الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشفعوا إليه أن لا يفسخ الصّداق، وقيل للزوجين: لا تطلبا به عنده شيئا. وولّي قضاء جيّان.
ومن الطارئين والغرباء
المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي
من أهل ألمريّة، يكنى أبا القاسم.
حاله: كان من أدهى الناس وأفصحهم، ومن أهل التّعيّن والعناية التامة، واستقضي بألمريّة.
مشيخته: سمع من أبي محمد الأصبهاني، ورحل وروى عن أبي ذرّ الهروي.
تواليفه: ألّف كتابا في «شرح البخاري» ، أخذه الناس عنه.
وفاته: توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وقيل سنة
…
«1» .
ومن ترجمة الكتاب والشعراء وهم الأصليّون
مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن الفرج ابن أزرق بن سعد بن سالم بن الفرج
«2»
المنزل بوادي الحجارة بمدينة الفرج المنسوبة إليه الآن.
قال ابن عبد الملك: كذا كتب لي بخطّه بسبتة، وهو مصمودي ثم شصّادي مولى بني مخزوم، مالقي، سكن سبتة طويلا ثم مدينة فاس، ثم عاد إلى سبتة مرة أخرى، وبآخرة فاس، يكنى أبا الحكم وأبا المجد، والأولى أشهر، ويعرف بابن المرحّل، وصف جرى على جدّه علي بن عبد الرحمن لمّا رحل من شنتمريّة «3» ، حين إسلامها للروم عام خمسة وستين وخمسمائة.
حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: شاعر رقيق مطبوع، متقدّم، سريع البديهة، رشيق الأغراض، ذاكر للأدب واللغة. تحرّف مدّة بصناعة التّوثيق ببلده، وولّي القضاء مرات بجهات غرناطة وغيرها. وكان حسن الكتابة إذا كتب، والشّعر أغلب عليه. وذكره ابن خلاد، وابن عبد الملك، فأما ابن عبد الملك، فلم يستوف له ما استوفى لغيره، وأما ابن خلّاد، فقصر به، إذ قال: كانت نشأته بمالقة بلده، وقرارة مولده في ناسها ووسط أجناسها، لم يتميّز بحسب، ولم يتقدّم في ميدان نسب، وإنما أنهضه أدبه وشعره، وعوّضه بالظّهور من الخمول نظمه ونثره، فطلع في جبين زمانه غرّة منيرة، ونصع في سلك فصحاء أوانه درّة خطيرة، وحاز من جيله رتبة التقديم، وامتاز في رعيله بإدراك كلّ معنى وسيم. والإنصاف فيه ما ثبت لي في بعض التقييدات، وهو الشيخ المسنّ المعمّر الفقيه، شاعر المغرب، وأديب صقعه، وحامل الرّاية، المعلّم بالشّهرة، المثل في الإكثار، الجامع بين سهولة اللفظ، وسلاسة المعنى، وإفادة التّوليد، وإحكام الاختراع، وانقياد القريحة، واسترسال الطّبع، والنّفاذ في الأغراض. استعان على ذلك بالعلم، بالمقاصد اللّسانية لغة وبيانا وعربيّة وعروضا، وحفظا واضطلاعا، إلى نفوذ الذّهن، وشدّة الإدراك، وقوّة العارضة، والتّبريز في ميدان اللّوذعية، والقحة والمجانة، المؤيّد ذلك بخفّة الرّوح، وذكاء الطّبع، وحرارة النّادرة، وحلاوة الدّعابة، يقوم على الأغربة والأخبار، ويشارك في الفقه، ويتقدّم في حفظ اللغة، ويقوم على الفرائض. وتولّى القضاء.
وكتب عن الأمراء، وخدم واسترفد، وكان مقصودا من رواة العلم والشّعر، وطلّاب الملح، وملتمسي الفوائد، لسعة الذّرع وانفساح المعرفة، وعلوّ السّن، وطيب المجالسة، مهيبا مخطوب السّلامة، مرهوبا على الأعراض، في شدقه شفرته وناره، فلا يتعرّض إليه أحد بنقد، أو أشار إلى قناته بغمز، إلّا وناط به آبدة، تركته في المثلات، ولذلك بخس وزنه، واقتحم حماه، وساءت بمحاسنه القالة، رحمه الله وتجاوز عنه.
مشيخته: تلا بالسّبع على أبي جعفر بن علي الفخّار «1» ، وأخذ عنه بمالقة وعن غيره. وصحب وجالس من أهلها أبا بكر عبد الرحمن بن علي بن دحمان، وأبا عبد الله الإستجي، وابن عسكر، وأبا عمرو بن سالم، وأبا النعيم رضوان بن خالد «2» ، وانتفع بهم في الطريقة، وبفاس أبا زيد اليرناسني الفقيه. ولقي بإشبيلية أبا
الحسن بن الدّباغ، وأبا علي الشّلوبين، وأبا القاسم بن بقي، وأجازوا له. وروى عنه أبو جعفر بن الزبير، والقاضي أبو عبد الله بن عبد الملك، وجماعة.
