم مدّت فعندما
…
تناءت غدت تزهى وليست تشاهده
ولا تعد عمّا حازه إنه الفرا
…
وفي جوفه كلّ الذي أنت صائده «4»
إذا كنت يوما محكما في كتابه
…
فإنّك فينا نابه القدر ماجده
ولست تبالي إن فككت رموزه
…
أعضّك دهر أم عرتك ثرائده
هو العضب إن تلق الهياج شهرته
…
وإن لا تصب حربا فإنّك غامده
تلقّاه كلّ بالقبول وبالرّضى
…
فذو الفهم من تبدو إليه مقاصده
ولم يعترض فيه سوى ابن طراوة
…
وكان طريّا لم تقادم معاهده
وجسّره طعن المبرّد قبله
…
وإنّ الثّمالي بارد الذّهن خامده
هما ما هما صارا مدى الدهر ضحكة
…
يزيّف ما قالا وتبدو مفاسده
تكون صحيح العقل حتى إذا ترى
…
تباري أبا بشر، إذا أنت فاسده
يقول امرؤ قد خامر الكبر رأسه
…
وقد ظنّ أنّ النحو سهل مقاصده
ولم يشتغل إلّا بنزر مسائل
…
من الفقه في «1» أوراقه هو راصده
وقد نال بين الناس جاها ورتبة
…
وألهاك عن نيل المعالي ولابده
وما ذاق للآداب طعما ولم يبت
…
يعنّى بمنظوم ونثر يجاوده
فينكح أبكار المعاني ويبتغي
…
لها الكفو من لفظ بها هو عاقده
رأى سيبويه فيه بعض نكادة
…
وعجمة لفظ لا تحلّ معاقده
فقلت: أما أتى «2» ما أنت أهل لفهمه
…
وما أنت إلّا غائض الفكر راكده
لعمرك ما ذو لحية وتسمّت
…
وإطراق رأس والجهات تساعده
فيمشي على الأرض الهوينا كأنما
…
إلى الملإ الأعلى تناهت مراصده
وإيهامك الجهّال أنّك عالم
…
وأنّك فرد في الوجود وزاهده
بأجلب للنّحو الذي أنت هاجر
…
من الدّرس بالليل الذي أنت هاجده
أصاح، تجنّب من غويّ مخذّل
…
وخذ في طريق النّحو أنّك راشده
لك الخير فادأب ساهرا في علومه
…
فلم تشم إلّا ساهر الطّرف ساهده
ولا ترج في الدنيا ثوابا فإنما
…
لدى الله حقا أنت لا شكّ واجده
ذوو النحو في الدنيا قليل حظوظهم
…
وذو الجهل فيها وافر الحظّ زائده
لهم أسوة فيها على لاغد «3» مضى
…
ولم يلق في الدنيا صديقا يساعده
مضى بعده عنها الخليل فلم ينل
…
كفافا ولم يعدم حسودا يناكده
ولاقى أبا بشر خليل «4» سفيهها
…
غداة تمالت في ضلال يمادده
أتى نحو هارون «5» يناظر شيخه
…
فنفحته «6» حتّى تبدّت مناكده
فأطرق شيئا ثم أبدى جوابه
…
بحقّ ولكن أنكر الحقّ جاحده
وكاد علي عمرا إذا صار حاكما
…
وقدما عليّ كان عمرو يكايده
سقاه بكأس لم يفق من خمارها
…
وأورده الأمر الذي هو وارده
ولابن زياد شركة في مراده
…
ولابن رشيد شرك «1» القلب رائده
هما جرّعا إلى عليّ وقنبر
…
أفاويق سمّ لم تنجّد أساوده
أبكي على عمرو ولا عمر مثله
…
إذا مشكل أعيا وأعور ناقده
قضى نحبه شرخ الشّبيبة لم يرع
…
بشيب ولم تعلق بذامّ معاقده
لقد كان للناس اعتناء بعلمه
…
بشرق وغرب تستنار فوائده
والآن فلا شخص على الأرض قارىء
…
كتاب أبي بشر ولا هو رائده
سوى معشر بالغرب فيهم تلفّت
…
إليه وشوق ليس يخبو مواقده
وما زال منّا أهل أندلس له
…
جهابذ تبدي فضله وتناجده
وإنّي في مصر على ضعف ناصري
…
