الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته: ركب «1» البحر قاصدا الحج، فتوفي شهيدا في البحر؛ قتله الرّوم بمرسى تونس مع جماعة من المسلمين، صبح يوم الأحد، في العشر الوسط من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة «2» .
عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الأنصاري
يكنى أبا بكر، ويعرف بابن الفصّال.
حاله: هذا الرجل فاضل عريق في العدالة، ذكيّ، نبيل، مختصر الجرم، شعلة من شعل الإدراك، مليح المحاورة، عظيم الكفاية، طالب متقن. قرأ على مشيخة بلده، واختصّ منهم بمولى النعمة على أبناء جنسه، أبي سعيد ابن لب، واستظهر من حفظه كتبا كثيرة، منها كتاب التفريع في الفروع، وارتسم في العدول، وتعاطى لهذا العهد الأدب، فبرّز في فنّه.
أدبه: مما جمع فيه بين نظمه ونثره، قوله يخاطب الكتّاب، ويسحر ببراعته الألباب:[الطويل]
لعلّ نسيم الريح يسري عليله
…
فأهدي صحيح الودّ طيّ سقيم
لتحملها عنّي وأزكى تحية
…
لقيت «3» ككهف مانع ورقيم
ويذكر ما بين الجوانح من جوى
…
وشوق إليهم مقعد ومقيم
يا كتّاب المحلّ السامي، والإمام المتسامي، وواكف الأدب البسّامي، أناشدكم بانتظامي، في محبّتكم وارتسامي، وأقسم بحقّكم عليّ وحبّذا إقسامي، ألا ما أمددتم بأذهانكم الثاقبة، وأسعدتم بأفكاركم النّيرة الواقبة، على إخراج هذا المسمّى، وشرح ما أبهمه المعمّى، فلعمري لقد أحرق مزاجي، وفرّق امتزاجي، وأظلم به وهاجي، وغطّى على مرآة ابتهاجي، فأعينوني بقوة ما استطعتم، وأقطعوني من مددكم ما قطعتم، وآتوني بذلك كلّه إعانة وسدّا وإلّا فها هو بين يديكم ففكّوا غلقه، واسردوا خلقه، واجمعوا مضغه المتباينة وعلقه، حتى يستقيم جسدا قائما بذاته، متّصفا بصفاته المذكورة ولذّاته، قائلا بتسلّيه أسلوبا، مصحفا كان أو مقلوبا. وإن تأبّى عليكم وتمنّع، وأدركه الحياء فتستّر وتقنّع، وضرب على آذان الشّهدا، وربط على قلوبهم من الإرشاد له والاهتداء، فابعثوا أحدكم إلى
المدينة، ليسأل عنه خدينه:[المتقارب]
أحاجي ذوي العلم والحلم ممن
…
ترى شعلة الفهم من زنده
عن اسم هو الموت مهما دنا
…
وإن بات يبكى على فقده
لذيذ وليس بذي طعم
…
ويؤمر بالغسل من بعده
وأطيب ما يجتنيه الفتى
…
لدى ربّة الحسن أو عبده
مضجّعه عشر الثلث في
…
حساب المصحّف من خدّه
وإن شئت قل: مطعم ذمّه الر
…
رسول وحضّ على بعده
وقد جاء في الذّكر إخراجه
…
لقوم نبيّ على عهده
وتصحيف ضدّ له آخر
…
يبارك للنّحل في شهده
وتصحيف مقلوبه ربّه
…
تردّد من قبل في ردّه
فهاكم معانيه قد بدت
…
كنار الكريم على نجده