دخوله غرناطة: قال ابن الزبير «1» : تكرّر قدومه علينا بغرناطة، وآخر انفصالاته عنها آخر سنة أربع وسبعين وستمائة. وقال لي حفيده أبو الحسين التّلمساني من شيوخنا: أنشد السلطان الغالب بالله، بمجلسه للنّاس من المقصورة بإزاء الحمراء، قبل بناء الحمراء. وقال غيره: أقام بغرناطة، وعقد بها الشروط مدة. وقال لي شيخنا أبو الحسن الجيّاب: ولي القضاء بجهات من البشارات «2» ، وشكى للسّلطان بضعف الولاية، فأضاف إليه حصن أشكر «3» ، يا متشو «4» ، وأمر أن يهمل هذا الاسم ولا يشكّل، فقال أبو الحكم، رحمه الله، عند وقوفه عليه: قال لي السلطان في تصحيف هذا الاسم، «أشكر يا تيس» وهي من المقاصد النبيلة.
تواليفه: وهي كثيرة متعدّدة، منها شعره، والذي دوّن منه أنواع، فمنه مختاره، وسمّاه بالجولات، ومنه الصدور والمطالع. وله العشريات والنّبويّات على حروف المعجم، والتزام افتتاح بيوتها بحرف الرّوي، وسمّاها، «الوسيلة الكبرى المرجو نفعها في الدّنيا والأخرى» . وعشرياته الزّهديّة، وأرجوزته المسماة «سلك المنخّل، لمالك بن المرحّل» نظم فيها منخل أبي القاسم بن المغربي، والقصيدة الطويلة المسماة بالواضحة، والأرجوزة المسماة «اللّؤلؤ والمرجان» والموطّأة لمالك.
والأرجوزة في العروض. وكتابه في كان ماذا، المسمّى «بالرّمي بالحصا» ، إلى ما يشقّ إحصاره، من الأغراض النّبيلة، والمقاصد الأدبية.
شعره: قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك: كان مكثرا من النّظم، مجيدا، سريع البديهة، مستغرق الفكرة في قرضه، لا يفتر عنه حينا من ليل أو نهار. شاهدت ذلك، وأخبرني أنّه دأبه، وأنه لا يقدر على صرفه من خاطره، وإخلاء باله من الخوض فيه، حتى كان من كلامه في ذلك، أنه مرض من الأمراض المزمنة. واشتهر نظمه، وذاع شعره، فكلفت به ألسنة الخاصّة والعامّة، وصار رأس مال المستمعين
والمغنّين، وهجير الصّادرين والواردين، ووسيلة المكدّين، وطراز أوراد المؤذّنين وبطائقة البطالين، ونحن نجتزئ منه بنبذ من بعض الأغراض تدل على ما وراءها، إن شاء الله. فمن ذلك في غرض النّسيب:[الكامل]
دنف تستّر بالغرام طويلا
…
حتى تغيّر رقّة ونحولا
بسط الوصال فما تمكّن جالسا
…
حتى أقيم على البساط دليلا
يا سادتي، ماذا الجزاء «1» فديتكم
…
الفضل لو غير الفتى ما قيلا
قالوا تعاطى الصّبر عن أحبابه
…
لو كان يصبر للصّدود قليلا
ما ذاق إلّا شربة من هجرنا
…
وكأنّه شرب الفرات شمولا
أيقول: عشت وقد تملّكه الهوى؟
…
لو قال متّ لكان أقوم قيلا
حلف الغرام بحبّنا وجمالنا
…
إن لم يدعه ميّتا فعليلا
إنّ الجفون هي السّيوف وإنما
…
قطعت فلم تسمع لهنّ صليلا
قل للحبيب ولا أصرّح باسمه
…
ماذا الملال وما عهدت ملولا
بيني وبينك ذمّة مرعيّة
…
أتراك تقطع حبلها الموصولا؟
ولكم شربت صفاء «2» ودّك خالصا
…
ولبست ظلّا من رضاك ظليلا
يا «3» غصن بان بان عنّي ظلّه
…
عند الهجير فما وجدت مقيلا
اعطف على المضنى الذي أحرقته
…
في نار هجرك لوعة وغليلا
فارقته فتقطّعت أفلاذه
…
شوقا وما ألفى إليك سبيلا
لو لم يكن منك التّغيّر لم يسل
…
بالناس لو حشروا إليه قبيلا
يا راحلا عني بقلب مغضب
…
أيطيق قلبي غضبة ورحيلا؟
قل للصّبا: هيّجت أشجان الصّبا
…
فوجدت يا ريح القبول قبولا
هل لي رسول في الرياح؟ فإذا «4» من
…
فارقته بعث النسيم رسولا؟
يا ليت شعري، أين قرّ قراره؟
…
