الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته: توفي عام ثلاثة وأربعين «1» بغرناطة أو قبل ذلك بيسير، وله خط حسن، وممارسة في الطب، وقد توسّط المعترك.
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد البلوي
«2»
من أهل ألمريّة، يكنى أبا بكر.
أوليته: من كتاب «المؤتمن» «3» قال: يشهر بنسبه وأصل سلفه من جهة بيرة، إما من بجّانة «4» ، وإما من البريج «5» ، واستوعب سبب انتقالهم.
حاله: من «عائد الصلة» : كان أحد الشيوخ من طبقته، وصدر الوزراء من نمطه ببلده، سراوة وسماحة، ومبرّة وأدبا ولوذعيّة ودعابة، رافع راية الانطباع، وحائز قصب السبق في ميدان التّخلّق، مبذول البرّ، شائع المشاركة.
وقال في «المؤتمن» : كان رجلا عاقلا، عارفا بأقوال الناس، حافظا لمراتبهم، منزلا لهم منازلهم، ساعيا في حوائجهم، لا يصدرون عنه إلّا عن رضى بجميل مداراته. التفت إلى نفسه، فلم ينس نصيبه من الذّلّ، ولا أغفل من كان يألفه في المنزل الخشن، واصلا لرحمه، حاملا لوطأة من يجفوه منهم، في ماله حظّ للمساكين، وفي جاهه رفد للمضطرّين، شيخا ذكيّ المجالسة، تستطيب معاملته، على يقين أنه يخفي خلاف ما يظهر، من الرجال الذين يصلحون الدّنيا، ولا يعلق بهم أهل الآخرة، لعروه عن النّخوة والبطر، رحمه الله. تكرّرت له الولاية بالديوان غير ما مرّة، وورد على غرناطة، وافدا ومادحا ومعزّيا.
مشيخته وما صدر عنه: قرأ على ابن عبد النّور، وتأدّب به، وتلا على القاضي أبي علي بن أبي الأحوص أيام قضائه ببسطة، ونظم رجزا في الفرائض.
شعره: قال الشيخ «1» في «المؤتمن» : كانت له مشاركة في نظم الشعر الوسط، وكان شعر تلك الحلبة الآخذة عن ابن عبد النور، كأنه مصوغ من شعر شيخهم المذكور، ومحذوّ عليه، في ضعف المعاني، ومهنة الألفاظ. تنظر إلى شعره، وشعر عبد الله بن الصّائغ، وشعر ابن شعبة، وابن رشيد، وابن عبيد، فتقول: ذرّية بعضها من بعض.
فمن ذلك ما نظمه في ليلة سماع واجتماع بسبب قدوم أخيه أبي الحسن من الحجاز: [الطويل]
إلهي، أجرني إنني لك تائب
…
وإنّي من ذنبي إليك لهارب
عصيتك جهلا ثم جئتك نادما
…
مقرّا وقد سدّت عليّ المذاهب
مضى زمن بي في البطالة لاهيا
…
شبابي قد ولّى وعمري ذاهب
فخذ بيدي واقبل بفضلك توبتي
…
وحقّق رجائي في الذي أنا راغب
أخاف على نفسي ذنوبا جنيتها
…
وحاشاك أن أشقى وأنت المحاسب
وإني لأخشى في القيامة موقفا
…
ويوما عظيما أنت فيه المطالب
وقد وضع الميزان بالقسط حاكما
…
وجاء شهيد عند ذاك وكاتب
وطاشت عقول الخلق واشتدّ خوفهم
…
وفرّ عن الإنسان خلّ وصاحب
فما ثمّ من يرجى سواك تفضّلا
…
وإن الذي يرجو سواك لخائب
ومن ذا الذي يعطي إذا أنت لم تجد؟
…
ومن هو ذو منع إذا أنت واهب؟
عبيدك، يا مولاي، يدعوك رغبة
…
وما زلت غفّارا لمن هو تائب
دعوتك مضطرا وعفوك واسع
…
فأنت المجازي لي وأنت المعاقب
فهب لي من رحماك ما قد رجوته
…
وبالجود يا مولاي ترجى المواهب
توسّلت بالمختار من آل هاشم
…
ومن نحوه قصدا تحثّ الرّكائب
شفيع الورى يوم القيامة جاهه
…
ومنقذ من في النار والحقّ واجب
ومما بلغ فيه أقصى مبالغ الإجادة، قوله من قصيدة هنّأ فيها سلطاننا أبا الحجاج بن نصر «2» ، لما وفد هو وجملة أعيان البلاد أولها:[الكامل]
يهني الخلافة فتّحت لك بابها
…
فادخل على اسم الله يمنا غابها
منها، وهو بديع، استظرف يومئذ:
يا يوسفيّا باسمه وبوجهه
…
اصعد لمنبرها وصن محرابها
في الأرض مكّنك الإله كيوسف
…
ولتملكنّ بربها أربابها
بلغت بكم آرابها من بعد ما
…
قالت لذلك نسوة ما رابها
كانت تراود كفوها حتى إذا
…
ظفرت بيوسف غلّقت أبوابها
قلت «1» : ما ذكره المؤلف ابن الخطيب، رحمه الله، في هذا المترجم به، من أنه ينظم الشعر الوسط، ظهر خلافه، لذا أثبت له هذه المقطوعة الأخيرة. ولقد أبدع فيها وأتى بأقصى مبالغ الإجادة كما قال، وحاز بها نمطا أعلى مما وصفه به. وأما القصيدة الأولى، فلا خفاء أنها سهل المأخذ، قريبة المنزع، بعيدة من الجزالة، ولعلّ ذلك كان مقصودا من ناظمها رحمه الله.
