الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مولده: ولد بحضرة غرناطة في جمادى الأولى من عام اثنين وسبعين وستمائة.
وفاته: بعد «1» يوم الوقيعة الكبرى على المسلمين بظاهر طريف يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى عام واحد وأربعين وسبعمائة.
من رثاه: قلت في رثائه من قصيدة أولها «2» : [الطويل]
سهام المنايا لا تطيش ولا تخطي
…
وللدهر كفّ تستردّ الذي تعطي
وإنّا وإن كنّا على ثبج الدّنا
…
فلا بدّ يوما أن نحلّ على الشّطّ
وسيّان ذلّ الفقر أو عزّة الغنى
…
ومن أسرع السّير الحثيث ومن يبطي «3»
تساوى على ورد الرّدى كلّ وارد
…
فلم يغن ربّ السّيف عن ربّة القرط
وقال شيخنا أبو زكريا بن هذيل من قصيدة يرثيه بها «4» : [الطويل]
إذا أنا لم أرث الصديق فما عذري
…
إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر؟
ولو كان شعري لم يكن غير ندبة
…
وأجريت دمعي لليراع «5» عن الحبر
لما كنت أقضي حقّ صحبته التي
…
توخّيتها عونا على نوب الدّهر
رماني عبد الله يوم وداعه
…
بداهية دهياء «6» قاصمة الظّهر
قطعت رجائي حين صحّ حديثه
…
فإن لم يوف دمعي فقد خانني صبري
وهل مؤنس كابن الخطيب لوحشتي
…
أبثّ له همّي وأودعه سرّي؟
عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ
«7»
من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، وقد مرّ ذكر أبيه شيخنا وأخويه، وتقرّرت نباهة بيتهم.
حاله: هذا «1» الفاضل قريع بيت نبيه، وسلف شهير، وأبوّة خيّرة «2» ، وأخوّة بليغة، وخؤولة تميّزت من السلطات بحظوة. أديب حافظ، قام على فنّ العربيّة، مشارك في فنون لسانيّة سواه، طرف «3» في الإدراك، جيد النظم، مطواع القريحة، باطنه نبل، وظاهره غفلة. قعد للإقراء ببلده غرناطة، معيدا ومستقلّا، ثم تقدّم للقضاء بجهات نبيهة، على زمن الحداثة، وهو لهذا العهد مخطوب رتبة، وجار إلى غاية، وعين من أعيان البلدة.
مشيخته: أخذ عن والده الأستاذ الشهير «4» أبي القاسم حديث الرّحمة بشرطه، وسمع عليه على صغر السّن، أبعاضا من كتب عدة في فنون مختلفة، كبعض صحيح مسلم، وبعض صحيح البخاري، وبعض الجامع للتّرمذي، وبعض السّنن للنّسائي، وبعض سنن أبي داود، وبعض موطّأ مالك بن أنس، وبعض الشّفاء لعياض، وبعض الشّمائل للتّرمذي، وبعض الأعلام للنّميري، وبعض المشرع السّلس في الحديث المسلسل لابن أبي الأحوص، وبعض كتاب التّيسير لأبي عمرو الدّاني، وبعض كتاب التّبصرة للمكيّ، وبعض الكافي لابن شريح، وبعض الهداية للمهدي، وبعض التّلخيص للطّبري، وبعض كتاب الدّلالة في إثبات النبوّة والرسالة لأبي عامر بن ربيع، وبعض كتاب حلبة الأسانيد وبغية التلاميذ لابن الكمّاد، وبعض كتاب وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم من تواليف والده، وبعض القوانين الفقهية، وبعض كتاب الدّعوات والأذكار، وبعض كتاب النّور المبين في قواعد عقائد الدين من تأليفه، وبعض تقريب الوصول إلى علم الأصول، وبعض كتاب الصلاة، وبعض كتاب الأنوار السّنية في الكلمات السّنية، وبعض كتاب برنامجه. كل ذلك من تأليف والده، رحمه الله. وأجاز له رواية الكتب المذكورة عنه، مع رواية جميع مرويّاته وتواليفه وتقييداته، إجازة عامة. ولقّنه في صغره جملة من الأحاديث النبوية والمسائل الفقهية، والمقطوعات الشعرية.
