الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجابة بها. ولم ينشب أن ظهر عليه ابن عمّه الأمير أبو العباس صاحب قسنطينة، وتملّك البلدة بعد مهلكه، وأجرى المترجم به على رسمه بما طرق إليه الظّنّة بمداخلته في الواقع. ثم ساء ما بينه وبين الأمير أبي العباس، وانصرف عنه، واستوطن بسكرة، متحوّلا إلى جوار رئيسها أبي العباس بن مزنى، متعلّلا برفده إلى هذا العهد.
وخاطبته برسالة في هذه الأيام، تنظر في اسم المؤلّف في آخر الديوان.
مولده: بمدينة تونس بلده، حرسها الله، في شهر رمضان من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة «1» .
عبد الرحمن بن الحاج بن القميي الإلبيري
حاله: كان شاعرا مجيدا، هجا القاضي أبا الحسن بن توبة، قاضي غرناطة، ومن نصره من الفقهاء، فضربه القاضي ضربا وجيعا، وطيف به على الأسواق بغرناطة، فقال فيه الكاتب أبو إسحاق الإلبيري الزاهد، وكان يومئذ كاتبا للقاضي المذكور، الأبيات الشهيرة:[البسيط]
السّوط أبلغ من قول ومن قيل
…
ومن نباح سفيه بالأباطيل
من الدّار كحرّ النار أبراه
…
يعقل التقاضي أي تعقيل
عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد بن تفليت الفازازي
«2»
يكنى أبا زيد.
حاله: كان حافظا، نظّارا، ذكيا، ذا حظّ وافر من معرفة أصول الفقه وعلم الكلام، وعناية بشأن الرّواية، متبذّلا في هيئته ولباسه، قلّما يرى راكبا في حضر إلّا لضررة، فاضلا، سنيّا، شديد الإنكار والإنحاء على أهل البدع، مبالغا في التحذير منهم، عامر الإتاء، يطلب العلم شغفا به وانطباعا إليه وحبّا فيه وحرصا عليه، آية من آيات الله في سرعة البديهة، وارتجال النّظم والنّثر، وفور مادّة، وموالاة استعمال، لا يكاد يقيد، ولا يصرفه عنه إلّا نسخ أو مطالعة علم، أو مذاكرة فيه، حتى صار له
ملكة. لا يتكلف معها الإنشاء، مع الإجادة وتمكّن البراعة. وكان متلبّسا بالكتابة عن الولاة والأمراء، ملتزما بذلك، كارها له، حريصا على الانقطاع عنه، واختصّ بالسيد أبي إسحاق بن المنصور، وبأخيه أبي العلاء، وبملازمتهما استحقّ الذّكر فيمن دخل غرناطة، إذ عدّ ممّن دخلها من الأمراء.
مشيخته: روى عن أبيه أبي سعيد، وأبي الحسن جابر بن أحمد، وابن عتيق بن مون، وأبي الحسن بن الصائغ، وأبي زيد السّهيلي «1» ، وأبي عبد الله التّجيبي، وأبي عبد الله بن الفخّار، وأبي محمد بن عبيد الله، وأبي المعالي محمود الخراساني، وأبي الوليد بن يزيد بن بقي «2» وغيرهم. وروى عنه ابنه أبو عبد الله، وأبو بكر بن سيّد الناس، وابن مهدي، وأبو جعفر بن علي بن غالب، وأبو العباس بن علي بن مروان، وأبو عمرو بن سالم، وأبو القاسم عبد الرحيم بن سالم، وابنه عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن سالم، وأبو القاسم عبد الكريم بن عمران، وأبو يحيى بن سليمان بن حوط الله، وأبو محمد بن قاسم الحرار، وأبو الحسن الرّعيني، وأبو علي الماقري.
تواليفه ومنظوماته: له المعشّرات الزّهدية التي ترجمها بقوله: «المعشرات الزهدية، والمذكرات الحقيقية الجدّية، ناطقة بألسنة الوجلين المشفقين، شائقة إلى مناهج السّالكين المستبقين، نظمها متبرّكا بعبادتهم، متيمنا بأغراضهم وإشاراتهم، قابضا عنان الدّعوى عن مداناتهم ومجاراتهم، مهتديا إهداء السّنن الخمس بالأشعّة الواضحة من إشاراتهم، مخلّدا دون أفقهم العالي إلى حضيضه، جامعا لحسن أقواله وقبح أفعاله بين الشّيء ونقيضيه عبد الرحمن» . وله «المعشّرات الحبّية، وترجمتها النّفحات القلبيّة، واللّفحات الشّوقية، منظومة على ألسنة الذاهبين وجدا، الذّائبين كمدا وجهدا، الذين غربوا وبقيت أنوارهم، واحتجبوا وظهرت آثارهم، ونطقوا وصمتت أخبارهم، ووفّوا العبودية حقّها، ومحضوا المحبّة مستحقّها، نظم من نسج على منوالهم، ولم يشاركهم إلّا في أقوالهم فلان» . والقصائد، في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم، التي كل قصيدة منها عشرون بيتا، وترجمتها الوسائل المتقبّلة، والآثار المسلمة المقبلة، مودعة في العشرنية النبوية، والحقائق اللّفظية والمعنوية، نظم من اعتقدها من أزكى الأعمال، وأعدّها لما يستقبله من مدهش الأهوال، وفرع خاطره لها على توالي القواطع وتتابع الأشغال، ورجال بركة خاتم الرّسالة، وغاية السّؤدد والجلالة، محو ما
لسلفه من خطأ في الفعل، وزلل في المقال، والله سبحانه وليّ القبول للتّوبة، والمنّان بتسويغ هذه المنّة المطلوبة، فذلك يسير في جنب قدرته، ومعهود رحمته الواسعة ومغفرته.