وكتب للولد، أسعده الله، يتوسّل إليه، ويروم قضاء حاجته:[الخفيف]
أيها السيد العزيز، تصدّق
…
في المقام العليّ لي بالوسيلة
عند ربّ الوزارتين أطال ال
…
له أيامه حسانا جميلة
علّه أن يجيرني من زمان
…
مسّني الضّرّ من خطاه الثّقيلة
واستطالت عليّ بالنّهب جورا
…
من يديه الخفيفة المستطيلة
لم تدع لي بضاعة غير مزجا
…
ة ونزر أهون به من قليله
وإذا ما وفّى لي الكيل يوما
…
حشفا ما يكيله سوء كيله
فشفى بي غليله لا شفى بي
…
دون أبنائه الجميع غليله
من لهذا الزمان مذ نال منّي
…
ليس لي بالزمان والله حيله
غير أن يشفع الوزير ويدعو «1»
…
عبده أو خديمه أو خليله
دمت يا ابن الوزير في عزّك السا
…
مي ودامت به الليالي كفيله
سيدي الذي بعزّة جاهه أصول، وبتوسّلي بعنايته أبلغ المأمول والسّول، وأروم لما أنا أحوم عليه الوصول، ببركة المشفوع إليه والرسول، المرغوب من مجدك السّامي الصريح، والمؤمّل من ذلك الوجه السّنيّ الصبيح، أن تقوم بين يدي نجوى الشّفاعة، هذه الرّقاعة، وتعين بذاتك الفاضلة النفّاعة، من لسانك مصقاعة، حتى
ينجلي حالي عن بلج، وأتنسّم من مهبّات القبول طيب الأرج، وتتطلع مستبشرات فرحتي من ثنيّات الفرج، فإنّ سيّد الجماعة الأعلى، وملاذ هذه البسيطة وفحلها الأجلى، فسح الله تعالى في ميدان هذا الوجود بوجوده، وأضفى على هذا القطر ملابس السّتر برأيه السديد وسعوده، وبلّغه في جميعكم غاية أمله ومقصوده، قلّما تضيع عنده شفاعة الأكبر من ولده، أو يخيب لديه من توسّل إليه بأزكى قطع كبده، وبحقك ألا ما أمرت هذه الرّقعة، بالمثول بين يدي ذلك الزّكي الذّات الطاهر البقعة، وقل لها قبل الحلول بين يدي هذا المولى الكريم، والموئل الرحيم، بعظيم التوقير والتّبجيل، واعلمي يا أيتها السائل، أن هذا الرجل هو المؤمّل، بعد الله تعالى في هذا الجيل، والحجّة البالغة في تبليغ راجيه أقصى ما يؤملونه بالتعجيل، وخاتمة كلام البلاغة وتمام الفصاحة الموقف عليه ذلك كله بالتّسجيل، وغرّة صفح دين الإسلام المؤيدة بالتّحجيل. وهذا هو مدبّر فلك الخلافة العالية بإيالته، وحافظ بدر سمائها السامية بهالته، فقرّي بالمثول بين يديه عينا، ولقد قضيت على الأيام بذلك دينا، وإذا قيل ما وسيلة مؤمّلك، وحاجة متوسّلك، فوسيلته تشيّعه في أهل ذلك المعنى، وحاجته يتكفّل بها مجدكم الصميم ويعنى، وليست تكون بحرمة جاهكم من العرض الأدنى، وتمنّ فإنّ للإنسان هنالك ما تمنّى، وتولّى تكليف مرسلي بحسب ما وسعكم، وأنتم الأعلون والله معكم. ثم اثن العنان، والله المستعان، وأعيدي السلام، ثم عودي بسلام.