ومنهم قاضي الجماعة أبو البركات بن الحاج، حدّثه بألمرية حديث الرحمة بشرطه، وسمع عليه بها وبغرناطة عدّة من أبعاض كتب، وأجازه عامة، وأنشده من شعره، وشعر غيره. ومنهم قاضي الجماعة الشريف أبو القاسم، لازمه مدة القراءة عليه، واستفاد منه، وتفقّه عليه بقراءة غيره في كثير من النّصف الثاني من كتاب سيبويه، وفي كثير من النصف الثاني من كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي، وفي
كثير من كتاب التّسهيل لابن مالك، وفي القصيدة الخزرجية في العروض، وسمع من لفظه الرّبع الواحد أو نحوه من تأليفه شرح مقصورة حازم، وتفقّه عليه فيه، وأنشده كثيرا من شعره وشعر غيره. ومنهم الأستاذ أبو عبد الله البيّاني، لازمه مدة القراءة عليه، وتفقّه عليه بقراءته في كتاب التّسهيل البديع في اختصار التّفريع إلّا يسيرا منه، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب فقهية وغيرها، ككتاب التهذيب، وكتاب الجواهر الثمينة، وكتاب التفريع، وكتاب الرسالة لابن أبي زيد، وكتاب الأحكام لابن العربي، وكتاب شرح العمدة لابن دقيق العيد، وغير ذلك مما يطول ذكره. ومنهم الأستاذ الأعرف الشهير أبو سعيد بن لب، تفقّه عليه بقراءته في جميع النصف الثاني من كتاب الإيضاح للفارسي، وفي كثير من النصف الأول من كتاب سيبويه، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب عدة، في فنون مختلفة، كالمدوّنة والجواهر، وكتاب ابن الحاجب، وكتاب التّلقين، وكتاب الجمل، وكتاب التّسهيل والتنقيح، والشّاطبيّة، وكتاب العمدة في الحديث وغير ذلك. ومنهم الشيخ المقرئ المحدّث أبو عبد الله محمد بن بيبش، سمع عليه بقراءة أخيه الكاتب أبي عبد الله محمد، جميع كتاب الموطّأ، وكتاب الشّفا إلّا يسيرا منه، وأجازه روايتهما عنه، ورواية جميع مرويّاته، إجازة عامة، وأنشده جملة من شعره وشعر غيره. وممن أجازه عامة، رئيس الكتاب أبو الحسن بن الجيّاب، وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن يحيى بن بكر الأشعري، والخطيب أبو علي القرشي، والأستاذ أبو محمد بن سلمون، والحاج الراوية أبو جعفر بن جابر، والشيخ القاضي أبو جعفر أحمد بن عتيق الشّاطبي الأزدي، والقاضي الكاتب البارع أبو بكر بن شبرين، والقاضي الخطيب الأستاذ الراوية أبو بكر بن الشيخ الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات، والقاضي الخطيب أبو محمد بن محمد بن الصّايع.
وممن كتب له بالإجازة من المشايخ، شيخ المشايخ أثير الدين أبو حيّان محمد بن يوسف بن حيان، وقاضي الجماعة بفاس محمد بن محمد بن أحمد المقري، ورئيس الكتاب أبو محمد الحضرمي، وجماعة سوى من ذكر من أهل المشرق والمغرب.