وفاته: توفي ببلده عن سنّ عالية في شهر ربيع الآخر عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة.
ورثاه شيخنا أبو بكر بن شبرين، رحمه الله، بقوله:[البسيط]
يا عين، سحّي بدمع واكف سرب
…
لحامل الفضل والأخلاق والأدب
بكيت، إذ ذكر الموتى، على رجل
…
إلى بليّ «2» من الأحياء منتسب
على الفقيه أبي بكر تضمّنه
…
رمس وأعمل سيرا ثم لم يؤب
قد كان بي منه ودّ طاب مشرعه
…
ما كان عن رغب كلّا ولا رهب
لكن ولاء «3» على الرحمن محتسبا
…
في طاعة الله لم يمذق ولم يشب
فاليوم أصبح في الأجداث مرتهنا
…
ما ضرّت الريح أملودا من الغضب
إنّا إلى الله من فقد الأحبّة ما
…
أشدّ لذعا لقلب الثّاكل الوصب
من للفضائل يسديها ويلحمها؟
…
من للعلى بين موروث ومكتسب؟
قل فيه ما «4» تصف ركنا لمنتبذ
…
روض، لمنتجع أنس، لمغترب؟
باق على العهد لا تثنيه ثانية
…
عن المكارم في ورد ولا قرب
سهل الخليقة بادي البشر منبسط
…
يلقى الغريب بوجه الوالد الحدب
كم غيّر الدهر من حال فقلّبها
…
وحال إخلاصه ممتدّة الطّنب
سامي المكانة معروف تقدّمه
…
وقدره في ذوي الأقدار والرّتب
أكرم به من سجايا كان يحملها
…
وكلّها حسن تنبيك عن حسب
ما كان إلّا من الناس الألى درجوا
…
عقلا وحلما وجودا هامي السّحب
أمسى ضجيع الثّرى في جنب بلقعة
…
لكن محامده تبقى على الحقب
ليست صبابة نفسي بعده عجبا
…
وإنما صبرها من أعجب العجب
أجاب دمعي إذ نادى النعيّ به
…
لو غير منعاه نادى الدمع لم يجب
ما أغفل المرء عمّا قد أريد به
…
في كل يوم تناديه الرّدى اقترب
يا ويح نفسي أنفاس «1» مضت هدرا
…
بين البطالة والتّسويف واللّعب
ظننت أنّي بالأيام ذو هزء
…
غلطت بل كانت الأيام تهزأ بي
أشكو إلى الله فقري من معاملة
…
لله أنجو بها في موقف العطب
ما المال إلّا من الله فأفلح من «2»
…
جاء القيامة ذا مال وذا نشب
اسمع «3» أبا بكر الأرضى نداء أخ
…
باك عليك مدى الأيام مكتئب
أهلا بقدمتك الميمون ظاهرها
…
على محل الرّضى والسّهل والرّحب
نم في الكرامة فالأسباب وافرة
…
وربما نيلت الحسنى بلا سبب
لله لله والآجال قاطعة
…
ما بيننا من خطابات ومن خطب
ومن فرائد آداب يحبّرها
…
فيودع الشّهب أفلاكا من الكتب
أما الحياة فقد ملّيت مدّتها
…
فعوّض الله منها خير منقلب
لولا قواطع لي أشراكها نصبت
…
لزرت قبرك لا أشكو من النّصب
وقلّ ما شفيت نفس بزورة من
…
حلّ البقيع ولكن جهد ذي أرب
يا نخبة ضمّها ترب ولا عجب
…
إن التراب قديما مدفن النّخب
كيف السبيل إلى اللّقيا وقد ضربوا
…
بيني وبينك ما بقي من الحجب؟
عليك مني سلام الله يتبعه
…
حسن الثّناء «4» وما حيّيت من كثب