وخاطب قاضي الحضرة، وقد أنكر عليه لباس ثوب أصفر:
أبقى الله المثابة العليّة ومثلها أعلى، وقدحها في المعلوّات المعلّى، ما لها أمرت لا زالت بركاتها تنثال، ولأمر ما يجب الامتثال، بتغيير ثوبي الفاقع اللون، وإحالته عن معتاده في الكون، وإلحاقه بالأسود الجون أصبغه حدادا وأيام سيدي أيام سرور، وبنو الزمان بعدله ضاحك ومسرور، ما هكذا شيمة البرور، بل لو استطعنا أن نزهو له كالميلاد، ونتزيّا في أيامه بزيّ الأعياد، ونرفل من المشروع في محبر وموروس، ونتجلّى في حلل العروس، حتى تقرّ عين سيدي بكتيبة دفاعه، وقيمة نوافله وإشفاعه، ففي علم سيدي الذي به الاهتداء، وبفضله الاقتداء، تفضيل الأصفر الفاقع، حيثما وقع من المواقع، فهو مهما حضر نزهة الحاضرين، وكفاه فاقع لونها تسرّ الناظرين.
ولقد اعتمّه جبريل عليه السلام، وبه تطرّز المحبرات والأعلام، وإنه لزيّ الظّرفاء، وشارة أهل الرّفاء، اللهمّ إلا إن كان سيدي دام له البقاء، وساعده الارتقاء، ينهي أهل التّبريز، عن مقاربة لون الذهب الإبريز، خيفة أن تميل له منهم ضريبة، فيزنّوا بريبة، فنعم إذا ونعمى عين، وسمعا وطاعة لهذا الأمر الهيّن اللّين، أتبعك لا زيدا وعمرا،
ولا أعصى لك أمرا، ثم لا ألبس بعدها إلّا طمرا، وأتجرّد لطاعتك تجريدا، وأسلك إليك فقيرا ومزيدا، ولا أتعرّض للسّخط بلبس شفيف أستنشق هباه، وألبس عباه، وأبرأ من لباس زي ينشئ عتابا، يلقى على لسان مثل هذا كتابا، وأتوب منه متابا، ولولا أني الليلة صفر اليدين، ومعتقل الدّين، لباكرت به من حانوت صبّاغ رأس خابية، وقاع مظلمة جابية، فأصيّره حالكا، ولا ألبسه حتى أستفتي فيه مالكا، ولعلي أجدّ فأرضي سيدي بالتّزييّ بشارته، والعمل بمقتضى إشارته، والله تعالى يبقيه للحسنات ينبّه عليها، ويومي بعمله وحظّه إليها، والسلام.
وخاطبني وقد قدم في شهادة المواريث بحضرة غرناطة: [السريع]
يا منتهى الغايات دامت لنا
…
غايتك القصوى بلا فوت
طلبت إحيائي بكم فانتهى
…
من قبله حالي إلى الموت
وحقّ ذاك «1» الجاه جاه العلا
…
لا متّ إلّا أن أتى وقتي «2»
مولاي الذي أتأذّى من جور الزمان بذمام جلاله، وأتعوّذ من نقص شهادة المواريث بتمام كماله، شهادة يأباها المعسر والحيّ، ويودّ أن لا يوافيه أجله عليها الحيّ، مناقضة لما العبد بسبيله، غير مربح قطميرها من قليله، فإن ظهر لمولاي إعفاء عبده، فمن عنده، والله تعالى يمتّع الجميع بدوام سعده، والسلام الكريم يختص بالطاهر من ذاته ومجده، ورحمة الله وبركاته. من عبد إنعامكم ابن الفصّال لطف الله به:[البسيط]
قد كنت أسترزق الأحياء ما رزقوا
…
شيئا ولا ما «3» وفوني بعض أقوات
فكيف حالي لمّا أن شكوتهم
…
رجعت أطلب قوتي عند أمواتي «4»
والسلام يعود على جناب مولاي، ورحمة الله وبركاته.