يا قلب، ويك أما وجدت دليلا؟
إن لم يعد ذاك الوصال كعهدنا
…
نكّلت عيني بالبكا تنكيلا
وقال نسيبا ومدحا: [الكامل]
أعدى عليّ هواه خصم جفونه
…
ما لي به قبل ولا بفنونه
إن لم تجرني منه رحمة قلبه
…
من ذا يجير عليه ملك يمينه؟
صاب من الأتراك أصبى مهجتي
…
فعبدت نور الحسن فوق جبينه
متمكّن في الحسن نون صدغه
…
فتبيّن التّمكين في تنوينه
تنساب عقرب صدغه في جنّة
…
لم يجن منها الصّبّ غير منونه
ولوى ضفيرته فولّى مدبرا
…
فعل الكليم ارتاع من تبيينه
قد أطمعتني فيه رقّة خدّه
…
لو أمكنتني فيه رقّة دينه
ورجوت لين قوامه لو لم يكن
…
كالرّمح شدّة طعنه في لينه
شاكي السّلاح وما الذي في جفنه
…
أعدى عليّ من الذي بجفونه
ناديته لمّا ندت لي سينه
…
وشعرت من لفظ السلام بسينه
رحماك في دنف غدا وحياته
…
مماته وحراكه كسكونه
إن لم تمنّ عليّ منّة راحم
…
فمناه أن يلقاه ريب منونه
ولذا أبيت سوى سمات عدوّه
…
فأمانه من ذاك ظهر أمونه
سننيخها في باب أروع ماجد
…
فيرى محلّ الفصل حقّ يقينه
حيث المعارف والعوارف والعلا
…
في حدّ مجد جامع لفنونه
بدر وفي الحسن بن أحمد التقت
…
نجب مررن على العطا بركوبه
تبغي مناها في مناها عنده
…
وتطوف بالحاجات عند حجونه
فرع من الأصل اليماني طيّب
…
ورث البيان وزاد في تبيينه
يبدي البشاشة في أسرّة وجهه
…
طورا ويحمي العزّ في عرنينه
بسطت شمائله الزمان «1» كمثل ما
…
بسط الغناء «2» نفوسنا بلحونه
يثني عليه كلّ فعل سائر
…
كالمسك إذ يثني على دارينه
ومن النّسيب قوله: [البسيط]
هو الحبيب قضى بالجور أم عدلا
…
لبّى الخيار وأمّا في هواه فلا
تالله ما قصّر العذّال في عذلي
…
لكن أبت أذني أن تسمع العذلا
أمّا السّلوّ فشيء لست أعرفه
…
كفى بخلّك غدرا أن يقال سلا
جفون غيري أصحت بعدما قطرت
…
وقلب غيري صحا من بعد ما ثملا
وغصن بان تثنّى من معاطفه
…
سقيته الدّمع حتى أثمر العذلا
آثرته «1» ونسيم الشّعر آونة
…
فكلّما مال من أعطافه اعتدلا
أملت والهمّة العلياء طامحة
…
وليس في الناس إلّا آمل أملا
وقال: إيها طفيليّ ومقترح
…
ألست عبدي ومملوكي؟ فقلت: بلى
يا من تحدّث عن حسني وعن كلفي
…
بحسنه وبحبّي فاضرب المثلا
نيّطت خدّي خوف القبض من ملكه
…
إذا أشار بأدنى لحظه قتلا
تقبّل الأرض أعضائي وتخدمه
…
إذا تجلّى بظهر الغيب واتّصلا
يا من له دولة في الحسن باهرة
…
مثلي ومثل فؤادي يخدم الدّولا
ومن نظمه في عروض يخرج من دوبيتي مجزوّا، مقصرا قوله وملحه في اختراع الأعاريض كثيرة:
الصّبّ إلى الجمال مائل
…
والحبّ لصدقه دلائل
والدّمع لسائلي جواب
…
إن روجع سائل بسائل
والحسن على القلوب وال
…
والقلب إلى الحبيب وابل
لو ساعد من أحبّ سعد
…
ما حال من الحبيب حائل
يا عاذلي، إليك عنّي لا
…
تقرّب ساحتي العواذل
ما نازلني كمثل ظبي
…
يشفي بلحظة المنازل
ما بين دفونه حسام
…
مخارقه له حمائل
والسيف يبتّ ثم ينبو
…
واللحظ يطبق المفاصل
والسهم يصيب ثم يخطي
…
واللحظ يمرّ في المقاتل
مهلا فدمي له حلال
…
ما أقبل فيه قول قائل
إن صدّني فذاك قصدي
…
أو جدّلني فلا أجادل
يا حسن طلوعه علينا
…
والسّكر بمعطفيه مائل
ظمآن مخفّف الأعالي
…
ريّان مثقّل الأسافل
قد نمّ به شذا الغوالي
…
إذ هبّ ونمّت الغلائل
والطّيب منبّه عليه
…
من كان عن العيان غافل
والغنج محرّك إليه
…
من كان مسكّن البلابل
والسّحر رسول مقلتيه
…
ما أقرب عهده ببابل!
