الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن فرج الخزرجي
«1»
من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن الفرس، وقد تقدم ذكر طائفة من أهل بيته.
حاله: كان حافظا جليلا، فقيها، عارفا بالنحو واللغة، كاتبا بارعا، شاعرا مطبوعا، شهير الذكر، عالي الصّيت. ولّي القضاء بمدينة شقر، ثم بمدينة وادي آش، ثم بجيّان، ثم بغرناطة، ثم عزل عنها، ثم وليها الولاية التي كان من مضمن ظهيره بها قول المنصور «2» له: أقول لك ما قاله موسى، عليه السلام، لأخيه هارون:
اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ
«3» ، وجعل إليه النظر في الحسبة، والشّرطة، وغير ذلك، فكان إليه النظر في الدّماء فما دونها، ولم يكن يقطع أمر دونه ببلده وما يرجع إليه.
وقال ابن عبد الملك: كان «4» من بيت علم وجلالة، مستبحرا في فنون المعارف على تفاريقها، متحقّقا بها، نافذا فيها، ذكيّ القلب، حافظا للفقه. استظهر أوان طلبه الكتابين «5» : المدوّنة، وكتاب سيبويه وغيرهما، وعني به أبوه وجدّه عناية تامة. وقال أبو الربيع بن سالم «6» : سمعت أبا بكر بن الجدّ، وحسبك به «7» شاهدا، يقول غير ما «8» مرة: ما أعلم بالأندلس أحفظ لمذهب مالك من عبد المنعم بن الفرس، بعد أبي عبد الله بن زرقون.
مشيخته: روى «9» عن أبيه الحافظ أبي عبد الله، وعن جدّه أبي القاسم، سمع عليهما وقرأ، وعن أبي بكر بن النّفيس، وأبي الحسن بن هذيل، وأبي عبد الله بن سعادة، وأبي محمد عبد الجبار بن موسى الجذامي، وأبي عامر محمد بن أحمد
الشّلبي، وأبي العباس أحمد وأخيه أبي الحسن، ابني زيادة الله. هذه جملة من لقي من الشيوخ وشافهه وسمع منه، وأجاز له من غير لقاء، وبعضهم باللّقاء من غير قراءة؛ ابن ورد، وابن بقي، وأبو عبد الله بن سليمان التونسي، وأبو جعفر بن قبلال، وأبو الحسن بن الباذش، ويونس بن مغيث، وابن معمّر، وشريح، وابن الوحيدي، وأبو عبد الله بن صاف، والرّشاطي، والحميري، وابن وضّاح، وابن موهب، وأبو مروان الباجي، وأبو العباس بن خلف بن عيشون، وأبو بكر بن طاهر، وجعفر بن مكّي، وابن العربي، ومساعد بن أحمد بن مساعد، وعبد الحق بن عطية، وأبو مروان بن قزمان، وابن أبي الخصال، وعياض بن موسى، والمازري، وغيرهم.
تواليفه: ألّف عدة تواليف، منها «كتاب الأحكام» «1» ، ألّفه وهو ابن خمسة وعشرين عاما، فاستوفى ووفّى، واختصر الأحكام السلطانية، وكتاب النّسب لأبي عبيد بن سلام، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن شاهين، وكتاب المحتسب لابن جنّي.
وألّف كتابا في المسائل التي اختلف فيها النحويون من أهل البصرة والكوفة، وكتابا في صناعة الجدل، وردّ على ابن غرسيّة في رسالته في تفضيل العجم على العرب.
وكتب بخطه من كتب العربية واللغة والأدب والطب وغير ذلك.
من روى عنه: حدّث «2» عنه الحافظ أبو محمد القرطبي، وأبو علي الرّندي، وابنا حوط الله، وأبو الربيع بن سالم، والجمّ الغفير.