وخاطب أحد أصحابه، وقد استخفى لأمر قرف به، برسالة افتتحها بأبيات على حرف الصاد، أجابه المذكور عن ذلك بما نصّه، وفيه إشارة لغلط وقع في الإعراب:
[البسيط]
يا شعلة من ذكاء أرسلت شررا
…
إلى قريب من الأرجاء بعد قص
وشبهة حملت دعوى السّفاح على
…
فحل يليق به مضمونها وخص
رحماك بي فلقد جرّعتني غصصا
…
أثار تعريضها المكتوم من غصّ
بليتني بنكاة» القرح في كبدي
…
كمثل مرتجف المجذوم بالبرص
أيها الأخ الذي رقى ومسح، ثم فصح، وغشّ ونصح، ومزّق ثم نصح، وتلاهب بأطراف الكلام المشقّق فما أفصح، ما لسحّاتك ذات الجيد المنصوص، توهم سمة الودّ المرصوص، ثم تعدل إلى التأويلات عن النّصوص، وتؤنس على العموم، وتوحش على الخصوص، لا درّ درّه من باب برّ ضاع مفتاحه، وتأنيس حرّ سبق بالسجن استفتاحه، ومن الذي أنهى إلى أخي خبر ثقافي، ووثيقة تحبيسي وإيقافي، وقد أبى ذلك سعد فرعه باسق، وعزّ عقده متناسق. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
«2» ، بل المثوى والحمد لله جنّات وغرف، والمنتهى مجد وشرف، فإن كان وليّي مكترثا فيحقّ له السّرور، أو شامتا فلي الظّل وله الحرور. أنا لا أزنّ والحمد لله بها من هناه، ولما أدين بها من عزّي ومناه، ولا تمرّ لي ببال فلست بذي سيف ولست بنكال نفسي أرقّ شيمة، وأكرم مشيمة، وعيني أغزر ديمة، لو كان يسأل لسان عن إنسان، أو مجاولته بملعبه خوان، أوقفني إخوان لا بمأزق عدوان، لارتسمت منه بديوان، لا يغني في حرب عوان. عين هذا الشكل والحمد لله فراره، وعنوان هذا الحدّ غراره. وأما كوني من جملة الصّفرة، وممن أجهز سيدي الفقار على ذي الفقرة، فأقسم لو ضرب القتيل ببعض البقرة، لتعين مقدار تلك الغفرة.
اللهمّ لو كنت مثل سيدي ممن تتضاءل النخلة السّحوق لقامته، ويعترف عوج لديه بقماءته ودمامته، مقبل الظّعن كالبدور في سحاب الخدور، وخليفة السّيد الذي بلغت سراويله تندوة العدوّ الأيّد، لطلت بباع مديد، وساعدني الخلق بساعد شديد، وأنا لي جسم شحت، يحف به بخت، وحسب مثلي أن يعلم في ميدان هوى تسلّ فيه سيوف اللّحاظ، على ذوي الحفاظ، وتشرع سيوف القدود، إلى شكاة الصّدود، وتسطو أولو الجفون السّود بالأسود، فكيف أخشى تبعة تزلّ عن صفاتي، وتنافي صفاتي، ولا تطمع أسبابها في التفاتي، ولا تستعمل في حربها قنا ألفاتي. والله يشكر سيدي على اهتباله، ويحلّ كريم سباله، على ما ظهر لأجلي من شغف باله، إذ رفع ما ينصب، وغيّر ما لو غيّره الحجاج لكان مع الهيبة يحصب، ونكّت بأن نفقت بالحظ سوقي، وظهر لأجله فسوقي، ويا حبّذا هو من شفيع رفيع ووسيلة لا يخالفها الرّعي، ولا
