الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّيوان بألمريّة، ورأى خلال ذلك، في نومه، شخصا يوقظه، ويقول له: قم يا صاحب ربع الدّنيا، وقصّ رؤياه على صاحب له بمثواه، فبشّره، فطلب من ذلك الحين السّموّ بنفسه، فأجاز البحر، وتعلّق بحاشية الحرّة العليا زينب «1» ، فاستكتبته، فلمّا توفّيت الحرّة، أقرّه أمير المسلمين كاتبا، فنال ما شاء مما ترتمي إليه الهمم جاها ومالا وشهرة. وكان رجلا حصيفا، سكونا، عاقلا، مجدي الجاه، حسن الوساطة، شهير المكانة.
وفاته: توفي فجأة بمدينة سبتة، في عام سبعة وثمانين وأربعمائة. وتقلّد الكتابة بعده أبو بكر بن القصيرة. ذكره ابن الصّيرفي.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري
«2»
وتكرر مالك في نسبه.
أوليته: قالوا: من ولد عقبة بن نعيم الداخل إلى الأندلس، من جند دمشق، نزيل قرية شكنب من إقليم تاجرة الجمل من عمل بلدنا لوشة، غرناطي، يكنى أبا محمد.
حاله: كان «3» أبو محمد هذا أحد وزراء الأندلس، كثير الصّنائع، جزل المواهب، عظيم المكارم، على سنن عظماء الملوك، وأخلاق السادة الكرام «4» . لم ير بعده مثله في رجال «5» الأندلس، ذاكرا للفقه والحديث، بارعا في الأدب «6» ، شاعرا مجيدا وكاتبا بليغا، حلو الكتابة والشعر، هشّا مع وقار، ليّنا على مضاء، عالي الهمّة، كثير الخدم والأهل «7» .
من آثاره الماثلة إلى اليوم الحمّام، بجوفيّ الجامع الأعظم من غرناطة. بدأ بناءه «8» أول يوم من جمادى الأولى سنة تسع وخمسمائة. وشرع في الزّيادة في سقف
الجامع من صحنه سنة ست عشرة، وعوّض أرجل قسيّه أعمدة الرخام، وجلب الرّءوس والموائد من قرطبة، وفرش صحنه بكذّان الصّخيرة «1» . ومن مكارمه أنه لمّا ولّي مستخلص غرناطة وإشبيلية، وجّهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم بنائها، وإصلاح خللها، فلمّا استوفى الغاية فيها قلّده، واستصحب جملة من ماله لمؤنته المختصّة به، فلما احتلّها سأل قاضيها، فكتب إليه جملة من أهلها ممن ضعف حاله وقلّ تصرفه من ذوي البيوتات، فاستعملهم أمناء في كل وجه جميل، ووسّع أرزاقهم، حتى كمل له ما أراد من عمله. ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله. وصدر عنها وقد أنعش خلقا كثيرا.
شعره: من قوله في مجلس أطربه سماعه، وبسطه احتشاد الأنس فيه واجتماعه «2» :[الخفيف]
لا تلمني إذا طربت لشجو «3»
…
يبعث الأنس فالكريم طروب
ليس شقّ الجيوب حقّا علينا
…
إنما الحقّ «4» أن تشقّ القلوب
وقال، وقد قطف غلام من غلمانه نوّارة، ومدّ بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله «5» ، فقال أبو نصر «6» :[الطويل]
وبدر بدا والطّرف مطلع حسنه
…
وفي كفّه من رائق النّور كوكب
يروح لتعذيب النفوس ويغتدي
…
ويطلع في أفق الجمال ويغرب
فقال أبو محمد بن مالك «7» : [الطويل]
ويحسد «8» منه الغصن أيّ مهفهف
…
يجيء على مثل الكئيب ويذهب
نثره: قال أبو نصر «1» : كتبت إليه مودّعا، فكتب «2» إليّ مستدعيا، وأخبرني رسوله «3» أنه لما قرأ الكتاب وضعه، وما سوّى ولا فكّر ولا روى:
يا سيدي، جرت الأيام «4» بجمع افتراقك، وكان الله جارك في انطلاقك «5» ، فغيرك روّع بالظّعن، وأوقد للوداع جاحم «6» الشّجن، فأنت «7» من أبناء هذا الزمن، خليفة الخضر لا يستقرّ «8» على وطن، كأنّك والله يختار لك ما تأتيه وما تدعه، موكّل بفضاء الأرض تذرعه «9» ، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع، أن يعدّك «10» من العواري السّريعة الارتجاع «11» ، فلا يأسف على قلّة الثّوا «12» ، وينشد:
[الطويل]
وفارقت حتى ما أبالي من النّوى
وفاته: اعتلّ «13» بإشبيلية فانتقل إلى غرناطة، فزادت علّته بها، وتوفي، رحمه الله، بها في غرّة شعبان سنة ثماني «14» عشرة وخمسمائة، ودفن إثر صلاة الظهر من يوم الجمعة المذكورة بمقبرة باب إلبيرة، وحضر جنازته الخاصة والعامة.
من رثاه: رثاه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال، رحمه الله، فقال:
[الكامل]
إن كنت تشفق من نزوح نواه
…
فهناك مقبرة وذا مثواه
قسّم زمانك عبرة أو عبرة
…
وأحل تشوّقه على ذكراه