الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الغرباء في هذا الباب
محمد بن أحمد بن محمد ابن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي»
من أهل تلمسان، يكنى أبا عبد الله، ويلقب من الألقاب المشرقية بشمس الدين.
حاله: هذا «2» الرجل من طرف دهره ظرفا وخصوصيّة ولطافة، مليح التوسّل، حسن اللقاء، مبذول البشر، كثير التّودّد، نطيف البزّة، لطيف التّأنّي «3» ، خيّر البيت، طلق الوجه، خلوب اللسان، طيّب الحديث، مقدر الألفاظ، عارف بالأبواب، درب على صحبة الملوك والأشراف، متقاض لإيثار السلاطين والأمراء، يسحرهم بخلابة لفظه، ويفتلهم «4» في الذّروة والغارب بتنزّله، ويهتدي إلى أغراضهم الكمينة بحذقه، ويصنع «5» غاشيتهم بتلطّفه، ممزوج الدّعابة بالوقار، والفكاهة بالنّسك، والحشمة بالبسط، عظيم المشاركة لأهل ودّه، والتّعصّب لإخوانه، إلف مألوف، كثير الأتباع والعلق «6» ، مسخّر الرّقاع في سبيل الوساطة، مجدي الجاه، غاصّ المنزل بالطّلبة، منقاد الدّعوة، بارع الخطّ أنيقه، عذب التّلاوة، متّسع الرّواية، مشارك في فنون من أصول وفروع وتفسير، يكتب ويشعر ويقيّد ويؤلّف، فلا يعدو السّداد في ذلك، فارس منبر، غير جزوع ولا هيابة «7» . رحل إلى المشرق في كنف حشمة من جناب والده، رحمه الله، فحجّ وجاور، ولقي الجلّة، ثم فارقه، وقد عرف بالمشرق حقّه، وصرف وجهه إلى المغرب، فاشتمل عليه السلطان أبو الحسن أميره اشتمالا خلطه بنفسه، وجعله مفضى سرّه، وإمام جمعته، وخطيب منبره، وأمين رسالته، فقدم في غرضها على الأندلس في «8» أواخر عام ثمانية وأربعين وسبعمائة، فاجتذبه «9» سلطانها، رحمه الله، وأجراه على تلك الوتيرة، فقلّده الخطبة بمسجده في السادس لصفر عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، وأقعده للإقراء بالمدرسة من حضرته. وفي أخريات عام أربعة
وخمسين «1» بعده أطرف عنه جفن برّه، في أسلوب طماح، ودالّة، وسبيل هوى وقحة، فاغتنم العبرة «2» ، وانتهز الفرصة، وأنفذ في الرّحيل العزمة، وانصرف عزيز الرّحلة، مغبوط المنقلب، في أوائل شعبان عام أربعة وخمسين وسبعمائة «3» ، فاستقرّ بباب ملك المغرب، أمير المؤمنين أبي عنان فارس في محلّ تجلّة، وبساط قرب، مشترك الجاه، مجدي التوسّط، ناجع الشّفاعة، والله يتولّاه ويزيده من فضله.
مشيخته: من كتابه المسمى «عجالة المستوفز المستجاز في ذكر من سمع من المشايخ دون من أجاز، من أئمة المغرب والشّام والحجاز» : فممن «4» لقيه بالمدينة المشرّفة على ساكنها الصلاة والسلام، الإمام العلّامة عزّ الدين محمد أبو الحسن بن علي بن إسماعيل الواسطي، صاحب خطّتي الإمامة والخطابة بالمسجد النبوي «5» الكريم، وأفرد جزءا في مناقبه. ومنهم الشيخ الإمام جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن عيسى الخزرجي السّعدي العبادي، تحمّل عن عفيف الدين أبي محمد عبد السلام بن مزروع وأبي اليمن وغيره. والشيخ الإمام خادم الوقت بالمسجد الكريم، ونائب الإمامة والخطابة به، ومنشد الأمداح النبوية هنالك وبمكة، شرّفها الله، الشيخ المعمّر الثّقة شرف الدين أبو عبد الله عيسى بن عبد الله الحجي «6» المكيّ. والشيخ الصالح شرف الدين خضر بن عبد الرحمن العجمي.
والشيخ مقرئ الحرم برهان الدين إبراهيم بن مسعود بن إبراهيم الآبلي «7» المصري.
والشيخ الإمام الصالح أبو محمد عبد الله بن أسعد الشافعي الحجّة، انتهت إليه الرّياسة العلمية والخطط الشّرعية بالحرم. والشيخ قاضي القضاة وخطيب الخطباء عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن جماعة الكناني، قاضي القضاة بمصر «8» .
وبمصر الشيخ علاء الدين القونوي. والتّقي السعدي، وقاضي القضاة القزويني، والشرف أقضى القضاة الإخميمي، وكثيرون غيرهم. وسمع من عدد عديد آخر من أعلام القضاة والحفّاظ والعلماء بتونس، وبجاية، والزّاب، وتلمسان.
محنته: اقتضى «9» الخوض الواقع بين يدي تأميل الأمير أبي الحسن، رحمه الله، وتوقّع «10» عودة الأمر إليه، وقد ألقاه اليمّ بالسّاحل بمدينة الجزائر، أن قبض
عليه بتلمسان أمراؤها المتوثّبون عليها في هذه الفترة من بني زيّان، إرضاء لقبيلهم المتّهم بمداخلته، وقد رحل عنهم دسيسا من أميرهم عثمان بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن، فصرف مأخوذا عليه طريقه، منتهبا رحله، منتهكة حرمته، وأسكن قرارة مطبق عميق القعر، مقفل المسلك، حريز القفل، ثاني اثنين. ولأيام قتل ثانيه ذبحا بمقربة من شفى تلك الرّكيّة، وانقطع لشدّة الثّقاف «1» أثره، وأيقن الناس بفوات الأمر فيه. ولزمان من محنته ظهرت عليه بركة سلفه في خبر ينظر بطرفه إلى الكرامة، فنجا ولا تسل كيف، وخلّصه الله خلاصا جميلا، وقدم على الأندلس، والله ينفعه بمحنته «2» .