يخيب لها السّعي. ولله درّ القائل: [الكامل]
لله بالإنسان في تعليمه
…
بوساطة القلم الكريم عنايه
فالخطّ خطّ والكتابة لم تزل
…
في الدهر عن معنى الكمال كنايه
وما أقرب، يا سيدي، هذه الدعوى لشهامتك، وكبر هامتك:[الكامل]
لو كنت حاضرهم بخندق بلج
…
ولحمل ما قد أبرموه فصال
لخصصت بالدعوى التي عمّوا بها
…
ولقيل: فصل جلاه الفصال
وتركت فرعون بن موسى عبرة
…
تتقدّ منه بسيفه الأوصال
فاحمد الله الذي نجّاك من حضور وليمتها، ولم تشهد يوم حليمتها. وأما اعتذارك عما يقلّ من تفقّد الكنز، ومنتطح العنز، فورع في سيدي أتمّ من أن يتّهم بغيبة، ولسانه أعفّ من أن ينسب إلى ريبة، لما اتّصل به من فضل ضريبة، ومقاصد في الخير غريبة، إنما يستخفّ سيدي أفرط التّهم، رمي العوامل بالتّهم، فيجري أصحّ مجرى أختها، ويلبسها ثياب تحتها، بحيث لا إثم يترتّب، ولا هو ممن تعتب «1» ، وعلى الرجال فجنايته عذبة الجنا، ومقاصده مستطرفة لفصح أو كنى. أبقاه الله رب نفاضة وجرادة، ولا أخلى مبرده القاطع من برادة، وعوّده الخير عادة، ولا أعدمه بركة وسعادة، بفضل الله. والسلام عليه من وليّه المستزيد من ورش وليه، لا بل من قلائد حليه، محمد بن فركون القرشي، ورحمة الله وبركاته.
فراجعه المترجم بما نصه، وقد اتّهم أن ذلك من إملائي:[البسيط]
يا ملبس النّصح ثوب الغشّ متّهما
…
يلوي النّصيحة عنه غير منتكص
وجاهلا باتخاذ الهزل مأدبة
…
أشدّ ما يتوقّى محمل الرّخص
نصحته فقصاني فانقلبت إلى
…
حال يغصّ بها من جملة الغصص
بالأمس أنكرت آيات القصاص له
…
واليوم يسمع فيه سورة القصص
ممّن استعرت يا بابليّ هذا السّحر، ولم تسكن بناصية السحر، ولا أعملت إلى بابل هاروت امتطاء ظهر، ومن أين جئت بقلائد ذلك النّحر؟ أمن البحر، أو مما وراء النهر؟ ما لمثل هذه الأريحيّة الفاتقة، استنشقنا مهبّك ولا قبل هذه البارقة الفائقة، استكثرنا غيّك، يا أيها الساحر ادع لنا ربّك. أأضغاث أحلام ما تريه الأقلام، أم في لحظة تلد الأيام فرائد الأعلام؟ لقد عهدت بربعك محسن دعابة، ما فرعت شعابه، أو
مصيبا في صبابة، ما قرعت بابه، ولا استرجعت قبل أن أعبر عبابه. اللهمّ إلّا أن تكون تلك الآيات البيّنات من بنات يراعتك، لا براعتك، ومغترس تلك الزّهر، الطالعة كالكواكب الزّهر، مختلس يد استطاعتك، لا زراعتك، وإلّا فنطّرح مصائد التعليم والإنشاء، وننتظر معنى قوله عز وجل يؤتي الحكمة من يشاء، أو نتوسّل في مقام الإلحاح والإلحاف، أن ننقل من غائلة الحسد إلى الإنصاف، وحسبي أن أطلعت بالحديقة الأنيقة، ووقفت من مثلى تلك الطّريقة على حقيقة، فألفيت بها بيانا، قد وضح تبيانا أو أطلق