والروض يعير وجنتيه
…
وردا كهواي غير حائل
واللين يهزّ معطفيه
…
كالغصن تهزّه الشّمائل
والكأس تلوح في يديه
…
كالنّجم بأسعد المنازل
يسقيك بريقه مداما
…
ما أملح ساقيا مواصل
يسبيك برقّة الحواشي
…
عشقا ولكافّة الشمائل
ما أحسن ما وجدت خدّا
…
إذ نجم صباي غير آفل
ومن مستحسن نزعاته: [البسيط]
يا راحلين وبي من قربهم أمل
…
لو أغنت الحليتان القول «1» والعمل
سرتم وسار اشتياقي بعدكم مثلا
…
من دونه السّامران الشّعر والمثل
وظلّ يعذلني في حبّكم نفر
…
لا كانت المحنتان الحبّ والعذل
عطفا علينا ولا تبغوا بنا بدلا
…
فما استوى التّابعان العطف والعمل
قد ذقت فضلكم دهرا فلا وأبي
…
ما طاب لي الأحمران الخمر والعسل
وقد هرمت أسى من هجركم وجوى
…
وشبّ مني اثنتان الحرص والأمل
غدرتم أو مللتم يا ذوي ثقتي
…
لبّتكم «2» الخصلتان الغدر والملل
قالوا: كبرت ولم تبرح كذا غزلا
…
أزرى بك الفاضحان الشّيب والغزل
لم أنس يوم تنادوا «3» للرحيل ضحى
…
وقرب المركبان الطّرف والجمل
وأشرقت بهواديهم هوادجهم
…
ولاحت الزّينتان الحلي والحلل
وودّعوني بأجفان ممرّضة
…
تغضّها الرّقبتان الخوف والخجل
كم عفّروا بين أيدي العيس من بطل
…
أصابه المضنيان الغنج والكحل
دارت عليهم كؤوس الحبّ مترعة
…
وما أبى «4» المسكران الخمر والمقل
وآخرين اشتفوا منهم بضمّهم
…
يا حبّذا الشافيان الضّم والقبل
كأنما الرّوض منهم روضة أنف
…
يزهى بها المثبتان السّهل والجبل
من مسترق «5» الرّوابي والوهاد بهم
…
ما راقه المعجبان الخصر والكفل
يا حادي العيس خذني مأخذا حسنا
…
لا يستوي الضاديان «1» الرّيث «2» والعجل
لم يبق لي غير ذكر أو بكا طلل
…
لو ينفع الباقيان الذّكر والطّلل
يا ليت شعري ولا أنس ولا جذل
…
هل يرفع الطّيّبان الأنس والجذل؟
ومن قوله على لسان ألثغ ينطق بالسّين ثاء ويقرأ بالرّويّين: [مخلع البسيط]
عمرت ربع الهوى بقلب
…
لقوّة الحبّ غير ناكس ث
لبثت فيه أجر ذيل النّ
…
حول أحبب به للابس ث
إن متّ شوقا فلي غرام
…
نباته بالسّقام وادس ث
أمّا حديث الهوى فحقّ
…
يصرف بلواه كلّ حادس ث
تعبت بالشّوق في حبيب
…
أنا به ما حييت يائس ث
يختال كالغصن ماس فيه
…
طرف فأزرى بكلّ «3» مائس ث
دنيا تبدّت لكلّ وأي
…
فهو لدنياه أيّ حارس ث
يلعب بالعاشقين طرّا
…
والكلّ راضون وهو عابس ث
ومن شعره في الزهد يصف الدنيا بالغرور والكذب «4» والزّور: [الكامل]
يا خاطب الدنيا، طلبت غرورا
…
وقبلت من تلك المحاسن زورا
دنياك إمّا فتنة أو محنة
…
وأراك في كلتيهما مقهورا
وأرى السنين تمرّ عنك سريعة
…
حتى لأحسبهنّ صرن شهورا
بينا تريك أهلّة في أفقها
…
أبصرتها في إثر ذاك بدورا
كانت قسيّا ثم صرن دوائرا
…
لا بدّ أن ترمي الورى وتدورا
يأتي الظلام فما يسوّد رقعة
…
حتى ترى مسطورها منشورا
فإذا الصباح أتى ومدّ رداءه
…
نفض المساء رداءه المنشورا
يتعاقبان عليك، هذا ناشر
…
مسكا وهذا ناشر كافورا
ما المسك والكافور إلّا أن ترى
…
من فعلك الإمساك والتّكبيرا
أمسى على فوديك من لونيهما
…
سمة تسوم كآبة وبسورا
حتى متى لا ترعوي وإلى متى؟
…
أو ما لقيت من المشيب نذيرا؟
أخشى عليك من الذّنوب فربما
…
تلفى الصّغير من الذنوب كبيرا
فانظر لنفسك إنني لك ناصح
…
واستغفر المولى تجده غفورا
من قبل ضجعتك التي تلقى لها
…
خدّ الصّغار على التّراب حقيرا
والهول ثم الهول في اليوم الذي
…
تجد الذي قدّمته مسطورا
وقال في المعنى «1» المذكور: [الوافر]
وأشفي «2» الوجد ما أبكى العيونا
…
وأشفي الدّمع ما نكأ الجفونا
فيا ابن الأربعين اركب سفينا
…
من التّقوى فقد عمّرت حينا
ونح إن كنت من أصحاب نوح
…
لكي تنجو نجاة الأربعينا
بدا للشّيب «3» في فوديك رقم
…
فيا أهل الرّقيم، أتسمعونا؟
لأنتم أهل كهف قد ضربنا
…
على آذانهم فيه سنينا
رأيت الشّيب يجري في سواد
…
بياضا لا كعقل الكاتبينا
وقد يجري السّواد على بياض
…
فكان «4» الحسن فيه مستبينا
فهذا العكس يؤذن بانعكاس
…
وقد أشعرتم لو تشعرونا
نبات هاج ثم يرى حطاما
…
وهذا اللّحظ قد شمل العيونا
نذير جاءكم عريان يعدو
…
وأنتم تضحكون وتلعبونا
أخي، فإلى «5» متى هذا التّصابي؟
…
جننت بهذه الدنيا جنونا
هي الدنيا وإن وصلت وبرّت
…
فكم قطعت وكم تركت بنينا!