شعره، وما وقع من المكاتبة بيني وبينه: ركب «3» مع السلطان خارج «4» الحمراء، أيام ضربت اللّوز قبابها البيض، وزيّنت الفحص العريض، والرّوض الأريض «5» ، فارتجل في ذلك:[الكامل]
انظر إلى النّوار في أغصانه
…
يحكي النجوم إذا تبدّت في الحلك
حيّا أمير المسلمين وقال: قد
…
عميت بصيرة من بغيرك مثّلك «6»
يا يوسفا حزت الجمال بأسره
…
فمحاسن الأيام تومي هيت لك «7»
أنت الذي صعدت به أوصافه
…
فيقال فيه: ذا مليك أو ملك «8»
ولما قدمت على مدينة فاس في غرض الرسالة، خاطبني بمنزل الشاطبي على مرحلة منها بما نصه «9» :[الكامل]
يا قادما وافى بكلّ نجاح
…
أبشر بما تلقاه من أفراح
هذي ذرى ملك الملوك فلذ بها
…
تنل المنى وتفز بكلّ سماح
مغنى الإمام أبي عنان يمّمن
…
تظفر ببحر في العلى طفّاح
من قاس جود أبي عنان ذي «1» الندى
…
بسواه قاس البحر بالضّحضاح «2»
ملك يفيض على العفاة نواله
…
قبل السّؤال وقبل بسطة راح
فلجود كعب وابن سعدى «3» في الندى
…
ذكر محاه من نداه ماح
ما أن رأيت ولا سمعت بمثله «4»
…
من أريحيّ للندى مرتاح
بسط الأمان على الأنام فأصبحوا
…
قد ألحفوا منه بظلّ جناح
وهمى على العافين سيب نواله
…
حتى حكى سحّ الغمام الساحي
فنواله وجلاله وفعاله
…
فاقت وأعيت ألسن المدّاح
وبه الدّنا أضحت تروق وأصبحت
…
كلّ المنى تنقاد بعد جماح
من كان ذا ترح فرؤية وجهه
…
متلافة الأحزان والأتراح
فانهض أبا عبد الإله تفز بما
…
تبغيه من أمل ونيل نجاح
لا زلت ترتشف الأماني راحة
…
من راحة المولى بكلّ صباح
والحمد»
لله يا سيدي وأخي على نعمه التي لا تحصى، حمدا يؤمّ به جميعنا المقصد الأسنى، فيبلغ الأمد الأقصى، فطالما كان معظّم سيدي للأسى في خبال، وللأسف بين اشتغال بال، واشتغال بلبال «6» . ولقدومكم على هذا المقام «7» العلي في ارتقاب، ولمواعدكم «8» بذلك في تحقّق وقوعه من غير شكّ ولا ارتياب، فها أنت تجتلي، من هذا المقام العلي، لتشيّعك «9» وجوه المسرّات صباحا، وتتلقّى أحاديث مكارمه ومواهبه مسندة صحاحا، بحول الله. ولسيدي الفضل في قبول مركوبه الواصل إليه بسرجه ولجامه، فهو من بعض ما لدى المحب «10» من إحسان مولاي «11» وإنعامه. ولعمري لقد كان وافدا على سيدي في مستقرّه مع غيره. فالحمد لله الذي يسّر في إيصاله، على أفضل أحواله.
فراجعته بقولي «12» : [الكامل]
راحت تذكّرني كؤوس الرّاح
…
والقرب يخفض للجنوح جناحي
وسرت تدلّ على القبول كأنما
…
دلّ النسيم على انبلاج صباح
حسناء قد غنيت بحسن صفاتها
…
عن دملج وقلادة ووشاح
أمست تحضّ على اللّياذ بمن جرت
…
بسعوده الأقلام في الأفراح «1»
بخليفة الله المؤيّد فارس
…
شمس المعالي الأزهر الوضّاح
ما شئت من همم «2» ومن شيم غدت
…
كالزّهر أو كالزّهر في الأدواح
فضل الملوك فليس يدرك شأوه
…
أنّى يقاس الغمر بالضّحضاح؟
أسنى بني عبّاسهم بلوائه ال
…
منصور أو بحسامه السّفّاح
وغدت مغاني الملك لمّا حلّها
…
تزهى ببدر هدى وبحر سماح
وحياة من أهداك تحفة قادم
…
في العرف منها راحة الأرواح
ما زلت أجعل ذكره وثناءه
…
روحي وريحاني الأريج وراحي
ولقد تمازج حبّه بجوارحي
…
كتمازج الأجسام بالأرواح
ولو أنني أبصرت يوما في يدي
…
أمري لطرت إليه دون جناح
فالآن ساعدني الزّمان وأيقنت
…
من قربه نفسي بفوز قداحي
إيه أبا عبد الإله وإنه
…
لنداء ودّ في علاك صراح
أما إذا استنجدتني من بعد ما
…
ركدت لما خبت الخطوب رياحي
فإليكها مهزولة وأنا امرؤ
…
قرّرت عجزي واطّرحت سلاحي
سيدي «3» ، أبقاك الله لعهد تحفظه، ووليّ بعين الولاء تلحظه، وصلتني رقعتك التي ابتدعت «4» ، وبالحق من مدح «5» المولى الخليفة صدعت، وألفتني وقد سطت بي الأوحال «6» ، حتى كادت تتلف الرّحال، والحاجة إلى الغذاء قد شمّرت كشح البطين، وثانية العجماوين «7» قد توقع فوات وقتها وإن كانت صلاتها صلاة الطّين، والفكر قد غاض معينه، وضعف وعلى الله جزاء المولى الذي يعينه، فغزتني بكتيبة بيان أسدها هصور، وعلمها منصور، وألفاظها ليس فيها قصور، ومعانيها عليها الحسن مقصور، واعتراف مثلي بالعجز في المضايق حول ومنّة، وقول «لا أدري» للعالم فكيف لغيره
جنّة، لكنها بشّرتني بما يقلّ لمهديه «1» بذل النفوس وإن جلّت، وأطلعتني من السرّاء على وجه تحسده الشمس إذا تجلّت، بما أعلمت «2» به من جميل اعتقاد مولانا أمير المؤمنين أيّده الله، في عبده، وصدق المخيلة في كرم مجده. وهذا هو الجود المحض، والفضل الذي شكره هو الفرض. وتلك الخلافة المولويّة تتّصف بصفة «3» من يبدأ بالنّوال، من قبل الضّراعة والسؤال، من غير اعتبار للأسباب ولا مجازاة للأعمال. نسأل الله أن يبقي منها على الإسلام أوفى الظّلال، ويبلغها من فضله أقصى الآمال. ووصل ما بعثه سيدي صحبتها من الهديّة، والتحفة الوديّة، وقبلتها امتثالا، واستجليت منها عتقا وجمالا. وسيدي في الوقت أنسب إلى اتخاذ «4» ذلك الجنس، وأقدر على الاستكثار من إناث البهم والإنس. وأنا ضعيف القدرة، غير مستطيع لذلك إلّا في النّدرة، فلو رأى سيدي، ورأيه سداد، وقصده فضل ووداد، أن ينقل القضيّة إلى باب العارية من باب الهبة، مع وجوب «5» الحقوق المترتّبة، لبسط خاطري وجمعه، وعمل في رفع المؤنة على شاكلة حالي معه، وقد استصحبت مركوبا يشقّ عليّ هجره، ويناسب مقامي شكله ونجره «6» ، وسيدي في الإسعاف على الله أجره، وهذا أمر عرض، وفرض فرض، وعلى نظره المعوّل، واعتماد إغضائه هو المعقول الأول. والسلام على سيدي من معظّم قدره، وملتزم برّه، ابن الخطيب، في ليلة الأحد السابع والعشرين لذي قعدة سنة «7» خمس «8» وخمسين وسبعمائة، والسّماء قد جادت بمطر سهرت منه الأجفان، وظنّ أنه طوفان، واللّحاف في غد «9» بالباب المولوي، مؤمل بحول الله.