شعره: [الطويل]
أبى ما بقلبي اليوم أن يتكتّما
…
وحسبك بالدمع السّفوح مترجما
وأعجب به من أخرس بات مفصحا
…
يبيّن للواشين ما كان مبهما
فكم عبرة في نهر شقر بعثتها
…
سباقا فأمسى النهر مختضبا دما
يرجع ترجيع الأنين اضطراره
…
كشكوى الجريح للجريح تألّما
كملن بصحبي فوقه «3» الدّمع ناثر
…
شقائق نعمان على متن أرقما
ولله ليل قد لبست ظلامه
…
رداء «4» بأنوار النجوم منمنما
أناوح فيه الورق فوق غصونها
…
فكم أورق منهنّ قد باب معجما
وما لي إلّا الفرقدين «1» مصاحب
…
ويا بعد حالي في الصّبابة منهما
أبيت شتيت الشّمل والشّمل فيهما
…
جميع كما أبصرت عقدا منظّما
فيا قاصدا تدمير، عرّج مصافحا
…
نسائلك «2» رسما بالعقيق ومعلما
وأعلم بأبواب السلام صبابتي
…
كما كان عرف المسك بالمسك علّما
وإن طفت في تلك الأجارع لا تضع
…
بحقّ هواها إن «3» تلمّ مسلّما
وما ضرّها لو جاذبت ظبية النّقا
…
فضول رداء قد تغشّته معلما
فيثني قضيبا أثمر البدر مائسا
…
بحقف مسيل لفّه السّيل مظلما
وما كنت إلّا البدر وافى غمامة
…
فما لاح حتى غاب فيها مغيّما
وما ذاك من هجر ولكن لشقوة
…
أبت أن يكون الوصل منها متمّما
فيا ليتني أصبحت في الشّعر لفظة
…
تردّدني مهما أردت تفهّما
ولله ما أذكى نسيمك نفحة
…
أأنت أعرت الرّوض «4» طيبا تنسّما؟
ولله ما أشفى لقاءك «5» للجوى
…
كأنّك قد أصبحت عيسى ابن مريما
وما الرّاح بالماء القراح مشوبة
…
بأطيب من ذكراك إن خامرت فما
فما لي وللأيام قد كان شملنا
…
جميعا فأضحى في يديها مقسّما
ولمّا «6» جنيت الطّيب من شهد وصلها
…
جنيت من التّبديد للوصل علقما
وقد ذقت طعم البين حتى كأنني
…
لألفة من أهواه ما ذقت مطعما
فمن لفؤاد شطره حازه الهوى
…
وشطر لإحراز الثّواب مسلّما
ويا ليت أنّ الدّار حان مزارها
…
فلو صحّ قرب الدار أدركت مغنما
ولو صحّ قرب الدار لي لجعلته
…
إلى مرتقى السّلوان والصّبر سلّما
فقد طال ما ناديت سرّا وجهرة
…
عسى وطن يدنو بهم ولعلّما؟
ومن شعره: [الطويل]
سلام على من شفّني بعد داره
…
وأصبحت مشغوفا بقرب مزاره
ومن هو في عيني ألذّ من الكرى
…
وفي النفس أشهى من أمان المكاره
سلام عليه كلّما ذرّ شارق
…
ينمّ كعرف الزّهر غبّ فطاره
لعمرك ما أخشى غداة وداعنا
…
وقد سعرت في القلب شعلة ناره
وسال على الخدّين دمع كأنه
…
بقيّة ظلّ الروض «1» في جلّناره
وعانقت منه غصن بان منعّما
…
ولا حظت منه الصّبح عند اشتهاره
وأصبحت في أرض وقلبي بغيرها
…
وما حال مسلوب الفؤاد مكاره
نأى وجه من أهوى فأظلم أفقه
…
وقد غاب عن عينيه شمس نهاره
سل البرق عن شوقي يخبّرك بالذي
…
ألاقيه من برح الهوى وأواره
وهل هو إلّا نار وجدي وكلّما
…
تنفّست عمّ الجوّ ضوء شراره
ومن شعره أيضا رحمة الله عليه: [مخلع البسيط]
اقرأ على شنجل «2» سلاما
…
أطيب من عرفه نسيما
من مغرم القلب ليس ينسى
…
منظره الرائق الوسيما
إذا رأى منظرا سواه
…
عاف الجنى منه والشّميما
وإن أتى مشربا حميدا
…
كان وإن راقه ذميما
وقف بنجد وقوف صبّ
…
يستذكر الخدن والحميما
واندب أراكا بشعب رضوى
…
قد رجعت بعدنا مشيما
واذكر شبابا مضى سريعا
…
أصبحت من بعده سقيما
هيهات ولّى وجاء شيب
…
وكيف للقلب أن يهيما؟
ما يصلح الشّيب غير تقوى
…
تحجب عن وجهه الجحيما
في كل يوم له ارتحال
…
أعجب به ظاعنا مقيما
ما العمر إلّا لديه دين
…
قد آن أن يقضي الغريما