لناصره ما دمت حيّا وعاضده
أثار أثير الغرب للنّحو كامنا
…
وعالجه حتّى تبدّت قواعده
وأحيا أبو حيّان ميت علومه
…
فأصبح علم النحو ينفق كاسده
إذا مغربي حطّ بالثّغر رحله
…
تيقّن أنّ النحو أخفاه لاحده
منينا بقوم صدّروا في مجالس
…
لإقراء علم ضلّ عنهم مراشده
لقد أخّر التصدير عن مستحقّه
…
وقدّم غمر خامد الذهن جامده
وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم
…
جزاء «2» وعقبى أكنّت عقائده
علا عقله فيهم هواه فما درى
…
بأنّ هوى الإنسان للنار قائده
أقمنا بمصر نحو «3» عشرين حجة
…
يشاهدنا ذو أمرهم ونشاهده
فلمّا ننل منهم مدى الدهر طائلا
…
ولمّا نجد فيهم صديقا نوادده
لنا سلوة فيمن سردنا حديثهم
…
وقد يتسلّى بالذي قال سارده
أخي إن تصل يوما وبلّغت سالما
…
لغرناطة فانفذ لما أنا عاهده
وقبل ثرى أرض بها حلّ ملكنا
…
وسلطاننا الشّهم الجميل عوائده
مبيد العدا قتلا وقد عمّ «4» شرّهم
…
ومحيي النّدى فضلا وقد رمّ هامده
أفاض على الإسلام جودا ونجدة
…
فعزّ مواليه وذلّ معانده
وعمّ بها إخواننا بتحيّة
…
وخصّ بها الأستاذ لا عاش كائده
جزى الله عنّا شيخنا وإمامنا
…
وأستاذنا «1» الحبر الذي عمّ فائده
لقد أطلعت جيّان أوحد عصره
…
فللغرب فخر أعجز الشرق خالده
مؤرخة نحوية وإمامة
…
محدّثة جلّت وصحّت مسانده
جاه عظيم من ثقيف وإنما
…
به استوثقت منه العرى ومساعده
وما أنس لا أنسى سهادي ببابه
…
بسبق وغيري نائم الليل راقده
فيجلو بنور العلم ظلمة جهلنا
…
ويفتح علما مغلقات رصائده
وإنّي وإن شطّت بنا غربة النّوى
…
لشاكر له في كل وقت وحامده
بغرناطة روحي وفي مصر جثّتي
…
ترى هل يثنّي الفرد من هو فارده؟
أبا جعفر، خذها قوافي من فتى
…
تتيه على غرّ القوافي قصائده
يسير بلا إذن إلى الأذن حسنها
…
فيرتاح سمّاع لها ومناشده
غريبة شكل كم حوت من غرائب
…
مجيدة أصل أنتجتها أماجده
فلولاك يا مولاي ما فاه مقولي
…
بمصر ولا حبّرت ما أنا قاصده
لهذّبتني حتّى أحوك مفوّقا
…
من النظم لا يبلى مدى الدهر آبده
وأذكيت فكري بعد ما كان خامدا
…
وقيّد شعري بعد ما ندّ شارده
جعلت ختاما فيه ذكرك إنه
…
هو المسك بل أعلى وإن عزّ ناشده
ومما دون من «2» المطولات قوله رحمه الله «3» : [الطويل]
تفرّدت لمّا أن جمعت بذاتي «4»
…
وأسكنت لما أن بدت حركاتي «5»
فلم أر في الأكوان غيرا «6» لأنني
…
أزحت عن الأغيار روح حياتي «7»
وقدّستها عن رتبة لو تعيّنت
…
لها دائما دامت لها حسراتي «8»
فها أنا قد أصعدتها عن حضيضها
…
إلى رتبة تقضي لها بثبات
تشاهد معنى روضة أذهب العنا
…
وأيقظني للحقّ بعد سنات «1»
أقامت زمانا في حجاب فعندما
…
تزحزح عنها رامت الخلوات
لنقضي بها ما فات من طيب أنسنا
…
بها وننال الجمع بعد شتات
ومن النسيب قوله «2» : [الكامل]
كتم اللسان ومدمعي قد باحا
…
وثوى الأسى عندي وأنسي «3» راحا
إني لصبّ «4» طيّ ما نشر الهوى
…