ومن الشعر المنسوب إلى محاسنه، ما أنشد عنه، وبين يديه، في ليلة الميلاد المعظم، من عام ثلاثة وستين وسبعمائة بمدينة فاس المحروسة «10» :[مجزوء الرجز]
أيا نسيم «11» السّحر
…
بالله «12» بلّغ خبري
إن أنت يوما بالحمى
…
جررت فضل المئزر
ثم حثثت الخطو من
…
فوق الكثيب الأعفر
مستقريا في عشبه
…
خفيّ «1» وطء المطر
تروي عن الضّحاك في الر
…
وض حديث الزّهر
مخلّق الأذيال بال
…
عبير أو بالعنبر
وصف لجيران الحمى
…
وجدي بهم وسهري
وحقّهم ما غيّرت
…
ودّي صروف الغير
لله عهد فيه قضّ
…
يت حميد الأثر
أيّامه هي التي
…
أحسبها من عمري
وبالليل فيه ما
…
عيب بغير القصر
العمر فينان ووج
…
هـ الدهر طلق الغرر
والشّمل بالأحباب من
…
ظوم كنظم الدّرر
صفو من العيش بلا
…
شائبة من كدر
ما بين أهل تقطف ال
…
أنس جنيّ الثمر
وبين آمال تبي
…
ح القرب صافي الغدر «2»
يا شجرات الحيّ حيّ
…
اك الحيا من شجر
إذا أجال الشوق في
…
تلك المغاني فكري
خرّجت من خدّي حدي
…
ث الدمع فوق الطّرر
وقلت يا خدّ أرو من
…
دمعي صحاح الجوهري
عهدي بحادي «3» الرّكب كال
…
ورقاء عند السّحر
والعيس تجتاب الفلا
…
واليعملات تنبري «4»
تخبط بالأخفاف مظ
…
لوم البرى وهو بري «5»
قد عطفت عن ميد
…
والتفتت» عن حور
قسيّ سير «1» ما سوى ال
…
عزم لها من وتر
حتى إذا الأعلام حل
…
لت لحفيّ البشر
واستبشر النازح بال
…
قرب ونيل الوطر
وعيّن الميقات للسّ
…
فر «2» نجاح السّفر
والناس «3» بين محرم
…
بالحجّ أو معتمر
لبّيك لبيك إل
…
هـ الخلق باري الصّور
ولاحت الكعبة بي
…
ت الله ذات الأثر
مقام إبراهيم وال
…
مأمن عند الذّعر
واغتنم القوم طوا
…
ف القادم المبتدر «4»
وأعقبوا ركعتي السّ
…
عي استلام الحجر
وعرّفوا في عرفا
…
ت كلّ عرف أذفر «5»
ثم أفاض الناس سع
…
يا في غد للمشعر «6»
فوقفوا وكبّروا
…
قبل الصباح المسفر
وفي منّى نالوا المنى
…
وأيقنوا بالظّفر
وبعد رمي الجمرا
…
ت كان خلق الشّعر
أكرم بذاك الصّحب «7» وال
…
له وذاك النّفر «8»
يا فوزه من موقف
…
يا ربحه من متجر
حتى إذا كان الودا
…
ع وطواف الصّدر «9»
فأيّ صبر لم يخن
…
أو جلد لم يغدر «10»
وأيّ وجد لم يصل
…
وسلوة لم تهجر
ما أفجع البين لقل
…
ب الواله المستغفر «1»
ثم ثنوا نحو رسو
…
ل الله سير الضّمّر
فعاينوا في طيبة
…
لألاء نور نيّر
زاروا رسول الله واس
…
تشفعوا بلثم الجدر
نالوا به ما أمّلوا
…
وعرّجوا في الأثر
على الضّجيعين أبي
…
بكر الرّضا وعمر
زيارة الهادي الشّفي
…
ع جنّة «2» في المحشر
فأحسن الله عزا
…
ء قاصد لم يزر
ربع ترى مستنزل ال
…
آي به والسّور
وملتقى جبريل بال
…
هادي الزّكيّ العنصر «3»
وروضة الجنّة ب
…
ين روضة ومنبر
منتخب الله ومخ
…
تار الورى من مضر
والمنتقى والكون من
…
ملابس الخلق عري
إذ لم يكن في أفق
…
من زحل أو مشتري «4»
ذو المعجزات الغرّ أم
…
ثال النجوم الزّهر
يشهد بالصّدق له
…
منها انشقاق القمر «5»
والضّبّ والظّبي إلى
…
نطق الحصى والشّجر
من أطعم الألف بصا
…
ع في صحيح الخبر
والجيش روّاه بما
…
ء الرّاحة المنهمر
يا نكتة الكون التي
…
فاتت منال الفكر «6»
يا حجّة الله على ال
…
رائح والمبتكر
يا أكرم الرّسل على ال
…
له وخير البشر
يا من له التّقدم ال
…
حقّ على التّأخر
يا من لدى مولده
…
المقدّس المطهّر
إيوان كسرى ارتجّ إذ
…
ضاقت «1» قصور قيصر
وموقد النار طفا
…
كأنها لم تسعر «2»
يا عمدتي يا ملجئي
…
يا مفزعي يا وزري
يا من له اللّواء وال
…
حوض وورد الكوثر
يا منقذ الغرقى وهم
…
رهن العذاب الأكبر
إن لم تحقّق أملي
…
بؤت بسعي المخسر
صلّى عليك الله يا
…
نور الدّجا المعتكر
يا ويح نفسي كم أرى
…
من غفلتي في غمر «3»
وا حسرتا «4» من قلّة ال
…
زّاد وبعد السّفر
يحجّني والله بال
…
برهان وعظ المنبر
يا حسنها من خطب
…
لو حرّكت من نظري «5»
يا حسنها من شجر
…
لو أورقت من ثمر
أومّل الأوبة وال
…
أمر بكفّ القدر
أسوف العزم بها «6»
…
من شهر لشهر
من صفر لرجب
…
من رجب لصفر
ضيّعت في الكبرة ما
…
أعددته في صغري
وليس ما مرّ من ال
…
أيام بالمنتظر
وقلّ ما أن حمدت
…
سلامة في غرر
ولي غريم لا يني
…
عن «7» طلب المنكسر
يا نفس جدّي قد بدا ال
…
صبح ألا فاعتبري
واتّعظي بمن مضى
…
وارتدعي وازدجري
ما بعد شيب الفود من
…
مرتقب فشمّري
أنت وإن طال المدى
…
في قلعة «1» أو سفر «2»
وليس من عذر يقي
…
م حجّة المعتذر
يا ليت شعري والمنى
…
تسرق طيب العمر
هل أرتجي من عودة
…
أو رجعة أو صدر
فأبرّد الغلّة من
…
ذاك الزّلال الخصر «3» ؟
مقتديا بمن مضى
…
من سلف ومعشر
نالوا جوار الله وهـ
…
والفخر للمفتخر
أرجو بإبراهيم مو
…
لانا بلوغ الوطر
فوعده لا يمتري
…
في الصّدق منه الممتري «4»
فهو «5» الإمام المرتضى
…
والخيّر ابن الخيّر
أكرم من نال المنى «6»
…
بالمرهفات البتر
ممهّد الملك وسي
…
ف الحقّ والليث الجري
خليفة الله الذي
…
فاق بحسن السّير
وكان منه الخبر في ال
…
علياء وفق الخبر
فصدّق التّصديق من
…
مرآه للتّصور
ومستعين الله في
…
ورد له وصدر
فاق الملوك الصّيدا «7» بال
…
مجد الرّفيع الخطر
فأصبحت ألقابهم
…
منسيّة لم تذكر
وحاز منهم «8» أوحد
…
وصف العديد الأكثر
برأيه المأمون أو
…
عسكره المظفّر
بسيفه السّفاح أو
…
بعزمه المقتدر»
بالعلم المنصور أو
…
بالذّابل المستنصر «1»
بابن «2» الإمام الط
…
اهر البرّ الزّكي السّير
مدحك قد علّم نظ
…
م الشّعر من لم يشعر
جهد المقلّ اليوم من
…
مثلي كوسع المكثر
فإن يقصّر ظاهري
…
فلم يقصّر مضمري
ووردت «3» على «4» باب السلطان الكبير العالم «5» أبي عنان، فبلوت من مشاركته، وحميد سعيه ما يليق بمثله. ولمّا نكبه لم أقصّر عن ممكن حيلة في أمره.