عنانا، ومحاسن وجدت إحسانا، فتمثّلت إنسانا، سرّح لسانا، وأجهد بنانا، إلّا أنّ صادح أيكتها يتململ في قيظ، ويكاد يتميّز من الغيظ، فيفيض ويغيض، ويهيض وينهض ثم يهيض، ويأخذ في طويل وعريض، بتسبيب وتعريض، ويتناهض في ذلك بغير مهيض، وفاتن كمائمها تسأل عن الصّادح، ويتلقّف عصا استعجاله ما يفكّه المادح، ويحرق بناره زند القادح، ويتعاطى من نفسه بالإعجاب، ويكاد ينادي من وراء حجاب، إن هذا لشيء عجاب. إيه بغير تمويه رجع الحديث الأول، إلى ما عليه المعوّل، لا درّ درّها من نصيحة غير صحيحة، ووصيّة مودّة صريحة، تعلقت بغير ذي قريحة، فهي استعجلتني بداهية كاتب، واستطالة ظالم عاتب، قد سلّ مرهفه، واستنجد مترفه، وجهّزها نحو كتيبته تسفر عن تحجيل، بغير تبجيل، وسحابة سجلّ ترمي بسجّيل، ما كان إلّا أن استقلّت، ورمتني بدائها وانسلّت، وألقت ما فيها وتخلّت، فحسبي الله تغلّب على فهمي، ورميت بسهمي، وقتلت بسلاحي، وأسكرت براحي، برئت برئت، مما به دهيت، أنت أبقاك الله لم تدن بها مني منالا وعزّا، فكيف بها تنسب إليّ بعدك وتعزى؟ نفسي التي هي أرقّ وأجدر بالمعالي وأحقّ، وشكلي أخفّ على القلوب وأدقّ، وشمائلي أملك فلا تسترق، ولساني هو الذي يسأل فلا يفلّ، وقدري يعزّ ويجلّ، عما فخرت أنت به من ملعب مائدة، ومجال رقاب متمايدة، فحاشى سيدي أن يقع منه بذلك مفخر، إلا أن يكون يلهو ويسخر، وموج بحره بالطّيّب والخبيث تزخر، وعين شكلي هي بحمد الله عين الظّرف، المشار إليه بالبنان والطّرف. وأما تعريض سيدي بصغر القامة، وتكبيره لغير إقامة، فمطّرد قول، ومدامة غول، وفريضة نشأ فيها عول، إذ لا مبالاة تجسم كائنا ما كان، أو ما سمعت أنّ السّر في السّكان، وإنما الجسد للرّوح مكان، ولم يبق إليه فقد يروح، وقد قال ويسألونك عن الرّوح، والمرء بقلبه ولسانه، لا بمستظهر عيانه، ولله درّ القائل:[الكامل]
لم يرضني أني بجسم هائل
…
والرّوح ما وفّت له أغراضه
ولقد رضيت بأنّ جسمي ناحل
…
والروح سابغة به فضفاضه
ولما وقّع سيدي بمكتوبي على المرفوع والمنصوب، وظفرت يده بالمغضوب، والباحث المعصوب، لم يقلها زلّة عالم، وإني وقد وجدتها منية حالم، فعدّد وأعاد، وشدّد وأشاد. هلّا عقل ما قال، وعلم أن المقيل سيكون مقال، وزلّة العالم لا تقال، وأن الحرب سجال، وقبضة غيره هو المتلاعب في الحجال؟ وبالجملة فلك الفضل يا سيدي ما اعتني بمعناك، وارتفع بين مغاني الكرام مغناك، فمدة ركوبك الحمران لا تجارى، ولا يشقّ أحد لك غبارا. أبقاك الله تحفظ عرى هذا الوداد، ويشمل الجميع بركة ذلك النّاد، والسلام عليك من ابن الفصّال، ورحمة الله وبركاته.