نشرا وما زال الهوى إفصاحا «5»
ومهجتي من لا أصرّح باسمه
…
ومن الإشارة ما يكون صراحا
ريم أروم حنوّه وجنوحه
…
ويروم عني جفوة وجماحا
أبدى لنا من شعره وجبينه
…
ضدّين ذا ليلا وذاك صباحا «6»
عجبا له يأسو الجسوم بطبّه
…
ولكم بأرواح أثار جراحا
فبلفظه «7» برء الأخيذ ولحظه
…
أخذ البريّ فما يطيق براحا
ناديته «8» في ليلة لا ثالث
…
إلّا أخوه البدر غار فلاحا «9»
يا حسنها من ليلة لو أنها
…
دامت ومدّت للوصال «10» جناحا
وقال «11» : [الكامل]
نور بخدّك أم توقّد نار؟
…
وضنى بجفنك أم فتور «12» عقار؟
وشذا بريقك أم تأرّج مسكة؟
…
وسنى بثغرك أم شعاع دراري «13» ؟
جمعت معاني الحسن فيك فقد غدت «14»
…
قيد القلوب وفتنة الأبصار
متصاون خفر «1» إذا ناطقته
…
أغضى حياء «2» في سكون وقار
في وجهه زهرات لفظ «3» تجتلى
…
من نرجس مع وردة وبهار
خاف اقتطاف الورد من جنباتها «4»
…
فأدار من أسر «5» سياج عذار
وتسلّلت نمل العذار بخدّه
…
ليردن شهدة ريقه المعطار
وبخدّه ورد «6» حمتها وردها
…
فوقفن بين الورد والإصدار
كم ذا أواري «7» في هواه محبّتي
…
ولقد وشى بي فيه فرط أواري «8»
ومن نظمه من المقطوعات في شتى الأغراض قوله رحمه الله «9» : [البسيط]
أزحت نفسي من الإيناس بالناس
…
لمّا غنيت عن الأكياس بالياس «10»
وصرت في البيت وحدى لا أرى أحدا
…
بنات فكري وكتبي هنّ جلّاسي
وقال «11» : [الطويل]
وزهّدني في جمعي المال أنه
…
إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا
فلا روحه يوما أراح من العنا
…
ولم يكتسب حمدا ولم يدّخر أجرا
وقال: [الطويل]
سعت حيّة من شعره نحو صدغه
…
وما انفصلت من خدّه إنّ ذا عجب
وأعجب من ذا أنّ سلسال ريقه
…
برود ولكن شبّ في قلبي اللهب
وقال «12» : [السريع]
راض «13» حبيبي عارض قد بدا
…
يا حسنه من عارض رائض
وظنّ «14» قوم أنّ قلبي سلا
…
والأصل لا يعتدّ بالعارض
وقال «1» : [الخفيف]
سال في الخدّ للحبيب عذار
…
وهو لا شكّ سائل مرحوم
وسألت التثامه فتجنّى
…
فأنا اليوم سائل محروم
وقال: [الطويل]
جننت بها سوداء لون وناظر
…
ويا طالما كان الجنون بسوداء
وجدت بها برد النعيم وإنّ
…
فؤادي منها في جحيم ولأواء
وقال في فتى يسمى مظلوم «2» : [الطويل]
وما كنت أدري أنّ مالك مهجتي
…
يسمّى «3» بمظلوم وظلم جفاؤه
إلى أن دعاني للصّبا «4» فأجبته
…
ومن يك مظلوما أجيب دعاؤه
وقال «5» : [الخفيف]
جنّ غيري بعارض فترجّى
…
أهله أن يفيق عمّا قريب
وفؤادي بعارضين مصاب
…
فهو داء أعيا دواء «6» الطبيب
وقال «7» : [الطويل]
شكا الخصر منه ما يلاقي بردفه
…
وأضعف «8» غصن البان جرّ كثيب
إذا كان منه البعض يظلم بعضه
…
فما حال مشتطّ «9» المزار «10» غريب
وقال «11» : [الطويل]
وذي شفة لمياء زينت بشامة «12»
…
من المسك في رشافها «13» يذهب النّسك
ظمئت إليها ريقة كوثريّة
…
بمثل لآلي «14» ثغرها ينظم السّلك