ولما «6» هلك السلطان أبو عنان، رحمه الله، وصار الأمر لأخيه المتلاحق من الأندلس أبي سالم بعد الولد المسمّى بالسّعيد، كان ممن دمث «7» له الطّاعة، وأناخ راحلة الملك، وحلب ضرع الدّعوة «8» ، وخطب عروس الموهبة، فأنشب ظفره في متات معقود من لدن الأب، مشدود من لدن القربة «9» ، فاستحكم عن قرب، واستغلظ عن كثب، فاستولى على أمره، وخلطه بنفسه، ولم يستأثر عنه ببثّه، ولا انفرد بما سوى بضع أهله، بحيث لا يقطع في شيء إلّا عن رأيه، ولا يمحو ويثبت إلّا واقفا عند حدّه، فغشيت بابه الوفود، وصرفت إليه الوجوه، ووقفت عليه الآمال، وخدمته الأشراف وجلبت إلى سدّته بضائع العقول والأموال، وهادته الملوك، فلا تحدو «10» الحداة إلّا إليه، ولا تحطّ الرّحال إلّا لديه. إن حضر أجري الرسم، وأنفذ الأمر والنّهي، لحظا أو سرارا أو مكاتبة، وإن غاب، تردّدت الرّقاع، واختلفت الرّسل. ثم انفرد أخيرا ببيت الخلوة، ومنتبذ المناجاة، من دونه مصطفّ الوزراء، وغايات الحجّاب، فإذا انصرف تبعته الدّنيا، وسارت بين يديه الوزراء، ووقفت ببابه الأمراء، قد وسع الكلّ لحظه، وشملهم بحسب الرّتب والأموال رعيه، ووسم أفذاذهم تسويده، وعقدت ببنان عليتهم بنانه. لكن رضى الناس غاية «11» لا تدرك، والحقد «12» بين بني آدم قديم، وقبيل الملك مباين لمثله، فطويت الجوانح منه «13» على سل،
وحنيت الضّلوع على بثّ، وأغمضت الجفون على قذى، إلى أن كان من نكبته «1» ما هو معروف، جعلها الله له طهورا.
ولمّا جرت الحادثة على السلطان «2» بالأندلس، وكان لحاق جميعنا بالمغرب، جنيت ثمرة ما أسلفته في ودّه، فوفّى كيل «3» الوفا، وأشرك في الجاه، وأدرّ الرّزق، ورفع المجلس بعد التّسبيب «4» في الخلاص والسّعي في الجبر، جبره الله تعالى، وكان له أحوج ما يكون إلى ذلك، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
«5» .
ولما انقضى أمر سلطانه، رحمه الله، وقذف به بحر التّمحيص إلى شطّه، وأضحى جوّ النّكبة بعد انطباقه، آثر التّشريق بأهله وجملته، واستقرّ بتونس خطيب الخلافة، مقيما على رسمه من التّجلّة، ذائع الفضل هنالك والمشاركة، وهو بحاله الموصوفة إلى الآن، كان الله له.
وكنت «6» أحسست منه في بعض الكتب «7» الواردة صاغية إلى الدّنيا، وحنينا لما فارق «8» من غرورها، فحملني الطّور الذي ارتكبته في هذا الأيام، بتوفيق الله، على أن خاطبته «9» بهذه الرسالة، وحقّها أن يجعلها خدمة الملوك ممّن ينسب إلى نبل، أو يلمّ «10» بمعرفة، مصحفا يدرسه، وشعارا يلتزمه، وهي «11» :
سيدي الذي يده البيضاء لم تذهب بشهرتها المكافاة «12» ، ولم تختلف في مدحها الأفعال ولا تغايرت في حمدها «13» الصّفات، ولا تزال تعترف بها العظام الرّفات، أطلقك الله من أسر الكون «14» كما أطلقك من أسر بعضه، ورشّدك «15» في سمائه العالية وأرضه، وحقّر الحظّ في عين بصيرتك بما يحملك على رفضه. اتّصل بي الخبر السّار من تركك لشانك، وإجناء الله إيّاك ثمرة إحسانك، وانجياب ظلام
الشّدة الحالك، عن أفق حالك، فكبّرت «1» لانتشاق عفو الله العطر «2» ، واستعبرت لتضاؤل الشّدة بين يدي الفرج لا بسوى ذلك من رضى مخلوق يؤمر فيأتمر، ويدعوه القضاء فيبتدر «3» ، إنما هو فيء»
، وظلّ ليس له من الأمر شيء، ونسأله «5» جلّ وتعالى أن يجعلها آخر عهدك بالدّنيا وبنيها، وأوّل معارج نفسك التي تقرّبها من الحقّ وتدنيها، وكأنّني «6» والله أحسّ بثقل هذه الدعوة على سمعك، ومضادّتها ولا حول ولا قوة إلّا بالله لطبعك، وأنا أنافرك إلى العقل الذي هو قسطاس الله في عالم الإنسان، والآلة لبثّ العدل والإحسان، والملك الذي يبين عنه ترجمان اللّسان، فأقول: ليت شعري ما الذي غبط سيدي بالدّنيا، وإن بلغ من زبرجها «7» الرّتبة العليا، وأفرض «8» المثال لحالة «9» إقبالها، ووصل حبالها، وضراعة سبالها، وخشوع جبالها.