فلا تخدعك «6» أيام تليها
…
ليال واخشها بيضا وجونا
فذاك إذا نظرت سلاح دنيا
…
تعيد حراك ساكنها سكونا
وبين يديك يوم أيّ يوم
…
يدينك فيه ربّ الناس دينا
فإمّا دار عزّ ليس يفنى
…
وإمّا دار هون لن يهونا
فطوبى في غد للمتّقينا
…
وويل في غد للمجرمينا
وآه ثم آه ثم آه
…
على نفسي أكرّرها مئينا
أخيّ، سمعت هذا الوعظ أم لا؟
…
ألا يا «1» ليتني في السامعينا
إذا ما الوعظ لم يورد بصدق
…
فلا خسر كخسر الواعظينا
وقال يتشوّق إلى بيت الله الحرام، ويمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:[البسيط]
شوق كما رفعت نار على علم
…
تشبّ بين فروع الضّال والسّلم
ألفّه بضلوعي وهو يحرقها
…
حتى يراني بريا ليس بالقلم
من يشتريني بالبشرى ويملكني
…
عبدا إذا نظرت عيني إلى الحرم؟
دع للحبيب ذمامي واحتمل رمقي
…
فليس ذا قدم من ليس ذا قدم
يا أهل طيبة، طاب العيش عندكم
…
جاورتم خير مبعوث إلى الأمم
عاينتم جنّة الفردوس من كثب
…
في مهبط الوحي والآيات والحكم
لنتركنّ بها الأوطان خالية
…
ونسلكنّ لها البيداء في الظّلم
ركابنا تحمل الأوزار مثقلة
…
إلى محطّ خطايا العرب والعجم
ذنوبنا، يا رسول الله، قد كثرت
…
وقد أتيناك فاستغفر لمجترم
ذنب يليه على تكراره ندم
…
فقد مضى العمر في ذنب وفي ندم
نبكي فتشغلنا الدنيا فتضحكنا
…
ولو صدقنا البكا شبنا دما بدم
يا ركب مصر، رويدا يلتحق بكم
…
قوم مغاربة لحم على وضم
فيهم عبيد تسوق العيس زفرته
…
لم يلق مولاه قد ناداه في النّسم
يبغي إليه شفيعا لا نظير له
…
في الفضل والمجد والعلياء والكرم
ذاك الحبيب الذي ترجى شفاعته
…
محمد خير خلق الله كلّهم
صلّى عليه إله الخلق ما طلعت
…
شمس وما رفعت نار على علم
ومن مقطوعاته العجيبة في شتى الأغراض، وهي نقطة من قطر، وبلالة من بحر، قوله مما يكتب على حمالة سيف، وقد كلف بذلك غيره من الشعراء بسبتة، فلمّا رآها أخفى كل منظومه، وزعم أنه لم يأت بشيء، وهو المخترع المرقص:
[البسيط]
جماله كرياض جاورت نهرا
…
فأنبتت شجرا راقت أزاهرها
كحيّة الماء عامت فيه وانصرفت
…
فغاب أوّلها فيه وآخرها
وقوله، وقد تناول الرئيس ابن خلاص «1» بيده مقصّا فأدمى يده فأنشده:
[الوافر]
عداوة لا لكفّك من قد نمّ «2»
…
فلا تعجب لقرّاض لئيم
لئن أدماك فهو لها شبيه
…
وقد يسطو اللّئيم على الكريم
وقوله في الخضاب: [الطويل]
سترت مشيبي بالخضاب تعلّلا
…
فلم يحظ شيبي «3» وراب خضابي
كأنّي وقد زوّرت لونا على الصّبا
…
أعنون طرسا ليس فيه كتابي
غراب خضاب لم يقف من حذاره
…
وأغرب شيء في الحذار غرابي
وقوله وهو من البديع المخترع: [الكامل]
لا بدّ من ميل إلى جهة فلا
…
تنكر على الرجل الكريم مميلا
إنّ الفؤاد وإن توسّط في الحشا
…
ليميل في جهة الشّمال قليلا
وقوله وهو معنى قد قيل فيه: [الكامل]
لا تعجبوا للمرء يجهل قدره
…
أبدا ويعرف غيره فيصبر
فالعين تبصر غيرها مع بعده
…
لكنّ بؤبو نفسها لا تبصر «4»
وقوله: [الوافر]
أرى المتعلّمين عليك أعدا «5»
…
إذا أعلمتهم من كلّ عاد
فما عند الصّغير سوى عقوق
…
ولا عند الكبير سوى عناد
وقوله في وصفه ذي الجاه: [الخفيف]
يضع الناس صاحب الجاه فيهم
…
كل يوم في كفّة الميزان
إن رأوه يوما ترجّح وزنا
…
ضاعفوا البرّ فهو ذو رجحان
أو رأوا منه نقص حبّة وزن
…
ما كسوه في حبّة الجلجلان
وأنشدنا عنه غير واحد من شيوخنا وقد بلغ الثمانين: [السريع]
يا أيها الشيخ الذي عمره
…
قد زاد عشرا بعد سبعينا
سكرت من أكؤس خمر الصّبا
…
فحدّك الدّهر ثمانينا
وقال: هيهات! ما أظنّه يكملها، وقال في الكبرة:[الكامل]
يا من لشيخ قد أسنّ وقد عفا
…
مذ جاوز السّبعين أضحى مدنفا
خانته بعد وفائها أعضاؤه
…
فغدا قعيدا لا يطيق تصرّفا
هرما غريبا ما لديه مؤانس
…
إلّا حديث محمد والمصطفى
وكتب إلى القاضي أبي الحجاج الطّرسوني في مراجعة: [السريع]
يا سيدي، شاكركم مالك
…
قد صيّرت ميم اسمه هاء
ومن يعش خمسا وتسعين