شعره: وشعره كثير جدا، ونثره مشهور وموجود. فمن شعره في غرض الشكر لله عز وجل، على غيث جاء بعد قحط:[الكامل]
نعم الإله بشكره تتقيّد
…
فالله يشكر في النّوال ويحمد
مدّت إليه أكفّنا محتاجة
…
فأنالها من جوده ما نعهد
وأغاثنا بغمائم وكّافة
…
بالبشر تشرق والبشائر ترعد
حملت إلى ظمإ البسيطة ريّة
…
فلها عليه منّة لا تجحد
فالجوّ برّاق والشّعاع مفضّض
…
والماء فيّاض الأثير معسجد
والأرض في حلي الأتيّ كأنما
…
نطف الغمام ولؤلؤ «1» وزبرجد
والرّوض مطلول الخمائل باسم
…
والقضب ليّنة الحمائل ميّد
تاهت عقول الناس في حركاتها
…
ألشكرها أم سكرها تتأوّد؟
فيقول أرباب البطالة تنثني
…
ويقول أرباب الحقيقة تسجد
وإذا اهتديت إلى الصواب فإنها
…
في شكر خالقها تقوم وتقعد
هذا هو الفضل الذي لا ينقضي
…
هذا هو الجود الذي لا ينفد
احضر فؤادك للقيام بشكره
…
إن كنت تعلم قدر ما تتقلّد
وانفض يديك من العباد فكلّهم
…
عجز الحلّ وأنت جهلا تعقد
وإذا افتقرت إلى سواه فإنما ال
…
لذي بخاطرك المجال الأبعد
نعم الإله كما تشاهد حجّة
…
والغائبات أجلّ مما يشهد
فانظر إلى آثار رحمته التي
…
لا يمترى فيها ولا يتردّد
يا ليت شعري والدليل مبلّغ
…
من أيّ وجه يستريب الملحد
من ذا الذي يرتاب أنّ إلهه
…
أحد وألسنة الجماد توحّد
كلّ يصرّح حاله ومقاله
…
أن ليس إلّا الله ربّ يعبد
ومن شعره أيضا قوله: [الكامل]
عجبا لمن ترك الحقيقة جانبا
…
وغدا لأرباب الصواب مجانبا
وابتاع بالحق المصحّح حاضرا
…
ما شاء للزّور المعلّل عائبا
من بعد ما قد صار أنفذ أسهما
…
وأشدّ عادية وأمضى قاضبا
لا تخدعنك سوابق من سابق
…
حتى ترى الإحضار منه عواقبا
فلربما اشتدّ الخيال وعاقه
…
دون الصّواب هوى وأصبح غالبا
ولكم إمام قد أضرّ بفهمه
…
كتب تعبّ من الضّلال كتائبا
فانحرف بأفلاطون وأرسطا
…
ليس ودونهما تسلك طريقا لاحبا «1»
ودع الفلاسفة الذّميم جميعهم
…
ومقالهم تأتي الأحقّ الواجبا
يا طالب البرهان في أوضاعهم
…
أعزز عليّ بأن تعمّر جانبا
أعرضت عن شطّ النّجاة ملجّجا
…
في بحر هلك ليس ينجي عاطبا
وصفا الدّليل فما نفعت بصفوه
…
حتى جعلت له اللّجين «2» شائبا
فانظر بعقلك هل ترى متفلسفا
…
فيمن ترى إلّا دعيّا كاذبا؟
أعيته أعباء الشّريعة شدّة
…
فارتدّ مسلوبا ويحسب سالبا
والله أسأل «3» عصمة وكفاية
…
من أن أكون عن المحجّة ناكبا
ومن شعره: [الطويل]
إليك مددت الكفّ في كلّ شدّة
…
ومنك وجدت اللّطف في كل نائب
وأنت ملاذ والأنام بمعزل
…
وهل مستحيل في الرّجا «4» كرّآيب؟
فحقّق رجائي فيك يا ربّ واكفني
…
شمات «5» عدوّ أو إساءة صاحب
ومن أين أخشى من عدوّ إساءة
…
وسترك ضاف من جميع الجوانب؟
وكم كربة نجّيتني من غمارها
…
وكانت شجا بين الحشا والتّرائب
فلا قوة عندي ولا لي حيلة
…
سوى حسن ظنّي بالجميل المواهب
فيا منجي المضطرّ عند دعائه
…
أغثني فقد سدّت عليّ مذاهبي «6»
رجاؤك رأس المال عندي وربحه
…
وزهده «7» في المخلوق أسنى المواهب