التوقّع المكروه صباح مسا «10» ، وارتقاب الحوالة التي تديل من النّعيم البأساء «11» ، ولزوم المنافسة التي تعادي الأشراف والرؤسا «12» ؟ ألترتّب العتب، حتى «13» على التّقصير في الكتب، وضعينة جار الجنب، وولوع الصّديق بإحصاء الذّنب؟ ألنسبة وقائع الدولة إليك وأنت بري، وتطويقك الموبقات وأنت منها عري؟ ألاستهدافك للمضّار التي تنتجها غيرة الفروج، والأحقاد التي تضطبنها «14» ركبة السّروج وسرحة المروج، ونجوم السّما ذات البروج؟ ألتقليدك التّقصير فيما ضاقت عنه طاقتك، وصحّت إليه فاقتك، من حاجة لا يقتضي قضاءها «15» الوجود، ولا يكيّفها «16» الرّكوع للملك والسّجود؟ ألقطع الزّمان بين سلطان يعبد، وسهام للغيوب تكبّد، وعجاجة «17» شرّ تلبّد، وأقبوحة تخلّد وتوبّد؟ ألوزير يصانع ويدارى، وذي حجّة صحيحة يجادل في مرضاة السّلطان ويمارى، وعورة لا توارى؟ ألمباكرة كلّ عائب «18» حاسد، وعدوّ مستأسد، وسوق للإنصاف والشّفقة كاسد، وحال فاسد؟ أللوفود «19» تتزاحم بسدّتك،
مكلّفة لك غير ما في طوقك، فإن لم تنل أغراضها «1» قلبت عليك السّماء من فوقك؟ ألجلساء ببابك، لا يقطعون زمن «2» رجوعك وإيابك، إلّا بقبيح اغتيابك؟
فالتّصرّفات تمقت، والقواطع النّجوميّات «3» توقّت، والألاقيّ «4» تبثّ، والسعايات تحثّ، والمساجد يشتكى فيها «5» البثّ، يعتقدون أن السلطان في يدك بمنزلة الحمار المدبور، واليتيم المحجور، والأسير المأمور، ليس له شهوة ولا غضب، ولا أمل في الملك ولا أرب، ولا موجدة «6» لأحد كامنة، وللشّر ضامنة، وليس في نفسه عن رأي نفرة، ولا بإزاء ما لا يقبله نزوة وطفرة، إنما هو جارحة لصيدك، وعان في قيدك، وآلة لتصرّف كيدك، وأنّك علّة حيفه، ومسلّط سيفه: الشّرار يسملون عيون الناس باسمك، ثم يمزّقون بالغيبة مزق جسمك، قد تنخّلهم الوجود أخبث ما فيه، واختارهم السّفيه فالسّفيه، إذ الخير يسرّه «7» الله عن الدّول ويخفيه، ويقنعه بالقليل فيكفيه، فهم يمتاحون بك ويولونك الملامة، ويقتحمون «8» عليك أبواب القول ويسدّون طرق السّلامة، وليس لك في أثناء هذه إلّا ما يعوزك مع ارتفاعه، ولا يفوتك مع انقشاعه، وذهاب صداعه، من غذاء يشبع، وثوب يقنع، وفراش ينيم، وخديم يقعد ويقيم. وما الفائدة في فرش تحتها جمر الغضا، ومال من ورائه سوء القضا، وجاه يحلّق عليه سيف منتضى؟ وإذا بلغت النّفس إلى الالتذاذ بما لا تملك، واللّجاج حول المسقط الذي تعلم أنها فيه تهلك «9» ، فكيف تنسب «10» إلى نبل، أو تسير «11» مع «12» السعادة في سبل؟ وإن وجدت في القعود «13» بمجلس التّحية، بعض الأريحيّة، فليت شعري أيّ شيء زادها، أو معنى أفادها، إلّا مباكرة وجه الحاسد، وذي القلب الفاسد، ومواجهة العدوّ المستأسد؟ أو شعرت ببعض الإيناس، في الركوب بين الناس. هل «14» التذّت إلّا بحلم كاذب، أو جذبها غير الغرور مجاذب «15» ؟ إنما الحلية «16» وافتك من يحدّق إلى البزّة، ويستطيل مدّة العزّة، ويرتاب إذا حدّث 1»
بخبرك، ويتبع بالنّقد والتّجسّس مواقع نظرك، ويمنعك من مسايرة أنيسك «1» ، ويحتال على فراغ كيسك، ويضمر الشّرّ لك ولرئيسك «2» . وأيّ راحة لمن لا يباشر قصده، ويسير «3» متى شاء وحده؟ ولو صحّ في هذه الحال لله حظّ، وهبه زهيدا، أو عيّن «4» للرّشد عملا حميدا، لساغ الصّاب «5» ، وخفّت الأوصاب «6» ، وسهل المصاب. لكن الوقت أشغل، والفكر أوغل، والزّمن قد غمرته الحصص الوهميّة، واستنفدت منه الكميّة، أما ليله ففكر أو نوم، وعتب يجرّ «7» الضّراس ولوم، وأمّا يومه فتدبير، وقبيل ودبير، وأمور يعيا بها ثبير «8» ، وبلاء مبير، ولغط لا يدخل فيه حكيم كبير، وأنا بمثل ذلك خبير. وو الله يا سيّدي، ومن فلق الحبّ وأخرج الأبّ «9» ، وذرأ من مشى ومن «10» دبّ، وسمّى نفسه الربّ، لو تعلّق المال الذي يجده هذا الكدح «11» ، ويوري سقيطه هذا القدح، بأذيال الكواكب، وزاحمت البدر بدره بالمناكب، لما «12» ورثه عقب، ولا خلص به محتقب «13» ، ولا فاز به سافر ولا منتقب. والشّاهد الدّول والمشائيم «14» الأول: فأين الرّباع المقتناة؟ وأين الدّيار المبتناة «15» ؟ وأين الحدائق «16» المغترسات، وأين الذّخائر المختلسات؟ وأين الودائع المؤمّلة، وأين الأمانات المحمّلة؟ تأذّن الله بتتبيرها، وإدناء نار التّبار «17» من دنانيرها، فقلّما تلقى أعقابهم إلّا أعراء الظّهور «18» ، مترمّقين بجرايات «19» الشّهور، متعلّلين بالهباء المنثور، يطردون من الأبواب التي حجب عندها «20» آباؤهم، وعرف
منها إباؤهم، وشمّ من مقاصيرها عنبرهم وكباؤهم، لم «1» تسامحهم الأيام إلّا في إرث محرّر، أو حلال مقرّر، وربما محقه الحرام، وتعذّر منه المرام. هذه، أعزّك الله، حال قبولها «2» ومالها مع التّرفيه، وعلى فرض أن يستوفي العمر في العزّ مستوفيه. وأما ضدّه من عدوّ يتحكّم وينتقم، وحوت بغي يبتلع ويلتقم، وطبق «3» يحجب الهواء، ويطيل في التّراب الثّواء، وثعبان قيد «4» يعضّ السّاق، وشؤبوب عذاب يمزّق الأبشار الرّقاق، وغيلة يهديها الواقب «5» الغاسق، ويجرعها العدوّ الفاسق، [فصرف السوق، وسلعته المعتادة الطروق «6» ،] مع الأفول والشروق. فهل في شيء من هذا مغتبط لنفس حرّة، أو ما يساوي جرعة حال مرّة؟ وا حسرتاه للأحلام ضلّت، وللأقدام زلّت، ويا لها مصيبة جلّت! ولسيدي أن يقول: حكمت عليّ «7» باستثقال الموعظة واستجفائها، ومراودة الدّنيا بين خلّانها وأكفائها، وتناسي عدم وفائها، فأقول: الطّبيب بالعلل أدرى، والشّفيق بسوء الظّنّ مغرى، وكيف لا وأنا أقف على السّحاءات بخطّ يد «8» سيدي من مطارح الاعتقال، ومثاقف النّوب الثّقال، وخلوات «9» الاستعداد للقاء الخطوب الشّداد، ونوش «10» الأسنّة الحداد، وحيث يجمل بمثله إلّا يصرف في غير الخضوع لله بنانا، ولا يثني لمخلوق عنانا.