شعره: وشعره نبيل الأغراض، حسن المقاصد. فمن ذلك قوله:[الطويل]
سنى الليلة الغرّاء «1» وافتك بالبشرى
…
وأبدى بها «2» وجه القبول لك البشرا
تهلّل وجه الكون من طرب بها
…
وأشرقت الدّنيا «1» بغرّتها الغرّا
لها المنّة العظمى بميلاد أحمد
…
لها الرّتبة العليا لها العزّة الكبرا
طوى سرّه في صدره الدّهر مدّة
…
فوافى ربيعا ناشرا ذلك السّرّا
حوى شهرة الفضل الشهير وفضله
…
فأحسن به فضلا وأعظم به شهرا
لقد كان ليل الكفر في اللّيل قد جفا
…
فأطلع منه في سمّة «2» الهدى فجرا
وفي ليلة الميلاد لاحت شواهد
…
قضت أنّ دين الكفر قد أبطل الكفرا
لقد أخمدت أنوارها نار فارس
…
وأرجت «3» كما ارتجّ إيوانه كسرى
له معجزات يعجز القلب كنهها
…
ويحصر إن رام اللسان لها حصرا
معال يكلّ الشّعر عن نيل وصفها
…
وتقصر عن إدراك مصعده الشّعرى
به بشّر الرّسل الكرام ولم تزل
…
شمائله تتلى وآياته تترى
ففي الصّحف الأولى مناقبه العلى
…
وفي الذكر آيات خصّت «4» له قدرا
لقد خصّه مولاه بالقرب والرضى
…
وحسبك ما قد نصّ في النّجم والإسرا
وردّ عليه الشمس بعد غروبها
…
وشقّ على رغم العداة له البدرا
وكان له في مائه وطعامه
…
لطائف ربّانيّة تبهر الفكرا
غدا الماء من بين الأصابع نابعا
…
وعاد قليل الزّاد من يمنه كثرا
وكم نائل أولى وكم سائل حبا
…
وكم مشتك أشفى وكم مدنف أبرى!
كفى شاهدا أن ردّ عين قتادة
…
فكان لها الفضل المبين على الأخرى
وحنّ إليه الجذع عند فراقه
…
ولا حنّت الخنساء إذ فارقت صخرا
وحقّ له إذ بان عنه حبيبه
…
ومن ذاق طعم الوصل لم يحمل الهجرا
خليليّ، والدنيا تجدّد للفقر
…
ضروبا من الأشواق لو تنفع الذّكرى
بعيشكما هل لي إلى أرض طيبة
…
سبيل؟ فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا
منى النفس «5» من تلك المعاهد زورة
…
أبثّ بها شكوى وأشكو بها وزرا
وتعفير خدّي في عروق ترابها
…
ليمحو لي ذنبا ويثبت لي أجرا
تعلّلني نفسي بإدراكها المنى
…
وما أجهدت عيشا ولا ملّكت قفرا
ومن كانت الآمال أقصى اجتهاده
…
غدت كفّه ممّا تأمّله صفرا
وكم زجرتها واعظات زمانها
…
فما سمعت وعظا ولا قبلت زجرا
وكنت لها عصر الشبيبة عاذرا
…
سقاه الحيا ما كان أقصره عصرا
وأمّا وقد ولّت ثلاثون حجّة
…
فلست أرى للنفس من بعدها عذرا
إذا أنت لم تترك سوى النفس طائعا
…
فلا بدّ بعد الشّيب من تركه قسرا
ولم أدّخر إلّا شفاعة أحمد
…
لتخفيف وزر شدّ ما أوثق الظّهرا
لقد علقت «1» كفّ الرجاء بحمله
…
لعلّ كسير القلب يقلبه برّا
هو المرتضى الداعي إلى منهج الرّضا
…
هو المصطفى الهادي الميسّر لليسرى
هو الحاسر الماحي الضّلالة بالهدى
…
هو الشّافع الواقي إذا شهر الحشرا
بأي كلام يبلغ المرء وصف من
…
مكارمه تستغرق النّظم والنّثرا
خلال إذا الأفكار جاست خلالها
…
تكرّ على الأعقاب خاسئة خسرا
لقد غضّ طرف النّجم باهرها سنى
…
وأرغم أنف الرّوض عاطرها نشرا
سقى ليلة حيّت به واكف الحيا
…