…
قد أنهت «1» التعمير إنهاء
ومن نظمه في عرس صنعها بسبتة على طريقه في المجانة: [الكامل]
الله أكبر في منار الجامع
…
من سبتة تأذين عبد خاشع
الله أكبر للصّلاة أقيمها
…
بين الصّفوف من البلاط الواسع
الله أكبر محرما وموجّها
…
دبري «2» إلى ربّي بقلب خاضع
الحمد لله السلام عليكم
…
آمين لا تفتح لكلّ مخادع
إن النّساء خدعنني ومكرن بي
…
وملأن من ذكر النساء مسامعي
حتى وقعت وما وقعت بجانب
…
لكن على رأس لأمر واقع
والله ما كانت إليه ضرورة
…
لكنّ أمر الله دون مدافع
فخطبن لي في بيت حسن قلن لي
…
وكذبن لي في بنت قبح شانع
بكرا زعمن صغيرة في سنّها
…
حسناء تسفر عن جمال بارع
خودا لها شعر أثيث حالك
…
كالليل تجلى عن صباح ساطع
حوراء يرتاع الغزال إذا رنت
…
بجفون خشف «1» في الخمائل رافع
تتلو الكتاب بغنّة وفصاحة
…
فيميل نحو الذّكر قلب السامع
بسّامة عن لؤلؤ متناسق
…
في ثغرها في نظمه متتابع
أنفاسها كالرّاح فضّ ختامها
…
من بعد ما ختمت بمسك رائع
شمّاء دون تفاوت عربيّة
…
ببسالة وشجاعة ومنازع
غيداء كالغصن الرّطيب إذا مشت
…
ناءت بردف للتعجّل مانع
تخطو على رجلي حمامة أيكة
…
مخضوبة تسبي فؤاد السامع
ووصفن لي من حسنها وجمالها
…
ما البعض منه يقيم عذر الخالع
فدنوت واستأمنت بعد توحّشي
…
وأطاع قلب لم يكن بمطاوع
فحملنني نحو الوليّ وجئنني
…
بالشّاهدين وجلد كبش واسع
وبعرفه من نافع لتعادل
…
والله عز وجل ليس بنافع
فشرطن أشراطا عليّ كثيرة
…
ما كنت في حملي لها بمطاوع
ثم انفصلت وقد علمت «2» بأنني
…
أوثقت في عنقي لها بجوامع
وتركنني يوما وعدن وقلن لي
…
خذ في البناء ولكن بمرافع
واصنع لها عرسا ولا تحوج إلى
…
قاض عليك ولا وكيل رافع
وقرعت سنّي عند ذاك ندامة
…
ما كنت لولا أن «3» خدعت بقارع
ولزمتني حتى انفصلت بموعد
…
بعد اليمين إلى النهار الرابع
فلو أنني طلّقت كنت موفّقا
…
ونفضت من ذاك النكاح أصابعي
لكن طمعت بأن أرى الحسن الذي
…
زوّرن لي فذممت سوء مطامعي
فنظرت في أمر البناء معجّلا
…
وصنعت عرسا يا لها من صانع!
وطمعت أن «4» تجلى ويبصر وجهها
…
ويقرّ عيني بالهلال الطّالع
وظننت ذاك كما ذكرن ولم يكن
…
وحصلت أيضا في مقام الفازع
وحملنني ليلا إلى دار لها
…
في موضع عن كل خير سامع
دار خراب في مكان توحّش
…
ما بين آثار هناك بلاقع
فقعدت في بيت صغير مظلم
…
ولا شيء فيه سوى حصير الجامع
فسمعت حسّا عن شمالي منكرا
…
وتنحنحا يحكي نقيق ضفادع
فأردت أن أنجو بنفسي هاربا
…
ووثبت عند الباب وثبة جازع
فلقيتهنّ وقد أتين بجذوة
…
فرددنني وحبسنني بمجامع
ودخلن بي في البيت واستجلسنني
…
فجلست كالمضرور يوم زعازع
وأشرن لي نحو السّماء «1» وقلن لي
…
هذي زويبعة وبنت زوابع
هذي خليلتك التي زوّجتها
…
فاجلس هنا معها ليوم سابع
بتنا من «2» النّعمى التي خوّلتها
…
فلقد حصلت على رياض يانع
فنظرت نحو خليلتي متأمّلا
…
فوجدتها محجوبة ببراقع
وأتيتها وأردت نزع خمارها
…
فغدت تدافعني بجدّ وازع
فوجلتها في صدرها وحذوته
…
وكشفت هامتها بغيظ صارع
فوجدتها قرعاء تحسب أنّها
…
مقروعة في رأسها بمقارع
حولاء تنظر فوقها في ساقها
…
فتخالها مبهوتة في الشارع
فطساء تحسب أنّ روثة أنفها
…
قطعت فلا شلّت يمين القاطع
صمّاء تدعى بالبريح وتارة
…
بالطّبل أو يؤتى لها بمقامع
بكماء إن رامت كلاما صوّتت
…
تصويت معزى نحو جدي راضع
فقماء إن ما «3» تلتقي أسنانها
…
تفسو إذا نطقت فساء الشابع
عرجاء إن قامت تعالج مشيها
…
أبصرت مشية ضالع أو خامع
فلقيتها وجعلت أبصق نحوها
…
وأفرّ نحو دجى وغيث هامع
حيران أغدو في الزّقاق كأنني
…
لصّ أحسّ بطالب أو تابع
حتى إذا لاح الصباح وفتّحوا
…
باب المدينة كنت أوّل كاسع
والله ما لي بعد ذاك بأمرها
…
علم ولا بأمور بيتي الضّائع
نثره: وفضّل الناس نظمه على نثره، ونحن نسلّم ذلك من باب الكثرة، لا من باب الإجادة. وهذه الرسالة معلمة بالشهادة بحول الله.