وأتعرف أنها قد ملأت الجوّ والدوّ «11» ، وقصدت الجماد والبوّ «12» ، تقتحم أكفّ أولي الشّمات، وحفظة المذمّات، وأعوان النّوب الملمّات، زيادة في الشّقاء، وقصدا بريّا من الاختيار والانتقاء، مشتملة من التّجاوز على أغرب من العنقاء، ومن النّقاق على أشهر من البلقاء. فهذا يوصف بالإمامة، [وهذا ينسب في الجود إلى كعب بن مامة «13» ] ، وهذا يجعل من أهل الكرامة، وهذا يكلّف الدّعاء وليس من أهله، وهذا يطلب منه لقاء الصّالحين وليسوا من شكله، إلى ما أحفظني والله من البحث عن
السّموم، وكتب النجوم، والمذموم من المعلوم، هلّا كان من ينظر في ذلك قد قوطع بتاتا، وأعتقد أنّ الله قد جعل لزمن الخير والشّرّ ميقاتا، وأنّا لا نملك موتا ولا نشورا ولا حياتا، وأنّ اللّوح قد حصر الأشياء محوا وإثباتا، فكيف نرجو لما منع منالا أو نستطيع مما قدر إفلاتا؟ أفيدونا ما يرجّح العقيدة المقررة «1» نتحوّل إليه، وبيّنوا لنا الحقّ نعوّل عليه. الله الله يا سيدي في النّفس المرشّحة، والذّات المحلّاة «2» بالفضائل الموشّحة، والسّلف الشهير الخير، والعمر المشرف على الرّحلة بعد حثّ السّير، ودع الدنيا لأهلها «3» فما أوكس حظوظهم، وأخسّ لحوظهم، وأقلّ متاعهم، وأعجل إسراعهم، وأكثر عناءهم، وأقصر آناءهم:
[مجزوء الكامل]
ما ثمّ «4» إلّا ما رأي
…
ت، وربما تعيي السّلامة
والناس إمّا جائر
…
أو حائر يشكو ظلامه «5»
والله ما احتقب الحري
…
ص سوى الذّنوب أو الملامه
هل ثمّ شكّ في المعا
…
د الحقّ أو يوم القيامه
قولوا لنا ما عندكم
…
أهل الخطابة والإمامه
وإن رميت بأحجاري، وأوجرت «6» المرّ من أشجاري، فو الله ما تلبّست منها اليوم «7» بشيء قديم ولا حديث، ولا استاثرت بطيّب فضلا عن خبيث. وما أنا إلّا عابر سبيل، وهاجر مرعى وبيل، ومرتقب وعد «8» قدر فيه الإنجاز، وعاكف على حقيقة لا تعرف المجاز، قد فررت من الدنيا كما يفرّ من الأسد، وحاولت المقاطعة حتى بين روحي والجسد، وغسل الله قلبي، ولله «9» الحمد، من الطّمع والحسد، فلم أبق عادة إلّا قطعتها، ولا جنّة للصّبر إلّا ادّرعتها، أمّا اللّباس فالصّوف، وأما الزّهد فيما في أيدي «10» الناس فمعروف، وأما المال الغبيط فعلى الصّدقة مصروف. وو الله
لو علمت أنّ حالي هذه تتّصل، وعراها «1» لا تنفصل، وأن ترتيبي هذا يدوم، ولا يحيّرني «2» الوعد المحتوم، والوقت المعلوم، لمتّ أسفا، وحسبي الله وكفى. ومع هذا يا سيدي، فالموعظة تتلقّى من لسان الوجود، والحكمة ضالّة المؤمن يطلبها ببذل المجهود، ويأخذها من غير اعتبار بمحلّها المذموم أو «3» المحمود. ولقد أعملت نظري فيما يكافىء عني بعض يدك، أو ينتهي «4» في الفضل إلى أمدك، فلم أر لك الدّنيا كفاء هذا لو كنت صاحب دنيا، وألفيت بذل النّفس قليلا لك من غير شرط ولا ثنيا «5» ، فلمّا ألهمني الله لمخاطبتك بهذه النّصيحة المفرغة في قالب الجفا، لمن لا يثبت عين الصّفا، ولا يشيم بارقة «6» الوفا، ولا يعرف قاذورة الدنيا معرفة مثلي من المتدنّسين بها المنهمكين، وينظر عوّارها القادح «7» بعين اليقين، ويعلم أنها المومسة التي حسنها زور، وعاشقها مغرور، وسرورها شرور، تبيّن لي أني «8» قد كافيت «9» صنيعتك المتقدّمة، وخرجت عن عهدتك الملتزمة، وأمحضت «10» لك النّصح الذي يعزّ «11» بعزّ الله ذاتك، ويطيب حياتك، ويحيي مواتك، ويريح جوارحك من الوصب «12» ، وقلبك من النّصب «13» ، ويحقّر الدنيا وأهلها في عينك إذا اعتبرت، ويلاشي عظائمها لديك إذا اختبرت. كلّ من تقع عليه «14» عينك حقير قليل، وفقير ذليل، لا يفضلك بشيّ إلّا باقتفاء رشد أو ترك غيّ، أثوابه النّبيهة يجرّدها الغاسل، وعروة عزّه «15» يفصّلها الفاصل «16» ، وماله الحاضر الحاصل، يعيث فيه الحسام الفاصل، والله ما تعيّن للخلف إلّا ما تعيّن للسّلف، ولا مصير المجموع إلّا إلى التّلف، ولا صحّ من الهياط والمياط «17» ، والصّياح والعياط «18» ، وجمع القيراط إلى القيراط، والاستظهار بالوزعة والأشراط، والخبط والخبّاط، والاستكثار والاغتباط،
والغلوّ والاشتطاط، وبنا الصّرح وعمل السّاباط، ورفع العماد «1» وإدارة الفسطاط، إلّا ألم «2» يذهب القوة، وينسي الآمال المرجوّة، ثمّ نفس يصعد، وسكرات تتردّد، وحسرات لفراق الدّنيا تتجدّد، ولسان يثقل، وعين تبصر الفراق الحقّ «3» وتمقل قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)
«4» . ثم القبر وما بعده، والله منجز وعيده ووعده، فالإضراب الإضراب، والتّراب التّراب. وإن اعتذر سيدي بقلّة الجلد، لكثرة الولد، فهو ابن مرزوق لا ابن رزّاق، وبيده من التّسبّب ما يتكفّل بإمساك أرماق، أين النّسخ الذي يتبلّغ الإنسان بأجرته «5» ، في كن حجرته؟ لا بل السؤال الذي لا عار عند الحاجة بمعرّته؟ السؤال والله أقوم طريقا، وأكرم فريقا، من يد تمتدّ إلى حرام، لا يقوم بمرام، ولا يومّن من ضرام، أحرقت فيه الحلل، وقلبت الأديان والملل، وضربت الأبشار، ونحرت العشار، ولم يصل منه على يدي واسطة السّوء المعشار.