فنعماؤها ما إن يحيط بها شكرا
لقد خصّها سند الإله برحمة
…
فعمّت بها الدنيا وسكّانها طرّا
أقمت أمير المسلمين حقوقها
…
بأفعال برّ أضحكت للهدى ثغرا
لقد سرت فيها إذ أتتك بسرّه
…
أقرّت لها عينا وسرّت لها صدرا
عرفت بها حقّ الذي عرفت به
…
فأحسنتها شكرا وأوليتها برّا
وأصحبتها الإخلاص لله والتّقى
…
وأعقبها الإحسان والنّائل الغمرا
لدى مصنع ملا «2» العيون محاسنا
…
تجسّم فيه السّحر حتى بدا قصرا
منها بعد أبيات في المدح للسلطان:
روى عن أبي الحجاج غرّ شمائل
…
أعاد لنا دهم الليالي بها غرّا
ومن كبني نصر جلالة منصب
…
بهم نصر الرحمن دين الهدى نصرا
هم ما هم إن تلقهم في مهمّة
…
لقيت الجناب السّهل والمعقل الوعرا
سلالة أنصار النبيّ محمد
…
فسل أحدا ينبيك عنهم وسل بدرا
ومن شعره في المقطوعات، قال في التورية العروضية «1» :[الوافر]
لقد قطّعت قلبي يا خليلي
…
بهجر طال منك على العليل
ولكن ما عجيب منك هذا
…
إذ «2» التّقطيع من شأن الخليل»
وقال في التّورية النّحوية «4» : [الطويل]
لقد كنت موصولا فأبدل وصلكم
…
بهجر وما مثلي على الهجر يصبر
فما بالكم غيّرتم عبدكم
…
وعهدي بالمحبوب ليس يغيّر «5»
وقال في التّورية مداعبا بعض المقرئين للعدد وهو بديع «6» : [الكامل]
يا ناصبا علم الحساب حباله «7»
…
لقناص ظبي ساحر الألباب
إن كنت ترجو «8» بالحساب وصاله
…
فالبدر «9» يرزقنا بغير حساب
وقال في التّورية العروضية «10» : [المتقارب]
لقد كمل الودّ ما «11» بيننا
…
ودمنا على فرح شامل
فإن دخل القطع في وصلنا
…
فقد يدخل القطع في الكامل
وقال في تضمين مثل «12» : [الوافر]
ألا أكتم حبّ من أحببت واصبر
…
فإنّ الهجر يحدثه الكلام
وإن أبداه دمع أو نحول
…
فمن بعد اجتهادي «13» لا تلام
وقال «14» : [السريع]
وأشنب الثّغر له وجنة
…
تعدّت النّحل على وردها
ما ذاك إلّا حسد «15» إذ رأت
…
رضابه أعذب من شهدها
وقال في التّورية بأسماء كتب فقهية جوابا غير معمّى «1» : [الطويل]
لك الله من خلّ حباني برقعة
…
حبتني من أبياتها «2» بالنوادر
رسالة رمز في الجمال نهاية «3»
…
وخيرة نظم أتحفت بالجواهر
وقال في التّورية أيضا «4» : [الطويل]
إلى الله أشكو غدر آل تودّدي «5»
…
إليّ فلمّا لاح سرّي لهم حالوا
لقد خدعوني إذ أروني مودّة
…
ولكنّه لا غرو أن يخدع الآل
وقال يخاطب رجلا من أصحابه «6» : [الطويل]
أبا حسن «7» إن شتّت الدّهر شملنا
…
فليس لودّ في الفؤاد «8» شتات
وإن حلت عن عهد الإخاء فلم يزل «9»
…
لقلبي على حفظ العهود ثبات
وهبني سرت مني إليك إساءة
…
ألم تتقدّم قبلها حسنات؟
وقال في النّسيب «10» : [الطويل]
لئن «11» كان باب القرب قد سدّ بيننا
…
ولم يبق لي في نيل وصلك مطمع
وأخفرت «12» عهدي دون ذنب جنيته
…
وأصبح ودّي فيك وهو مضيّع
ولم ترث لي عمّا «13» ألاقي من الأسى
…
وصرت أنادي منك من ليس يسمع
وضاقت بي الأحوال عن كلّ وجهة
…
فما «14» أرتجي من رحمة الله أوسع