كتب إلى الشيخين الفقيهين الأديبين البليغين أبي بكر بن يوسف بن الفخّار، وأبي القاسم خلف بن عبد العزيز القبتوري:
«لله درّكما حليفي صفاء، وأليفي وفاء، يتنازعان كأس المودّة تنازع الأكفاء، ويتهاديان ريحان التحية تهادي الظّرفاء. قسيمي نسب، وقريعي حسب، يتجاوزان بمطبوع من الأدب ومكتسب، ويتواردان على علم من الظّرف ونسب، رضيعي لبان، ذريعي لبان، يحرزان ميراث قسّ وسحبان، ويبرزان من الذّكاء ما بان على أبان، قسيمي مجال، فصيحي رويّة وارتجال، يترعان في أشطان البلاغة سجالا بعد سجال، ويصرعان في ميدان الفصاحة رجالا على رجال. ما بالكما؟ لا حرمت حبالكما ولا قصمت نبالكما، لم تسمحا لي من عقودكما بدرّة، ولم ترشّحاني من نقودكما بدرة، ولم تفسحا لي بحلوة ولا مرّة. لقد ابتليت من أدبكما بنهر أقربه ولا أشربه، وما أرده ولا أتبرّده. ولو كنت من أصحاب طالوت لا فسحت لي غرفة، وأتيحت لي ترفة. بل لو كنت من الإبل ذوات الأظماء، ما جليت بعد الظّمإ على الماء، ولا دخلت بالإشفاق مدخل العجماء. كيف وأنا ولا فخر في صورة إنسان، ناطق بلسان، أفرّق بين الإساءة والإحسان. وإن قلت إنّ باعي في النّظم قصير، وما لي على النّثر وليّ ولا نصير، وصنعة النحو عني بمعزل، ومنزل الفقيه ليس لي بمنزل، ولم أقدم على العلم القديم، ولا استأثرت من أهله بنديم. فأنا والحمد لله غنيّ بصنعة الجفر، وأقتني اليراع كأنها شبابيك التّبر، وأبري البريّة التي «1» تنيف على الشّبر، وأزين خدود الأسطار المستوية، بعقارب اللّامات الملتوية، ولا أقول كأنها، فلا ينكر السيدان أعزّ هما الله أنها نعم بعود أزاعم، وبمثل شكسي تحضر الملاحم. فما هذا الازدراء والاجتراء في هذا الأمر مرّ المواقير. تالله لقد ظلمتماني على علم، واستندتما إلى غير حلم، أما رهبتما شبابي، أما رغبتما في حسابي، أما رفعتما بين نفح صبابي، ولفح صبابي. لعمري لقد ركبتما خطرا، وهجتما الأسد بطرا، وأبحتما حمى محتضرا، ولم تمعنا في هذا الأمر نظرا:[الطويل]
أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما
…
أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا
ونفسي عين الحمار، في هذا المضمار، لا أعرف قبيلا من دبير، ولا أفرّق بحسّي بين صغير وكبير، ولا أعهد أنّ حصاة الرّمي أخفّ من ثبير، أليس في ذوي كبد رطبة أجر، وفي معاملة أهل التّقوى والمغفرة تجر؟ وإذا خوّلتماني نعمة أو نفلتماني نفلا، فاليد العليا خير من اليد السّفلى، وما نقص مال من صدقة، ولا جمال من لمح حدقة، والعلم يزيد بالإنفاق، وكتمه حرام باتفاق، فإن قلتما لي إنّ فهمك سقيم، وعوجك على الرّياضة لا يستقيم، فلعلّ الذي نصب قامتي، يمنّ
باستقامتي، وعسى الذي يشقّ سمعي وبصري، أن يزيل عييّ وحصري، فأعي ما تقصّان، وأجتلي ما تنصّان، وأجني ثمار تلك الأغصان، فقد شاهدتما كثيرا من الحيوان، يناغى فيتعلّم، ويلقّن فيتكلّم. هذا والجنس غير الجنس، فكيف المشارك في نوعيّة الإنس؟ فإن قلنا إن ذلك يشقّ، فأين الحقّ الذي يحقّ، والمشقّة أخت المروّة، وينعكس مساق هذه الأخوّة، فيقال المروّة أخت المشقّة، والحجيج يصبر على بعد الشّقّة، ولولا المشقّة كثر السّادة، وقلّت الحسادة، فما ضرّكما أيها السيّدان أن تحسبا تحويجي، وتكتسبا الأجر في تدريجي؟ فإنكما إن فعلتما ذلك نسبت إلى ولائكما، كما حسبت على علائكما، وأضفت إلى نديّكما، كما عرّفت بمنتداكما.