ثم طلب عند الشّدّة ففضح، وبان سومه «6» ووضح، اللهمّ طهّر منها «7» أيدينا وقلوبنا، وبلّغنا من الانصراف إليك مطلوبنا، وعرّفنا بمن لا يعرف غيرك، ولا يسترفد إلّا خيرك، يا الله. وحقيق على الفضلاء إن جنح سيدي منها إلى إشارة، أو أعمل في احتلابها إضبارة «8» ، أو لبس منها شارة، أو تشوّف إلى خدمة إمارة، ألا يحسنوا ظنونهم بعدها بابن ناس، ولا يغترّوا بسمة «9» ولا خلق ولا لباس، فما عدا، عمّا بدا «10» ؟ تقضّى العمر في سجن وقيد، وعمرو وزيد، وضرّ وكيد، وطراد صيد، وسعد وسعيد، وعبد وعبيد، فمتى تظهر الأفكار، ويقرّ القرار، وتلازم الأذكار «11» ، وتشام الأنوار، وتتجلّى «12» الأسرار؟ ثم يقع الشّهود الذي تذهب معه الأفكار «13» ، ثم يحقّ الوصول الذي إليه من كلّ ما سواه الفرار، وعليه المدار. وحقّ الحقّ الذي ما سواه فباطل، والفيض الرّحماني الذي ربابه «14» الأبد «15» هاطل، ما شابت «16»
مخاطبتي لك شائبة تريب «1» ، ولقد محضت لك ما يمحضه الحبيب إلى الحبيب «2» ، فيحمل جفاء «3» في الذي حملت عليه الغيره، ولا تظنّ بي غيره. وإن «4» أقدر قدري في مكاشفة سيادتك بهذا البثّ، في الأسلوب الرّث، فالحقّ أقدم، وبناؤه لا يهدم، وشأني معروف في مواجهة الجبابرة على حين يدي إلى رفدهم ممدودة، ونفسي في النّفوس المتهافتة عليهم معدودة، وشبابي فاحم، وعلى الشّهوات مزاحم، فكيف بي اليوم مع الشّيب، ونصح الجيب، واستكشاف العيب؟ إنما أنا اليوم على كلّ من عرفني كلّ ثقيل، وسيف العذل «5» في كفّي صقيل، أعذل أهل الهوى، وليست النّفوس في القبول سوا، ولا لكلّ مرض «6» دوا، وقد شفيت صدري، وإن جهلت قدري، فاحملني، حملك الله، على الجادّة الواضحة، وسحب عليك ستر الأبوّة الصّالحة، والسّلام.
ولمّا «7» شرح كتاب «الشّفا» للقاضي «8» أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض، رحمه الله، واستبحر فيه، طلب أهل العدوتين بنظم «9» مقطوعات تتضمّن الثّناء على الكتاب المذكور، وإطراء مؤلّفه، فانثال عليه من ذلك الطّم والرّم، بما تعدّدت منه الأوراق، واختلفت في الإجادة وغيرها الأرزاق، إيثارا لغرضه، ومبادرة من أهل «10» الجهات لإسعاف أربه، وطلب مني أن ألمّ في ذلك بشيء، فكتبت في «11» ذلك:
[الطويل]
شفاء «12» عياض للصّدور «13» شفاء
…
وليس «14» بفضل قد حواه خفاء
هديّة برّ لم يكن لجزيلها «15»
…
سوى الأجر والذّكر الجميل كفاء
وفى لنبيّ الله حقّ وفائه
…
وأكرم أوصاف الكرام وفاء
وجاء به بحرا يقول بفضله
…
على البحر طعم طيّب وصفاء
وحقّ رسول الله بعد وفاته
…
رعاه، وإغفال الحقوق جفاء
هو الذّخر يغني في الحياة عتاده
…
ويترك منه لليقين «1» رفاء
هو الأثر المحمود ليس يناله
…
دثور ولا يخشى «2» عليه عفاء «3»
حرصت على الإطناب في نشر فضله
…
وتمجيده لو ساعدتني فاء
واستزاد «4» من هذا الغرض الذي لم يقنع منه «5» بالقليل، فبعثت إليه من محلّ انتقالي بمدينة «6» سلا حرسها الله «7» :[مجزوء الرمل]
أأزاهير رياض
…
أم شفاء لعياض
جدّل الباطل للحقّ
…
بأسياف مواض
وجلا الأنوار برها
…
نا بحقّ «8» وافتراض
وشفى «9» من يشتكي الغلّ
…
ة في زرق الحياض
أيّ بنيان معار «10»
…
آمن فوق «11» انقضاض
أيّ عهد ليس يرمى
…
بانتكاث «12» وانتقاض
ومعان في سطور
…
كأسود في غياض
وشفاء لصدور «13»
…
من ضنى الجهل مراض
حرّر القصد فما شي
…
ن بنقد واعتراض
يا أبا الفضل أدر أنّ «14»
…
الله عن سعيك راض
فاز عبد أقرض اللّ
…
هـ برجحان القراض «15»
وجبت عزّ «1» المزايا
…
من طوال وعراض «2»
لك يا أصدق راو «3»
…
لك يا أعدل قاض
لرسول الله وفّي
…
ت بجدّ «4» وانتهاض
خير خلق الله في حا
…
ل وفي آت وماض
سدّد الله ابن مرزو
…
ق إلى تلك المراضي
زبدة العرفان معنى
…
كلّ نسك وارتياض
فتولّى بسط ما أج
…
ملت من غير انقباض
ساهر «5» لم يدر في استخ
…
لاصه طعم اغتماض
إن يكن دينا على الأي
…
ام قد حان التّقاضي
دام في علوّ ومن عا
…
داه يهوي في انخفاض
ما وشى الصّبح الدّياجي
…
في سواد بيياض «6»
ثم «7» نظمت له أيضا في الغرض المذكور، والإكثار من هذا النمط، في هذا الموضع، ليس على سبيل التّبجّح بغرابته وإجادته «8» ، ولكن على سبيل الإشادة بالشّرح المشار إليه، فهو بالغ غاية الاستبحار «9» :[السريع]
حيّيت يا مختطّ سبت بن نوح
…
بكلّ مزن يغتدي أو يروح
وحمل الرّيحان ريح الصّبا
…
أمانة فيك «10» إلى كلّ روح
دار أبي الفضل عياض الذي
…
أضحت بريّاه رياضا تفوح
يا ناقل الآثار يعنى بها
…
وواصلا في العلم جري الجموح
طرفك في الفخر «11» بعيد المدى
…
طرفك للمجد شديد الطّموح
كفاك إعجازا كتاب الشّفا
…
والصبح لا ينكر عند الوضوح
لله ما أجزلت فينا به من
…
منحة تقصر عنها المنوح
روض من العلم همى فوقه
…
من صيّب الفكر الغمام السّفوح
فمن بيان الحقّ زهر ند «1»
…
ومن لسان الصّدق طير صدوح
تأرّج العرف وطاب الجنى
…
وكيف لا يثمر «2» أو لا يفوح
وحلّة من طيب خير الورى
…
في الجيب والأعطاف منها نضوح
ومعلم للدين «3» شيّدته
…
فهذه الأعلام منه «4» تلوح
فقل لهامان كذا أو فلا
…
يا من أضلّ الرّشد تبني الصّروح
في أحسن التّقويم أنشأته
…
خلقا جديدا بين جسم وروح
فعمره المكتوب لا ينقضي
…
إذا تقضّى عمر سام ونوح
كأنّه في الحفل ريح الصّبا
…
وكلّ عطف فهو غضّ «5» مروح
ما عذر مشغوف بخير الورى
…
إن هاج منه الذّكر أن لا يبوح
عجبت من أكباد أهل الهوى
…
وقد سطا البعد وطال النّزوح
إن ذكر المحبوب سالت دما
…
ما هنّ أكباد ولكن جروح
يا سيّد الأوضاع يا من له
…
بسيّد الإرسال فضل الرّجوح
يا من له الفخر على غيره
…
والشّهب «6» تخفى عند إشراق يوح
يا خير مشروح وفي واكتفى
…
منه ابن «7» مرزوق بخير الشّروح
فتح من الله حباه به
…
ومن جناب الله تأتي الفتوح
مولده: بتلمسان عام أحد عشر وسبعمائة.