وجعلا إليّ التّحكيم، وفوّضا لنظري التّفضيل فكتبت:[البسيط]
بارك عليها بذكر الله من قصص
…
واذكر لها «1» ما أتى في سورة القصص
حيث اغتدى السّحر يلهو بالعقول وقد
…
أحال بين حؤول «2» كيده وعصي «3»
عقائل العقل والسحر الحلال قوت
…
من كافل الصّون بعد الكون جحر وصي «4»
وأقبلت تتهادى كالبدور إذا
…
بسحر من فلك النّذور في حصص
من للبدور وربّات الخدور بها
…
المثل غير مطيع والمثيل «5» عصي «6»
ما قرصة البدر والشّمس المنيرة أن
…
قيست بمن قاسها «7» من جملة القرض
تالله ما حكمها يوما بمنتقض
…
كلّا ولا بدرها يوما بمنتقص
إن قال حكمي فيها بالسّواد فقد
…
أمنت ما يحذر القاضي من الغصص
أو كنت أرخصت في التّرجيح مجتهدا
…
لم يقبل الورع الفتيا مع الرّخص
يا مدلج ليل التّرجيح، قف فقد خفيت الكواكب، ويا قاضي طرف التّحسين والتّقبيح، تسامت والحمد لله المناكب، ويا مستوكف خبر الوقيعة من وراء أقتام القيعة تصالحت المواكب. حصحص الحقّ فارتفع اللّجاج، وتعارضت الأدلّة فسقط الاحتجاج، ووضعت الحرب أوزارها فسكن العجاج، وطاب نحل الأقلام بأزهار الأحلام فطاب المجاج، وقلّ لفرعون البيان وإن تألّه، وبلّد العقول وبلّه، وولّى بالغرور ودلّه. أوسع الكنائن نثلا، ودونك أيّدا شثلا، وشحرا حثلا، لا خطما ولا أثلا. إن هذان لساحران إلى قوله: ويذهبا بطريقتكم المثلى وإن أثرت أدب الحليم، مع قصّة الكليم، فقل لمجمل جياد التّعاليم، وواضع جغرافيا الأقاليم، أندلسا ما علمت بلد الأجم، لا سود العجم، ومداحض السّقوط، على شوك قتاد القوط، ولم يذر إن محل ذات العجائب والأسرار التي تضرب إليها أباط النّجاب في غير الإقليم الأول، وهذا الوطن بشهادة القلب الحوّل، إنما هو رسم دارس ليس عليه من معوّل. فهنالك يتكلم الحق فيفصح ويعجم، ويرد المدد على النفوس الجريئة من مطالع الأضواء فيحدّث ويلهم، ويجود خازن الأمداد، على المتوسّل بوسيلة الاستعداد، فيقطع ويسهم. وأما إقليمنا الرابع والخامس، بعد أن تكافأت المناظر والملامس، وتناصف الليل الدّامس واليوم الشّامس، باعتدال ربيعي، ومجرى طبيعي، وذكيّ بليد، ومعاش وتوليد، وطريف في البداوة وتليد، ليس به برباه ولا هرم، يخدم بها درب محترم، ويشبّ لقرياته حرم، فيفيد روحانيا يتصرف، ورئيسا يتعرّض ويتعرّف، كلما استنزل صاب، وأعمل الانتصاب، وجلب المآرب وأذهب الأوصاب، وعلم الجواب، وفهم الصواب. ولو فرضنا هذه المدارك ذوات أمثال، أو مسبوقة بمثال، لتلقينا منشور القضاء بامتثال، لكنّا نخاف أن نميل بعض الميل، فنجني بذلك أبخس الجري وإرضاء الذّميل، ونجرّ تنازع الفهري مع الصّميل. فمن خيّر ميّز، ومن حكم أزري به وتهكّم، وما سلّ سيوف الخوارج، في الزمن الدّارج، إلّا التّحكيم، حتى جهل الحكيم، وخلع الخطام ونزع الشّكيم، وأضرّ بالخلق نافع، وذهب الطفل لجراه واليافع، وذم الذّمام وردّ الشّافع، وقطر سيف قطري، بكل نجيع طري، وزار الشّيب الأسد الهصور، وصلّت الغزالة بمسجد الثّقفي وهو محصور، وانتهبت المقاصير والقصور، إلّا أن مستأهل الوظيفة الشّرعية عند الضرورة يجبر، والمنتدب للبرّ محيي عند الله ويجبر، واجعلني على خزائن الأرض وهو الأوضح والأشهر، فيها به يستظهر. وأنا فإن حكمت على التّعجيل،