ألم تعلما أنّ المرء يعرف بخليله، ويقاس به في كثيرة وقليله؟ ولعلّي أمتحن في مرام، ويعجم عودي رام، فيقول هذا العود من تلك الأعواد، وما في الحلبة من جواد، فأكسوكما عارا، وأكون عليكما شعارا. على أني إذا دعيت باسمكما استريت من الادّعاء، فلا أستجيب لهذا الدّعاء، ولكن أقول كما قال ابن أبي سفيان حين عرف الإدارة، وأنكر الإمارة، نعم أخوّتي أصحّ، وأنّها بها أشحّ، إلا أنّ غيري نظم في السّلك، وأسهم في الملك، وأنا بينكما كالمحجوب بين طلّاب، يشاركهم في البكا لا في التّراب «1» ، إن حضرت فكنتم في الإقحام، أو لمقعد في زحام، وإن غبت فيقضى الأمر، وقد سطر زيد وعمرو. ناشدتكما الله في الإنصاف أن تريعا بواد من أودية الشّحر، في ناد من أندية الشّعر بل السّحر، حيث تندرج الأنهار، وتتأرّج الأزهار، ويتبرّج الليل والنهار، ويقرأ الطير صحفا منتثرة، ويجلو النور ثغورا مؤشّرة، ويغازل عيون النّرجس الوجل، خدود الورد الخجل، وتتمايل أعطاف البان، على أرداف الكثبان، فيرقد النسيم العليل، في حجر الرّوض وهو بليل، وتبرز هوادج الرّاح، على الرّاح، وقد هديت بأقمار، وحديت بأزهار ومزمار، وركبتها الصّبا والكميت في ذلك المضمار، ولم تزالا في طيب، وعيش رطيب، من قباب وخدور، وشموس وبدور، تصلان الليالي والأيام أعجازا بصدور، وأنا الطّريد منبوذ بالعراء، موقوذ في جهة الوراء، لا يدني محلّي، ولا يعتنى بعقدي ولا حلّي، ولا أدرج من الحرور إلى الظّل، ولا أخرج من الحرام إلى الحلّ، ولا يبعث إليّ مع النّسيم هبّة، ولا يتاح لي من الآتي عبّة. قد هلكت لغوا، ولم تقيما لي صفوا، ومتّ كمدا، ولم تبعثا لبعثي أمدا. أتراه خلفتماني جرضا، وألقيتماني حرضا؟ كم أستسقي فلا أسقى، وأسترقي فلا أرقى، لا ماء أشربه، ولا عمل في وصلكما
أدرّبه. لم يبق لي حيلة إلّا الدّعاء المجاب، فعسى الكرب أن ينجاب. اللهمّ كما أمددت هذين السّيّدين بالعلم الذي هو جمال، وسدّدتهما إلى العمل الذي هو كمال، وجمعت فيهما الفضائل والمكارم، وختمت بهما الأفاضل والمكارم، وجعلت الأدب الصّريح أقلّ خصالهما، والنّظر الصحيح أقلّ نصالهما، فاجعل اللهمّ لي في قلوبهما رحمة وحنانا، وابسط لي منهما وجها واشرح لي جنانا، واجعلني اللهمّ ممّن اقتدى بهما، وتعلّق بأهدابهما، وكان دأبه في الصّالحات كدأبهما، حتى أكون بهما ثالث القمرين في الآيات، وثالث العمرين في عمل البرّ وطول الحياة، اللهمّ آمين، وصلّى الله على محمد خاتم النبيّين. وكأنّي أنظر إلى سيديّ عزّهما الله إذا وقفا على هذا الخطاب، ونظرا إلى هذا الاحتطاب، كيف يديران رمزا، ويسيران غمزا؟ ويقال: استتبّ الفصال، وتعاطى البيذق ما تفعل النّصال، وحنّ جذع ليس منها «1» ، وخذ عجفاءك وسمّنها، فأقول وطرفي غضيض، ومحلّي الحضيض، مثلي كمثل الفروج أو ثاني البروج، وما تقاس الأكفّ بالسّروج، فأضربا عني أيها الفاضلان، ما أنا ممّن تناضلان، والسلام» .
مولده: قال شيخنا الفقيه أبو عبد الله ابن القاضي المتبحّر العالم أبي عبد الله بن عبد الملك: سألته عن مولده فأنشدني: [الرجز]
يا سائلي عن مولدي كي أذكره
…
ولدت يوم سبعة وعشره
من المحرّم افتتاح أربع
…
من بعد ستمائة مفسّرة
وفاته: في التاسع «2» عشر لرجب عام تسعة وتسعين وستمائة، ودفن بمقبرة فاس، وأمر أن يكتب على قبره:[مجزوء الخفيف]
زر غريبا بمقره
…
نازحا ما له ولي «3»
تركوه موسّدا
…
بين ترب وجندل
ولتقل عند قبره
…
بلسان التّدلّل
يرحم الله عبده
…
مالك بن المرحّل