محمد بن عبد الرحمن بن سعد التّميمي التّسلي «8» الكرسوطي «9»
من أهل فاس، نزيل مالقة، يكنى أبا عبد الله.
حاله: الشيخ «10» الفقيه المتكلّم أبو عبد الله، غزير الحفظ، متبحّر الذّكر، عديم القرين، عظيم الاطّلاع، عارف بأسماء الأوضاع، ينثال منه على المسائل كثيب مهيل، ينقل الفقه منسوبا إلى أمانة، ومنوطا برجاله، والحديث بأسانيده ومتونه،
خوّار «1» العنان، وسّاع الخطو، بعيد الشأو، يفيض من حديث إلى فقه، ومن أدب إلى حكاية، ويتعدّى ذلك إلى غرائب المنظومات، ممّا يختصّ بنظمه أولو الشّطارة والحرفة من المغاربة، ويستظهر مطوّلات القصاص، وطوابير الوعّاظ، ومساطير أهل الكدية، في أسلوب وقاح يفضحه الإعراب، حسن الخلق، جمّ الاحتمال، مطرّح الوقار، رافض التّصنّع، متبذّل «2» اللّبسة، رحيب أكناف المرارة لأهل الولايات، يلقي بمعاطنهم البرك، وينوط بهم الوسائل، كثير المشاركة لوصلائه، مخصب على أهل بيته، حدب على بنيه. قدم على الأندلس عام اثنين وعشرين وسبعمائة، فأقام بالجزيرة مقرئا بمسجد الصّواع منها، ومسجد الرّايات، ثم قدم على مالقة وأقرأ بها، ثم قدم على غرناطة عام خمسة وعشرين وسبعمائة، فتعرف على أرباب الأمر، بما نجحت حيلته، وخفّ به موقعه، فلم يعدم صلة، ولا فقد مرفقة، حتى ارتاش وتأثّل بمحل سكناه من مالقة، مدرة مغلّة، وعقارا مفيدا. وطال قعوده لسرد الفقه بمسجدها الجامع، نمير في الركب، مهجور الحلقة، حملا من الخاصّة والعامّة، لتلبّسه بالعرض الأدني. وهو الآن خطيب مسجد القصبة بها، ومحلّه من الشهرة، بالحفظ والاستظهار لفروع الفقه، كبير.
مشيخته: قرأ القرآن على الجماعة بالمغرب والأندلس، منهم أبوه، والأستاذ أبو الحسن القيجاطي البلوي، وأبو إسحاق الحريري، وأبو الحسن بن سليمان، وأبو عبد الله بن أجروم. وقرأ الفقه على أبي زيد الجزولي، وعبد الرحمن بن عفّان، وأبي الحسن الصغير، وعبد المؤمن الجاناتي، وقرأ الكتاب بين يديه مدة، ثم عزله، ولذلك حكاية. حدّثني الشيخ أبو عبد الله الكرسوطي، المترجم به، قال: قرأت بين يديه، في قول أبي سعيد في التهذيب، والدّجاج والأوز المخلات، فقال: انظر، هل يقال الدّجاج أو الجدّاد، لغة القرآن أفصح، قال الله تعالى: وجدد بيض، وحمر مختلف ألوانها، وغرابيب سود. فأزرى به، ونقل إليه إزاره، فعزله. وقعد بعد ذلك للإقراء بفاس، كذا حدث. وأخذ عن أبي إسحاق الزناتي، وعن خلف الله المجاصي، وأبي عبد الله بن عبد الرحمن الجزولي، وأبي الحسين المزدغي، وأبي الفضل ابنه، وأبي العبّاس بن راشد العمراني، وأبي عبد الله بن رشيد. وروى الحديث بسبتة عن أبي عبد الله الغماري، وأبي عبد الله بن هاني، وذاكر أبا الحسن بن وشّاش. وبمالقة عن الخطيب الصالح الطّنجالي، وأبي عمرو بن منظور.
وبغرناطة عن أبي الحسن القيجاطي، وأبي إسحاق بن أبي العاص. وببلّش عن أبي جعفر الزيات.
تواليفه: منها «1» «الغرر في تكميل الطّرر» ، طرر أبي إبراهيم الأعرج. ثم «2» «الدّرر في اختصار الطّرر» المذكور. وتقييدان على الرسالة، كبير وصغير.
ولخّص «التهذيب» لابن بشير، وحذف أسانيد المصنّفات الثلاثة، البخاري، والترمذي، ومسلم «3» ، والتزم إسقاط التكرار، واستدراك «4» الصّحاح الواقعة في التهذيب «5» على مسلم والبخاري. وقيّد على مختصر الطّليطلي، وشرع في تقييد على قواعد الإمام أبي الفضل عياض بن موسى «6» بن عياض، برسم ولدي، أسعده الله.
شعره: أنشدني، وأنا أحاول بمالقة لوث «7» العمامة، وأستعين بالغير على إصلاح العمل، وإحكام اللّياثة «8» :[الكامل]
أمعمّما قمرا تكامل حسنه
…
أربى على الشمس المنيرة في البها
لا تلتمس ممّن لديك زيادة
…
فالبدر لا يمتار من نور السّها
ويصدر منه الشعر مصدّرا، لا تكنفه العناية.
محنته: أسر ببحر الزّقاق «9» ، قادما على الأندلس في جملة من الفضلاء، منهم والده. واستقرّ بطريف «10» عام ستة وعشرين وسبعمائة، ولقي بها شدّة ونكالا، ثم سرّح والده، لمحاولة فكاك نفسه، وفكّ ابنه، ويسّر الله عليه، فتخلّصا من تلك المحنة في سبيل كدية، وأفلت من بين أنياب مشقّة.